فى بحثنا هذا تناولنا ظهور أسباب ورود الحديث كمصطلح وجعله علماً
مستقلاً ومصنفاته. وبنظرة تاريخية في عهد المتقدمين كما في بعض مسائل علوم الحديث نجد أن الإمام
الشافعي أول من تناول هذا الموضوع من العلماء وقد أشار أن الأحاديث تفهم خطأ بدون
معرفة الأسباب. ولكن لم
يُتناول هذا الموضوع فى كتب أصول الحديث آنذاك تحت عنوان مستقل.
أما فى عهد المتأخرين نرى أن
أسباب ورود الحديث أصبحت قسماً وباباً من أبواب علوم الحديث. وأول من استعمل أسباب
الورود كمصطلح هو ابن دقيق العيد. قال فى كتابه ( إحكام الأحكام) عند شرح حديث
النية فى المادة التاسعة: " شَرَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ
فِي تَصْنِيفٍ أَسْبَابِ الْحَدِيثِ، كَمَا صُنِّفَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ
لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ.فَوَقَفْتُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ
لَهُ." هذه المعلومة التى نقلها ابن
دقيق ذات قيمة ولكنها لا تتجاوز أن تكون مادة فقط فى شرح الحديث النبوي، واستطاع
العلماء أن يتناولوا أسباب الحديث تحت عنوان مستقل بعد نقل ابن دقيق لهذه المعلومة
بعصر تقريباً.
وأول
من تناول أسباب ورود الحديث كعِلم من علوم الحديث وفتح له باباً مستقلاً فى مصادر
علوم الحديث هو البلقيني. ورغم أن سبب الورود
يستفاد منه فى فهم الحديث وإزالة الاختلافات بين الأحاديث فى مختلف العلوم
المستقلة نستطيع أن نقول: حسب المعلومات فى أيدينا أن البلقيني يعدّ مؤسساً لهذا
العلم. وقد أضاف البلقيني خمسة من علوم الحديث إلى خمسة وستين علماً من علوم
الحديث التي تناولها ابن الصلاح فى مقدمته وجعلها سبيعن علماً. وسمى إحداها "معرفة
أسباب الحديث" وجعلها في الباب التاسع والستين. وبإضافته سبب الورود إلى علوم
الحديث صار رائداً لمصادر أصول الحديث التي ألِّفت بعده في القرن الثامن الهجري.
فالسيوطي مثلاً في كتابه (تدريب الراوي) جعل أنواع علوم الحديث ثلاثاً وتسعين وجعل
فى المركز التاسع والثمانين عنوان معرفة أسباب الحديث الذي وضعه البلقيني. وعلم
أسباب الورود الذي وضعه البلقيني بقي كما هو عند بعض علماء الحديث الذين جاؤوا
بعده، وبعضهم لخصه، وبعضهم لم يتطرق إليه.
وبعض المصادر التي تحدثت عن علم أسباب ورود
الحديث، تحدثوا عن العلماء الذين ألفوا كتباً مستقلة في هذا العلم بعد القرن الرابع الهجري. وهؤلاء
العلماء هم: أبو حفص العكبري، وأبو محمد الأزدي، أبو حامد الجوباري، وابن الجوزي، وأبو فرج ابن
الحنبلي. وعلى الرغم من أن لهؤلاء العلماء كتب مستقلة
حول أسباب الحديث ، إلا أننا لم نعثر على أية معلومات أخرى سوى أسمائهم.
وهناك
دراستان للمتأخرين ، طبعت بشكل مختلف، وتخضع للدراسات العلمية. أولها: (أسباب ورود
الحديث أو اللّمع في أسباب ورود الحديث) لجلال الدين السيوطي وهو أقدم كتاب في
يدنا يتناول أسباب الورود. تم تصنيفه وفقًا لأبواب الفقه ويحتوي على 98 رواية وقد
تحدث السيوطي في الباب الحادي عشر عن رواية الحديث وبعدها عن أسباب ورود الحديث. ونقل السيوطي
الروايات باسم الصحابة وحذف أسانيد الحديث.
وقد حقق هذا الكتاب تحقيقين مهمين
ليحيى إسماعيل أحمد والآخر لغياث عبد اللطيف دحدوح.
أما
الكتاب المطبوع الثاني ، الذي وصل إلينا من عهد المتأخرين، فهو: ( البيان والتعريف
في أسباب ورود
الحديث الشريف) لابن حمزة
الحسيني. قام ابن حمزة بنقل 1834 حديثًا بالترتيب الأبجدي. وذكر الراوي ثم ذكر سبب
ورود الحديث .وقد استفاد ابن حمزة مما
يقرب من 150 مصدراً في مؤلفه البيان مثل: الجوامع ، والسنن ، والمسانيد، والمعاجم، والمستدركات ، وكتب التاريخ ،
والطباقات والتفاسير.
وبغض
النظر عن هاتين الدراستين، فهناك أعمال يمكننا الوصول إليها حول أسباب ورود
الحديث في عصرنا. وهي:
1- (سبب ورود
الحديث ضوابط و معايير): هذه الدراسة كتبها الدكتور محمد عصري زين العابدين مدرس
العلوم الإسلامية في كلية العلوم في ماليزيا. تم نشره من قبل دار الكتب العلمية في
بيروت عام 1971 .
2- (أسباب ورود
الحديث و مكانته وأهميته في التشريع الإسلامي): تم إعداده كأطروحة دكتوراه في جامعة أنقرة عام
1979 من قبل رمضان أيفالي بإشراف طلعت كوجيغيت.
3- (علم أسباب
ورود الحديث وتطبيقاته عند
المحدثين والاصوليين): وقد أعدها
طارق أسعد لنيل درجة الدكتوراه بإشراف فاروق حماد عزام بقسم علوم الحديث بكلية
الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس في الرباط - المغرب.
4- (أسباب الحديث في الكتب الروائية): تم إعداده من قبل سركان ديمير
لنيل درجة الدكتوراه بإشراف حسن
جريت في جامعة مرمرة عام 2016.
5- (أسباب ورود الحديث، تحليل
وتأسيس): نُشر هذا البحث ،
الذي كتبه محمد رأفت سعيد ، من قبل وزارة الأوقاف في قطر.
6- (أسباب ورود الحديث مفهومه و
فوائده): تم إعداده كرسالة
لنيل درجة الماجستير بقلم شملال ربيع كلية
العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
وبنظري
فإن دراسة أسباب الورود كفرع منفصل للعلوم
في الفترة المتأخرة لايعني أن هذا العلم لم يستخدم من قبل في فهم الأحاديث وشرحها.
وقد تم استخدام أسباب الحديث قبل أن يصبح علماً مستقلاً وقبل أن تصنف فيه المصنفات
أيضاً. ويمكننا القول: إن علم أسباب الورود- والتي
كانت فعالة في الكشف عن الأحكام- قد تم استخدامه من قبل وبشكل أكثر فاعلية من قِبل
علماء الفقه والأصوليين؛ فقد استخدمه الإمام الشافعي، واستخدمه الأصوليون كما بينا
ذلك. وأول عمل مستقل للمتأخرين كان "اللمع" وقد رُتّب وفقًاً لموضوعات
الفقه، والعمل الثاني كان "البيان". الذي صنفه القاضي العثماني ابن
حمزة.
Determining the
emergence causes of hadiths and understanding the accounts correctly are
extremely important in terms of acquiring a correct judgement from hadiths.
When looked at the historical process, it was seen that Imam Shafii was the
first person who drew attention to this issue, like in many hadith sciences in
mütekaddimun period. He suggested that disregarding the reasons underlying
answers given to hadiths caused misunderstandings about the context in hadiths.
In that period, no separate topic was introduced about this issue in hadith
method books. However, as reported from sources, there were some separate works
in mütekaddimun period even if they have not reached the present day. The first
of it was written by Ebu Hafs el-ekberi (D.339/950). In müteahhirun period it
was seen that esbâbu wurûdi'l-hadîth had become a section of hadith sciences. Ibn
Dakîk al-İd was the first scholar who used esbab-ı wurud as a concept. Bulkuni
was the first scholar who introduced a separate topic and handled esbab-ı vurud
hadith as a hadith science in hadith method sources (D. 805/1403). Asbāb
al-wurūd al-ḥadith aw el-luma fî asbāb
al-ḥadith by Suyûtî
(D.911/1505) and al-Bayan ve't-ta'rîf fi-esbâbi wurûdi'l-ḥadîsi'ş-Şerîf by İbn
Hamza (D.1120/1708) are the works written in Müteahhirun period and have been able to reach the
present day. That the authors who wrote on this topic were also canonists
reveal that esbab-ı wurud was transferred from fiqh to hadith world. In this
context, in our study, the stages of esbâbu wurûdi'l-hadîth sciences in
historical process will be tried to reveal. In our study, from this point of
view, we aim to contribute hadith sciences by revealing the process of esbâbu wurûdi'l-hadîth
in historical process.
Birincil Dil | Türkçe |
---|---|
Konular | Din Araştırmaları |
Bölüm | Makaleler |
Yazarlar | |
Yayımlanma Tarihi | 31 Temmuz 2019 |
Gönderilme Tarihi | 30 Mayıs 2019 |
Yayımlandığı Sayı | Yıl 2019 Sayı: 2 |
Hadith Creative Commons Atıf-GayriTicari 4.0 Uluslararası Lisansı (CC BY NC) ile lisanslanmıştır.