Yeni Sayfa 1
حوار مع د. مأمون فريز جرار
دأبت مجلة النور للدراسات الحضارية والفكرية على استضافة أعلام الفكر والأدب والدراسات الحضارية شرقا وغربا، وتأكيدا منها على التنوّع المعرفي والمنهجي، واستثمارا لتنوّع الروافد الفكرية للمحاوَرين، وإيمانا منها بتعدد مسالك التعرّف على رسائل النور، استضافت المجلة لقرائها الكرام أحد أعلام الأدب في البلاد العربية والإسلامية، ورائدا من رواد الأدب الإسلامي، الكاتب الأكاديمي الدكتور مأمون فريز جرار حفظه الله ورعاه ونفع به.
جرت العادة أن نستهل الحوار بالتعرّف على الضيف، فمن هو مأمون فريز جرار؟
بداية أشكركم على التفضل بإجراء هذا الحوار معي، سائلا الله تعالى أن يوفقنا جميعا إلى ما يحب ويرضى، وأن يجعلنا طلاب نور صادقين.
ولدت في غرة المحرم من العام الهجري 1369 الموافق 23/10/ 1949 في قرية صانور الواقعة بين جنين ونابلس في فلسطين المحتلة، وأتممت المرحلة الثانوية في مدينة جنين في عام النكسة 1967، وتوجهت بعد ذلك إلى مدينة عمان لإتمام الدراسة في الجامعة الأردنية مبتعثا على نفقة وزارة التربية والتعليم في منحة دراسية. حصلت على الشهادة الجامعية الأولى عام 1971 وبدأت العمل معلما في وزارة التربية والتعليم، وخلال ذلك حصلت على دبلوم التربية عام 1973 والماجستير في اللغة العربية وآدابها عام 1980 وبقيت في التعليم العام من عام 1971 حتى 1982، وفي عام 1982 انتقلت من الإمارات العربية التي عملت فيها سنتين إلى جامعة الملك سعود في الرياض محاضرا في قسم اللغة العربية، وسجلت خلال ذلك لنيل الدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض. وحصلت عليها عام 1987. غادرت السعودية عام 1990، وبقيت في العمل الجامعي حتى عام 2010 حيث تفرغت لدار المأمون للنشر والتوزيع التي أنشأتها عام 2005، ولخدمة رسائل النور.
خلال رحلة العمر كان لي نشاط كتابي مبكر في الصحف وفي نظم الشعر، وفي تقديم برامج إذاعية والمشاركة في برامج تلفزيونية، وكان حصاد رحلة القلم أكثر من خمسة وعشرين كتابا في الأدب العربي والفكر الإسلامي، وكانت لي مشاركات في عدد من المؤتمرات العلمية، والانتساب إلى عدد من المؤسسات الفكرية والأدبية، ومنها رابطة الأدب الإسلامي وجمعية الدراسات والبحوث في الأردن، والجمعية الأردنية لإعجاز القرآن والسنة.
لا شك أنّك تعرّفت على الفكر الإصلاحي في مقتبل العمر، كيف كان ذلك؟ وما أبرز المدارس التي تعرّفت عليها؟
من فضل الله عليّ أنّه أتاح لي الاتصال بعدد من مدارس الفكر الإصلاحي الإسلامي، وأولها: جماعة الإخوان المسلمين، فقد كان والدي رحمه الله منتميا إلى هذه الجماعة وعضوا في مجالسها القيادية في الأردن، وكذلك عمي مفتي جنين الشيخ توفيق جرار –رحمه الله–، وقد أتاح لي هذا الاتصال الاطلاع على كثير من كتب الفكر الإسلامي في وقت مبكر من عمري، فاطلعت على رسائل الإمام حسن البنا وكتب سيد قطب ومحمد قطب وأبي الأعلى المودودي، كما اطلعت على مجموعة من المجلات الإسلامية ومنها: "المسلمون" التي كان يصدرها الدكتور سعيد رمضان، وجريدة المجتمع ثم الشهاب اللبنانيتين ومجلة المجتمع الكويتية ولواء الإسلام والأزهر المصريتين، وغيرها.
بقيت علاقتي التنظيمية مع الإخوان إلى عام 1974 ثم كانت لي جولات مع مدارس فكرية أخرى منها: السلفية، وذلك من خلال الصلة مع الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، الذي كان مقيما في سورية وكان يتردد على الأردن وكان له أتباع من بعض أفراد الإخوان المسلمين في مدينة الزرقاء، وحضرت له عددا من اللقاءات، واشتدت العلاقة بعد استقراره في الأردن حيث تزوج قريبة لزوجتي.
وكانت لي صلة كذلك مع الصوفية حيث انتسبت إلى الطريقة الدرقاوية مدّة من الزمن.
وكانت لي صلة وجولات مع جماعة الدعوة والتبليغ، وقد خرجت معهم مدة من الزمن.
هذا التجوال بين الجماعات الإسلامية ولّد لديّ وعيا باتجاهات الإصلاح المعاصرة، وجعل لدي نوعا من التسامح والانفتاح والحب لدعاة الإسلام على تنوع اجتهاداتهم، والإيمان بأنّ الساحة الإسلامية تحتمل التعدد في مشاريع الإصلاح، وعلى الدعاة أن يسلموا بذلك ويتخذوا منهج التساند والتعاون لا التخاصم والتدابر، فلن يستطيعوا أن يضعوا الناس جميعا في قالب واحد. وقد حط رحالي أخيرا ومنذ سنوات في ركاب رسائل النور، أسأل الله القبول والسداد.
كيف تعرّفتم على رسائل النور؟ ومتى كان ذلك؟
أشعر أنني قد تأخرت كثيرا في الانضمام إلى قافلة النور، ولكن لكل أجل كتاب، فقد فاتني حضور المؤتمرات الدولية التي عقدت في إسطنبول حول رسائل النور، وما يتيح ذلك الحضور من زيادة معرفة بالرسائل من خلال مرايا من سبقوني إليها، ومن خلال الاتصال المباشر بهم، ولكن أحمد الله أني أتيت ولو متأخرا! وفاتني لقاء طلبة الأستاذ النورسي قبل أن يدخلوا مرحلة الشيخوخة.
كنت أقرأ في جريدة الشهاب اللبنانية تقارير عن الحركة الإسلامية في تركيا وعن طلاب النور، لكن الصورة بقيت غائمة، وحضرت مؤتمرا عن رسائل النور عقد في عمان عام 1997 وحضره باحثون من تركيا وغيرها، ولا أدري لماذا لم يولّد لدي ذلك المؤتمر الشوق إلى رسائل النور، وذكرياتي عن ذلك المؤتمر تأتي من جب عميق! وأذكر أنّ الأستاذ إحسان قاسم الصالحي، بارك الله فيه، أهداني بعض الرسائل الصغيرة وأقول بصراحة إنها لم تشدني ولم أكمل قراءتها، وأذكر أنّ منها رسالة الطبيعة! يبدو أنني لم أكن يومها مؤهلا للدخول إلى عالم النور، ومضت الأيام، ولقيت الأستاذ إحسان في المغرب في أكثر من لقاء حول الأدب الإسلامي، ولقيته في عمان في زيارة له في بيت الدكتور أحمد شكري، ولم أكن قد اقتربت من الرسائل ولم أكتشفها، لكن تلك اللقاءات كانت تمثل خيطا من التواصل نما من بعد بفضل الله حتى صار عروة وثقى!
ومما زادني معرفة برسائل النور حضور الدكتور عبد الحليم عويس رحمه الله إلى الأردن أستاذا زائرا في جامعة اليرموك، وكانت صلتي به قديمة من خلال رابطة الأدب الإسلامي، وكانت معرفتي به في السعودية حيث كان هو في جامعة الإمام وكنت في جامعة الملك سعود، وكانت اجتماعات الرابطة الدورية واجتماعات مجلس الأمناء تجمعنا، والدكتور عبد الحليم عويس خبير برسائل النور وعلى صلة بطلابها من قديم، كما كانت له صلة بطلبة الأستاذ فتح الله كولن، وعند حضوره إلى الأردن عرفني على بعض الإخوة من طلبة الأستاذ فتح الله، وكنا نلتقي معهم لقاء دوريا نقرأ فيه رسائل النور، وامتد اللقاء سنوات، ولم أكن أعرف فرقا بين الجماعتين، بل كنت أعلم أنهم من طلاب النور حتى سنوات تلت بدأت فيها أقرأ للأستاذ فتح الله وبدأت بعض كتبه تقرأ في اللقاء إلى جانب الرسائل، هذا اللقاء الدوري قربني من رسائل النور وفتح لي بعض آفاقها. وفي عام 2006 حضرت ندوة في رابطة الأدب الإسلامي في القاهرة حول رسائل النور والتصوف، ويومها قلت للأستاذ إحسان: سأوفر رسائل النور في دار المأمون للنشر والتوزيع ليطلع عليها القراء في الأردن، فأجابني جوابا كان الشرارة التي أوقدت لدي الشوق إلى رسائل النور، والرغبة في قراءتها، قال: ذلك لا يكفي، نريدك أن تقرأ الرسائل وأن تكتب عنها. وبدأت المشوار من يومها فقد بدأت القراءة، وقدمت برنامجا إذاعيا في إذاعة حياة إف إم كان مختارات من رسائل النور. وبدأت الكتابة عن رسائل النور في مقالي الأسبوعي في جريدة الدستور الأردنية، فاختصرت السيرة الذاتية لتعريف القراء بالأستاذ النورسي رحمه الله، وبدأت بكتابة مقالات من وحي رسائل النور، وقدمت من بعد برنامجا بعنوان: طريق النور كان مضمونه مستوحى من الرسائل، واستمر عدة دورات إذاعية في إذاعة القرآن الكريم التابعة لإذاعة المملكة الأردنية الهاشمية. وشاركت بعد ذلك في عام 2009 في مؤتمر عن رسائل النور في القاهرة ببحث أعددته.
وأقول إن معرفتي الحقيقية بالرسائل بدأت عام 2011، ففي هذه السنة يسّر الله لي حضور ندوة الأكاديميين الشباب في إسطنبول، كما يسر لي حضور لقاء "المشورة" في أنقرة الذي يجتمع فيه "الأوقاف" من طلاب النور من أنحاء العالم ليستعرضوا واقع الدعوة ويتشاوروا في أساليب نشرها، وزرت بعد اللقاء بارلا وإسبارطة وقونية، وكان ذلك كله فرصة للاقتراب من رسائل النور وطلبتها والعيش في "مدارسها" وذلك ما لم يتح لي من قبل. واشتدّت الصلة بعد ذلك وبدأت الصورة بالتجلي شيئا فشيئا مع مشاركتي في ندوة الأكاديميين ومع حضوري دورات رسائل النور التي يعقدها الأستاذ إحسان قاسم الصالحي في مؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم ويحضرها محبو الرسائل من بلاد شتى، وللإخوة الكرد من شمال العراق قصب السبق في هذا المجال. وفي كل مرّة أزور فيها تركيا أزداد معرفة برسائل النور وطلبة النور.
نظرا لاشتغالكم الأكاديمي بالأدب الإسلامي، هل من صلة لرسائل النور بالأدب الإسلامي؟
صلتي بالأدب الإسلامي ذات وجوه، فمن فضل الله أنني نظمت الشعر لسنوات طويلة، وكنت ممن ورد ذكرهم في الطبعة الأولى من كتاب: شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، للأستاذين: أحمد الجدع وحسني جرار، وكان لي اهتمام مبكر بالأدب الإسلامي دراسة وكتابة، ثم لما أنشئت رابطة الأدب الإسلامي كنت من الذين بادروا إلى الاشتراك فيها، وصرت في مرحلة من وجودي في الرياض عضوا في مكتب البلاد العربية "المسؤول عن مكاتب الرابطة في العالم العربي" وعضوا في مجلس الأمناء، ثم عند عودتي من السعودية إلى الأردن توليت رئاسة المكتب الإقليمي للرابطة في الأردن من عام 1995 حتى عام 2005، ولم يكن طول المدة برغبة مني أو لحرص على المنصب بل كان ذلك بسبب ضغط من إخوتي أعضاء الرابطة في الأردن.
وفي شأن الصلة بين رسائل النور والأدب الإسلامي أقول مطمئنا إنّ رسائل النور سبقت منظري الأدب الإسلامي المعاصرين ووضعت ملامح الأدب الإسلامي في وقت مبكر، ووجدنا الأستاذ النورسي بذوقه العالي وقدرته النقدية المتميزة يوازن بين أدب القرآن وأدب أوربا، ويضع في هذه الموازنة أسس الأدب الإسلامي، وقد كتب صديقنا الدكتور حسن الأمراني في هذا المجال، لكن المجال مايزال مفتوحا للبحث عن نظرية الأدب الإسلامي في رسائل النور، وما كتبه الأستاذ النورسي في اللغة العربية يدلّ على قدرة هائلة في اللغة العربية أداء وفهما وبعض نصوصه العربية يحلق فيها إلى آفاق من التصوير والتعبير والتفكير تجعلنا نقدمها نموذجا راقيا للأدب الإسلامي رؤية وأداء.
ما أبرز ما استوقفكم في رسائل النور، من حيث مضمونها العام، وموضوعاتها ومنهجها العام؟
ألخص ما شعرت به من صلتي برسائل النور في جملة مختصرة:
تدهشك، تشدك، تؤثر فيك!
الذي يقرأ رسائل النور بوعي وإقبال عليها يشعر لا محالة أنّه أمام شيء مختلف عمّا أَلِفَه في كتب الفكر الإسلامي أو كتب التزكية والسلوك. إنّها ليست ثمرة بحث وتفكير عقلي بحت، ليست مما هو مألوف في كثير من الكتب الإسلامية من كونها مؤلفات في موضوع محدد يراد به تحقيق هدف علمي بحثي محدد! إنها شيء مختلف.
إنّها تغوص بك في أعماق الذرات، وتحلق بك في آفاق المجرات، تحملك على أجنحة التفكر لتطوف بك في كل شيء وتفتح لك نافذة تدلك على الله في كل شيء.
تخاطب عقلك فتجدك في أدق حالات التنبه والوعي، وتخاطب قلبك فتجدك في أجمل لحظات الخشوع والوجد!
تجد نفسك مع الله في كل حال وشأن ولمحة وطرفة عين وأنت تعيش في أنوار رسائل النور!
رسائل النور تلامس ما في الإنسان من اللطائف التي تعرف ربها بالفطرة منذ استمعت إلى النداء الرباني: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾.الأَعْرَاف:172
روعة رسائل النور، أنّها لا تدخلك في زاوية أو تكية، بل تحوّل الكون كلّه من حولك إلى زاوية! ليس المنشدون فيها من أصحاب الصوت الجميل من البشر بل فيها إنشاد الطيور التي علم كل منها صلاته وتسبيحه، وإنشاد الهواء بدرجات هبوبه، وإنشاد الأشجار بحفيف أوراقها، وإنشاد السماء بأصوات رعودها، وتلألؤ نجومها، بل إنّك تحسّ وأنت تمر على الأشجار وتسلم عليها أنها ترد عليك السلام، بل نصل إلى الدرجة التي تفتح لنا فيها رسائل النور النوافذ الحسية التي تجعلنا نسمع تسبيح كل شيء؟
رسائل النور كما هو متعارف عليه رسائل في الإيمان، في الفقه الأكبر الذي يكشف لغز الوجود ويجيب عن الأسئلة الأساسية في حياة الإنسان: من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ والإيمان كالروح في الجسد والعافية في البدن والدم للإنسان والشمس للأرض. فإذا وجد الإيمان وجد كل خير وإذا فقد الإيمان فقد كل خير. رسائل النور تحدثك عن الله تعالى حديثا نديا ليس فيه جفاف أسلوب علم الكلام القديم، فتجليات الأسماء الحسنى تتجلى لك في آثارها التي تلمسها في كل ما حولك. وانظر إن شئت حديث الأستاذ النورسي عن اسم الله الأعظم الذي يرى أنه مكون من الأسماء الستة: فَرْدٌ حيٌّ قيوم حكم عدل قدوس، إنّ حديثه يقرّب لك تجليات الأسماء الحسنى وتلمسها بحواسك إلى جانب عقلك وقلبك. وانظر كيف يحدّثك عن الشخصية المعنوية للرسول r، وقارنها بالسيرة التاريخية التي تجدها في كتب السيرة لتجد التاريخ في جانب وتجد الشخصية الحية في الجانب الآخر.
وانظر كيف يحدثّك عن الآخرة عن البعث والحشر، وانظر كيف تتجلى لك أدلة البعث وتجلياته فيما حولك من الأدلة التي تجعل البعث والحشر يقينا لا ريب فيه.
وهكذا تجد نفسك في رسائل النور أمام كتاب لا يشبهه ما تعرف من قبل من الكتب، فتجد في قلبك ما يقول لك: إن في هذه الرسائل علما لدنيا أكرم به الله الأستاذ النورسي، وذلك حين وحد القبلة واتخذ القرآن الكريم مرشدا فأفاض عليه القرآن الكريم من أنواره رشحات إعجاز، وتفسيرا يقرب حقائق القرآن إلى القلوب والعقول.
سيدي الكريم، لو تكرّمتم بتعريفنا بما كتبتم عن النورسي من مقالات وكتب وفق ترتيبها التاريخي، وتعليقها على هذا الترتيب.
بدأت كتابة سلسلة مقالات عن رسائل النور منذ عام 2006 في جريدة الدستور الأردنية وما زلت أكتب عنها، وقد جمعت بعض تلك المقالات في كتاب: في ظلال رسائل النور الذي طبع في عام 2012، كما جمعت ما سبق أن كتبته من مقالات مستمدة من السيرة الذاتية للأستاذ النورسي رحمه الله ونشرتها في كتاب بعنوان: بديع الزمان سعيد النورسي: ملامح صورة وسيرة. والكتابان صدرا عن دار المأمون للنشر والتوزيع في عمان. واعتدت أن أكتب دراسة أو بحثا في كل ندوة من ندوات الأكاديميين أشارك فيها، كما أنّني شاركت في عام 2013 في مؤتمرات حول رسائل النور في الهند ومصر وأعددت عددا من البحوث لتلك المؤتمرات، ولعلي أجمعها بإذن الله قريبا في كتاب بعنوان: دراسات في رسائل النور.
ومن عناوين هذه البحوث التي أعددت لمؤتمري الهند: النورسي والحداثة، والنورسي رجل السلام. ومن بحوث مصر: العمل الإيجابي ومنزلته في دعوة النور ومستقبل العالم الإسلامي في رسائل النور "الخطبة الشامية نموذجا". وآخر هذه البحوث ما قدمته في ندوة الأكاديميين عام 2013 بعنوان: صورة الموت في رسائل النور. ومنذ سنتين بدأت سلسلة مقالات بعنوان: اللؤلؤ والمرجان من حكم بديع الزمان سعيد النورسي، وانتهيت من كتاب الكلمات من مدة قصيرة وبدأت بالمكتوبات وسأصدر الجزء الأول من اللؤلؤ والمرجان المستخلص من الكلمات قريبا بإذن الله.
ما أهمية الدراسة التدبرية لرسائل النور بالنسبة للفرد والمجتمع والأمة والإنسانية؟
لا تتحقق الفائدة المنشودة في رسائل النور من غير القراءة التدبرية، فالقراءة السريعة أشبه بإيصال جهاز الهاتف النقال بالشاحن لمدة قصيرة لا يؤدي إلى شحن حقيقي، وكالنظرة الشمولية التي تعطي معرفة عمومية لكنها تخفي كثيرا من الحقائق التي لا تنال بغير التفحص الدقيق والتفكير العميق.
هذه القراءة التدبرية تملأ قلب الإنسان الفرد نورا ورضى، وتملأ عقله يقينا لأنها تصل به إلى الإيمان التحقيقي الذي لا يجعل لريب أو شك مجالا أو منفذا. وكم نجد من المسلمين من يقيم دينه على ظن أو شبه يقين، فلا يسلم من الخلخلة والزلزلة، فهو يقين أقرب إلى الشك، فمن قرأ رسائل النور وتدبّرها اختلف حاله وتغير أمره، وصار إيمانه تحقيقيا يقينيا.
وأما المجتمع فالقراءة التدبرية تسهم في تغيير العلاقات الاجتماعية، وتقيم مجتمعا برؤية إيمانية، تعيد إنتاج مجتمع الصحابة y، فمن ثمرات القراءة التدبرية إحياء روح الأخوة الإيمانية، وإعادة ترتيب العلاقة بين الإنسان والمال، وكيفية إنفاقه، يصبح المال وسيلة وأداة وليس غاية، بل يعيد ترتيب العلاقات الاجتماعية من خلال الرؤية الإيمانية أولا ومن خلال التوجيهات التي تلامس القلب والعقل في شبكة العلاقات الاجتماعية. وَمنْ نظر في التجربة التركية لطلاب النور وجد نفسه أمام صورة جديدة لمجتمع إسلامي متكافل، تقوم العلاقة فيه على أساس الإيمان، وهي ثمرة التلقي من رسائل النور تقدم لمن يطلب النموذج.
وأما حاجة الأمة إلى القراءة التدبرية فإن أمة الإسلام قامت على أساس الإيمان ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.الْحُجُرَات:10 ورسائل النور بإحياء الإيمان في القلوب تعيد إحياء الأساس الذي قامت عليه الأمة، ومن غير الإيمان تتحول إلى شعوب وقبائل متناحرة متدابرة تغلب رابطة الدنيا على رابطة الإيمان. فإذا انتشرت رسائل النور بين أمة الإسلام وتدبروها فإن فجرا جديدا لهذه الأمة يؤذن بالبزوغ بإذن الله لأنها ستحقق ما تحدث عنه الأستاذ النورسي رحمه الله من الاتحاد الإسلامي.
علمنا منكم التسجيل الصوتي لكثير من رسائل النور، متى كانت الفكرة، وكيف؟
أشكر الله تعالى الذي أعانني على تسجيل رسائل النور كلها إلا شيئا قليلا وهي: رسائل المنطق في صيقل الإسلام، وبعض مرافعات المحامين في سيرة ذاتية، وأسأل الله تعالى أن يرزقني الإخلاص وقبول العمل. بدأت صلتي بتسجيل الرسائل في إذاعة حياة إف إم في الأردن عام 2006 على ما أذكر حيث سجلت مختارات من الرسائل امتدت لدورة إذاعية كاملة أي حوالي ثلاثة أشهر، وقد كان لذلك التسجيل صدى طيب لدى من سمعه، مما شجعني على التفكير في تسجيل الرسائل، وقد حان الوقت يوم شاركت في مؤتمر عن رسائل النور في القاهرة عقد بالتعاون بين رابطة الأدب الإسلامي ودار سوزلر للنشر في القاهرة عام 2009، وقد ألهمني الله تعالى في الجلسة الختامية للمؤتمر أن أدعو الدعاء الآتي: "اللهم كما يسرت لإحسان قاسم الصالحي ترجمة رسائل النور إلى العربية يسر لي تسجيلها بصوتي".
وكان من الحضور إخوة أتراك كثيرون، وأمّن الحاضرون على الدعاء، ولعل منهم من كان مستجاب الدعوة فحقق الله لي الأمر، وذلك بإشراف الأخ عبد الكريم بايبارا مدير دار سوزلر للنشر في القاهرة التي تبنت الأمر وموّلت كلفة التسجيل الذي تم في مؤسسة روافد النور للإنتاج الفني في عمان. وقد يسّر الله تعالى إتمامه في حدود سنة ونصف. وقد صدرت النسخة الأولى من التسجيل في قرص "ديفيدي" واحد، ووضع التسجيل على موقع خاص على الإنترنت: www.nur.org/ar
وقد لاحظت أن المعالجة الفنية للتسجيل أضاعت محتوى بعض الملفات أو نقصت منه، والآن هناك إعادة للمعالجة الفنية لتلافي ما سقط من النسخة الأولى الذي يبلغ تسع ساعات من التسجيل وسيكون الإصدار الجديد في قرصي "ديفيدي" حرصا على نقاء الصوت.
ومما يستحق الإشارة أن التسجيل لم تصاحبه متابعة من مدقق أو مراقب للتسجيل في الاستوديو لتلافي السقطات أو الهفوات التي تحدث أثناء التسجيل، وكنت أرجو ذلك، كما لم يتبعه تدقيق ومراجعة لتلافي تلك الأخطاء في مصر، حيث كنت أتوقع أن تقوم لجنة مختصة بالمراجعة، فوقعت في التسجيل أخطاء يستغرب صدورها مني، ويبدو أن الذهن يولد أحيانا تركيبا يخالف المنطوق فيه المكتوب، وأنا على استعداد لتعديل ما يمكن تعديله أو إعادة ما يحتاج إلى تسجيل جديد. فتسجيل الرسائل عندي أهم من كثير مما أنجزته في حياتي، وأرجو أن يكون من الأجر الباقي الممتد ما بقيت الرسائل تسمع، ولله الحمد أولا وآخرا.
لا شك أنّ للتسجيل الصوتي لرسائل النور سحرا لا ينكر، ما الذي استوقفك في تسجيلها؟
أريد أن أبوح بأمر يتعلق بالتسجيل هو أنني يوم بدأت التسجيل لم أكن أتممت قراءة الرسائل كاملة، وربما لم تتجاوز قراءتي الكلمات والمكتوبات، وكنت أدخل الاستوديو من غير تحضير مسبق لما سيتم تسجيله، فلم يكن لدي من الوقت ما ييسر ذلك، فقد كنت عند بدء التسجيل مستمرا في العمل الجامعي ولدي متابعة دار المأمون للنشر. ومن فضل الله تعالى كنت أحس بالتسديد في القراءة وأستغفر الله من كل خطأ جرى على لساني من غير قصد. وكنت أتفاعل مع ما أقرأ، وإن كان في بعض المقاطع شيء من آثار التعب فلدي حساسية في الصدر، وأعاني من تهيّج في الحلق كانت تظهر آثاره في التسجيل، وكنت أحيانا أوقف التسجيل حتى يعتدل الصوت. ومن المقاطع التي تفاعلت معها إلى حدّ البكاء في السيرة الذاتية موقف عودة الأستاذ النورسي رحمه الله إلى بارلا بعد سنين من مغادرته لها، وتركت التسجيل كما هو شاهدا على التفاعل والانفعال. التسجيل الصوتي ييسر التواصل مع النص وخصوصا وأنت في السيارة أو المكتب ويدخلك في عالم النص ربما بطريقة لا تتيحها القراءة الورقية، كما يمكن استخدامه ضمن الوسائل الحديثة في الإنترنت والإذاعة والتلفزيون وغير ذلك.
ما درجة تجاوب المستمعين بالتسجيل الصوتي لرسائل النور؟
ربما يحتاج الجواب إلى استطلاع للمستمعين أنفسهم، ولكن من فضل الله أنني أجد في كل لقاء له علاقة برسائل النور من يحدثني عن ذلك التسجيل واستفادته منه، أجد ذلك من بعض الإخوة الأوقاف المنتشرين في أنحاء العالم، ووجدته من أساتذة كرام من طلاب النور في تركيا الذين قال لي أكثر من واحد منهم بأنني أصحبه على مدار الأسبوع وهو يستمع إلى التسجيل، كما أن بعض الإذاعات أخذت تبث مقاطع من التسجيل، أخبرت أنّ ذلك وقع في ساحل العاج وفي كردستان العراق. وأشير هنا إلى جهد طيب قامت به ابنتي وفاء بإعداد أفلام شملت حتى الآن الكلمات الست الأولى من كتاب الكلمات دمجت فيها التسجيل الصوتي مع مشاهد ذات صلة بالمضمون باستخدام البوربوينت وافتتحت قناة على اليوتيوب، وهذه الطريقة مفيدة جدا وتقرب المعاني من خلال المشاهد المصاحبة، وهذا هو رابط القناة: saidalnorsee
ما تقييمك لتجربة التسجيل الصوتي لرسائل النور؟
تجربة أحمد الله أن أعان عليها ويسرها على ما فيها من النواقص، وأنا كما قلت من قبل على استعداد لإعادة التجربة ربما بصورة أكثر إتقانا إنْ يَسَّر الله تعالى الظروف التي تعين على ذلك.
شهدنا حضوركم لقاء الأكاديميين الشباب المهتمين بدراسة رسائل النور، ما تقييمك لتجربة اللقاء مع الأكاديميين الشباب.
بدأ حضوري لقاء الأكاديميين من اللقاء الثالث عام 2011، وأذكر أنّ ذلك اللقاء كان أكثرها "حزما" إلى درجة أحس فيها الباحثون بقسوة الأساتذة عليهم، وتلك القسوة هي قسوة المحب:
فَقَسا لِتَزدَجِروا وَمَن يَكُ حازِماً فَليَقسُ أَحياناً وَحيناً يَرحَمُ
وكانت الندوة الرابعة في عام 2012 دون ما كان في الندوة الثالثة، ربما غلب عليها الود والحنان أكثر من الحزم العلمي، واللقاء الخامس 3013 كان وسطا بين اللقاءين!
وهذه اللقاءات مفيدة، وتكون أكثر فائدة لمن هم في المرحلة الأولى من الدراسة، أولئك الذين يمكنهم أن يعدلوا الخطط ويعيدوا النظر فيها، وقد وجدت في اللقاءات الثلاث من يأتي وقد استكمل أو كاد رسالته، مما يجعل استفادته من الندوة بعيدة المنال. وقد أعجبني في اللقاء الخامس التنبه إلى ضرورة أن يواكب الجهد الأكاديمي في توجيه الباحثين في الرسائل جهد آخر يربط الباحثين بالرسائل ليرقى بهم من باحثين فيها إلى طلاب للنور، وهذا أمر ألححت عليه في الندوتين الثالثة والرابعة، كما أن عقد اللقاء الخامس في المؤسسة في إسطنبول وفي بورصة أبعد المشاركين عن الأجواء غير الشرعية في الفنادق، مما كان يسوء بعض المشاركين لما يرونه من مخالفات من نزلاء الفندق أو زواره.
بيّن لنا تجاوب الأكاديميين عموما والشباب منهم على الخصوص مع رسائل النور؟ وما درجة حضورها في البحوث الأكاديمية في الأردن الشقيق؟
ما يحزنني وأنا أنظر في علاقة بعض الأكاديميين برسائل النور، وأخشى أنْ أقول إنّ كثيرا منهم يشملهم قولي أنه يتعامل مع رسائل النور تعاملا "استشراقيا" أو أكاديميا، فبعض من أعرف ممن شاركوا في المؤتمرات العلمية يكون هدف بعضهم أن يضيف إلى سجله الأكاديمي مشاركة جديدة وبحثا جديدا، أقول هذا وأنا أنظر في واقع عدد ممن شاركوا من الأردن في مؤتمرات رسائل النور الكبرى التي تعقد كل ثلاث سنوات، لم أجد منهم تقدّما نحو رسائل النور، أو سعيا ليكونوا طلاب نور، وهذا يجعلني أتساءل: إن كانوا قد اكتشفوا حقيقة الرسائل أم أنهم ما زالوا محجوبين عن أنوارها؟!! لرسائل النور في بعض الجامعات الأردنية حضور محدود، فقد أنجزت بعض الرسائل في جامعة آل البيت وفي الجامعة العالمية الإسلامية، وسبب قلة الحضور أن أكثر الأكاديميين في الأردن لم يكتشفوا الرسائل بعد، وتلك مسؤولية كبيرة نسأل الله أن يعين عليها.
نصيحة للأكاديميين الشباب؟
أقول لهم موجزا: من فضل الله عليكم أن يسر لكم أن تكونوا باحثين في رسائل النور، والشهادة أو الدرجة العلمية ستحصلون عليها، وستكون زادا لكم في الدنيا، وأهم من ذلك أن تكونوا طلاب نور تتعاملون مع الرسائل تعامل طالب الحق والهداية، وبذلك تنالون خير الدنيا والآخرة بإذن الله.
* * *
Primary Language | Arabic |
---|---|
Journal Section | ARTICLES |
Authors | |
Publication Date | December 1, 2013 |
Published in Issue | Year 2013 Volume: 8 Issue: 8 |