BibTex RIS Cite

حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم - An Interview with Professor Abderezak Guessoum

Year 2010, Volume: 1 Issue: 1, 164 - 173, 01.06.2010

Abstract

حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم
استهلال من الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم:
السادة الأساتذة القائمين على مجلة "النور للدراسات" المحكمة، أحييكم بتحية الإسلام، داعيا لمولودكم الجديد، بالازدهار، في ظل النور الإسلامي الهادي، وفي كنف الفكر الإسلامي، الملتزم بالموضوعية العلمية، والقيم الإنسانية القائمة على الخلق الإسلامي القويم...
أما بعد، فأعرب في البداية عن سعادتي الكبرى، لاختياري ضيفا على صفحات مجلتكم الغراء، داعيا الله، العلي القدير، أن يمدكم بعونه، وتوفيقه، وأن يجعلني في مستوى الثقة التي وضعتموها في شخصي المتواضع، مقدما إليكم أجوبتي على الأسئلة:
س1: الأستاذ الدكتور عبد الرزاق، في البداية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
تتشرف مجلة "نور للدراسات" المحكّمة أن تستضيفكم في عددها الأول، خاصة وقد عُرِف عن سيادتكم المساهمات المشهودة في البحث العلمي والثقافي عموما، سيدي في مستهل الحوار، نريد أن تعرفنا بمساركم العلمي والإداري والثقافي والاجتماعي عموما؟
ج: أقول، وبالله التوفيق، إن مساري العلمي عموما، يتمثل بكل تواضع في ما يلي:
حفظت القرآن الكريم في طفولتي الأولى وعمري لم يتجاوز سن الحادية عشرة، بمسقط رأسي بمدينة المغير ولاية الوادي بالجنوب الجزائري، وفي الوقت نفسه كنت منخرطا في المدرسة العربية الحرة التي كانت تشرف عليها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المناهضة للاستعمار، كما كنت أيضا، أزاول التعلم الإجباري في المدرسة الفرنسية الرسمية، وللقارئ الكريم أن يدرك صعوبة التوفيق بين ثلاثة أنواع من التكوين كل منها يتطلب جهدا خاصا، واستعدادا معينا.
بعد إتمام حفظي للقرآن الكريم، والدراسة الابتدائية بالعربية والفرنسية، أرسلني والدي إلى معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، حيث حصلت على الشهادة الأهلية، ثم انتقلت إلى جامع الزيتونة بتونس لاستكمال دراستي، وحدث يومها أن اخترت أن أذهب إلى المشرق العربي ضمن البعثة العلمية التي تشرف عليها جمعية العلماء، غير أن اندلاع الثورة الجزائرية المباركة، حال دون ذلك، إذ رفض طلبنا للحصول على جواز السفر من الإدارة الفرنسية المستعمرة. فتوجهت إلى مدينة الجزائر العاصمة، حيث انخرطت في سلك الثورة ضمن العمل الثوري المدني، وقد نالني وأسرتي، من التشريد والاعتقال، والتعذيب، ما نحتسب أمره إلى الله، إلى جانب انخراطي في مدرسة كانت تعرف باسم "المدرسة السنية" تحت إشراف جمعية العلماء.
عند استقلال الجزائر، استأنفت دراستي في الجامعة، فأعددت شهادة الكفاءة العلمية للتدريس من جامعة الجزائر، ثم أعددت شهادة الليسانس في الترجمة من نفس C.A.P.E.Sفي الثانوي الجامعة، ثم شهادة الليسانس في الفلسفة بجامعة الجزائر دائما، فدبلوم الدراسات العليا في الفلسفة من نفس الجامعة، وكان موضوع الرسالة: عبد الرحمن الثعالبي [ المفسر الجزائري] والتصوف.
بعد ذلك انتقلت إلى مصر، حيث أعددت شهادة الماجستير في الفلسفة من جامعة القاهرة في موضوع: "مفهوم الزمن في فلسفة أبي الوليد بن رشد" تحت إشراف كل من المغفور له بإذن الله الدكتور أبوالوفاء التفتزاني، والأستاذ الدكتور محمد عاطف العرافي، أطال الله عمره.
بعد مصر انتقلت إلى فرنسا، وإلى جامعة السوربون باريس، حيث أعددت شهادة دكتوراه الدولة في الفلسفة في موضوع: "مفهوم الزمن في الفكر العربي المعاصر" بإشراف الأستاذ الدكتور روجي أرنالديز، ألحقه الله بالصالحين من أهل ملته.
هذا عن المسار العلمي، أما المسار الإداري والثقافي والاجتماعي، فأوجزه فيما يلي:
تقلدت مسؤولية نائب عميد المعهد الإسلامي لمسجد باريس، برتبة سفير، ثم مديرا لمعهد الفلسفة بجامعة الجزائر، ثم مديرا للمعهد الوطني العالي لأصول الدين بالجزائر.
على الصعيد الثقافي، تدرجت في عدة مسؤوليات كالمجلس الإسلامي الأعلى الذي كنت أمينه العام، وجمعية الدفاع عن اللغة العربية، واتحاد الكتاب الجزائريين الذي كنت عضو مكتبه الإداري، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين حيث كنت نائبا للرئيس، ورئيس تحرير جريدة "البصائر" الأسبوعية الناطقة باسم الجمعية.
هذا بالإضافة إلى مشاركتي الثقافية في الإذاعة والتلفزيون، ببرامج قارة مثل: "الأقلام الجديدة"، و"منبر الهدى" و"الثقافة للجميع" وغيرها، مع الكتابة في الصحف اليومية والمجلات العلمية، فقد كنت مديرا لمجلة "الموافقات" المحكمة المتخصصة، التي كان يصدرها المعهد الوطني العالي لأصول الدين عندما كنت مديرا له، وتوقفت بعد استقالتي من المعهد.
على الصعيد الاجتماعي، أنا متزوج وأب لخمسة أبناء، وسادسة بالتبني، هم ثلاثة ذكور، وثلاث إناث، كلهم يحملون شهادات جامعية.
س2: كانت دراساتكم الأكاديمية الأولى قد قُدِّمَت لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في الفلسفة من جامعة الجزائر، وكان موضوعها "عبد الرحمن الثعالبي والتصوف"، هل الجامعة والأمة في اللحظة الراهنة بحاجة إلى التصوف؟
ج: كان بحثا للحصول على دبلوم الدراسات العليا من جامعة الجزائر.
أما شهادة الماجستير –بجامعة القاهرة– فكان عنوانها: "مفهوم الزمن في فلسفة ابن الوليد بن رشد"
وتسألونني إن كانت الأمة لحظتها الراهنة في حاجة إلى التصوف.
إن التصوف الحقيقي كما أفهمه، هو تصفية القلب والعقل، والجوارح من كل أدران الفساد بجميع أنواعه، الأخلاقي والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، وبهذا المعنى يكون التصوف، رد فعل إيجابي ضد الإنغماس في الملذات، والنهم المالي، والخلقي، والسياسي، وبذلك يصبح التصوف الإسلامي في أسمى معانيه نوعا من تحصين الذات، ضد أنواع الإنسلاب الحضاري والذوبان السياسي.
أما التصوف السلبي الممارس اليوم، في واقع أمتنا وما يتصل به من شعوذة، وتضليل باسم الدين، فهو بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ينبغي محاربتها، كما نحارب الفساد والظلم باسم حماية حقوق الإنسان الأساسية.
س3: بعد دراستكم الطيّبة لنيل درجة الماجستير، رحلتم معرفيا في مساركم العلمي الثاني (الدكتوراه) من التصوف إلى الفلسفة ومن القاهرة إلى باريس (جامعة السربون)، فكتبتم بعدها لنيل درجة الدكتوراه في الفلسفة عن " مفهوم الزمن في الفكر العربي المعاصر."، هل ما زال الفكر الإنساني بحاجة إلى ابن رشد ، أم إلى قراءته قراءة أخرى؟
ج: تلاحظون بأن تنوع الاهتمام الفكري، وتعدد مصادر مناهجه بين التصوف والفلسفة والفكر المعاصر، وبين الجزائر، والقاهرة، وباريس، إن هذا التنوع الإنساني، والزماني، والمكاني، له دلالة كبرى، ينبغي وضعها ضمن البحث عن الحكمة، التي هي ضالة المسلم أنّى وجدها التقطها.
أما عن حاجة الفكر الإنساني إلى ابن رشد، أو إلى قراءته قراءة أخرى، فأعتقد، من وجهة نظري أن ابن رشد كان ولا يزال الجامع المشترك الأعظم للثقافات، والحضارات والديانات. فإليه يعود الفضل في نقل الفكر اليوناني إلى الفكر اللاتيني، عبر الفكر الإسلامي، محدثا بذلك مريدين لفكره، لدى الفكر اللاتيني، كتوما الأكويني ومدرسته، وفي الفكر اليهودي كسيجر دوبرابان ومدرسته، فكان ابن رشد بذلك هو حلقة الوصل أو المعلم المسلم الأول، في تصحيح معنى الحضارة وحوارها بالعقل والدين.
أما عن الحاجة إلى قراءة ابن رشد قراءة جديدة، فاعتقد أن ذلك من متطلبات العصر، فقد اختلفت المقولات العقلية، والأدوات المعرفية، فنتجت عن ذلك الحاجة التجديدية لقراءة كل تراث.
س4: كيف السبيل إلى جعل الاهتمام بابن رشد قيمة مضافة في مسار المعرفة الأصيلة؟ وفي ظل الرشديات الحديثة، ما معيار التمييز بين الرُشْدِيَة الذي يمثّل ابن رشد، والرُشْديَة المشتبهة به أو المُلَبِّسَة؟
ج: نعتقد أن جعل الاهتمام بابن رشد قيمة مضافة في مسار المعرفة الأصيلة، تبدأ بتخليص ابن رشد من القراءة الاختزالية التجزيئية التفكيكية، والتي تجعل منه فيلسوفا ناقلا لأرسطو، أوعقلانيا منكرا للدين، أو فيلسوفا مبتدعا في الملة، نابذا للسنة، في حين أن ابن رشد، مفكر جمع –ببراعة– بين الفقه، الذي كان ضليعا فيه، والطب الذي ذاعت شهرته به، والفيلسوف الذي تجاوز إبداعه الآفاق والحدود.
فالحاجة ماسة إلى وضع أبي الوليد ابن رشد في سياقه الكلي، الإسلامي، الإنساني، وفهمه فهما صحيحا، بالاعتماد على القراءة الموضوعية لنصوصه، بغية إبعاد الرشدية المزيفة، المشتبهة به أو الملبسة.
س5: شاعت في بلاد الشرق محاولات الاستفادة من مبادئ سامية ظهرت وتطورت في بيئة الغرب، ولعلّ على رأسها قيم الحرية والتسامح والديمقراطية، هل يمكن أن نستورد هذه القيم بحمولتها المتداولة في البيئة الغربية؟
ج: هناك مسلمات لدى العقل البشري، مفادها أن لكل مجتمع خصوصياته ومميزاته، حتى بالنسبة للقيم والمبادئ السامية كالحرية والتسامح، والديمقراطية.
وغنى عن الذكر أن المجتمع المسلم، لا يعاني أية عقدة من هذه الناحية. فالإسلام كان سباقا إلى ترسيخ معاني القيم السامية كالحرية، والتسامح، والشورى في الحكم، والآيات الدالة على هذه القيم كثيرة، كحرية المعتقد، وحرية الإنسان، وأدب الاختلاف والتسامح والشورى بين الحاكم والمحكوم، الخ... "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّين"، "لَكمْ دينُكمْ وَلِيَ دين"، "وَإِنَّا اَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى اَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبين"، "وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوٰى"، "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ"، "وَأَمْرُهُمْ شُورٰى بَيْنَهُمْ..." الخ.
ولذلك فإن القيم العقلية، والمعنوية لا يمكن استيرادها، كقطع الغيار، لأنها ذات خصوصيات إنسانية حضارية محلية، وبالتالي تصبح الدعوة إلى استيراد مفاهيم وقيم من الغرب، إلى البيئة الإسلامية، بمثابة وضع قبعة على رأس إنسان معمم، أو امرأة محجبة، وهو ما يمثل أضحوكة كبرى.
س6: شاع بين المهتمين بالشأن الثقافي والحضاري، تداول كثير من المناهج والقيم الناشئة في الغرب بصفتها مناهج وقيم إنسانية كونية، لا يمكن لمن أراد أن يكون ابن عصره أن يستغني عنها، ما درجة موضوعية هذا الانطباع؟
ج: إن القيم الصحيحة، النابتة والثابتة، في بيئة ما، لا يمكن –كما أسلفنا– أن تنقل من بيئتها الأصلية إلى بيئة أخرى مغايرة، وإن حصل لها أن تنبت، فإنها لن تثبت، لاختلاف التربة، والبيئة، والمحيط البشري.
س7: استوقفنا كتابكم "مدارس الفكر العربي الإسلامي (تأملات في المنطلق والمصب)". لماذا الاهتمام بالمنطلق والمصب، وأنتم بصدد الكتابة عن مدارس الفكر العربي الإسلامي؟
ج: إن أزمة الفكر العربي الإسلامي، كما تبدو لنا، هي أزمة مرجعية، وغائية، ذلك أن مدارس الفكر العربي الإسلامي تعاني عقدة الانتماء، والتقليد، والاتباعية. فإذا سلمنا بأن الفكر حق إنساني يشترك فيه الجميع، فإن تأصيل هذا الفكر، ورسم غايات له هي ما يطبع فكرنا العربي الإسلامي.
من هنا جاء الاهتمام بالمنطلق والمصب، ذلك أن النهر إذا حول عن مصبه، ولم يحدد منطلقه، فإن مياهه تصبح غير صالحة فيعم القحط والجفاف كل ما يحيط به.
س8: يشكك بعض الباحثين في إمكان أن تمثّل النماذج المذكورة في كتبكم، مدارس، وقصارى ما تمثّله اتجاهات فردية، أو اجتهادات فردية؟ ما تعليقكم على هذا لانطباع؟
ج: حق للباحثين أن يشككوا في النماذج التي ذكرتها في كتابي، لأنها، كما حاولت أن أبينها، هي مدارس فكرية بالقوة لا بالفعل.
فتصنيف هذه المدارس، انطلاقا من الدين أومن العقل، هو اجتهاد فكري، اعتمدت فيه على نصوص المفكرين الخاضعين للدراسة وعلى أنماط سلوكهم، وسواء أكانت هذه النماذج تمثل مدارس بمواصفاتها المنهجية، أو أنها مجرد اتجاهات فردية، فالنتيجة واحدة، والحكم ينبغي أن يستنبط من الغايات المرسومة من المفكرين، ومن طريق تعاملهم مع الدين كمسلمين، ومع العقل كمفكرين.
وعلى أية حال، فأنا لم ألزم أحدا بتبني ما دعوت إليه، وإنما هي محاولة منهجية مني، لاستنباط منهج أكاديمي يساعد على فهم فكرنا الإسلامي، والتعامل بوضوح مع من يوصفون بفرسان هذا الفكر، وأعتقد أن لكل مجتهد نصيب.
س9: يلاحظ في سياق الكتابة عن المدارس الفكرية، إهمال الشخصيات ذات الحضور المشهود في المجتمعات الإسلامية غير العربية، ما السر في المسألة؟
ج: لا ينبغي تناول القضية من منظور التمييز بين ما هو عربي وما هو إسلامي، وإنما ينبغي معالجة الموضوع طبقا للإشكالية المطروحة في الكتاب، فلقد حاولت أن أبحث القضية من زاوية العداء للدين، لصالح العقل، أو العكس، انطلاقا من واقع يعيشه الوطن العربي أكثر من غيره، ولذلك فقد أغفلت أيضا في الفكر العربي شخصيات عربية فاعلة في ساحة الفكر، لأنها لا تندرج ضمن المعايير والقوالب الفكرية التي وضعتها، للتحليل والدراسة على ضوئها. فلا غرابة –إذن– أن لا ينطبق هذا على الشخصيات الإسلامية ذات الحضور الفاعل في المجتمعات الإسلامية غير العربية، لأنها سلمت مما ابتلي به غيرها على الساحة العربية، على الأقل من وجهة نظرنا نحن.
س10: من الشخصيات العلمية ذات الحضور المميز في تاريخنا الفكري، شيخ الإسلام مصطفى صبري، ما تفسيركم لقلة المعلومات عنه في الجامعات والمراكز البحثية في العالمين العربي والإسلامي؟، وما درجة حضوره في الأوساط الأكاديمية الجزائرية؟
ج: يجب التسليم بوجود خلل في العلاقات العلمية التي تربط الجامعات العربية والإسلامية بعضها ببعض، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن ما يربط بين الجامعات العربية الإسلامية من جهة، والجامعات الأوروبية والغربية من جهة أخرى، أقوى مما يربط ببعضها.
إن هذا الخلل المنهجي والفكري، قد أدى إلى ظهور مجموعة من النقائص أبرزها: الجهل بالواقع الفكري الإسلامي، وسوء التوجيه الجامعي للباحثين، وقلة انفتاح الجامعات الإسلامية والعربية على بعضها، وبانعدام التعاون العلمي كالإشراف المشترك، والمشاركة في المناقشات، وغياب دليل أكاديمي للرسائل والبحوث، والإعلام، وكل هذا أدى إلى غياب شخصيات بارزة، كشيخ الإسلام مصطفى صبري عن الجامعات والمراكز البحثية في العالمين العربي والإسلامي.
على أنه يجب التنبيه، إلى أن بعض الباحثين الأكاديميين الجزائريين قد كان لهم الفضل في لفت الانتباه في جامعتنا الجزائرية إلى شيخ الإسلام مصطفى صبري، وفي مقدمة هؤلاء الدكتور الشاب ابننا عمار جيدل وفقه الله.
ولئن كان الحضور لا يزال محتشما، فإنه موجود، ونعتقد أن أول الغيث قطر ثم ينهمر.
س11: الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي شخصية علمية رصينة ظهر اهتمام كبير بها في الشرق والغرب، وهو بحاجة إلى اكتشاف أو إعادة اكتشاف، ما القيمة المنهجية والمعرفية التي يمكن أن تسهم بها هذه الشخصية في مسار الأمة من الناحية المعرفية والرسالية والحضارية؟
ج: يعتبر الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، من الشخصيات العلمية المتميزة التي اكتشفتُها منذ عقدين من الزمن، فلمست فيها العمق الفكري المفقود في عالمنا الثقافي، والتحليل المنهجي المنشود في دنيا أمتنا، والوعي الحضاري المعهود، لدى علمائنا، فعجبت لعدم الاهتمام الكبير بها، إلا مؤخرا.
والحقيقة أن جامعاتنا العربية والإسلامية مدعوة –اليوم بالذات– إلى توجيه طلابها وباحثيها إلى إعادة قراءة فكر بديع الزمان سعيد النورسي، وإخضاع أحكامه للدراسة والاستنباط، لتجلية معالم التغيير في أمتنا، كما شخّص مقوماتها.
فأمتنا الإسلامية في أشد الحاجة اليوم إلى جهود مثل هذا العالم العالمي، الذي تضاف جهوده إلى جهود علماء أعلام، من أمثال عبد الحميد بن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، وسيد قطب، ومحمد إقبال، وعلي شريعتي، وغيرهم ممن وعوا أسباب التخلف، واقترحوا طريقة الحلول، ومنهجية التغيير، في وقت نتوق فيه إلى استعادة مكانتنا بين الأمم.
س12: يلاحظ المتتبّع لحال البحث العلمي أن التواصل بين المشرق والمغرب الإسلاميين، قليل نوعا ما، ما الآليات المنهجية لتفعيل هذا التواصل والمحافظة عليه؟.
ج: هناك مجموعة من الآليات المطلوب توفيرها لملء الهوة بين الشرق والغرب الإسلاميين في مجال البحث العلمي، وتفعيل التواصل بينهما وأهمها، انفتاح الجامعات على بعضها، وتبادل الأساتذة والطلبة، وتنظيم المناقشات المشتركة، واللجوء إلى الإشراف المزدوج، وإقامة مجلات علمية محكمة، تكون منابر لكل الأقلام المشرقية والمغربية. إن مثل هذه الآليات من شأنها أن تفك العزلة المعرفية بين أطراف الأمة الإسلامية، والاطلاع على الكفاءات والخيرات في الضفتين، ذلك أن غياب هذه الآليات هو الذي أدى إلى إغفال الكنوز المعرفية الموجودة في كل جهة.
س 13: تشاكست أساليب المصلحين في اختيار الأسلوب الأمثل لإحداث وثبة تقدم، تؤسّس للنهضة وتتجاوز وهْدَة التخلّف، وكلّ من المسالك السابقة وإن كان غير مبرئ من السلبيات، ففيه من الإيجابيات ما لا يغفل عنه، ولو رجعنا إلى المحصّلة النهائية، لوجدنا أسباب رفض كل مسلك وقبوله تكاد أن تكون متكافئة، في ظل هاتين الملاحظتين، ألا يصبح إهمال أو إعمال الكّل أولى من الترجيح بينها؟
ج: إذا ما فهمت جيدا، الغرض من السؤال، فإنه يقرر تنوع أساليب المدارس الإصلاحية الرامية إلى فك إشكالية النهوض، وتجاوز عقبة وعقدة التخلف. وإن مما لا جدال فيه أن لكل منهج إصلاحي إيجابياته وسلبياته، لا من حيث الهدف الذي يبقى هدفا مشتركا وهو العودة بالأمة إلى ذاتها الحضارية، وتحريرها من كل أنواع التبعية المادية والمعنوية، والدفع بها إلى مستوى مصاف الأمم الراقية، وإنما يمكن أن يكون الاختلاف من حيث الطرق المؤدية إلى هذا الهدف النبيل، ذلك أن استنباط أساليب الإصلاح تحكمه جملة من العوامل، هي عامل الإنسان، والمكان، والزمان، والتي يتطلب كل عامل منها، ملاءمة خاصة، واجتهادا معينا.
لذلك يصح القول بأن في المقاربة، والمقارنة بين مدارس الإصلاح، لا يمكن إغفال أو إهمال الكل، بل الأولى هو تطبيق المنهج الانتقائي الفعال، بين الأساليب المطبقة، وهو ما يظل غاية كل مواطن عربي أو إسلامي شريف، يؤرقه واقع الأمة.
س14: الكتابة عن الشخصيات الجزائرية في الشرق العربي وغير العربي قليلة نادرة، ما مرد قلّة العناية بأعلام الجزائر؟ هل يعود لإهمال الجزائريين أم لعدم وجود من يستحق الدراسة؟
ج: إن الجزائر شأنها شأن باقي البلدان العربية والإسلامية لا تخلو من كفاءات، وقدرات في جميع الميادين المعرفية... ربما كانت شخصياتها الفكرية ضحية العامل الاستعماري الذي سبب لها نوعا من الإعاقة اللغوية، وضرب بينها وبين أشقائها في العالم العربي الإسلامي طوقا، حال دون إبراز مواهب أبنائها، فكانت هذه القلة أو الندرة في العناية بالشخصيات الجزائرية.
وعلى الرغم من هذه العوامل المعيقة، فقد أتيح لرموز جزائرية كثيرة أن تتخطى هذا الطوق، وتثبت جدارتها وريادتها على الصعيد المعرفي. وعلى سبيل المثال يمكن أن نسوق في الفكر المعاصر، مفكرين وأدباء، وشعراء، لا يقلون عن أعلام الفكر المعاصر مثل محمد البشير الإبراهيمي، ومالك بن نبي، ومفدي زكرياء، ومحمد العيد آل خليفة، وأبو القاسم سعد الله، وغيرهم كثير.
نعتقد أن المنظمات الإقليمية، والإسلامية كفيلة بالقضاء على هذه الهوة بين الشرق والغرب، من أجل التعريف أكثر بأعلام الجزائر لدى أشقائهم في الأمة العربية الإسلامية.
س15: عرفت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أسماء لامعة ملأت الآفاق، ومن الآثار الشاهدة على ذلك، ما جمع من أعمال عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي والفضيل الورثلاني، كيف السبيل إلى إفادة العالم الإسلامي من مساهمات هؤلاء الرجال؟ وما السبيل إلى جعل الجمعية منارة تربوية وثقافية تستعيد دور التنمية الثقافية عموما، وتُيَسِّر للشرق التعرّف على أعلام الجزائر الجدد؟
ج: يمكن القول – بكل تواضع– أن المنهج الثقافي الإصلاحي الذي رسمته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، يمثل منهجا إصلاحيا يتسم بالواقعية، والفعالية، ويصلح لأن يكون –فعلا–نموذجا لإحداث التغيير في الأمة الإسلامية.
من هنا فإن مسؤولية توزيع تراث الجمعية على المؤسسات الثقافية في العالمين العربي والإسلامي، والحث على تدارسه بكل موضوعية هو من واجب كل غيور على مستقبل الأمة الإسلامية.
س16: الملاحظ على ما تكتبون في الجرائد (البصائر والشروق والخبر وغيرها)، حضور حرقة التخلّف، واهتمامكم بغياب العناية بميراث الأمة في لغتها ودينها وثقافتها، وحضارتها، هل مازالت للكلمة المكتوبة بعض الآثار في المجتمع؟
ج: لن نعدم الأمل في إحداث الأثر بالكلمة المكتوبة، ولو أن الأثر ضعيف، لكننا نعتقد أن الصحافة المكتوبة ستجد لها الاهتمام المطلوب، لدى نسبة معينة من القراء، ولنا في ما نتلقاه من صدى لما يكتب لدى جمع عريض من القراء، أسوة حسنة تشجعنا على المضي إلى الأمام في دغدغة مشاعر الأمة، ووخزها أحيانا.
فأنا، كغيري من حملة الثقافة في أمتنا مسكونون بهاجس التغيير، وحرقة التخلف، مما يجعل النضال بالكلمة الداعية الملتزمة، أحسن سلاح يمكن أن يستخدم في عالم سيطر الإعلام فيه بجميع ألوانه. غير أن ما يقلقنا بحق، هو مدى تجاوب ذوي القرار أو أهل الحل والعقد مع ما نكتب، ذلك أن التغيير الفعلي – في واقعنا– محكوم بدوائر عليا مغلقة، لا تعير عناية كبيرة لما يكتب، وتلك هي أسباب التأزم الحاصل في العلاقة التي تحكم المثقف بالسلطة، فطالما لم تتثقف السياسة عندنا، وما لم تحط دوائرها، بكوكبة من المثقفين، الصادقين، الملتزمين بقضايا الأمة والوطن، وما لم يتم طرد الوصوليين والانتفاعيين، والمنافقين الذين يشكلون بطانة الحاكم، فإن الأمل في إيجاد المكانة اللائقة للكلمة المكتوبة سيظل باهتا إن لم نقل معدوما.
س17: كلمة ختامية، نتمنى أن نكون قد أثقلنا عليكم، هل من سؤال غفلنا عن وضعه بين يديكم له صلة بوضع أمتنا الراهن؟
ج: لقد سعدت أيما سعادة بمولد مجلتكم الغراء، وبالأسئلة الدقيقة الحاملة لهاجس الأمة، والمترجمة لنبضها، وفي ذلك ما يبشر بخير، بأن مستقبل أمتنا خير من حاضرها، مادام فيها من يؤرقه واقعنا المتردي على أكثر من صعيد، وشعارنا في كل هذا ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي:
فعلم ما استطعت لعل جيلا سيأتي يحدث العجب العجابا

Year 2010, Volume: 1 Issue: 1, 164 - 173, 01.06.2010

Abstract

Year 2010, Volume: 1 Issue: 1, 164 - 173, 01.06.2010

Abstract

There are 0 citations in total.

Details

Primary Language Arabic
Journal Section ARTICLES
Authors

İnterviews Interviews, This is me

Publication Date June 1, 2010
Published in Issue Year 2010 Volume: 1 Issue: 1

Cite

APA Interviews, İ. (2010). حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم - An Interview with Professor Abderezak Guessoum. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, 1(1), 164-173.
AMA Interviews, İ. حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم - An Interview with Professor Abderezak Guessoum. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. June 2010;1(1):164-173.
Chicago Interviews, İnterviews. “حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم - An Interview With Professor Abderezak Guessoum”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 1, no. 1 (June 2010): 164-73.
EndNote Interviews, İ (June 1, 2010) حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم - An Interview with Professor Abderezak Guessoum. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 1 1 164–173.
IEEE İ. Interviews, “حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم - An Interview with Professor Abderezak Guessoum”, النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, vol. 1, no. 1, pp. 164–173, 2010.
ISNAD Interviews,, İnterviews. “حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم - An Interview With Professor Abderezak Guessoum”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 1/1 (June 2010), 164-173.
JAMA Interviews, İ. حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم - An Interview with Professor Abderezak Guessoum. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2010;1:164–173.
MLA Interviews, İnterviews. “حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم - An Interview With Professor Abderezak Guessoum”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, vol. 1, no. 1, 2010, pp. 164-73.
Vancouver Interviews, İ. حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم - An Interview with Professor Abderezak Guessoum. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2010;1(1):164-73.