Yeni Sayfa 1أساسيات منهج الفكر المقاصدي عند النورسيذ. عبد العزيز البطيوي1الحمد للّٰه رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخاتم النبيئين على آله وصحبه أجمعين، أما بعد: عند اختياري لعنوان هذا الموضوع حسبت الأمر سهلا ميسرا فإذا بي أمام أسرار، إذ الرجل ليس عاديا، وقلت لنفسي لاشك أن هذا الرجل الذي قرأ الأصول وضبطها، ودرس وحفظ "جمع الجوامع" في أسبوع واحد وكان لفكره ومشروعه الإصلاحي هذا التأثير العظيم لابد أن تكون له رؤية مقاصدية واضحة، وأنه شيد بناءه المعرفي على أصول وكليات الشريعة، فأصاب الهدف ونال المقصد، وحسبي أن أنبه إلى أن النورسي كان يصدر في جميع أفكاره ومقولاته عن عقل مقاصدي يتخذ من المقاصد منطلقا لفهم الشريعة وتنزيل أحكامها، وأساسا لصياغة أولويات مشروعه الإصلاحي الرامي إلى تجاوز أزمة الإيمان وتحقيق المصالحة مع الدين وذلك بالعودة إلى القرآن الكريم والعيش في رحابه والتفيؤ بظلاله. وقد تحقق في مشروع النورسي حقيقة أن القرآن الكريم هو "النور الخالد المطلق" وآمن هذا الرجل إيمانا جازما أن القضية هي أن نفهم عن الله من خلال كلامه المبين وذكره الحكيم مقاصد هذا النور والغايات التي يريد من البشرية أن تتوجه إليها والحكم التي ينبغي أن تضبط حركتها في الحياة. وعلى هذا الأساس كان سعي النورسي إلى تقليص الهوة والفجوة والمسافة بين الفقه المعهود والواقع المعيش، وتجاوز القراءة النصية التجزيئية لآيات الأحكام والتي تظل قاصرة عن إدراك كليات الشريعة ومقاصد القرآن الكريم. وفي مقابل ذلك كان نظر النورسي نظرا مقاصديا صادرا عن عقلية أصولية مجددة تستكشف المصالح خلف الأحكام، وتعتمد على الكليات التشريعية وتجعل منها حكما في فهم النصوص، فتراه يرد الجزئي إلى الكلي، والفرع إلى الأصل، ويميز بين المقاصد الأصلية والمقاصد التبعية، لا تستغرقه الجزئيات ولا تستهويه الأشكال، وإنما يغوص غوص العارف المتقن فيتبين الحكم والغايات، والمقاصد والجواهر، ويجعل الآيات تنطق بأسرارها. ولعل عدم انشغال النورسي كثيرا بالأحكام الفقهية الجزئية وعنايته أكثر بإحياء فقه المقاصد فيه دلالة على الرؤية التي يصدر عنها فكر الرجل وإدراكه للمرحلة التاريخية التي تمر منها الأمة الإسلامية والتي تستدعي عدم الانحسار داخل الفقه بمعناه الضيق والذي تضخم عبر قرون التخلف على حساب الفقه السياسي والاجتماعي، والتوجه نحو استبصار القواعد الكلية والحكم العلية والمقاصد السامية لأحكام الشريعة ونصوص القرآن الكريم حتى يتجدد الفقه ويستعيد وظيفته الفاعلة في توجيه حركة الحياة ويضبطها بروح الشريعة ويحررها من العجز والجمود والركون إلى الأرض والانشغال بتوافه الدنيا والإعراض عن أنوار الإيمان وحقائق التوحيد. ولذلك لم يكن انشغال النورسي بالمقاصد ترفا فكريا أو انفلاتا تربويا يخفي وراء دعوى التجديد الانسلاخ من أحكام الشرع أو عملا أكاديميا محضا وإنما كانت دعوته إلى المقاصد دعوة العالم العامل المجاهد المسكون بهاجس الإصلاح واستعادة الأمة لدورها الحضاري المتمثل في الشهادة على العالمين. لقد كان وعي النورسي متقدما كثيرا على معظم من عاصروه وعلى كثير ممن نعاصرهم نحن اليوم بالأهمية البالغة للمقاصد باعتبارها أكبر الموجهات أو المحددات المنهجية والمعرفية لحركة الفكر وفكر الحركة "الممارسة العملية" بدلا من اجترار المعارك الوهمية التي خاضها علم الكلام والفلسفة والتي لم تثمر سوى جدالات ومساجلات أفقرت العقائد مضمونها الإيماني وفعاليتها التغييرية. أولا: تعريف المنهجية المقاصدية: 1- تعريف المنهجية: لا يدل هذا المصطلح هنا على العلم الذي يدرس كيفية methodologie بناء المناهج واختبارها وتعديلهابل المقصود هنا تلك الأدوات والطرائق والإجراءات التي يسلكها العقل لبلوغ المعرفة التي يسعى إليها. وهذه العناصر لا تنفصل بحال عن الإطار المرجعي والنموذج المعرفي والجهاز المفاهيمي الذي يحكمها ويوجهها، ولذلك سيكون حديثنا جمعا بين الأمرين لهذا السبب ولسبب آخر وهو صعوبة الفصل والتمييز بينهما في كتابات النورسي. 2- تعريف المقاصد: إن قارئ الموافقات -السفر التنظيري للمقاصد- لن يعثر على تعريف للمقاصد ولا عند غيره من الأصوليين والفقهاء ممن تعرضوا لذكر المقاصد قديما، كما بين ذلك د.الريسوني ذلك أنهم انصرفوا إلى العمل بها اجتهادا وتطبيقا وتنزيلا وقدموا في ذلك استعمالات دالة على معنى المقاصد كالحكمة المقصودة والمصلحة والعدل ونفي الضرر ودفع المشقة والعلل والغرض والمغزى وعدم تعلق الأحكام بالألفاظ كما هو قول ابن العربي في أحكام القرآن: "ولا تتعلق الأحكام بالألفاظ إلا أن ترد على موضوعاتها الأصلية في مقاصدها المطلوبة، فإن ظهرت في غير مقصدها لم تعلق عليها مقاصدها..."2 وفي مقابل ذلك وجدنا الشيخ الطاهر بن عاشور يعرف المقاصد العامة للشريعة قائلا "هي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة فيدخل في هذا: أوصاف الشريعة وغاياتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضا معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منه".3 وعرفها الأستاذ علال الفاسي موضحا موجزا فقال: "المراد بمقاصد الشريعة الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامه"4 وفيه إشارة إلى المقاصد العامة والمقاصد الخاصة وبناء على هذين التعريفين ومن خلال ما كتبه العلماء في موضوع المقاصد خلص د. الريسوني إلى هذا التعريف: "إن مقاصد الشريعة: هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها، لمصلحة العباد"5 وقد اختار الخادمي تعريفا للمقاصد نحته من التعريفات السابقة فجعل المقاصد هي: "المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية والمترتبة عليها، سواء كانت تلك المعاني حكما جزئية أم مصالح كلية أم سمات إجمالية وهي تتجمع ضمن هدف واحد هو تقرير عبودية الله ومصلحة الإنسان في الدارين".6 ويبدو أن الريسوني رجح كلمة الغايات مسايرا في ذلك الفاسي في حين رجح الخادمي كلمة المعاني مسايرا في ذلك ابن عاشور للدلالة على لفظ المقاصد وإن كانت الكلمتين متداخلتين متقاربتين فالأرجح تغليب كلمة الغاية على كلمة المعنى لكونها أعم وأشمل.ومن خلال ما سبق يبدو أن المقاصد كغايات أو كمعاني صرحت بها الشريعة ووضعتها لاعتبارها عند استنباط الأحكام وتحقيقا لمصلحة العباد، هي فن شرعي معتبر يراعي إنسانية الإنسان وتنزيل نصوص الشريعة على الواقع البشري.وارتباطا مع موضوع المقاصد عند النورسي، ونظرا لاشتغاله ببيان مقصود القرآن العظيم يمكن القول بعد استقراء أولي لما كتبه النورسي أن المقاصد عنده هي: المعاني والغايات والحكم الملحوظة للشارع الدالة على أسرار أحكامه المرعية لمصالح الخلق المتجلية في كل سورة من سور القرآن بل في كل آية من آياته وكلمة من كلماته وحرف من حروفه.3- المنهجية المقاصدية:يبدو من خلال التعريف السابق الذي استقرأناه من كتابات النورسي أن المنهجية المقاصدية تندرج ضمن المنهجية التكاملية التي حكمت رؤية النورسي للقرآن العظيم، وترتبط بمشروعه الفكري القائم على تحديد الأهداف وترتيب الأولويات وتأصيل المنطلقات وتبصر مواطن الخلل وعدم معارضة سنن الأنفس والآفاق. إن المنهجية المقاصدية هي في حقيقتها تجسيد لفلسفة الدين وروحه وهي لذلك تستند إلى بنيتين أساسيتين: الأولى وهي البنية التشريعية (شبكة الأحكام)، والثانية البنية المعرفية (شبكة المعاني)، ومحاولة ضبط الكيفيات والإجراءات الكفيلة باستنباط المقاصد وصياغتها وتركيبها وتفعيلها (وهو المقصود بالمنهجية المقاصدية) لا يمكنه أن يتم خارج هذين البنيتين. والمقاصد هي ذاتها تشكل منهجا كما أشار إلى ذلك الدكتور الريسوني بقوله: "فالمقاصد بأسسها ومراميها، وبكلياتها مع جزئياتها، وبأقسامها ومراتبها، وبمسالكها ووسائلها، تشكل منهجا متميزا للفكر والنظر، والتحليل والتقويم، والاستنتاج والتركيب.7 وأحسب أن عقل النورسي لم تغب عنه فكرة المقاصد وهو يفكر وينظر، ويحلل ويقوم، ويستنتج ويركب، فقد كانت المنهجية المقاصدية تلازم كل كتاباته، وتسكن جميع همومه، وتحضر في جميع دفاعاته عن الإسلام وذلك بسبب ما أفاض الله على قلبه من أنوار القرآن وبصائر الوحي.ثانيا: لماذا المقاصد؟ ولماذا التشديد على المنهجية المقاصدية؟: إن الحديث عن فقه المقاصد واجتهاد المقاصد وأصول المقاصد وطرق معرفتها هو حديث عن ذلك "الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بغير استئذان"8 وهو وصف محكم من ابن القيم رحمه الله إلى أن القراءة النصية لأحكام الشرع تميت هذا الدين وتولد أفهاما جامدة أو تأويلات متسيبة فاسدة جراء القراءة التجزيئية القاصرة عن إدراك روح مقاصد الشريعة ولذلك كان من "فالنظرة الشمولية المنسجمة للشريعة وأحكامها، لا تتأتى إلا لمن خبروا المقاصد وأحكموا الكليات، ثم نظروا في الأحكام من خلال ذلك، ومن فاته هذا المستوى وأهمل هذا النوع من النظر، وقع في التخبط والاضطراب، وأتى بالأقوال الشاذة المجافية لمقاصد الشرع، وانتهى إلى العجز والانكماش."9 ولعل المتأمل في تاريخ الإبداع الفقهي والأصولي لأعلام أمتنا العظام قبل الإمام الشاطبي -شيخ المقاصد وإمام هذا الفن بلا منازع- أن العقل المسلم هو عقل مقاصدي تعليلي قائم على النظر الكلي الغائي ومبني على منطق أصولي استقرائي استنتاجي جعله مؤهلا لأداء دور الاستخلاف والتعمير واستشراف المستقبل وتحقيق مقصد خلود الشريعة وصلاحها وامتدادها الزماني والمكاني عبر اجتهاد تطبيقي مواكب لحركة الحياة لا يرى شريعة الله إلا شريعة عدل ومصلحة ورحمة. وقد أشار الدكتور يوسف العالم إلى مجموع الأدلة المتنوعة التي "تجعلنا نقطع بأن للشارع مقاصد وأهداف تتحقق بواسطة إتباع أحكامه وقد توصل العلماء السابقون بعد البحث في النصوص الجزئية والكلية والعموميات، والمطلقات والمقيدات، في جميع أبواب الفقه، فوجدوها كلها دائرة على حفظ مقاصد الشارع"10 وهذا تأكيد على شيوع الاجتهاد المقاصدي عند علماء الإسلام بأقدار متفاوتة كل له إضافته المنهجية في تنظير المقاصد والمصالح وإن كان الفقهاء كما صارت إليه قناعة د. الريسوني - أكثر دراية وعناية وتطبيقا للمقاصد من الأصوليين الذين كان لهم فضل إظهار المقاصد والتنظير لها.وإذا كان هذا حال علمائنا أهل الغوص في مقاصد الشريعة والعارفون بأسرارها وعللّها فإن الكثير ممن اشتغلوا بعلم الدين"شغلتهم الظواهر عن الأسرار والمقاصد وألهتهم الفروع عن الأصول... فظهرت الشريعة على ألسنتهم وأقلامهم كأنها قاصرة عن تحقيق مصالح الخلق والقصور ليس في الشريعة وإنما هو في أفهامهم التي قطعت الروابط بين الأحكام بعضها وبعض..."11وإذا كانت المقاصد منهجا للفكر والنظر، والتحليل والتقويم، والاستنتاج والتركيب -كما قال د. الريسوني- فإنها هي ذاتها تحتاج إلى منهج لإحكام التعامل معها وتحرير القول فيها فهما واستنباطا وتحديدا وترتيبا وتفريعا وصياغة وتنزيلا، وهنا يكون الحديث عن منهج المنهج، أي عن المنهج من الدرجة الثانية. وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يمكن تجاوز النظام المعرفي والمرجعية الفكرية التي تنتظم داخلها دائرة المقاصد، ويعد كل فصل لمنهج الفكر المقاصدي عن مجاله العلمي الأصولي تبعيضا للنظرية الإسلامية في المقاصد وتجزيئا لها وإخلالا ببنيتها الداخلية.إن سؤال المنهج في الدرس المقاصدي هو سؤال مركزي وجوهري، ولا تتم مقاربته مقاربة علمية سليمة إلا بأدوات المنهجية الأصولية مع الاعتبار بما عداها من الأدوات المنهجية التي تشترك فيها مع مجموع العلوم الإسلامية الأخرى. وحينما نتأمل اليوم في هذه الندوة النتاج العلمي والعطاء الفكري المتعلق بفقه المقاصد والحكم عند علم من أعلام أمتنا وعملاق من عمالقة الفكر والدعوة في القرن العشرين بديع الزمان النورسي- فذلك لأننا اليوم في أمس الحاجة إلى ربط الفقه بمقاصد الشريعة وتدريب العقل المسلم المعاصر على التعامل مع الكليات الشرعية وإتقان صنعة الاجتهاد المقاصدي مع الوقوف عند ضوابطه والإمساك بأصول المنهج الأصولي في التعامل مع المقاصد دون استعجال في الفتيا أو استدراك هجين مغرور فيه مناطحة لعالم جليل. ثالثا: مقاصد القرآن وكلياته عند النورسي: يِؤسس النورسي تعريفه للقرآن الكريم على أساس مقاصدي، وهو لا يسأم من التذكير به والعودة إليه والارتباط بمعانيه ودلالاته في جميع ما كتب وألف، ونختار من بينها قوله الذي جاء مفصلا مبينا في القطرة الثانية من الرشحة الرابعة عشرة المتضمنة لقطرات من بحر المعجزة الكبرى: "هو الترجمة الأزلية لهذه الكائنات والترجمان الأبدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية، ومفسر كتاب العالم. وكذا هو كشاف لمخفيات كنوز الأسماء المستترة في صحائف السموات والأرض. وكذا هومفتاح لحقائق الشؤون المضمرة في سطور الحادثات. وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة. وكذا هو خزينة المخاطبات الأزلية السبحانية والالتفاتات الأبدية الرحمانية. وكذا هو أساس وهندسة وشمس لهذا العالم المعنوي الإسلامي. وكذا هو خريطة للعالم الأخروي. وكذا هو قول شارح وتفسير واضح وبرهان قاطع وترجمان ساطع لذات الله وصفاته وأسمائه وشؤونه. وكذا هو مرب للعالم الإنساني. وكالماء والضياء للإنسانية الكبرى التي هي الإسلامية.. وكذا هو الحكمة الحقيقة لنوع البشر، وهوالمرشد المهدي إلى ما خلق البشر له. وكذا: هو للإنسان كما أنه كتاب شريعة، كذلك كتاب حكمة. وكما أنه كتاب دعاء وعبودية، كذلك هو كتاب أمر ودعوة. وكما أنه كتاب ذكر، كذلك هو كتاب فكر. وكما أنه كتاب واحد، لكن فيه كتب كثيرة في مقابلة جميع حاجات الإنسان المعنوية."12 ففي هذا التعريف الآسر جملة من المقاصد والمقامات والغايات التي تنزل القرآن من أجلها ودعا القلوب إلى الإيمان بها، والعقول إلى معرفتها وبذلك تحققت الوظيفة الكبرى والغاية القصوى من القرآن العظيم وهي أنه -وبتعبير النورسي- "قد بدل الحياة الاجتماعية تبديلا هائلا؛ نور الآفاق وملأها بالسعادة والحقائق، وأحدث انقلابا عظيما سواء في نفوس البشر وقلوبهم، أو في أرواحهم وعقولهم، أو في حياتهم الشخصية والاجتماعية والسياسية، وأدام هذا الانقلاب وأداره".13إن قول النورسي أن القرآن كتاب شريعة وكتاب حكمة، وقوله الآخر في الشعاع السابع أن "القرآن الكريم قد بين سبيل سعادة الدارين، ووضح غايات خلق الكون، وما فيه من المقاصد الربانية موضحا ما يحمله ذلك المخاطب الكريم من الإيمان السامي الواسع الذي يضم الحقائق الإسلامية كلها عارضا كل ناحية من نواحي هذا الكون الهائل ومقلبا إياه كمن يقلب خارطة أو ساعة أمامه."14 فيه بيان واضح عن شمول القرآن الكريم للكليات العامة والمصالح العليا التي تسع الدنيا والآخرة والتي تتفرع عنها مقاصد جزئية ومصالح فرعية، وفيه بيان أيضا لنوعي المقاصد: مقاصد الخلق وتتعلق بالأمر التكويني، ومقاصد الشريعة وتتعلق بالأمر التكليفي، ولم يميز فيما يبدو بينهما النورسي لتعلق أحدهما بالآخر: فالخلافة مثلا بوصفها مقصدا للخلق يقابلها على جانب مقاصد الشريعة أن يكون الإنسان قائما مقام من استخلفه، وقد أورد الدكتور جمال عطية هذا المثال وأمثلة أخرى لبيان العلاقة بين القصدين الخلقي والشرعي،15 والنورسي رحمه الله عمل بهذا الأمر بحسب رؤيته الموضوعية والكلية لآيات القرآن وأحكامه، ولم يكن يرى في مقاصد القرآن سوى بنية كلية جامعة تترابط أجزاؤها وتتداخل معانيها ودلالاتها، وهي تخضع في النهاية لناظم ينظمها وهو هذه المفاهيم الكلية الأربعة التي عدها النورسي المقاصد الأساسية فقال: "اعلم أن مقاصد القرآن الأساسية وعناصره الأصلية أربعة: التوحيد، والرسالة، والحشر، والعدالة مع العبودية. فيصير سائر المسائل وسائل هذه المطالب."16 وفي كثير من نصوص النورسي تأكيد على أن مقصد المقاصد ومطلب المطالب هو معرفة الله تعالى وعبادته وهو الذي تنتظم داخله أمهات المقاصد والكليات، فكل سورة وآية وحرف في القرآن الكريم يشهد شهودا تاما أزليا فيوضات لا تنتهي من الأسرار والمعاني المقررة لهذه المقاصد والمبينة لها والضامنة لسعادة الإنسانية، ولذلك اكتسب خطاب القرآن الكريم" صفة الكلية والسعة المطلقة والرفعة السامية والإحاطة الشاملة؛ لصدوره مباشرة من المقام الواسع المطلق للربوبية العامة الشاملة للمتكلم الأزلي سبحانه..."17لقد كان النورسي كثيرا ما يؤاخذ مناهج المتصوفة والفلاسفة والمتكلمين في معرفة الله، ويصف بعضها بأنها طريق طويلة موحشة غير مأمونة، وذلك من حيث إنهم خاضوا في مسائل وقضايا أعرض القرآن عن الخوض فيها مراعيا في ذلك المصلحة والحكمة من تقديمها عامة من غير تفصيل، ولعل هذا الذي جعل النورسي يربط دوما فهمه لنصوص القرآن بالبعد المقاصدي، وأدرك هذا المعنى الذي أشار إليه الدكتور الروكي بقوله: "إن مقاصد الشريعة وعاء للأدلة الشرعية منقولها ومعقولها، وهي ميزانها والمسلك السليم للبحث فيها، وهي المنهاج النبوي الذي في ضوئه تفسر النصوص الشرعية تفسيرا سليما، وعلى أساسه يستنبط الفقيه ويجتهد بعيدا عن مزالق القصور وظلمات الجمود."18إن مدخل النورسي لفهم القرآن هو مدخل البناءات الكلية والمقدمات التأسيسية، وقد استمد النورسي هذا المدخل من خلال وعيه بنوعين من التحديات: أولها التحدي الداخلي؛ أي من داخل التراث الإسلامي الذي غلب عليه في القرون المتأخرة التفسير التجزيئي في فهم نصوص القرآن، وثانيها التحدي الخارجي المتمثل في انتشار الفلسفات والإيديولوجيات ذات الطابع النظري والكلي وفي مقدمتها الفلسفة الماركسية. ومواجهة هذين التحديين تطلب الأمر من النورسي النظر إلى القرآن كوحدة معرفية متكاملة تتجاور فيها وتترابط وحدة الدلالة مع وحدة الموضوع ووحدة المعنى في جمالية باهرة وهندسة متناهية وبلاغة معجزة وكشف لحقائق الكون والحياة والإنسان، ولم يتأت ذلك للنورسي إلا بعد أن عاش مع كلام الله حسا ومعنى، فشهد ما شهد من الأنوار، حتى صفى قلبه من الأكدار، ورأى بعين الحق نور الحقيقة، وأبصر بعلمه وتجربته الإيمانية مقاصد القرآن وحكمه السامية، حتى رأى أن ما يقدمه هو "نوع تفسير شهودي لبعض الآيات القرآنية".19رابعا: معارضة المنهجية المقاصدية النورسية للمنهجية الفلسفية:إن كل ما كتبه النورسي من رسائل النور هو تجسيد لمنهجية القرآن العظيم في عرض الحقائق وبيان الأحكام، ورد للأفهام السقيمة والتصورات الغامضة التي غاصت فيها الفلسفة، ولذلك اشتد نكيره عليها، وبين عوارها وأظهر عجزها عن أن تكون منهجيتها معراجا إلى معرفة الله: أعلى المقاصد وأسمى الغايات، بل هي "أي معرفة الله" عرش الكمالات على حد تعبير النورسي،20 ويفصل النورسي في هذا فيقول: "وهناك أصول أربعة للعروج إلى عرش الكمالات وهو "معرفة الله" جل جلاله:أولها: منهج الصوفية، المؤسس على تزكية النفس والسلوك الاشراقي. ثانيها: منهج علماء الكلام المبني على"الحدوث والامكان" في إثبات واجب الوجود. ومع أن هذين الأصلين قد تشعبا من القرآن الكريم، إلاّ أن البشر قد أفرغهما في صور شتى، لذا أصبحا منهجين طويلين، وذوي مشاكل فلم يبقيا مصانين من الأوهام والشكوك. ثالثها: مسلك الفلاسفة المشوب بالشكوك والشبهات والاوهام. رابعها وأولاها: طريق القرآن الكريم الذي يعلنه ببلاغته المعجزة، وبجزالته الساطعة، فلا يوازيه طريق في الاستقامة والشمول، فهوأقصر طريق إلى الله، وأقربه إلى الله، وأشمله لبني الإنسان. ولبلوغ عرش هذا الأصل هناك أربع وسائل: الإلهام، التعليم، التزكية، التدبر."21إن منهجية الفلاسفة مبنية أساسا على مراجعة كل شيء وعدم القول بالمطلق، وأنه ليس ثمة حقيقة يمكن أن يثق العقل بها، فلا وجدود لليقين والثابت من وجهة نظر الفلسفة، كما أنه لا يعترف إلا بالعقل كمصدر للمعرفة، وإن ظهرت مراجعات في تاريخ الفلسفة وخصوصا الفلسفة المعاصرة حول مثل هذه القضايا فإن التيار الفلسفي القائم على التشكيك ورد المطلقات وعدم اعتبار مسائل الإيمان وتصور قضايا الإنسان والطبيعة والعلم من منطلقات مادية متطرفة، ومقاييس تجريبية حسية محضة هو التيار الذي ظل يفرض سيطرته على الساحة الفكرية حتى غدت الفلسفة إنما تعرف بهذا التيار، وهو تيار المادية الذي قادته الفلسفة الماركسية باقتدار، ويقوده اليوم تيار العلمانية والتحللية في العالم الإسلامي والغربي. ومن خلال استقرائه للنظريات الفلسفية ولأحوال الفلاسفة كما يبدو من كلامه خلص النورسي إلى أن إفلاس الفلسفة هو في عدولها عن الحق والحقيقة، وأنها لاتعدو أن تكون مطنطنات كلامية لاتفيد "كمالا علميا ولا ذوقا روحيا، ولا غاية إنسانية ولا فائدة دينية. بل تفيدك حيرة مدهشة ودهشة موحشة. وتسقطك من سماء التوحيد المضيء في أودية الكثرة المظلمة."22 فالمنهجية الفلسفية إذن منهجية شكية ريبية لا تدرك غايات الوجود، وتقصر عن فهم حقائق العالم وذلك بسبب فقرها العلمي وعوزها الروحي في العلم بمعرفة الصانع الجليل. وحيث تعرض الفلسفة عن هذه المعرفة الحقة فإنها تبدلها بالخوض في بعض المسائل الكونية والنظرية، وهنا فصل النورسي القول في نقط الاختلاف بين المنهجيتين وأورد ست نكت في ذلك فقال: "في بيان لمعة الإعجاز في إهمال القرآن في بعض المسائل الكونية الفلسفية وإبهامه في بعض آخر منها، وإجماله في قسم منها، وفي هذه اللمعة ست نكت: النكتة الاولى: فإن قلت: لأي شيء لا يبحث القرآن عن الكائنات كما يبحث عنها فن الحكمة والفلسفة؟"23 هنا سؤال المقصد يسعى من خلاله النورسي بيان حقيقة القرآن والغايات والحكم الملحوظة للشارع في جميع ما شرع وحكم، وجزء من منهجية النورسي المقاصدية سيبثه أثناء رده على هذا الإشكال، وهاهو البيان: "قيل لك: لأن الفلسفة عدِلَت عن طريق الحقيقة فاستخدمت الموجودات لأنفسها "بالمعنى الأسمى". وأما القرآن فبالحق اُنزل وبالحق نَزَل وإلى الحقيقة يذهب فيستخدم الموجودات بالمعنى الحرفى لا لأنفسها بل لخالقها."24 إن مقصد القرآن هو بيان الحقائق وصرف القلوب والعقول إليها، والوجودات كلها دالة عليها وعلى أعظمها وهي: حقيقة الله الخالق، ولذلك يسمي القرآن الأشياء بمسمياتها لتدل على خالقها، لا كما هو حال الفلاسفة الذين يتخذون من الموجودات نصبا إليها يوفضون وكأنها جواهر الحقائق لا صور الحقائق. ثم إن "القرآن إنما يبحث عن الكائنات استطراداً للاستدلال على ذات الله وصفاته، ومن شرط الدليل أن يكون ظاهراً وأظْهَر من النتيجة، والنتيجة معرفة ذات الله وصفاته وأسمائه. فلو قال على ما يشتهيه أهل الفن: "يا أيها الناس فانظروا إلى الشمس في سكونها، وإلى الأرض في حركتها لتعرفوا عظمة قدرة خالقها "، لصار الدليل أخفى وأغمض من النتيجة وأبعد بمراتب من فهم أكثر البشر في أكثر الأزمان والأعصار، مع أن حق الأكثر المطلق أهم في نظر الإرشاد والهداية. فمراعاة فهمهم لا تنافي استفادة المتفلسفين المتعمقين القليلين. ولكن في مراعاة هذا الأقل محرومية الأكثر في أكثر الأوقات."25 وهذا خرم آخر في المنهجية الفلسفية التي لا تفرق بين حكم الدليل وحكم النتيجة، وبين الوسائل والمقاصد، ولذلك كان التفصيل من الفلاسفة في بيان أمر الكائنات إخفاء لحقيقتها وحرمانا للعامة من الاستهداء بإرشادات الوحي، وذلك لأن روح البلاغة الإرشادية وأسلوبها "مماشاة نظر العموم، ومراعاة حس العامة ومؤانسة فكر الجمهور؛ لئلا يتوحش نظرهم بلا طائل ولا يتشوش فكرهم بلا فائدة، ولا يتشرد حسهم بلا مصلحة فأبلغُ الخطاب معهم والإرشاد: أن يكون ظاهراً بسيطاً سهلا لايعجزهم، وجيزاً لا يملهم، مجملا فيما لايلزم تفصيله لهم."26 ولقد أجمل الرجل الأمر إجمالا فأحاط به واستوعبه، فالمنهجية الفلسفية قاصرة عن التبليغ والإرشاد، وذلك لأنها موحشة في مصطلحاتها، مشوشة في أفكارها، غامضة في تقريراتها، يختل فيها ميزان الإجمال والتفصيل بسبب إهمالها لمبدإ المنفعة والمصلحة المتمثلة في مراعاة فهم الجمهور والعامة، ثم لأنها تمعن في مراجعة البدهيات وإنكار الحسيات -استكبارا وتغليطا- حتى تحولت الفلسفة وكأنها حركة سوفسطائية في ثوب جديد.ثم يورد النورسي النكتة الثانية منطلقا من قوله تعالى-تمثيلا لا حصرا- ﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً﴾نوح:16 و ﴿والشَمْسُ تَجْري لمُستَقَرٍ لها﴾يس:38 فيذكر كلاما في معنى السراج والجريان، ثم يقول: "فانظر إلى كلمات القرآن مع كونها سهلةً بسيطةً معروفةً؛ كيف صارت أبواباً ومفاتيح لخزائن لطائف المعاني. ثم انظر إلى مطنطنات كلمات الحكمة الفلسفية كيف أنها مع شعشعتها لا تفيدك كمالا علميا ولا ذوقاً روحيا، ولا غاية إنسانية ولا فائدة دينية. بل إنما تفيدك حيرة مدهشة ودهشة موحشة. وتسقطك من سماء التوحيد المضيء في أودية الكثرة المظلمة... والفلاسفة لو أدرجوا في مسائلهم قبساً من القرآن فقالوا: يفعل الله بهذه الأجرام المدهشة الجامدة وظائف في غاية الانتظام والحكمة، وهي في غاية الإطاعة لأمره لكان لِعِلْمِهِمْ معنىً، وإلاّ بأن أسندوا إلى أنفسها وإلى الأسباب صاروا كما قال القرآن ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾الحج:31 وقس على هذه المسألة سائر المسائل."27وفي النكتة الثالثة يعرض النورسي -إجمالا- مقاصد القرآن الكريم، وأنه لا سبيل إلى الاشتغال بما لا يخدمها ولا يندرج تحتها، ولذلك كان من جملة ما يعنيه العمل بالقرآن؛ إهمال ما أهمله القرآن وإجمال ما أجمله وعدم العمل على تغميض حقائق واضحة يقبلها العقل بداهة، وهنا أعرض الكثير من الفلاسفة عن استعمال الوسائط التمثيلية لتوهمهم أنها من عمل العوام وأنها متعلقة بالعقل البياني القاصر عن إدراك ناصية البرهان، وليعلموا أنهم بذلك أعرضوا عن أسلوب القرآن في عرض الحقائق لكل عقل وكل جيل. يقول النورسي: "اعلم! أن مقاصد القرآن الأساسية وعناصره الأصلية أربعة: التوحيد، والرسالة، والحشر، والعدالة مع العبودية. فيصير سائر المسائل وسائل هذه المطالب. ومن القواعد: عدم التعمق في تفصيل الوسائل، لئلا ينتشر البحث بالاشتغال بما لا يعني فيفوت المقصد. فلهذا قد أبهم وقد أهمل وقد أجمل القرآن في بعض المسائل الكونية. وكذا ان الأكثر المطلق من مخاطب القرآن عوام وهم لا يقتدرون على فهم الحقائق الغامضة الإلهية بدون توسيط التمثيل والتقريب بالإجمال، ولا يستعدون في كل وقت لمعرفة مسائل لم يوصل إليها بعدُ القرون الطويلة إلا قليل من الفلاسفة. فلهذا أكثر القرآن من التمثيل، ومن التمثيل بعض المتشابهات فإنها تمثيلات لحقائق غامضة إلهية. وأجمل فيما كشفه الزمانُ بعد عصور وبعد حصول مقدمات مرتبة.."28وفي النكتة الرابعة يرى النورسي أن المنهجية الفلسفية بتدقيقاتها الفلسفية ومباحثها الطبيعية وتفصيلها في ماهيات الأشياء وخواصها، وغفلتها عن مقاصد القرآن تبدو الدنيا وكأنها جامدة، والطبيعة وكأنها متكدرة، و "الحاصل: أن القرآن يبحث عن معاني كتاب الكائنات ودلالاتها، أما الفلسفة فإنما تبحث عن نقوش الحروف ووضعياتها ومناسباتها. ولا تعرف أن الموجودات كلماتٌ تدل على معانٍ. فإن شئت أن ترى فرق حكمة الفلسفة، وحكمة القرآن فراجع ما في بيان آية ﴿وَمَنْ يُؤتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ اوُتِيَ خَيْراً كَثيراً﴾."29 ويورد النورسي في مكان آخر من المثنوي ما يفصل هذا الفرق الجوهري بين المنهجيتين فيقول: "بعضها بالذهب والفضة وبعضها بالألماس والزمرّد وبعضها بالجواهر والعقيق.. وهكذا. وقرأه شخصان فاستحسَناه فقالا: فلنكتبْ على محاسن هذا الشيء المزيّن كتاباً فكتب كل منهما كتاباً.أمّا أحدهما: فهو أجنبيّ لا يعرف من العربية حرفاً واحداً حتى لا يعرف أن مشهوده كتاب، لكن له مهارة في الهندسة والتصوير ومعرفة الجواهر وخاصياتها فكتب كتاباً عظيماً يبحث عن نقوش الحروف ومناسباتها وجواهرها وخاصياتها ووضعياتها وتعريفاتها. وأما الآخر: فحينما رآه عرف أنه كتاب مبين وقرآن حكيم فلم يشتغل بنقوش حروفه المزيّنة بل اشتغل بما هو أعلى وأغلى وألطف وأشرف وأزين وأحسن بملايين المراتب مما اشتغل به رفيقُه، وهو بيان جواهر معانيه وأنوار أسراره فكتب تفسيراً يبحث عن حقائق الآيات.يامَن له عقل! فبالله عليك لأيّ هذين الكتابين يقال انّه كتاب حكمة هذا القرآن؟ فإذا فهمتَ التمثيلَ فانظرْ إلى وجه الحقيقة: أما القرآن فهو هذا العالمُ وأما الشخصان فكُتب الفلسفة والحكماء، والقرآن وتلامذته."30إن طبيعة المنهجية القرآنية في عرض الحقائق كما يقرر النورسي مبنية على التساند المتين والتجاوب الفائق بين الآيات ومقاصدها المحققة في دلالاتها لحاجات البشر على تفاوت مراتبهم واختلاف أفهامهم، وأعظم هذه الحاجات باعتراف علماء النفس الغربيين الموضوعيين هي الحاجة إلى الإيمان والرسالة، والتي تتجلى حقيقتها في نور التوحيد الذي هو من أعظم مقاصد الشريعة، ولذلك فإن القرآن "إنما ينظر من الموجودات إلى وجوهها الناظرة إلى فاطرها. وأما الفلسفة فإنما تنظر من الموجودات إلى وجوهها الناظرة إلى أنفسها وأسبابها، وغايتها الناظرة إلى مصالح جزئية فلسفية أو صنعوية. فما أجهل من اغتر بالفنون الفلسفية، وصيرها محكاً لمباحث القرآن القدسية. ولقد صدق من قال: "إن الفنون جنون كما أن الجنون فنون"."31 وهذه هي خلاصة من يشتغل بالقول الفلسفي بعيدا عن أنوار القرآن الكريم، ويغتر بزخرف هذا القول غرورا.خامسا: أساسيات المنهجية المقاصدية عند النورسي.لا يخرج التنظير المنهجي المقاصدي عند النورسي عن المنطلقات المعرفية والرؤية التصورية التي تؤسس نظرته إلى الشريعة، والتي استقرأها من خلال تتبعه للنصوص وفقهه للأحكام وفهمه لحركة الحياة وأسرار النفس وطبائعها، وتأمله لآيات الأنفس والآفاق وغوصه في اجتماعيات قومه وتحولات عصره وعلوم زمانه. ولذلك استقر في ذهن النورسي أولا: منهج التكامل المعرفي الذي لا يجعل من المعارف جزرا متباعدة متنافرة، وإنما هو يستدعي نتائج علم ليخدم بها علما آخر، وثانيا: منهج التفاعل مع منتجات الحضارة بروح منفتحة واعية بالضوابط العقيدية والأخلاقية والقيمية. وينتظم المنهجين المنهج التعارفي الإنساني الكوني الذي كان يؤثث دوما رؤية النورسي لحركته الإصلاحية واجتهاداته الفكرية وتأملاته الإيمانية، وهذا هو الذي منح رسائل النور هذه القدرة على الانتشار والذيوع والتأثير والفعل داخل تركيا وخارجها. ونعرض الآن لأهم أساسيات المنهجية المقاصدية النورسيةأولا: لا يتقن صنعة الاجتهاد من لم يتقن صنعة المقاصد:إذا كانت المقاصد غايات عامة، وكليات وأصولا، ومصالح أراد الشرع تحقيقها وسعى إلى إقامتها فلا يصح لمن يتصدر للاجتهاد أن يكون عاريا منها، جاهلا بها، ولذلك نبه النورسي كثيرا عليها وجعل القرآن المصدر الذي منه تستقى المقاصد والكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، وفي هذا المعنى يقول الدكتور الريسوني: "وبما أن المقاصد هي مقاصد الرب سبحانه، فلابد أن يكون تحديدها والتصريح بها صادرا عنه وعن القرآن الكريم، فمثل هذه المسألة لا تحتمل التخمينات ولا التأويلات ولا الاستنتاجات، بل لابد أن تأتي صريحة ساطعة قاطعة".32 وفي جوابه عن مسألة فتح باب الاجتهاد قرر النورسي قواعد وضوابط منها: العلم بالضروريات والحاجيات والتحسينيات وفقه مراتبها وعدم تأخير الأولى على من هو دونه مع صرف كل الهمم والعزائم لامتثال الضروريات وأن لا يضيق الاجتهاد المقاصدي بحاجات الزمان، ولا بمصالح العباد.33 ثانيا: المصالح حكم مرجحة وليست عللا للأحكام:يرى النورسي أن "المصلحة حكمة مرجحة، وليست بعلة للحكم."34 فأحكام الشريعة لا تعلل برعاية مصالح العباد، فالله تعالى أثبتها تعبدا، صحيح أن الشريعة جاءت لتحقيق المصالح لكن تفضلا منه تعالى لا وجوبا. ولذلك لا يمكن القول أن النورسي نفى مسألة التعليل أو أنكرها، وكلامه كله ينهض لما ذكرته عنه، وهو الذي مافتئ يظهر لتلامذته وللعالم أن شريعة الله عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، كيف وعماد نظرية المقاصد وروحها هو التعليل. ومما يعنيه قول النورسي عدم وجود مصالح خالصة، فهي عزيزة الوجود. والذي شدد عليه النورسي هو أن لتعليل الأحكام حدودا وضوابط لا يصح تجاوزها، وأن كل تعليل لا يحفظ الكليات المقاصدية للشريعة ويخرج عن مقصود الشارع ولايعتبر بمسالك التعليل هو تعليل مردود غير مشروع.ثالثا: الوسائل خادمة للمقاصد وتابعة لها:قررت كتب الأصول أن المقاصد متضمنة للمصالح، أما الوسائل فطرق مفضية إلى تحصيل هذه المصالح، وبما أن المصالح ليست على مرتبة واحدة، فكذلك هي الوسائل، قال القرافي في الفروق: "وموارد الأحكام على قسمين:مقاصد: وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها.ووسائل: وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم أو تحليل، غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها. فالوسيلة إلى أفضل المقاصد: أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد: أقبح الوسائل، وإلى ماهو متوسط: متوسطة"35 وهذا يعني أن الأصل هو المقصد والوسيلة تابعة له، وقد تصير بذلك الوسيلة مقصدا تابعا لمقصد أصلي، والمهم أنه لا عبرة بالوسائل إذا لم تتحقق المقاصد. وقد أشار النورسي إلى تعلق الوسائل بالمقاصد تعلقا حكميا لا يخرجها عن مقصود الشارع فقال: "اعلم! أن مقاصد القرآن الأساسية وعناصره الأصلية أربعة: التوحيد، والرسالة، والحشر، والعدالة مع العبودية. فيصير سائر المسائل وسائل هذه المطالب. ومن القواعد: عدم التعمق في تفصيل الوسائل، لئلا ينتشر البحث بالاشتغال بما لا يعني فيفوت المقصد."36 فقد جعل من قواعد منهجية فقه المقاصد عدم الاستغراق في الوسائل أو التعمق فيها بصورة يضيع معها المقصد، فالذي يضبط عمل الوسائل ويرسم مسالكها وحدودها ومواردها هي المقاصد، فيكون الاشتغال بالوسائل بقدر خدمتها للمقاصد.رابعا: المقاصد مراتب ودرجات أعلاها معرفة الله وعبادته:يعبر النورسي من خلال كتاباته عن منهجية كلية تنأى عن الرؤى التي تجزئ أحكام الدين، أو تلك التي تتيه في جزئياته وفروعه غير حافظة لكلياته ومقاصده. والدين أصول وكليات، والفروع تابعة لها، ولا يصح حسب النورسي جعل الفرع أصلا، أو الأصل فرعا إذ المنطق الأصولي والفقهي لا يقر بذلك. وعليه فإن جميع المقاصد والمصالح ترجع في أصلها إلى مقصد كلي هو: معرفة الله وعبادته، ولأجل هذا المقصد تنزل القرآن، وبعث الله الأنبياء والرسل. وإذا كانت أمهات المقاصد والكليات هي: التوحيد، والنبوة، والعدالة، والحشر، فإنها جميعا تخدم المقصد الكلي الأعظم الذي هو معرفة الله وعبادته، ورسائل النور كلها دندنة حول هذا المقصد الكلي، لأنه الحقيقة الكبرى في هذا العالم، والغاية القصوى من الخلق.خامسا: الموازنة المصلحية ركن في المنهجية المقاصدية: إذا كانت المصلحة هي جلب منفعة ولذة ومتعة، والمفسدة دفع ما يقابل ذلك، فإنها توجد على قدر كبير من التداخل والتعارض ليس بمقدور العقل وحده معرفة الحدود بينهماـ وإن كان قادرا على إدراك عموم المصالح والمفاسد - وكانت الشريعة بذلك ضرورية لأن "أحكام الشريعة تشتمل على مصلحة كلية في الجملة، وعلى مصلحة جزئية في كل مسألة على الخصوص. أما الجزئية فما يعرب عنه كل دليل في خاصته. وأما الكلية، فهي أن يكون كل مكلف تحت قانون معين من تكاليف الشرع في جميع حركاته وأقواله واعتقاداته. فلا يكون كالبهيمة المسيبة تعمل بهواها، حتى يرتاض بلجام الشرع".37 وقد عرف عن النورسي الكثير من الموازنات الدالة على الترجيح بين المصالح والمفاسد، - وهي فرع عن نظرية التقريب والتغليب في الشريعة الإسلامية كما أوضحت ذلك أطروحة الدكتور الريسوني- وخصوصا في أمرين اثنين: الأول موقفه من العمل السياسي، والثاني موقفه من الطرق الصوفية، يقول النورسي -رحمه الله-: "إن أعظم خطر على المسلمين في هذا الزمان هو فساد القلوب، وتزعزع الإيمان بضلال قادم من الفلسفة، وإن العلاج الوحيد لإصلاح القلب، وإنقاذ الإيمان؛ إنما هو النور وإراءة النور، فلو عُمل بهراوة السياسة وصولجانها، وأحرز النصر تدنى أولئك الكفار إلى درك المنافقين، والمنافق -كما هو معلوم- أشد خطراً من الكافر وأفسد فيه، فصولجان السياسة إذاً لا يصلح القلب في مثل هذا الوقت، حيث ينزل الكفر إلى أعماق القلب ويتستر هناك وينقلب نفاقاً. ثم إن شخصاً عاجزاً مثلي لا يمكنه أن يستعمل النور والهراوة معاً في هذا الوقت، لذا فأنا مضطر إلى الاعتصام بالنور بما أملك من قوة، فيلزم عدم الالتفات إلى هراوة السياسة."38إن الترجيح عملية اجتهادية ظنية تبنى على التقدير المصلحي المؤسس على فقه النصوص ومراعاة الواقع وعدم الاستئسار لفتوى فقيه، وتتدخل خبرة الفقيه وتجربته اليومية في حركة الحياة، وورعه وتقواه في تسديد فتواه. وقد خبر النورسي واقع بلاده، وأكرمه الله بنور القرآن وفقه الشريعة، ولذلك تراه لا يتعجل في القول حتى يعرضه على المنطق الفقهي والأصولي، ثم يستثير قلبه ويحركه يمنة ويسرة، وتستبد به الهموم والتردد فيقيم مع آيات ربه قراءة وتدبرا استمدادا للرحمة والعون، ثم يقطع مسافات جيئة وذهابا مرات ومرات ينتظر اللمعة الاجتهادية المباركة، فيريها من نفسه خيرا بما أوتي من بلاغة القول وحسن الصياغة، ثم يعرضها على أصحابه وتلامذته راضية بها نفسه. فهكذا تصورت النورسي وقد قال ماقاله من ترجيحات عن السياسة وغيرها، فهو لم يخرج السياسة من دائرة الإسلام، بل هي جزء منه، ولكنها حسب تقديره لا تجدي نفعا في عملية الإصلاح، إذ البداية السليمة إنما تنطلق من تصحيح الإيمان وتجديده في القلوب، وسلاح الإيمان النور، وسلاح السياسة القوة؛ ولذلك يجتمع حول الأول الصادقون، وحول الثاني المنافقون، والانطلاق من السياسة بهدف الإصلاح يترتب عليه أضرار ومفاسد أكبر مما يمكن تحقيقه من منافع. وقوله: "فصولجان السياسة لا يصلح القلب في مثل هذا الوقت"، وقوله: "فأنا مضطر إلى الاعتصام بالنور" دليل على اعتبار تغير الزمان في تغير الفتوى، وأن الفقيه الداعية المجتهد لا يجمد عند فتواه بحكم الاضطرار، وإنما هو يوظف قواعد الأصول كما فعل النورسي هنا حيث عمل بقاعدة: "دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح" ومن موازناته رحمه الله عدم الدخول مع العلمانيين والظالمين في صراع مادي مكشوف حفاظا على الأمن وضمانا للوحدة.واستنادا على فقه الموازنات وعملا بقاعدة: ارتكاب أخف الضررين... ساند النورسي عدنان مندريس والحزب الديمقراطي طيلة الخمسينات بسبب سلوكهم المعادي للشيوعية، والمتسامح مع الإسلام، وهذا نوع تفاضل وتكامل، ونسبية واحتياط، وهو منطق رياضي ليس غريبا على الفقه، كما أنه ليس غريبا على رجل بقدر النورسي درس علوم الشرع والعلوم البحتة (رياضيات، فيزياء، كيمياء...) فحيث رفض النورسي الاشتغال بالسياسة واعتبارها منطلقا للإصلاح احتياطا لأمر الدعوة والتربية وتمكينا للمشروع الإيماني النوري، لم يمنعه احتياطه هذا من مرونة في التعامل مع المستجدات السياسية والمواقف المتجددة، وهي مرونة وليست تحللا؛ فالدعوة لها فقهها، وللتربية فقهها، وللسياسة فقهها.وبخصوص موقفه من الطرق الصوفية فإن النورسي سيعتمد على نفس ميزان المنافع والمضار، ومنطق الترجيح والموازنة، إذ تجده يقول: "وإن الشغف بالطرق الصوفية التي نفعها قليل لنا في الوقت الحاضر، واحتمال إلحاقها الضرر بوضعنا الحالي ممكن"39 وهذا الفهم صادر عن إدراك عميق للواقع وتحليل لمعطياته واستنباط الواجب فعله والقيام به، ونحن نأخذ كلام النورسي دون تردد وهو الخبير بهذا الشأن المطلع على أحوال أهل التصوف في زمانه، العارف بمقامات الإيمان، المتفيئ بظلال القرآن، وهذا أساس من أساسيات المنهجية المقاصدية عند النورسي وركن من أركان الفتوى المعتبرة بروح الشرع وغاياته؛ إذ لا يكفي الفقيه فقهه للأحكام أن يفتي ويرجح ويوازن في قضايا تحتاج منه إلى خبرة إلا أن تكون له معاناة وصولات ضد أهل الباطل.سادسا: المفاضلة والترتيب أساس في المنهجية المقاصدية:وهذا أساس متفرع عن الأساس السابق وتابع له، إذ تفترض العقلية المقاصدية منطق التراتبية والمفاضلة بين المصالح، وهو جزء من فقه الموازنات الضامن لقدسية الثوابت، الذي يعرف متى يكون مرنا ومتى يكون صارما؛ وعلى هذا الأساس رتب النورسي دوائر الدين إلى أربع بحسب المصلحة المترتبة عليها، وبقدر تعلق الدوائر بها، يقول النورسي: "إنه ينبغي لهذا العصر من مجدد له شأنه ليقوم بتجديد الدين والإيمان، وتجديد الحياة الاجتماعية والشريعة، وتجديد الحقوق العامة، والسياسة الإسلامية، ولكن أهم تلك الوظائف، هو التجديد في مجال المحافظة على الحقائق الإيمانية، فهي أجل وأعظم تلك الوظائف الثلاث؛ لذا تبقى دوائر الشريعة والحياة الاجتماعية والسياسية في الدرجة الثانية والثالثة والرابعة بالنسبة لدائرة الإيمان. إن القاعدة الإيمانية إذا تكونت فإن تطبيق الشريعة وأحكامها يأتي خطوة طبيعية تالية، ولكن لا قيام للشريعة من غير قاعدة إيمانية."40 هي إذن دوائر أربع تحفظ للدين مكانته وهيمنته الشاملة على حياة الإنسان والمجتمع والدولة والأمة، والتجديد في كل واحدة منها مطلوب وضروري. وحيث أن مدار الأمر كله على العقيدة والإيمان، فإن إحياء حقائقه، وتثبيت أصوله، وتجديد معانيه في القلوب جدير بأن يهيئ النفوس والعقول للاستمساك بالدين وتحكيمه في قضايا التشريع والاجتماع والسياسة، ونظرا لهذه المفاضلة في الدور والوظيفة تأتي هذه الدوائر مرتبة على الشكل الآتي: تجديد الإيمان، وتجديد قضايا التشريع والقانون والحقوق العامة، وتجديد الحياة الاجتماعية، وتجديد الحياة السياسية. وبناء على ذلك لم تشغل النورسي فروع الفقه وجزئياته، وإنما شغلته أمراض القلوب، شبهات وشهوات، فقام يرد هذه القلوب إلى عافيتها، ويؤسس -بنظرة مستقبلية راشدة- لمجتمع مؤمن صادق، يكون قادرا على حمل الرسالة إلى العالم. فأكثر ما أصيبت الأمة أنها أصيبت في دينها وإيمانها بالله، وتجملها بالقيم والأخلاق، فكانت دعوة النورسي دعوة إيمان وأخلاق أولا، وهذا ليس تبعيضا للدين، وإنما مرحلية في التصور وتدرج في التطبيق.سابعا: لا صحة لمنهجية مقاصدية إلا ممن خبر أحوال الإيمان وذاق حلاوته فاتقى وتورع.إن المنهجية المقاصدية حينما تتجه صوب سبر أغوار مقاصد الدين وفهم أحكامه وهي عارية من خبر الإيمان واليقين، وتحريك القلوب والأحاسيس، وخالية من الرقائق المذكرة بمقامات العبودية، وحينما يحلق الفقيه أو المجتهد في فتواه وهو لم يذق بعد حلاوة الإيمان تتحول هذه المنهجية إلى تقريرات يضيق بها القلب لعدم براءتها من الهوى، لذلك لا يصح الاجتهاد المقاصدي، ولا تثبت صنعة المقاصد إلا من عالم فقيه تقي ورع، فملاك أمر المنهجية المقاصدية أولا التقوى والتجرد والبراءة من الأجر الدنيوي.والذي يبدو لي أن النورسي -رحمه الله- جاء ليعيد النظر ببصيرته النافذة في العديد من مدونات الفقه التي شغلت الأمة بالجزئيات وحالات الناس وغرائبهم وتلاعباتهم، فيشتغل الفقيه بالرد عليها وفهمها وتلمس الإجابة لها والبحث عن تخريجات وتفريعات وحيل من هنا وهناك، كل ذلك بعيدا عن المواعظ والرقائق وأجواء التحليق الإيماني. وهكذا تعكر الفقه "حتى لتكاد تشعر أن الفقه قد انحرف عن مقصده".41إن تعلق الفقيه الداعية المجتهد -وهذا الذي نحسب أن النورسي كان عليه- بمقامات الإيمان، وتدرجه في مدارج السالكين، وجعل حركته في الحياة مبنية على دعوة الناس إلى ذلك وتأليف قلوبهم عليه، حتى إذا جاءته أسئلتهم، رد حيرتهم إلى روح الدين، وألبس كل فتوى من فتاويه لباس التقوى والإيمان، ودلل عليها من آي القرآن ونور النبوة وقصص الصالحين. وهكذا كانت أجيال علماء الأمة في عصورها الأولى، والنورسي ومعه آخرون هم ورثة هذه الأجيال المطمئنة بالفقه وأصوله، غير راغبة في شيء سوى الإذعان لحكم الله والاهتداء إلى الحق، ولذلك و "بدون الاستواء النفسي الإيماني لا يتاح لأحد الاستواء على الصواب في استنباط الفتوى، إذ "النفس المطمئنة بالفقه" هي الباب، ومدخل الصدق، والمنطلق، ثم هي المخرج، مخرج الصدق، وبها
نمم ريثك ىلعو هورصاع نم مظعم ىلع اريثك امدقتم يسرونلا يعو ناك دقل تاددحملا وأ تاهجوملا ربكأ اهرابتعاب دصاقمللةغلابلا ةيمهلأاب مويلا نحن مهرصاعن رارتجا نم لادب“ةيلمعلا ةسرامملا” ةكرحلا ركفو ركفلا ةكرحل ةيفرعملاو ةيجهنملا
Birincil Dil | Arapça |
---|---|
Bölüm | ARTICLES |
Yazarlar | |
Yayımlanma Tarihi | 1 Haziran 2014 |
Yayımlandığı Sayı | Yıl 2014 Sayı: 9 - Al Nur Issue 09 |