بديع الزمان النورسي من برزخ التصبديع الزمان النورسي من برزخ التصوف إلى معراج القرآنأ.د. فريد الأنصاري رحمه الله1مقدمة:ككل علماء عصره انطلق بديع الزمان سعيد النورسي -رحمه الله- في طلبه للعلم الرباني والمعرفة القلبية من مدارج التصوف وقواعده. فقد تتلمذ بدء أمره على يد الشيخ سيد نور محمد النقشبندي2 وذلك سنة: 1888م/1306هـ، أي أوائل القرن الرابع عشر الهجري. بل إن الثقافة العامة آنئذ لم تكن تنفصل عن المفاهيم الصوفية، بما في ذلك سائر العلوم الشرعية، التي تلقاها عن عدد من العلماء، من فقه، وأصول، وحديث، ولغة، وكلام ... إلخ. فرغم استقلال هذه العلوم بعضها عن بعض؛ فقد كان التصوف هو اللحمة الجامعة لأدب الطلب، وأخلاق التعلم، كما كان هو القانون المنظم للعلاقة بين الشيخ والتلميذ. ومن هنا لم يزل رحمه الله يجل التصوف ويقدر مشايخه رغم ما طرأ على حياته العلمية والدعوية من تحولات. وقد سئل عن ذلك بعدما انتشرت رسائل النور وتميز منهجها القرآني، فقال: "إن غاية" الطريقة"وهدفها هو معرفة الحقائق الإيمانية والقرآنية، ونيلها عبر السير والسلوك الروحاني في ظل المعراج الأحمدي وتحت رايته، بخطوات القلب، وصولا إلى حالة وجدانية وذوقية بما يشبه الشهود. فالطريقة والتصوف سر إنساني رفيع، وكمال بشري سام."3 فبديع الزمان لم يسجل قطيعة "ابستمولوجية" مع الفكر الصوفي؛ بما يجعله وإياه على طرفي نقيض. وإنما الذي يمكن قوله: هو أنه جدد الفكر الصوفي نفسه؛ بمحاولة إعادة إنتاج الحقائق القلبية الإيمانية، لا بواسطة هياكل الطريقة وقواعدها، من مشيخة، وبيعة، وأوراد قولية وفعلية، ولكن إنتاجه الإيماني كان ينطلق بصورة مباشرة من نبع القرآن الفياض. حيث إنه لم يستمر انضباطه لنظام المشيخة بمفهومها الصوفي. فبعد حصول التحولات المشهودة في حياته الإيمانية ترك الطرق وأربابها، والمشيخة وأشكالها. فلم ينصبها أمامه بعدُ في سيره إلى الله، ولا هو انتصب لها. ولا أنتج طريقة جديدة كما هو معهود في نظام الطرق الصوفي في العصور المتأخرة. وإنما صار بما سلكه من منهج قرآني شأنا آخر.ذلك أن أحواله رحمه الله سرعان ما تطورت؛ بما تطور من حوادث في عصره، وبما وجد من قوى باطنة في نفسه، توجهه توجيها وتدفعه بقوة إلى سلوك مسلك جديد؛ فوجد نفسه مطلوبا لهمة أخرى غير التربية الصوفية بمعناها التقليدي.ومن هنا انطلق فاتحا مسلكا جديدا في مجال تجديد الدين بهذا العصر، دون أن يحدث قطيعة كاملة مع مفاهيم الصوفية ومصطلحاتهم بل حتى قواعدهم في التربية والتوجيه.الفصل الأولالمنهج النوري بين مقولات التصوف ومفاهيم القرآنلقد كانت التحولات في حياة بديع الزمان تستجيب لعدة اعتبارات منها ما هو ذاتي، يرجع إلى طبيعة الرجل وخصائصه الذاتية. ومنها ما هو موضوعي يرجع إلى طبيعة التحولات العالمية والمحلية الواقعة يومئذ.فبديع الزمان له طبيعة متأبية على المقولات والمفاهيم. فليس من النوع الذي يتلقى الحقائق بلا اقتناع. فهو ذو شخصية تفكرية وتحققية يقلب النظر فيما حوله بلا انقطاع. ومعلوم أن التصوف في زمانه وصل إلى حالة مزرية، فيما يتعلق بمنهج التربية وطبيعة السلوك، فأنتج مفارقات كبرى بين القول والعمل، ودعاوى عريضة؛ بما حصل من قطيعة لدى كثير من أهله بين الحقيقة والشريعة، وبما دخله ممن ليس من أهله المتحققين به من بعض الدجاجلة والكذابين، بما أساء إلى التصوف وأهله، وجعل كثيرا ممن لم يتحقق من حقيقته الأصلية يرمي كافة مدارسه عن قوس واحدة.لم يكن من السهل إذن أن يستقر بديع الزمان على طريقة معينة. وهو الذي استطاع أن يستوعب علوم عصره الدينية، واللغوية، والفلسفية، في مرحلة مبكرة جدا من عمره؛ بما بهر مشايخه وبَزَّ أقرانه!4بل ربما يمكن القول: إن شخصيته كانت أقوى من أن تخضع له هو نفسه! لقد كان يجد نفسه يمضي إلى قدره الذي خلق من أجله بقوة لا يستطيع مقاومتها! قال رحمه الله: "لقد تحقق لديّ يقيناً أن أكثر أحداث حياتي، قد جرت خارجة عن طوق اقتداري وشعوري وتدبيـري! إذ أُعطي لها سَيْرٌ مُعَيَّنٌ، ووُجّهت وجهةً غريبةً؛ لتنتج هذه الأنواع من الرسائل التي تخدم القرآن الحكيم. بل كأن حياتي العلمية جميعها بـمثابة مقدمات تمهيدية؛ لبيان إعجاز القرآن بـ "الكلمات".5 وأما ما يتعلق بالجانب الموضوعي وأثره في توجهه الفكري والوجداني؛ فقد كان للتحولات العالمية والمحلية الكبرى الواقعة يومئذ؛ بما صاحبها من حركات سياسية واجتماعية وفكرية أثر كبير في رسم معالم منهجه التجديدي. ذلك أن الانهيارات الكبرى التي عرفتها الدولة العثمانية، وما نخر جسم الخلافة الإسلامية من وهن وضعف، وما أبصره النورسي بنظره الثاقب من كيد الأعداء في الداخل والخارج، وما صاحب ذلك كله من انهيار كثير من القيم وزحف فلسفة الإلحاد على العالم الإسلامي، مع بداية قيام الثورة البلشفية في روسيا ونشوء الاتحاد السوفياتي، ثم قيام الدولة العلمانية وما قامت به من حملات استئصالية رهيبة لكل ما يرمز إلى الدين شكلا ومضمونا، ثم فشل المحاولات التي قادها مشايخ معاصرون لها لإعادة الأمور إلى نصابها بالقوة، أو بالدروشة. كل ذلك جعله يرفع صوته مبادرا إلى استلام زمام المبادرة، وركوب حصان الطليعة؛ لخوض غمار التحدي بالقرآن، قائلا قولته المشهورة: "إن هذا الزمان ليس زمان الطريقة الصوفية بل زمان إنقاذ الإيمان!"[6] مقررا بكل ثقة أن: "إنقاذ الإيمان أعظم إحسان في هذا الزمان!"[7]فالمشروع التجديدي لبديع الزمان النورسي هو على المستوى المنهجي مقارب للتصوف ومفارق له في الآن ذاته. وبيان ذلك يتضح بالمقارنات التالية:أ- المعرفة القرآنية ضرورية والمعرفة الصوفية فاكهة:ذلك أن التصوف في تصور النورسي رحمه الله بالنظر إلى ظروف عصره- إنما هو ضرب من الترف الروحي! ذلك أن حاجة العصر هي التي تحدد قيمة المفاهيم وأولويتها؛ ومن هنا كان نظر بديع الزمان إلى سائر المناهج الإصلاحية مبنيا على مدى نجاعتها بالنسبة لحال الزمان وأهله. وقد نقل الأستاذ النورسي كلاما عن الشيخ شاه نقشبند مؤسس الطريقة النقشبندية ثم علق عليه بمقارنات لطيفة، وبأدب جم رفيع، فخرج بمعادلات تربوية ذات بعد منهجي متوازن، تدل على قبوله للفكر الصوفي من جهة، وتجاوزه له من جهة ثانية؛ بناء على معطيات العصر الموصوفة قبل، وما تفرضه من أولويات.قال رحمه الله: "لقد قال رائد السلسلة النقشبندية وشمسها الإمام الرباني رضي الله عنه في مؤلفه "مكتوبات": "إنني أرجّح وضوح مسألة من الحقائق الإيمانية وانكشافها على آلاف من الأذواق والمواجيد والكرامات."[8] وقال أيضا: "إن منتهى الطرق الصوفية كافة هو وضوح الحقائق الإيمانية وانجلاؤها."[9] وقال كذلك: "إن الولاية ثلاثة أقسام: الولاية الصغرى: وهي الولاية المشهورة. وقسم ثان: هو الولاية الوسطى. وقسم ثالث: هو الولاية الكبرى. هذه الولاية الكبرى هو فتح الطريق إلى الحقيقة مباشرة، دون الدخول في برزخ التصوف. وذلك بوساطة وراثة النبوة."[10] وقال أيضاً: "إن السلوك في الطريقة النقشبندية يسير على جناحين، أي الاعتقاد الصحيح بالحقائق الإيمانية، والعمل التام بالفرائض الدينية. فإذا ما حدث خلل وقصور في أي من هذين الجناحين يتعذر السير في ذلك الطريق".[11]بمعنى أن الطريقة النقشبندية [يقول بديع الزمان] لها ثلاثة مشاهد:"أولها وأسبقها وأعظمها: هو خدمة الحقائق الإيمانية خدمة مباشرة، تلك الخدمة التي سلكها الإمام الرباني في أخريات أيامه.الثاني: خدمة الفرائض الدينية والسنة النبوية، تحت ستار الطريقة.الثالث: السعي لإزالة الأمراض القلبية، عن طريق التصوف والسير بخطى القلب.فالأول من هذه الطرق هو بحكم الفرض، والثاني بحكم الواجب، والثالث بحكم السنة.فما دامت الحقيقة هكذا: فإني إخال أن لو كان الشيخ عبد القادر الكيلاني، والشاه النقشبند[12] والإمام الرباني[13] وأمثالهم من أقطاب الإيمان -رضوان الله عليهم أجمعين- في عصرنا هذا؛ لبذلوا كل ما في وسعهم لتقوية الحقائق الإيمانية والعقائد الإسلامية؛ ذلك لأنهما منشأ السعادة الأبدية، ولأن أي تقصير فيهما يعني الشقاء الأبدي!نعم؛ لا يمكن دخول الجنة من دون إيمان، بينما يدخلها الكثيرون جداً دون تصوف. فالإنسان لا يمكن أن يعيش دون خبز، بينما يمكنه العيش دون فاكهة. فالتصوف فاكهة، والحقائق الإسلامية خبز."[14]هكذا إذن يصبح التصوف بالنسبة للنورسي -في زمن الانهيارات الكبرى- مجرد فاكهة. والعمل الضروري عنده إنما هو قائم على التشمير عن ساعد الكدح؛ لاستخراج حقائق الإيمان مباشرة من القرآن العظيم، والسير بها في الآفاق مربيا ومعلما. فكانت رسائل النور هي تلك النتيجة النورية التي سلطها النورسي على ظلمات العصر فانفجرت بشعاعات لا تنتهي من الأجيال القرآنية التي تتحدى فلسفات العصر، وكل ضروب العلمانية الزاحفة!لقد أشبهت حالة بديع الزمان النورسي -إلى حد ما- حالة متصوفة الصدر الأول، من أمثال الإمام الجنيد والحارث بن أسد المحاسبي وأضرابهما، ممن لم يشتغلوا بالألقاب والأقطاب، ولا حتى التزموا شيخا معينا على التحديد دون سواه؛ في سيرهم إلى الله، وإنما التزموا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في مجمل عبادته. فتحققوا بالمعاني الكبار من حقائق القرآن، عند ولوج معارجه بين سبحات الليل والنهار.ومن هنا فقد ألغى رحمه الله- وسائط المشايخ، وتتلمذ على النبي صلى الله عليه وسلم في سيره إلى الله. وهي مرتبة أعلى في سلم مراتب الولاية، كما بينه في النص المذكور، نقلا عن الإمام السرهندي. أعني قوله: "والولاية الكبرى: هو فتح الطريق إلى الحقيقة مباشرة، دون الدخول في برزخ التصوف، وذلك بوساطة وراثة النبوة."ومن هنا كان العنصر الثاني في هذه المقارنة النورية هو:ب- المعرفة القرآنية مباشِرَةٌ والمعرفة الصوفية برزخية:والبرزخ المعرفي إنما هو فاصل نفساني، أو ممر روحاني خاص، تَعْبُرُهُ الحقائق؛ فلا بد إذن أن تتأثر المعارف بطبيعته، ولا يمكنها أن تحافظ على أصالتها، وفطرتها الأولى، كما كانت في الأصل. فالمفاهيم عندما تُتَلَقَّى من معراج القرآن لحظةَ المشاهدة القلبية لحقائقه الإيمانية؛ تكون أوضح وأصفى، لكنها على غير تلك الصورة من الوضوح؛ إذا ما تُلقيت عبر البرزخ الصوفي؛ لما يخالطها من الارتجاجات الإنسانية، ولما يحجبها من حُجُبِ المسافة النفسانية على حسب مقام الشخص المتلقي وحاله. ولقد درسنا مفهوم التوحيد كما تلقاه بديع الزمان النورسي عبر المعراج القرآني، مقارَناً بما رسمه أهل الأحوال والمقامات من معان؛ فكان الأمر -كما عبر عنه هو نفسه رحمه الله- في غاية التمايز؛ لما بين المسلكين من فروق دقيقة قد لا تُرى بادئ النظر.وذلك أنه سئل -رحمه الله- كيف "أن علماء الكلام يثبتون "التوحيد" بعد ظهورهم ذهنا على العالم كله، الذي جعلوه تحت عنوان الإمكان والحدوث؟ وإن قسما من أهل التصوف لأجل أن يغنموا بحضور القلب واطمئنانه، قالوا: "لا مشهود إلا هو"، بعد أن ألقوا ستار النسيان على الكائنات، وقسم آخر منهم قالوا: "لا موجود إلا هو" وجعلوا الكائنات في موضع الخيال، وألقوها في العدم؛ ليظفروا بعد ذلك بالاطمئنان، وسكون القلب. ولكنك تسلك مسلكا مخالفا لهذه المشارب، وتبين منهجا قويما من القرآن الكريم، وقد جعلت شعار هذا المنهج: "لا مقصود إلا هو"، "لا معبود إلا هو"! فالرجاء أن توضح لنا باختصار برهانا واحدا يخص "التوحيد" في هذا المنهج القرآني!- الجواب: إن جميع ما في "الكلمات"، و "المكتوبات"، يبين ذلك المنهج القويم (...) إن كل شيء في العالم يُسنِدُ جميع الأشياء إلى خالقه، وإن كل أثر في الدنيا يدل على أن جميع الآثار هي من مؤثره هو (...) أي أن كل شيء هو برهان وحدانية واضح، ونافذة مطلة على المعرفة الإلهية؛ (...) لأن القانون الساري في الموجودات هو سلسلة تشد جميعها، بعضها ببعض، والأفعال مرتبطة به (...) ذلك لأن الأسماء المتجلية في الكون متداخل بعضها في بعض، كالدوائر المتداخلة، وألوان الضوء السبعة. كل منها يسند الآخر ويمده، كل منها يكمل أثر الآخر ويزينه!".[15]إن تجلي الأسماء في الموجودات هو الخاتم، أو السكة، أو الطغراء، التي تدل على المعرفة الإلهية، جوهر"التوحيد الحقيقي". ولقد بينا ولع النورسي بتتبع هذا المعنى في تحقيق التوحيد.[16] لا يكاد يذكر هذا إلا من خلال ذاك! قال مثلا: "إن للصانع جل جلاله على كل مصنوع من مصنوعاته "سكة"، خاصة بمن هو خالق كل شيء! وعلى كل مخلوق من مخلوقاته "خاتم"، خاص بمن هو صانع كل شيء! وعلى كل منشور من مكتوبات قدرته "طغراء" غراء لا تقلد، خاص بسلطان الأزل والأبد!"[17] ومثله قوله: "وأما التوحيد لأهل الحقيقة؛ فإنما يَثْبُتُ بأن يُثْبَتَ كل شيء مما يشاهد من الأشياء ويسنده إليه سبحانه، ويرى فيه سكته، ويقرأ عليه خاتمه جل جلاله. وهذا الإثبات يثبت الحضور، وينافي الغفلة!"[18]فالمفاهيم الروحية كما يعرضها النورسي إنما يتلقاها في حال اليقظة، لا في حال المحو والسكر، كما يعبر القوم. فاليقظة عنده أكمل من السكر، والحضور أقوى من الغياب، على عكس ما هو موجود عند غيره. ذلك أن "طريق القرآن" عنده - رحمه الله تسلك بالعبد إلى ربه عبر نفسه الواعية، اليَقِظَةِ؛ من خلال مسلك الوجود. وذلك كمال الابتلاء وكمال التوحيد. فالعبد الذي يستوعب الوجود حوله بتعدده وتنوعه، فلا يفقد بوصلة السير إلى الله الواحد؛ هو العبد الأكمل. فإذا بالكائنات جميعها بين يديه مجالس ذكر تسير بسيره إلى الله. فلا ينبغي أن يفتنه شيء في ذلك كله عن ربه، بل يجب أن يجد كل شيء منعكسا عن أنوار الأسماء الحسنى. ومن هنا لم يكن طريق القرآن يضطر إلى محو الوجود كما يفعل أهل الشطحات القائلين بوحدة الوجود. نعم! ذلك هو طريق القرآن.قال رحمه الله في بيان عجيب، تُشد إلى مثله الرحال: "إن هذا الطريق أسْلَمُ من غيره؛ لأن ليس للنفس فيه شطحات، أو ادعاءات فوق طاقتها؛ إذ المرء لا يجد في نفسه غير العجز، والفقر، والتقصير، حتى لا يتجاوز حده. ثم إن هذا الطريق طريق عام وجادة كبرى، لأنه لا يضطر إلى إعدام الكائنات، ولا إلى سجنها، حيث إن أهل "وحدة الوجود" توهموا الكائنات عدماً، فقالوا: "لا موجود إلا هو" لأجل الوصول إلى الاطمئنان والحضور القلبي. وكذا أهل "وحدة الشهود" حيث سجنوا الكائنات في سجن النسيان، فقالوا: "لا مشهود إلا هو" للوصول إلى الاطمئنان القلبي.بينما القرآن الكريم يعفي الكائنات بكل وضوح عن الإعدام، ويطلق سراحها من السجن. فهذا الطريق على نهج القرآن ينظر إلى الكائنات أنها مسخرة لفاطرها الجليل، وخادمة في سبيله، وأنها مظاهر لتجليات الأسماء الحسنى، كأنها مرايا تعكس تلك التجليات. أي أنه يستخدمها بالمعنى الحرفي، ويعزلها عن المعنى الاسمي، من أن تكون خادمة ومسخرة بنفسها. وعندها ينجو المرء من الغفلة، ويبلغ الحضور الدائمي على نهج القرآن الكريم. فيجد إلى الحق سبحانه طريقاً من كل شيء".[19] ذلك إذن؛ وجه من وجوه الفرق ما بين البرزخية الصوفية والمعراج القرآني المباشر. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن المعرفة الصوفية عند بديع الزمان -رغم ما كان يكنه لها من احترام- معرفة قائمة على منهج المغامرة، وذلك بما هي معرفة ناقصة غير كاملة، وبما يشوبها من تدخل الذات الإنسانية وأحوالها. فهي لذلك في حاجة إلى تأمين. وإنما تأمينها هو "المعراج القرآني". وبيان ذلك هو كما يلي:ج- المعرفة القرآنية مضمونة مأمونة والمعرفة الصوفية مغامرة:وقد بين بديع الزمان هذه الحقيقة المنهجية، بما يكفي ويشفي، وذلك في سياق الجواب عن سؤال وجه إليه في موضوع "منهج المعرفة"، بمعناه "الابستيمولوجي"، عندما سئل في سياق المقارنة بين المتصوفة وعلماء الكلام: (ماذا يعني محيي الدين بن عربي عندما قال في رسالته الموجهة إلى فخر الدين الرازي: "إن معرفة الله غير معرفة وجوده." وما قصده منه؟فقال رحمه الله مجيبا: "إن الذي دعا محيي الدين بن عربي إلى أن يقول هذا الكلام لفخر الدين الرازي -وهو إمام من أئمة الكلام- هو: أن ما بيَّنَهُ أئمة أصول الدين وعلماء الكلام فيما يخص العقائد، ووجود الله سبحانه، وتوحيده، غير كاف في نظر ابن عربي.حقاً! إن معرفة الله المستنبطة بدلائل علم الكلام ليست هي المعرفة الكاملة، ولا تورث الاطمئنان القلبي، في حين أن تلك المعرفة متى ما كانت على نهج القرآن الكريم المعجز، تصبح معرفة تامة، وتسكب الاطمئنان الكامل في القلب. نسأل الله العلي القدير أن يجعل كل جزء من أجزاء رسائل النور بمثابة مصباح، يضيء السبيل القويم النوراني للقرآن الكريم.ثم إن معرفة الله التي استقاها الرازي من علم الكلام، كما تبدو ناقصة وقاصرة في نظر ابن عربي؛ فان المعرفة الناتجة عن طريق التصوف أيضاً ناقصة ومبتورة -بالنسبة نفسها- أمام المعرفة التي استقاها ورثة الأنبياء من القرآن الكريم مباشرة."[20]وهذا ما يسبب وجود "المغامرة المعرفية" في المنهج الصوفي، كما هو الشأن في المناهج الإنسانية الأخرى كعلم الكلام والفلسفة؛ بما يجعلها جميعها "ليست مصونة من الشبهات والأوهام". على حد تعبير النورسي، كما سترى بحول الله.إن السباحة في محيطات الروح أمر صعب جدا! لِمَا في ذلك من إبحار في عالم الغيب. وواضحٌ أن الدخول إلى مثل تلك العوالم بغير صحبة دليلٍ خريت: يعني الهلكة! ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً﴾.الإسراء:85 والدليل الحق عند النورسي إنما هو القرآن. لأن القرآن هو المفتاح المفسر لكتاب العالَم، من البحر المسجور إلى البيت المعمور! ومن دركات النفس الإنسانية إلى درجات الملائكة العندية! فمن ذا يدعي أنه أهل للدلالة على محجة تلك الطريق؟ إذن لا يكون إلا صاحب دعوى عريضة، أو أسير أهواء مريضة! إن الخرائط التي ترسمها النفس الإنسانية لمدارج الروح -بمجرد تذوقاتها الشخصانية، غير المبينة على علم بكتاب الله، وسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،- ليست سوى خرائط وهمية، قد تشابه الحقيقة؛ ولكنها لا تقاربها! لأنها تسير في طريقها بغير تأمين ولا ضمان! قال بديع الزمان: "إن أصول العروج إلى عرش الكمالات -وهو معرفة الله جل جلاله- أربعة:- أولها: منهاج علماء الصوفية، المؤسس على تزكية النفس، والسلوك الإشراقي.- ثانيها: طريق علماء الكلام المبني على الحدوث والإمكان (...).- ثالثها: مسلك الفلاسفة.هذه الثلاثة ليست مصونة من الشبهات، والأوهام!- رابعها: المعراج القرآني الذي يعلنه ببلاغته المعجزة، فلا يوازيه طريق في الاستقامة والشمول، فهو أقصر طريق وأوضحه، وأقربه إلى الله، وأشمله لبني الإنسان. ونحن قد اخترنا هذا الطريق!"[21]- إن الضمان والأمان الذي تفتقد إليه المعرفة الصوفية هو الذي يسبب لبعض أربابها كثيرا من الأوهام، والإلقاءات الشيطانية، التي نبها عليه النورسي تلميحا في النص المذكور أعلاه، والتي عبر عنها بعدُ تصريحا في سياق آخر، وذلك عند نقده لما يحصل من فرقة وتعصب بين مختلف الطرق؛ لما يتطرق إلى خواطر بعض المشايخ والمريدين من التخيلات والشطحات، التي تعصف بالطريقة وأهلها، وتجعل السير كله في غير مأمن من الانـزلاق بمهاوي الدركات؛ بدل الارتقاء بمنازل الدرجات!يقول رحمه الله: "إن بعض المتطرفين من أهل التصوف يظنون خطأً أن "الإلهام" بمرتبة "الوحيع"، كما يعتبرون الإلهام نوعاً من أنواع الوحي، فيسقطون في هذا المزلق الخطير. وقد بَرْهَنَّا (...) كيف أن الوحي سام، وعال، وساطع وضاء، وكلي شامل؛ بينما الإلهام بالنسبة إليه جزئي وخافت".[22] وهذا التوهم هو الذي يدخل الطرق الصوفية في صراع عدمي، بعضها مع بعض؛ بما يخيل إلى بعض أهلها من خصوص لديها ليس لدى غيرها؛ مما ينتج عنه في نهاية المطاف الوقوع فيما سماه النورسي بـ "الورطة"، وهي تفضيل الطريقة وأورادها الخاصة على الطريقة الأم، أعني السنة المحمدية. قال -رحمه الله- يصف هذه المشكلة المنهجية: "وهي ترجيح بعض المتطرفين والمتعصبين جداً للطريقة؛ لأوراد طريقتهم وآدابها؛ على أذكار السنة النبوية الشريفة، فيسقطون بذلك في منـزلق مخالفة السنة النبوية وتركها، في الوقت الذي يظلون متشبثين بأوراد طريقتهم، أي أنهم يسلكون سلوكَ غير المبالي بآداب السنة النبوية الشريفة، فيهوون في الورطة. وكما أثبتنا في كلمات كثيرة، وكما أكد كبار محققي الطرق، كالإمام الغزالي، والإمام الرباني: "أن اتباع سنة واحدة من السنن النبوية يكون مقبولاً عند الله أعظم من مائة من الآداب والنوافل الخاصة. إذ كما أن فرضاً واحداً يرجح على ألف من السنن؛ فان سنة واحدة من السنن النبوية ترجح على ألف من آداب التصوف!"[23]إن المعراج القرآني هو صمام الأمان الذي يقترحه النورسي مسلكا لهذا العصر؛ نظرا للاعتبارات المذكورة أعلاه، سواء على المستوى المنهجي؛ أو على المستوى الذاتي والموضوعي. ومن هنا كانت رسائل النور درسا متخصصا في بيان خصائص هذا المسلك، الذي يرى بديع الزمان أنه مسلك المستقبل الذي به يتجدد عهد الأمة وميثاقها، وبه تكون وحدتها وانبعاثها من جديد.الفصل الثانيفي خصائص الفكر النوري التربويبما أن الفكر النوري قرآني المشرب؛ فإنه يصعب حصر كل خصائصه المنهجية؛ لأنه استصحب أنوار القرآن الكريم في التربية والتبليغ، واعتمد على قواعده في الخطاب عند مواجهة النفس الإنسانية، وبناء النسيج الاجتماعي. بيد أنا ههنا بحول الله سنبقى في سياق المقارنة المنهجية بينه وبين الفكر الصوفي؛ وبهذا تتحدد لنا الخصائص المنهجية الكبرى، فنصوغها في كليات ترجع إليها كثير من الخصائص الفرعية. وعليه؛ فإنه يمكن أن نحصر خصائص الفكر النوري على المستوى التربوي خاصة؛ في ثلاث كليات كبرى، تميز بها عن الفكر الصوفي المعاصر له. وهي كما يلي:- الصبغة القرآنية- الشمولية الاستيعابية- المنهجية التفكرية الكونيةونعرض الآن -بحول الله- كلَّ واحدة على حدة، بنوع من التفصيل.أولا الصبغة القرآنية:أهم خاصية تميز بها الفكر النوري جملة - بحيث لا تكاد تجد رسالة من رسائله، ولا حدثا في حياته الدعوية، خاصة بعد مرحلة "سعيد الجديد" إلا وهي قرآنية المعنى، في كل تجلياتها، من بدايتها إلى نهايتها. ولم تكن رسائل النور في نهاية أمرها غير فيض من حقائق القرآن، كما عبر النورسي نفسه في غير ما مناسبة. وقد سبق نص قوله الصريح: "إن أكثر أحداث حياتي، قد جرت خارجة عن طوق اقتداري، وشعوري، وتدبيري؛ إذ أُعْطِيَ لها سيرٌ معينٌ، ووُجِّهت وجهةً غريبةً؛ لتنتج هذه الأنواع من الرسائل التي تخدم القرآن الحكيم. بل كأن حياتي العلمية جميعها بمثابة مقدمات تمهيدية؛ لبيان إعجاز القرآن بالكلمات!"[24]وكأنما هو بذلك يشير إلى "الرؤي" القرآنية التي رآها في صغره، والتي ذكرها أكثر من مرة في رسائله؛ بما يُظهر مدى ما كان لها من الأثر في بناء وجدانه، وتوجيه حياته كلها!قال رحمه الله تحت عنوان: "رؤيا صادقة حول إعجاز القرآن:قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وقبل إبّان نشوبها رأيت في رؤيا صادقة الآتي:رأيت نفسي تحت جبل "آرارات".. وإذا بالجبل ينفلق انفلاقاً هائلاً، فيقذف صخوراً عظيمة كالجبال إلى أنحاء الأرض كافة! وبينما أنا في هذه الرهبة التي غشيتني رأيت والدتي -رحمة الله عليها- بقربي. قلت لها: لا تخافي يا أماه! إنه أمر الله، إنه رحيم، إنه حكيم. وإذْ أنا بتلك الحالة؛ إذا بشخص عظيم يأمرني قائلاً:- بيّن إعجاز القرآن!أفقتُ من نومي، وأدركتُ أنه سيحدث انفلاق عظيم! وستتهدم الأسوار التي تحيط بالقرآن الكريم؛ من جراء ذلك الانفلاق والانقلاب العظيم! وسيتولى القرآن بنفسه الدفاع عن نفسه! حيث سيكون هدفاً للهجوم، وسيكون إعجازه هو حصنه الفولاذي، وسيكون شخص مثلي مرشحاً للقيام ببيان نوع ٍمن هذا الإعجاز في هذا الزمان -بما يفوق حدّي وطوقي كثيراً- وأدركتُ أني مرشح للقيام بهذا العمل!"[25]لقد كانت هذه الرؤيا تسكن وجدانه كلَّ عمره. فكلما ألمت به ملمة من مصائب الدهر، أو حلت بأمته؛ إلا وتذكر ذلك "الأمر" القرآني الحتمي، الذي تعين في حقه كما فهم هو -رحمه الله- من رؤياه. فلم يزل كذلك يتردد بين التصورات والمناهج؛ حتى استقر به المطاف على شواطئ "سعيد الجديد"،[26] ذلك الرجل القرآني بامتياز؛ فكانت "رسائل النور"، وكانت حركة القرآن تملأ كل مكان!ومن تأمل تعريف النورسي للقرآن يدرك مدى العمق الذي تغلغل إليه التعامل مع القرآن وبالقرآن في حياة النورسي.قال رحمه الله: "فإن قلت: القرآن ما هو؟ قيل لك:"هو الترجمة الأزلية لهذه الكائنات، والترجمان الأبدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية، ومفسر كتاب العالم.. وكذا هو كشاف لمخفيات كنوز الأسماء المستترة في صحائف السماوات والأرض. وكذا هو مفتاح الحقائق والشؤون المضمرة في سطور الحادثات. وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة. وكذا هو خزينة المخاطبات الأزلية السبحانية، والالتفاتات الأبدية الرحمانية. وكذا هو أساس وهندسة وشمس لهذا العالم المعنوي الإسلامي. وكذا هو خريطة للعالم الأخروي. وكذا هو قول شارح، وتفسير واضح، وبرهان قاطع، وترجمان ساطع؛ لذات الله وصفاته وأسمائه وشؤونه.وكذا هو مرب للعالم الإنساني. وكالماء وكالضياء للإنسانية الكبرى التي هي "الإسلامية". وكذا هو الحكمة الحقيقية لنوع البشر، وهو المرشد الهادي إلى ما خلق البشر له. وكذا هو للإنسان: كما أنه كتاب شريعة كذلك كتاب حكمة. وكما أنه كتاب دعاء وعبودية كذلك هو كتاب أمر ودعوة. وكما أنه كتاب ذكر، كذلك هو كتاب فكر.وكما أنه كتاب واحد، لكن فيه كتب كثيرة، في مقابلة جميع حاجات الإنسان المعنوية. كذلك هو كمنـزل مقدس مشحون بالكتب والرسائل؛ حتى إنه أبرز لمشرب كل واحد من أهل المشارب المختلفة، ولمسلك كل واحد من أهل المسالك المتباينة، من الأولياء والصديقين، ومن العرفاء والمحققين؛ رسالةً لائقةً لمذاق ذلك المشرب وتنويره، ولمساق ذلك المسلك وتصويره، حتى كأنه مجموعة من الرسائل".[27]وقد سبقت لنا دراسة لهذا التعريف أثبتنا فيها شمولية التلقي لحقائق القرآن لدى بديع الزمان؛[28] مما كان له أكبر الأثر في قرآنية فكره وعمله على الإجمال. ذلك أنه رحمه الله "لم يكن يقصد في بيان "مفهوم القرآن"؛ إلى صياغة تعريف رسمي أو حدي -على طريقة المناطقة- غايته حصر العقول في معنى "القرآن" من حيث هو "مصحف مكتوب"، بما لا يدع مجالا للخلط بينه وبين غيره، أو تحريفه بالزيادة والنقصان، فتلك غاية تكفل الله بها سبحانه، إذ قال عز وجل: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.الحجر:9 وعلماء القرآن والمفسرون ثم حفاظ الأمة من ورائهم، هم الذين سخرهم الله جل جلاله؛ لتنفيذ هذه المهمة العظيمة. إلا أن بديع الزمان ما كان يسعى إلى هذا، بقدر ما كان يسعى إلى محاولة تعريف "القرآن" من حيث هو "كلام رب العالمين" المتوجه برسالته إلى الإنسان حامل الأمانة! فكأنه رحمه الله كان يروم تعريف "القرآن" من حيث هو مضمون، ومقاصد، لا أحرف ورسوم. بمعنى أنه كان يحاول تعريف القرآن من حيث هو رسالة ربانية، تحدد غاية الوجود البشري في الكون، وتلخص قصة التكوين، وترسم للإنسان مدار فلكه الذي ينبغي له أن يسلكه إلى ربه".[29]فبناء على هذا وذاك؛ جعل النورسي حياته كلها خادمة للقرآن، بل سمى نفسه "خادم القرآن"، وكذا كل تلاميذه إنما هم "خدام القرآن". وانطلقت بذلك حركة "خدمة القرآن" في الأرض، تبني أركان الأمة، كما بنى إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- أركان البيت، وكما بنى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جيل الصحابة! فكانت "رسائل النور" على المنهج نفسه، حركة قرآنية تجديدية، تحيي الموات، وتستبصر ما هو آت! فَلَكَ إنْ أردتَ الاختصار -في وصف حركة النور من حيث وظيفتها- أن تقول: إنها حركة تذويق القرآن.فكأن النورسي خَادِمٌ سَقَّاء، لا يفتأ يذرع الأرض طولا وعرضا، يحمل كأسا مترعة بحقائق الإيمان، مقطرة تقطيرا من رياحين القرآن، يسقي العطشى.. ولقد كان أمره عجبا: قطرة واحدة من روح القرآن كافية لإرواء صحراء شاسعة من البشرية التائهة في الجحيم! ومن هنا كان الرجل -رحمه الله- يتنقل بين البلاد والعباد، مستجيبا لإرادة الله وعجيب قدرته، مرة منفيا، ومرة سجينا، وأخرى سائحا في ملكوت الله.. فيهب هذا "قطرة"، وذاك "رشحة"، والآخر "شمة"، أو "نقطة"، أو "ذرة"، وهكذا..[30] يوزع الأذواق والمواجيد، ويعلم الجيل كيف يتذوق القرآن. حتى إذا حصل له الذوق الحقيقي؛ وجد نفسه أسير جمال القرآن، فلم يكن له آنئذ إلا أن يذوب في شعاعه الوهاج! ومن ثَمَّ يكون رافدا جديدا من روافد حركة النور.ثانيا الشمولية الاستيعابية:والمقصود بذلك أن بديع الزمان وهو يصوغ خطابه التجديدي كان يضع نصب عينيه الأمة الإسلامية جمعاء، حاضرها ومستقبلها. فلم يكن له قصد إنشاء طريقة تجمع عددا من المريدين وكفى. إذ لا يتصور في أصحاب الطرق أنهم سيجمعون كل الأمة في هذه الطريقة أو تلك، وإنما غاية أحدهم أن تكون طريقته أوسع شيوعا وأكثر اتباعا. أما النورسي فقد كان القصد عنده هو بناء خطاب تجديدي لكل الأمة. ومن هنا قصد أن يُدخل كل الناس في مراد خطابه. وهو بعض معنى مقولته المشهورة المقررة قبلُ: "إن هذا الزمان ليس زمان الطريقة الصوفية؛ بل زمان إنقاذ الإيمان!"[31]ولذلك حرص حرصا شديدا على ألا يقدم نفسه للناس على أنه شيخ طريقة؛ بما للشيخ في الطريقة من مركزية قطبية، وإنما قدم نفسه على أنه "الأستاذ"، بما لهذا المصطلح من دلالة منهجية ضرورية في العملية التربوية. لكنها لا تصل إلى درجة التصدي للمصدرية المعرفية كما هو الشأن في مفهوم "الشيخ" لدى أغلب الطرق الصوفية. ولقد رسم كلمة منهجية بهذا الشأن في سياق تقديم رسائل النور، حقُّها أن تكتب بماء الذهب. فيها من معاني التجرد من الحول والقوة، بل التبرؤ من الذات؛ ما لا تكاد تجده عند غيره، خاصة في هذه الأزمنة المتأخرة. قال رحمه الله في الملاحق : "يا سعيد! كن صعيداً! في نكران تام للذات، وترك كلي للأنانية، وتواضع مطلق كالتراب؛ لئلا تعكر صفو رسائل النور! وتقلل من تأثيرها في النفوس!" [32]هكذا تجرد بديع الزمان من كل شيء، وتبرأ من كل فيء، ولو حتى ما يسمى اليوم بحقوق التأليف، فكأنه لا هو ألف ولا هو أملى، وإنما هي رسائل النور ذاتها تكلمت من خلاله، فلم يكن حضوره إزاءها غير خادم مطيع، يُبَلِّغُ ما تبصره روحه من أنوار القرآن!وعليه؛ فلم يكن خطابه يخص فئة دون فئة، ولا طبقة دون أخرى، بل كان يتوجه إلى الأمة جمعاء، بل إلى "الإنسان" بما هو مركز التلقي في الخطاب القرآني ذاته. لقد كان النورسي على وعي كبير ومبكر جدا؛ بأن الخطاب المعاصر لابد لنجاحه أن يكون لكل الناس. أي لا بد أن يستوعب قضايا الإنسان أنى كان وكيفما كان! ويحمل راية التحدي الحضاري في سياق التدافع الثقافي والحوار العالمي. وكأنه كان يرى بعين الاستبصار ما تسير به الأضواء العالمية اليوم -على المستوى السياسي والثقافي والاقتصادي- من مفهوم "العولمة"! فكان بدل أن يسجل القطيعة مع الآخر -كما يفعله بعض الجهلة اليوم- يدخل عليه سوق المنافسة بقوة! ويخاطب الإنسان بمنطق العرض للبضاعة الروحية؛ بما يملكه التاجر القوي من يقين التفرد في الجودة والإتقان!وأمثلة ذلك في رسائل النور هي كل خطاب الرسائل. وإنما نعرض ههنا بعض الأمثلة الصريحة؛ بما يدل على الوعي التام لدى بديع الزمان بهذه الحقائق العالمية الكبرى. فمن ذلك مثلا تجاوزه للزمان، وخرقه لحجب المستقبل في مخاطبة الأجيال! فلطالما نادى الأجيال المقبلة بعد خمسين سنة! وحدثها بخطاب حميمي جميل، تملؤه المحبة والود، وكأنما هو يعرفهم! قال مثلا: "يا إخوتي! ويا زملائي!.. الذين يسمعون هذا الكلام بعد خمسين عاماً!"[33]لقد كان بديع الزمان ينظر بعين القرآن إلى الأمة في كليتها، مستوعبا شمولية الدين في الخطاب والتربية، تماما كما هي طبيعة التجديد الاستغراقية الشاملة، التي لا ترد إلا مع العلماء الأبدال وُرَّاثِ النبوة، الذين لا يظهرون إلا على رأس كل قرن! كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينه".[34] وهذا لا يكون إلا إذا تَمَّ بمنهج شمولي جامع. وكذلك كان بديع الزمان.ثالثا المنهجية التفكرية الكونية:والتفكرية الكونية التي اتصف به منهجه التجديدي كانت حاضرة بقوة في كل مجالات رسائل النور، سواء في ذلك التصورات والمنطلقات، أو التوجيهات التربوية والمقاصد الربانية.فمن حيث التصور جعل بديع الزمان "الكون" ركنا مهما من أركان خطابه التجديدي، وركيزة أساسية من ركائز منظومته التربوية. فخاطب الإنسان لا بما هو مخلوق من مخلوقات الله وحسب، ولكنه خاطبه بما هو "كائن كوني"، يحمل أمانة كونية يسير بها إلى الله، وكل الكائنات خلفه تتبعه مؤتمة به سائرة إلى الله بسيره. فلم يكن إذن؛ لمفهوم الأمانة التي "حملها الإنسان" عنده إلا معنى "الإمامة الكونية"! ذلك أن الإنسان هو خلاصة الكون وثمرته الجامعة[35]. ومن هنا قوله رحمه الله: "إن الإنسان ثمرة شجرة الخلقة، فهو كالثمرة أبعد شيء عن البذرة، وأجمع لخصائص الكل"،[36] وقال أيضا: "إن الإنسان هو الثمرة النهائية لشجرة الخلقة، ومن المعلوم أن الثمرة هي أبعد أجزاء الشجرة، وأجمعها وألطفها؛ لذا فإن الإنسان هو ثمرة العالم، وأجمع وأبدع مصنوعات القدرة الربانية، وأكثرها عجزا وضعفا ولطفا!"[37]وكثيرا ما كان يعبر عن هذا المعنى بمصطلح "الفهرست"؛ للدلالة على العلاقة الجامعة بين الإنسان والمحيط الكوني حوله، سواء في ذلك جانبه الغيبي أو جانبه المادي. حتى يستغل تلك المعطيات جميعها في المجال التربوي؛ لإعادة ربط الصلة بين الإنسان وبين عمقه الكوني، فيخرجه من السَّفَهِ الفكري إلى الْحِلْمِ الوجودي. تماما على وزان منهج القرآن في مخاطبة الإنسان، على نحو ما نجد في مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا!﴾.الأحزاب:72 فهذه التكاملية الكونية التي ينطوي عليها الإنسان، والمتجلية في ضعفه وحاجاته التي لا تكاد تنقطع! مما يجعله ينظر إلى سائر الكون نظرة الراغب في استيعابه لخدمته وتسخيره؛ هي التي جعلت بديع الزمان يجلي الحقيقة الإنسانية في صورة الفهرست الجامع. قال رحمه الله: "إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وجعله نسخة جامعة للكائنات، وفهرستة لكتاب العالم"،[38] ثم قال أيضا: "إن الإنسان مع صغر جرمه وضعفه، وكونه حيوانا من الحيوانات؛ ينطوي على روح غال، ويحتوي على استعداد كامل، ويتبطن ميولات لا حصر لها، ويشتمل على آمال لا نهاية لها، ويحوز أفكارا غير محصورة، ويتضمن قوى غير محدودة. مع أن فطرته عجيبة كأنه فهرستة للأنواع والعوالم".[39]وأما من حيث التربية والتزكية: فقد كان لحضور المقولات الكونية - لدى النورسي - الأثر البالغ في تكوين شخصية الإنسان القرآني، وإخراج الجيل النوري. وأساس ذلك ما ضَمَّنَهُ منهجَه التربوي من قواعد ترجع جميعها إلى مبدأ "التفكر". فالتفكر عنده وسيلة تربوية، وغاية تعبدية، قائمة على الذوق والتذوق؛ أكثر مما هي قائمة على عمليات العقل المجردة من العواطف والأحاسيس الوجدانية. بل هو فكر الروح وعقل القلب! وذلك أخذاً من قوله تعالى: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ!﴾.آل عمران:191 وهذا المعنى له علاقة بمصطلح آخر، هو "التدبر" المأخوذ من قوله تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفالُهَا؟﴾.محمد:24 والتدبر: هو منهج قراءة الكتاب المسطور، بينما التفكر: هو منهج قراءة الكتاب المنظور. فهما مفهومان قرآنيان متداخلان أحدهما يحيل على الآخر. ولذلك استعمل النورسي مصطلح "التفكر" باعتباره خطوة من خطواته التربوية المشهورة، التي قدمها بديلا قرآنيا عن الأوراد الصوفية؛ رغبة منه في الاستجابة لتحديات العصر الجديدة. وهي أربع خطوات، بها يتم العروج إلى الله عبر طريق القرآن الكريم. وهي: "العجز، والفقر، والشفقة، والتفكر". فهذه المعاني يستشعرها العبد في ممارسة عبادته للّٰه الواحد القهار، هذه العبادة التي لا تختلف أشكالها، ولا أعدادها، ولا شروطها؛ عما هو معروف ومشتهر لدى جمهور المسلمين، أو ما يسمى لدى الفقهاء بـ "المعلوم من الدين بالضرورة"؛ ولذلك اعتبر النورسي منهجه هذا أقرب إلى الحقيقة الشرعية؛ منه إلى الطريقة الصوفية.قال رحمه الله في سياق مقارنة طريق القرآن بطريق العشق الصوفي: "للوصول إلى الله سبحانه وتعالى طرائق كثيرة وعديدة. ومورد جميع الطرق الحقة، ومنهل السبل الصائبة هو القرآن الكريم (...) وقد استفدت من فيض القرآن الكريم -بالرغم من فهمي القاصر- طريقا قصيرا وسبيلا سويا هو: طريق العجز، الفقر، الشفقة، التفكر.نعم! إن العجز: كالعشق موصل إلى الله، بل أقرب وأسلم، إذ هو يوصل إلى المحبوبية بطريق العبودية. والفقر: مثله يوصل إلى اسم الله "الرحمن". وكذلك الشفقة: كالعشق موصل إلى الله، إلا أنه أنفذ منه في السير، وأوسع منه مدى، إذ هو يوصل إلى اسم الله "الرحيم". والتفكر: أيضا كالعشق، إلا أنه أغنى منه وأوسع نورا، وأرحب سبيلا، إذ هو يوصل السالك إلى اسم الله "الحكيم".وهذا الطريق يختلف عما سلكه أهل السلوك في طرق الخفاء (...) وهو حقيقة شرعية أكثر مما هو طريقة صوفية (...).أما أوراد هذا الطريق القصير وأذكاره فتنحصر في اتباع السنة النبوية.. والعمل بالفرائض، ولا سيما إقامة الصلاة باعتدال الأركان والعمل بالأذكار عقبها، وترك الكبائر".[40]والحقيقة أن الخطوات الأخرى الثلاث: "العجز، والفقر، والشفقة" -رغم ضرورتها التربوية عنده في طريق العروج إلى الله- إلا أنها نتائج للتفكر وثمارٌ له. لأنها ثلاثتَها لا تتصور في الوجود بدونه، بينما هو يكون بدونها. فغير المتفكر لا يمكن أن يستشعر عجزا، ولا فقرا، ولا شفقة، بالمعنى التعبدي لتلك الكلمات، فإذا فعل؛ فمعناه أنه مَرَّ عبر مسلك التفكر، ولو بصورة لا شعورية. فهي ليست في نهاية المطاف سوى تجليات للتفكر، وآثار وجدانية له. فالتفكر إذن؛ هو الوعاء الجامع لها جميعا.ومن هنا كان لك أن تقول: إن رسائل النور ليست سوى نتيجة وجدانية لمسلك التفكر. بل إن "سعيدا الجديد" نفسه ليس سوى ذلك! وقد استقرينا هذا في مجمل الرسائل، فوجدنا بديع الزمان كثيرا ما يصرح به تصريحا. ولطالما عبر عنه في مطالع المشاهد المعروضة لديه من الرسائل، وكذا في خواتيمها، من مثله قوله في "المكتوب التاسع عشر" من "المكتوبات": "لقد أنعم الله سبحانه وتعالى عليّ يوماً بتفكرٍ حقيقي حول مجمل ماهية القرآن الحكيم؛ فأدوّن ذلك التفكر كما ورد على القلب..."[41] وقوله في السياق نفسه: "أما معنى هذا التفكر فكما يأتي..."[42] ثم يشرع في البيان. وكذا قوله في "الكلمات" مستنتجا: "إن نتيجة هذا التفكر تبيّن أنه لأجل محاكمة الإنسان وفوزه بالسعادة الأبدية، يُدَمَّرُ الكونُ كله إذا لزم الأمر. فالقوة القادرة على التدمير والتبديل موجودة فعلاً، وهي ظاهرة ومشهودة.."[43] ومثل ذلك في الرسائل كثير جدا.وعليه؛ فإننا لم نجانب الصواب -بحمد الله- بقولنا السابق: إن سعيدا الجديد ذاته إنما هو نتيجة لمسلك التفكر. وهذه شهادته هو نفسه رحمه الله ناطقة. قال في اللمعات: "حينما سار "سعيد الجديد" في طريق التأمل والتفكر، انقلبت تلك العلوم الأوروبية الفلسفية، وفنونها التي كانت مستقرة إلى حدٍّ ما؛ في أفكار"سعيد القديم" إلى أمراض قلبية، نشأت منها مصاعب ومعضلاتٌ كثيرة، في تلك السياحة القلبية. فما كان من "سعيد الجديد" إلاّ القيام بتمخيض فكره، والعمل على نفضه من أدران الفلسفة المزخرفة، ولوثات الحضارة السفيهة".[44]وهذا المنهاج الذي طبقه النورسي على نفسه؛ فأخرج "سعيدا الجديد" من ركام "سعيد القديم" هو نفسه ما جعله منهاج التحلية والتخلية في العملية التربوية، التي مارسها -بصفته معلما ومربيا- تجاه تلاميذه. حتى إنه -رحمه الله- كان يعقد مجالس لطلاب النور -كما حدثنا بعضهم- يعلمهم بصورة تطبيقية منهج التفكر، ويذيقهم من حلاوته مشاهدَ ذات لذة روحية حية! فكانوا بذلك أهل ذوق قرآني صافي المشرب!نعم، لقد كانت "التفكرية الكونية" -بما هي ورد نوري ضروري- خاصية عميقة جدا، مميزة لمشروع النورسي التجديدي، تسري في شرايين الحقائق النورية، وتطبع كل رسائل النور. وتلك واحدة من أهم ملامح التجديد للدين الذي مارسه بديع الزمان. فاستطاع بذلك أن يخرج بالتصوف من أوراد اللسان إلى أوراد الجنان، ومن رقصات الأشباح إلى سبحات الأرواح!!خاتـمةوأخيرا.. فإن غاية ما نخلص إليه من هذا البحث المقارن أن الأستاذ النورسي رحمه الله -مهما بدا منه من نقد للمتصوفة ومقولاتهم- فإنه لم يتجاوز التصوف تجاوز نقض وإضراب؛ وإنما تجاوزه تجاوز احتضان واستيعاب. ولقد كان -رحمه الله- في مشروعه هذا أشبه ما يكون بالشيخ الإمام أحمد زروق المغربي، الملقب بمحتسب الصوفية، صاحب كتاب "عُدَّة المريد الصادق" في نقد التصوف، ومؤسس الطريقة الزروقية في الوقت نفسه! ثم الإمام ابن القيم في "مدارج السالكين"، وكذا الإمام أبي إسحاق الشاطبي بين "الموافقات" و "الاعتصام". كل أولئك وأضرابهم من أعلام التجديد، الذين انتقدوا التصوف تصحيحا واستيعابا؛ لتجديد السير إلى الله، واستئناف الإشعاع الحضاري للأمة في مجال التربية والتدافع الإنساني، كانوا عبارة عن محطات حضارية مضيئة في تاريخ الأمة، ترسل النور عبر القرون ملهمة ذاكرة الأجيال؛ لتستأنف السير في مجال الإصلاح العلمي والمفهومي والتجديد الأخلاقي. فلم يكن بديع الزمان إذن سوى محطة جديدة من محطات الإرسال النوري لهذا العصر الجديد، خاطب الزمان بما ناسبه من مقامات الخطاب مرشدا ومتحديا.. عسى أن يكون هناك من يتلقى الإشارة للانطلاق من جديد!ذلك والله الموفق للصواب والمعين عليه.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.وكتبه عبد ربه، راجي عفوه وغفرانه: فريد بن الحسن الأنصاري السجلماسي.وكان تمام تسويده بمكناسة الزيتون، عشية يوم الاثنين: 14 ربيع الثاني: 1426هـ، الموافق لـ: 23/05/2005م. * * *لائحة المصادر والمراجع:- القرآن الكريم.
- صحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. شرح وتحقيق الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي. دار القلم بيروت. ط. الأولى: 1407هـ/1987م.
- صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. دار الحديث بالقاهرة. ط. الأولى: 1412هـ/1991م.
- صحيح الجامع الصغير وزياداته للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي بيروت/ دمشق. ط. الثالثة: 1408هـ/1988.
- كليات رسائل النور تأليف الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، نشر دار ( سوزلر) للنشر، فرع القاهرة ط 2 بمصر 1412 هـ/ الموافق 1992م. وتتضمن:
- الجزء الأول : الكلمات
- "الثاني: المكتوبات
- "الثالث: اللمعات .
- "الرابع: الشعاعات
- "الخامس: إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز.
- "السادس: المثنوي العربي النوري .
- "السابع: الملاحق .
- "الثامن: صيقل الإسلام .
- "التاسع: سيرة ذاتية .
- مفاتح النور: (نحو معجم شامل للمصطلحات المفتاحية لكليات رسائل النور لبديع الزمان سعيد النورسي) تأليف د. فريد الأنصاري. نشر معهد الدراسات المصطلحية بجامعة السلطان محمد بن عبد الله بفاس، ومركز النور للدراسات والبحوث بتركيا. مطبعة نسيل إسطنبول/ تركيا. ط. الأولى: 2004.* * *الهوامش:1 جامعة مولاي إسماعيل مكناس المغرب هذا البحث ألقاه المرحوم في الورشة العلمية التي أقامتها مؤسسة الثقافة والعلوم بإسطنبول حول التصوف وسعيد النورسي في 26-27/ 07/2005.
2 قال رحمه الله: "وأستاذي في الطريقة النقشبندية: سيد نور محمد"*** سيرة ذاتية ص 236. والملاحق ص71.
3 المكتوبات ص571.
4 سيرة ذاتية ص 46-47.
4 المكتوبات ص484، وسيرة ذاتية ص10
[6] سيرة ذاتية ص 369
[7] سيرة ذاتية ص 368
[8] المكتوبات للإمام الرباني أحمد السرهندي: 1/182 (المكتوب: 210) نقل
ةعيبطو ةيبرتلا جهنمب قلعتي اميف ،ةيرزم ةلاح ىلإ لصو هنامز يف فوصتلا نأ مولعمو نم لصح امب ؛ةضيرع ىواعدو ،لمعلاو لوقلا نيب ىربك تاقرافم جتنأف ،كولسلا هلهأ نم سيل نمم هلخد امبو ،ةعيرشلاو ةقيقحلا نيب هلهأ نم ريثك ىدل ةعيطق لعجو ،هلهأو فوصتلا ىلإ ءاسأ امب ،نيباذكلاو ةلجاجدلا ضعب نم هب نيققحتملا
Primary Language | Arabic |
---|---|
Journal Section | ARTICLES |
Authors | |
Publication Date | June 1, 2014 |
Published in Issue | Year 2014 Issue: 9 - Al Nur Issue 09 |