BibTex RIS Kaynak Göster

مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي

Yıl 2013, Cilt: 8 Sayı: 8, - , 01.12.2013

Öz

مشكلة الثقافة والحضارة في العالم
مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي
د. بوعـزة عبد القـادر1
تعتبر مشكلة الثقافة والحضارة في العالمين العربي والإسلامي من أهم المشكلات التي اعتنى بها مالك بن نبي في جميع مؤلفاته.
ونظرا لأهمية وظيفة الثقافة في الحياة بوجه عام، فإن مالك بن نبي ظل يثيرها في هذا الكتاب أو ذاك، بل إنه لكون الثقافة عنصرا حيويا، خصص لدراسة وظيفتها الاجتماعية ثلاث مؤلفات هي: "مشكلة الثقافة" و "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" و "القضايا الكبرى" وذلك تأكيدا على تأثيرها العظيم وأهمية وظيفتها، وبهذا منحها ما تستحق من درس وتحليل من ناحية أخرى.
كما أن مالك بن نبي لم ينظر إلى المشكلة الثقافية في البلاد العربية والإسلامية من الناحية المادية والمَرْفقية والتجهيزية، إذ إن هذه المشكلة في نظره ليست نابعة من نقص في المؤسسات التربوية والتعليمية أو من قلة المدرسين والمكونين أو المؤطرين أو الموجهين أو من نقص في الوسائل التجهيزية.
وذلك لأنّ جميع البلدان العربية والإسلامية كانت ولا تزال تولي مسألة بناء المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز التكوين والمساجد ودور الحضانة ومسألة تجهيزها اهتماما كبيرا.
كما أن بعض البلدان العربية والإسلامية مثل مصر وسوريا والعراق وباكستان سارعت في النصف الثاني من القرن الماضي إلى إعانة البلدان العربية والإسلامية التي كانت تشكو –بعد حصولها على استقلالها وانتزاع حريتها– من نقص المدرسين والمؤطرين وأمدتها بما كانت في أمس الحاجة إليه.
كل ما ذكرناه آنفا ومتعلّقاته، لم يثر اهتمام مالك بن نبي، حين عرض المشكلة الثقافية في البلاد العربية والإسلامية، وإنّما نظر إليها من حيث وظيفتها الاجتماعية.2 تلك الوظيفة الاجتماعية المفقودة في البلدان العربية والإسلامية هي التي جعلته يعتبر الثقافة مشكلة ويصرّ على إثارتها في سائر كتبه كلما استدعى المقام إثارتها، لأنه وهو المفكر الذي كان يتأمل وظيفة الأفكار من خلال سلوك الأفراد وأسلوب الحياة في المجتمع الغربي وانعدامها في العالمين العربي والإسلامي، لاحظ أن السبب في عدم فعالية الأفكار في عالمنا العربي والإسلامي هو أنّ أغلب الناس فيه، يخلطون بين كلمة ثقافة وكلمة علم أو بين مفهوم ثقافة ومفهوم علم.3 فهذا الخلط بين الكلمتين وعدم التمييز بين المفهومين هو منبع إثارة مالك بن نبي لمشكلة الثقافة، كما هو في الوقت ذاته منبع اعتقاد الإنسان على محور طنجه جكارتا، أن الثقافة هي مجرد معرفة أو علم وليست الثقافة هي الإطار المعنوي والمادي الذي يحيط بالفرد ويؤثر في سلوكه وفي أسلوب حياة مجتمعه تأثيرا إيجابيا أو سلبيا.
وإضافة إلى ما سبق؛ فإنّ مشكلة الثقافة بالنسبة للبلدان العربية والإسلامية، تكمن أساسا في نظر مالك بن نبي في الكيفية التي يتم بها تصور العناصر الثقافية الآتية: المبدأ الأخلاقي، الذوق الجمالي، المنطق العملي، الفن الصياغي في وحدة متجانسة أو برنامج تربوي،4 هذا التصور ينبغي أن يتناول بالإضافة إلى الأفكار الأصلية والأفكار الفنية المستحدثة، سائر ما يتركب منه إطار حياة المجتمع،5 قصد بناء محيط ثقافي جديد خال من كل ما يجسّد القابلية للاستعمار، بحيث يتاح فيه لكل فرد من أفراد المجتمع، أن يتعلم كيف يتحضّر وكيف يحضّر غيره.6
وكيفية تصوّر العناصر الثقافية في وحدة متجانسة أو في برنامج تربوي لا يقصد به مالك بن نبي كيفية إعداد البرامج التي تطبّق في المدارس لأنّ "الفرد لا يدين بصفاته الاجتماعية لتشكيله المدرسي، ولكن لشروط خاصة بواسطة [ولأن] المدرسة عامل مساعد من عوامل الثقافة... وهي لا يمكنها أن تقوم بدور العامل المساعد إلاّ في الحدود التي تندمج فيها وظيفتها ضمن الخطوط الكبرى لمشروع ثقافة".7
وعلى هذا الطرح لا يمكن لمفهوم (ثقافة) أن يكون مرادفا لمفهوم (علم)، لأنّه قد لا يتيسّر طلبه إلا لبعض الفئات القليلة في المجتمع، كما أنه قد لا تجد فيه الفئات في المجتمع المناخ الذي يساعدها على تحويل الحقائق العلمية إلى منجزات حضارية معنوية أو مادية.8
كما أن مفهوم الثقافة وفق رؤية بن نبي، لا يمكن حصره في المعرفة العلمية أو المعرفة العامة بالمبادئ الخلقية والقيم الاجتماعية والجمالية المجردة،9 بل ينبغي أن يمتد ليشمل كلّ ما له علاقة بالإطار العام الذي يتحرك فيه الإنسان الأفروسيوي؛ فهذا الإطار يختلف في حقائق منظره الإنساني وفي حقائق نموذجه الاجتماعي عن الإطار التي يتحرك فيه الإنسان المتقدم في أوربا أو أمريكا أو اليابان أو الصين،10 وهذا مما يؤكّد أن ليس لمشكلة الإنسان أو التراب أو الوقت في البلاد العربية والإسلامية علاقة بالعلم أو المعرفة بقدر ما لها علاقة بالثقافة كمركب اجتماعي.11
ولئن كان لكل مشكلة من مشكلات الحضارة سواء كانت أدبية أو مادية، صلة بمشكلة الثقافة، فإن إمكانية حلّ هذه المشكلات متوقف على مراعاة هذه الصلة، لأنها الشرط الجوهري في التوصّل إلى حلّها وفي وضع إجراءات تطبيقاتها ميدانيا.12 ولذلك ففي نظر مالك بن نبي أنه "لكي نرفع الكتلة العربية الأسيوية من مستور التلفيق والاصطناع السياسي إلى مستوى مفهوم الحضارة، يجب أن نأخذ في اعتبارنا عاملين هما: الرجل والمنظر الذي يشمله 'أو‘ حامل الثقافة وإطاره الذي يحيط به".13 بل إنّه لكي يكون للبلاد العربية والإسلامية قدرة على تنفيذ خطط مشاريعها التنموية أو قدرة على الإتيان بالحلول المناسبة للمشكلات التي لها صلة بالإنسان أو بالتراب أو الوقت أو بها جميعا "يتعين أولا "أن تكون البلاد المتخلفة على اقتناع بأنّ تثقيف الإنسان أكثر أهمية من تثقيف نبات الأرض".14
أثار مالك بن نبي منذ أكثر من خمسين عاما مشكلة تثقيف الإنسان الأفروسيوي؛ إذ لاحظ إهماله للتراب وعدم اهتمامه بالوقت، على الرغم من أنّهما المادتان الأساسيتان بالنسبة لكل المجتمعات في عملية البناء الحضاري، ولكن هذا الرأي الذي يربط فيه مالك بن نبي مشكلات الحضارة بمشكلة الثقافة، لم يجد في العالم الإسلامي باستثناء أندونيسيا وماليزيا آذانا صاغية.
وعدم اكتراث العالم العربي والإسلامي بأفكار مالك بن نبي عن مشكلات الحضارة هو-وأسباب أخرى- ما يُمكِّن لاستمرار هاتين المشكلتين في جلّ الأقطار العربية والإسلامية، بل إن عدم الالتفات إلى ربط مشكلات الحضارة: مشكلة الإنسان، والتراب، والوقت بمشكلة الثقافة، ضاعف من حدّة مشكلة تصحّر التراب وتلويث البيئة وانخفاض نسبة الانتفاع بالمياه المتساقطة والمجمعة خلال النصف الثاني من القرن 20م15 وبداية هذا القرن.
فبالنسبة لمشكلة التصحر في العالم العربي والإسلامي، فإن الجزائر على سبيل المثال فقدت في الفترة الممتدة مابين 1992 وبين 2000م ثمانية ملايين هكتار من الأراضي التي كانت صالحة للزراعة والتشجير،16 فإذا أخذنا بعين الاعتبار لما يجري في أفغانستان وباكستان والعراق واليمن وسوريا ومصر ولبنان وليبيا، فإن هذه المساحة تزداد اتساعا وبالتالي يصبح الأمن الغذائي في خطر وتكون أسباب تبعية العالم العربي والإسلامي للغرب قد زادت بدل من أن تنقص.
وأمّا بالنسبة لمشكلة المياه المتساقطة والمجمعة، فإنّ كل الأقطار العربية والإسلامية حتى تلك التي توجد فيها أنهار طوال فصول السنة، مهددة كل سنة بفقد نسبة كبيرة من هذه المادة، التي هي أصل الحياة، بل إن بعض الأقطار إن لم تول هذه المشكلة اهتماما كبيرا ستجد نفسها في المستقبل القريب أو البعيد مضطرة للعمل بسياسة التقشّف في استهلاك هذه المادة.
وهذا مما يؤكد وجهة نظر مالك بن نبي المتعلقة بالحلول المناسبة للمشكلات التي تتصل بعناصر الحضارة:- الإنسان والتراب والوقت- في البلاد الأفروسيوية، هي أنها لا تتيسّر للتفكير الذي يعتبر على سبيل المثال مشكلة التصحر أو مشكلة انخفاض نسبة المياه في الأودية والسدود أو مشكلة تناقص الإنتاج الزراعي أو مشكلة تضييع الوقت أو مشكلة ارتفاع نسبة البطالة أو كل هذه القضايا التي نعاني منها، هي مشكلة إمكان حضـاري أو تجهيز أو وسائل، وإنما يتيسّر حلّها للتفكير الذي يعتبرها مشكلة ثقافة،17 عندئذ لن يكون الإنسان الأفرسيوي عاجزا عن إيجاد حلول لهذه المشكلات وبناء صرح حضاري إسلامي، ومن ثم "لن يكون هذا الإنسان فريسة سهلة إذا ما اتجه إلى تثقيف طرائق تفكيره وطرائق عمله، طبق منطق عملي يخطط نشاطه ومنطق عملي موضوعي ينظم فكره وإذا ما تخلّص من الخرافات التي تكفّ نشاطه وتحد من فاعليته"،18 ولذلك فلكي تتمكن البلاد العربية والإسلامية من الإتيان بالحلول المناسبة لهذه المشكلات الحضارية على الآماد القريبة والمتوسطة والبعيدة ينبغي القيام بما يأتي:
أولا: معالجة مشكلة الثقافة بتحديد مفهومها ومفهوم العلم والتعليم وبالتالي تحديد وظيفتها بالنسبة لوظيفة العلم والتعليم.
ثانيا: تحديد المبادئ العامة والعناصر والظواهر الطبيعية التي يشملها مفهوم "ثقافة".19
ثالثا: صياغة ما يتضمنه مفهوم "ثقافة" من مبادئ وعناصر وظواهر في برنامج تربوي صالح لتثقيف جميع الشرائح التي يتركب منها المجتمع.20
رابعا: وضع هذا البرنامج موضع التطبيق لتحقيق الثقافة بصورة عملية في حياتنا الخاصة والعامة.21
وهذه الإجراءات المتعلقة بحل مشكلة الثقافة في العالمين العربي والإسلامي وإن كانت لا تُنشئ حلا عاجلا لمشكلات عناصر الحضارة فيهما، فإنها تستطيع أن تساهم في خلق بيئة ثقافية جديدة تمكّن الإنسان مع مرور الأيام من اكتساب المنطق العملي الذي ييسّر له معرفة كيفية الربط بين العمل وبين الوسائل والمقاصد، أو بين الفكرة والعمل، أو بين المُثل، أو بين القيم أو المبادئ وبين السلوك، أو بين المادة والروح، أو بين العلم والضمير. إنّه باختصار يجعله يعرف كيفية الربط بين ما تتطلبه منه الدنيا وبين ما تتطلبه منه الآخرة.22 ومع الوعي المتزايد والحركة المتنوعة، مع هذين العاملين الهامين في البناء الحضاري، الذين أخذا بالانتشار على محور طنجة حكارتا، يمكن لهذه الإجراءات العملية أن تضاعف من مستوى وعي الإنسان مسلما كان أو مسيحيا ومن مستوى إدراكه لهذه الحقيقة المتمثلة في أنّ: « نهضة العالم الإسلامي... ليست في الفصل بين القيم وإنما هي في أن يجمع بين العلم والضمير، بين الخلق والفن، بين الطبيعة وما وراء الطبيعة حتى يتسنى له أن يشيّد عالمه طبقا لقانون أسبابه ووسائله، وطبقا لمقتضيات غاياته ».23
بيد أنّ التحكم في عملية نهضة التغيير الثقافي الاجتماعي التي بدأت تحدث في العالم العربي والإسلامي ليس متوقفا على مستوى قدرة هذه البلدان على تحديد المحتوى الثقافي الذي ترغب في إعداده وصياغته في برنامج تربوي فحسب، بل هو أيضا متوقف على مستوى قدرتها على توجيه هذه العملية طبقا للغايات المطلوب من الفرد والمجتمع المسلم بلوغها.24
a) تحـديد مفهـوم الثـقافـة:
إن القارئ المهتم بما كتب مالك بن نبي عن مشكلات الحضارة أو عن القضايا الكبرى في العالم العربي والإسلامي، يجده منذ "الظاهرة القرآنية" إلى محاضراته الموسومة بمجالس دمشق أو الموسومة بـ "دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن 20م" يؤكد على أن تحديد المفاهيم بوجه عام، ومفهوم "ثقافة" و "حضارة" بوجه خاص، أمر ضروري وهام للعمل من أجل إعادة تجديد النهضة العربية والإسلامية أو من أجل تغيير الإنسان والإطار الذي يحيط به.25
وعلى الرغم من أنّ مالك بن نبي يعتبر مسألة تحديد المحتوى الثقافي وصياغته في برنامج تربوي أمرا ضروريا لعملية تجديد النهضة،26 إلاّ أن ذلك يبقى في نظره دون مستوى المهام الصعبة التي تواجه عملية التجديد ما لم نأخذ بعين الاعتبار مشكلة تحديد مفهوم الثقافة،27 لأنّ الإتيان بالحلول المناسبة للمشكلات التي تتصل بالإنسان أو التراب أو الوقت تتوقف على تحديد مفهوم "ثقافة" ومفهوم "حضارة" أو تبقى مرهونة بهذا التحديد.
وذلك، لأنّه إذا كان قد مر على ميلاد النهضة أو على عهد التنظيم والتركيب والتوجيه في البلاد العربية والإسلامية أقرب من مائة وخمسين سنة ولم تزل هذه البلاد ذات قابلية نفسية وفكرية للتبعية الغربية وللاستعمار الجديد، فإنّ ذلك مما يحتم عليها أن تعيد النظر في عالم أفكارها: تقويما وتنظيما وتوجيها28 مادامت كل الحلول المستوردة لم تأت أكلها، لأنّ النظريات التي اقتبست منها دولنا هذه الحلول، ليست هي المفجر الذي يطلق قوى العالم الإسلامي.29
بيد أنه لكي يكون لعملية تقويم عالم الأفكار وتنظيمه وتوجيهه معنى وفاعلية في الحياة العملية للفرد والمجتمع العربي والإسلامي، يجب أن نبدأ من هذا السؤال؛ ما هي الثقافة؟ وماهو العلم؟ وما الفرق بينهما؟ وما هو التثقيف؟ وما هو التعليم؟ وهل مفهوم ثقافة وتثقيف مرادف لمفهوم علم وتعليم؟ وهل كلّ متعلّم وعالم مثقف؟
لقد طرح مالك بن نبي هذه الأسئلة وغيرها في كتابه مشكلة الثقافة، وأخذ يبحث لها عن إجابة، ولكن ليس على مستوى القواميس أو المعاجم اللغـوية أو الأدبيـة أو الفلسفية، وإنما على مستوى الواقع؛ واقع حياة الفرد الذي ينتمي إلى المجتمعات المتقدمة وواقع حياة الفرد الذي ينتمي إلى المجتمعات المتخلفة أو بتعبير آخر على مستوى واقع المجتمعات التي تنتمي الى القارّة التي تملك إرادة وقدرة وعلى مستوى واقع المجتمعات التي تنتمي إلى القارة التي لا تملك هذه الإرادة وهذه القدرة.
وبفحصه لهذه الإجابة المستقاة من واقعين مختلفين تبيّن له أنّ من مفهوم الثقافة نستبين أنّه ليس بالضرورة أن يكون كل متعلم مثقفا،لأنه لو كان العلم هو الثقافة والتعليم هوالتثقيف لما كان للمهتم مثل مالك بن نبي أن يجد اختلافا كبيرا في الموقف مثلا من قضية الاعتناء بالوقت أو بإتقان العمل أو في المحافظة على نظافة المحيط بين متعلّمين ينتميان إلى مجتمعين مختلفين في درجة تطوّرهما أو موقعهما من الحضارة من جهة، ومن جهة أخرى لما كان له أن يجد تماثلا في الموقف من القضايا المذكورة آنفا، بين فردين ينتميان إلى مجتمع واحد مع أنّهما يختلفان في الوظيفة أو في درجة العلم كحدّاد أو نجـار أو بنّاء وطبيب أو أستاذ... في ألمانيا أو اليابان أو الصين أو أمريكا مثلا.30
فلو كانت الثقافة هي العلم لما كان هناك أيّ اختلاف بين موقف المتعلّم من البلدان الجنوبية والمتعلّم من البلدان الشمالية من قضية الاعتناء بالوقت مثلا، ولما كان هناك تشابه بين موقف الرّاعي والفلاح والحداد والطبيب الهولندي من مشكلة التراب. إنّ الذي أملى هذه المواقف المختلفة أو المتشابهة من مثل هذه القضايا على الإنسان في الجنوب وفي الشمال ليس هو العلم وإنّما هي الثقافة.31
الأمر الذي يحتّم على المهتم إعادة طرح السؤال بصيغة أخرى، هل الثقافة ظاهرة بيئية أم هي ظاهرة مدرسية؟، فإن كان الجواب بأنّ الثقافة هي ظاهرة مدرسية، فما تفسير اختلاف المواقف من قضية اجتماعية معيّنة؟-كتلك التي ذكرنا-بين متعلمتين في بلاد الجنوب بينما نجد تشابها في الموقف من هذه القضايا بين المتعلّمين وغير المتعلمين في بلاد الشمال.32
أما إذا كان الجواب هي ظاهرة بيئية، فإنّ هذا يجعلنا نتساءل ماهي الثقافة؟ وماهي العناصر التي تتركّب منها؟ وكيف يمكن تصوّر صياغتها في برنامج تربوي33 يصلح لثتقيف كل فئات المجتمع؟ وكيف يمكن للبيت والمدرسة والمسجد والشارع وسائر مؤسسات المجتمع أن تساهم في تنمية فاعلية هذه الظاهرة البيئية وبالتالي في تنمية فاعلية المحصول الاجتماعي المعنوي والمادي؟!34
والأسئلة المطروحة آنفا ليست من وحي الخيال بل هي من وحي واقع الإنسان في البلاد العربية والإسلامية، لأنّ الملاحظة السريعة الخفيفة على ما يقوله الإنسان وما يسلكه تجعلك تدرك أن الإنسان عندنا فاقدا للتمييز بين ما تفيده كلمة ثقافة وبين ما تفيده كلمة علم وتعليم. فعلى سبيل المثال؛ إذا قلنا (إنّ): حرف نصب وتوكيد فهذا هو العلم بوظيفتها. أما إذا رفعنا ما بعدها فهذا هو الجهل بالثقافة لأن لساننا لم يتعود بعد على نطق ما بعدها منصوبا وكذلك الأمر بالنسبة لمن يعرف أنّ رمي الأشياء في الشارع يشوّه المنظر ويلوّث البيئة ولكنه يرمي الأشياء في الشارع أو بالنسبة لمن يعرف أنّ إشارة (قف) تفرض التوقف ولا يتوقف... ألخ. فالمعرفة أو العلم هنا لم يتحول إلى سلوك وإنما بقي مجرد معلومة لم تساهم في تهذيب السلوك.35 ويصبح الأمر أخطر عندنا تلاحظ أنّ مثل هذا السلوك يصدر عن أفراد من الفئات الاجتماعية المتعلّمة، وهذا ما يؤكد أن مفهوم الثقافة عندنا لا يزال في حاجة إلى تحديد وترسيخ كي تؤدي الثقافة في مجتمعاتنا دورها الفعال في سلوك الأفراد وفي أسلوب المجتمع.36
والأمثلة القليلة التي ذكرناها عن الخلط الشائع في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بين الثقافة والعلم هي قليل من كثير ممّا يعتبر قرينة على مضمون العلم الذي لم يستطع تغيير النفس تغييرا يتلاؤم وما نتطلّع إليه- ﴿إِنَّ اللّٰهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾،الرعد:11، أي تحديد وإعداد ثقافة بناء حضارة إسلامية تجمع بين خيرية إسلامنا وبين تقنية غيرنا "والإنسان هو الكائن... الذي ينتج الحضارة بالتغيير والحركة، ولا يغير الإنسان التاريخ إلا إذا غيّر نفسه... والإنسان لا يغيّر نفسه إلاّ إذا غيّر فكره، فالتغيير داخلي باطني قبل أن يكون خارجيا ظاهريا، وأن يكون مرحليا قبل أن يكون كليا، وأن يكون فرديا قبل أن يكون جماعيا"37 ولما كان هدف بن نبي من إشارته لمشكلة الثقافة إحداث تمييز جوهري بين مفهومي: (ثقافة) و(علم)، ذلك التفريق الذي يزيل الخلط الشائع بينهما في أذهان الناس، فإنّه لم يكتف بماساقه من تعريفات لغوية واصطلاحية38 لكل من مصطلحي: ثقافة وعلم، بل إنه دعانا إلى "أن نتصور معه (ثقافة) من ناحية فردين مختلفين في الوظيفة والظروف الاجتماعية، ولكنهما ينتميان إلى مجتمع واحد، كطبيب إنجليزي وراع إنجليزي. ومن ناحية أخرى نتصور فردين متحدين في العمل والوظيفة ولكنّهما ينتميان إلى مجتمعين مختلفين في درجة تطورهما كطبيب صيني وطبيب إنجليزي، فالأوّلان يتميز سلوكهما إزاء مشكلات الحياة بتماثل معيّن في الرأي يتجلّى فيه ما يسمى (الثقافة) الإنجليزية، بينما يختلف سلوك الآخرين أحيانا اختلافا عجيبا يدلّ على طابع الثقافة التي تميز كليهما عن صاحبه، لأنّه يميز المجتمع الذي ينتمي إليه. وهذا التماثل في السلوك في الحالة الأولى والاختلاف في السلوك في الثانية، هما الملاحظتان المسلّم بهما في المشكلة التي أمامنا، وعليه فالتماثل أو الاختلاف في السلوك ناتج عن الثقافة لا عن التعليم".39
والمثال التصوّري هذا، هو مثال الوظيفة الثقافة تلك التي جعلت الراعي والطبيب المنتميان لمجتمع متحضّر يتماثلان في الرأي والموقف، وهو في الوقت ذاته وسيلة لأن "ندرك أنّ السلوك الاجتماعي للفرد خاضع لأشياء أعمّ من المعرفة، وأوثق صلة بالشخصية منها بجمع المعلومات وهذه هي الثقافة".40
كما أنّ مالك بن نبي أورد هذا المثال كي يؤكد أنّ مواقف الأفراد من المشكلات الاجتماعية التي تنصبها الحياة في طريقهم، أو أنّ الأسلوب الذي يطرح ويشخص به المجتمع الذي ينتمي إليه هؤلاء الأفراد مشكلات الحياة أو الكيفية التي يرتب بها الفرد أو المجتمع أفكاره ووسائله بفعالية ولا فعالية، كل ذلك مرتبط بشيء يسمى الوسط أو المحيط الثقافي السائد في هذا المجتمع.41
فإذا كان الوسط أو المحيط العام الذي يؤثر في الأسرة والمدرسة والمسجد والجامعة وغيرها من مؤسسات المجتمع "ينتج أقوى الدوافع وأقوم التوجيهات وأنشط الحركات"42 فإن مواقف الأفراد من مشكلات الحياة في هذا الوسط تكون إيجابية، كما يكون في الآن ذاته، أسلوب المجتمع من حيث الطرح والتشخيص لمشكلات حياته وإيجاد حلول ناجحة، أسلوبا فعالا.
ومن أجل إيجاد هذا الوسط المفعم بالحيوية والحركة ينبغي في معالجة مشكلة الثقافة في العالم العربي والإسلامي، التركيز على الإطار العام لحياة المجتمع، وليس على جزء منه، فالأسرة أو المدرسة أو المسجد أو أي مرفق خاص أو عام، يساهم في نشر العلم والمعرفة ولكنّه لا يعدّ إلاّ جزءًا من أجزاء كثيرة تتركب منها الثقافة التي هي الإطار العام لحياة المجتمع،43 ذلك الإطار الذي "يجمع بين راعي الغنم والعالم جمعا توحد معه بينهما مقتضيات مشتركة".44
وعليه، فإذا اختزل المجتمع مفهوم "الثقافة" فيما يتلقاه المواطن عن هذه الأجزاء، واقتصر في معالجة مشكلة الثقافة فيه على ما تقدّمه هذه الأجزاء للفرد أو المواطن، فإنه لن يكون للعلم والمعرفة أيّ دور لا على فعالية سلوك الفرد ولا على الرصيد الإيجابي للحصول الاجتماعي في الحياة العملية للمجتمع.45
ولذلك، فإن مالك بن نبي لم يكتف بالمثال التصوّري الذي أورده في كتـابه "مشكلة الثقافة وشروط النهضة وفكرة الإفريقية الآسيوية"، لتوضيح الاختلاف بين مفهوم "ثقافة" وبين مفهوم "علم" وإنّما كان يستقي من واقع البلدان العربية والإسلامية الأمثلة عن التبديد والسلبية واللافعالية لكي يؤكد للقارئ أو المستمع أنّ قضية المحصول الاجتماعي أو الفعالية الاجتماعية، ليست قضية علم ومعرفة وإنّما هي قضية ثقافة.
والأمثلة التي أوردها مالك في كتبه للتأكيد على أنّ الثقافة ليست هي العلم أو المعرفة، وإنما هي أعمّ منها وأشمل لها، كثيرة لا يتسع المقام لذكرها كلّها، وسنقتصر على ذكر هذا المثال الذي استقاه من واقع المجتمع الجزائري أثناء الاحتلال الفرنسي.
لقد لاحظ مالك بن نبي أنّ موقف النخبة الجزائرية المتعلمة من قضية الأمية والجهل التي ساهمت في إيجادها ونشرها السلطات الفرنسية في الجزائر، لم يكن هو نفس الموقف الذي اتخذته منها النخبة المثقفة للجالية اليهودية التي كانت تعيش في الجزائر، بالرغم من أن المدرسة التي تلقت فيها كلتا النخبتين العلم واحدة، وأنّ هذه القضية الاجتماعية التي كان يعاني منها الشعب الجزائري والجالية اليهودية واحدة.
إنّ الفرق بين مفهوم ثقافة ومفهوم علم يتضح من خلال موقفي: النخبة الجزائرية والنخبة اليهودية؛ ففي الوقت الذي راحت فيه النخبة الجزائرية تخطب في الناس أنّ الأمية والجهل هما الداء الذي يمكّن للإستعمار في البلاد، وهما الداء في كل الأمراض الاجتماعية أو ظلّت تكتب المقالات التي تشرح فيها أخطار الجهل والأمية وتهاجم فيها الاستعمار، فإنّ النخبة اليهودية حينما أصدرت الحكومة الفرنسية عام 1940م قـوانين استثنائية تقضي بحرمان أبناء الجالية اليهودية في الجزائر من حقّ التعلم، حينما أدركت النخبة خطورة هذه القوانين على أبناء جاليتها، سارعت إلى اتخاذ موقف إيجابي منها، حيث جعل كلُ متعلّم من بيته مكانا للتدريس ومن وقت فراغه وقتا لتحضير الدروس وإلقائها على التلاميذ أو الطلاب تبعا لمراحل التعليم ولأنواع التخصص، فلما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ورفعت الحكومة الفرنسية العمل بالقوانين الاستثنائية، لم يكن الغرض من سنّها وفرضها على أبناء الجالية اليهودية قد تحقّق، لأن النخبة اليهودية عرفت كيف تتحصّن ضدها.
وهذا الموقف المختلف من نخبتين متعلمتين من قضية اجتماعية واحدة يعتبر دليلا عمليا على أن العلم شيء والثقافة شيء آخر، كما أنه يدفع إلى القول: إنّه لكي نحقق الثقافة التي تخلق الفعالية في الإنسان وترفع من درجتها، وتجعله في الوقت نفسه يُمَيِّزُ بين التبديد وبين المحصول الاجتماعي، ينبغي ألاَّ ننشغل فحسب ببناء المؤسـسات46 التي تعلّم الإنسان القراءة والكتابة والأسماء والمسميات أو تعلمه مختلف العلوم أو ننشغل بالتأليف له بل يجب علينا في نفس الوقت، أن نعتني باختيار المضامين والمناهج التي تكوّنه وترفع من مستوى مردوده.47
وليس هذا استخفافا بدور المدرسة والجامعة والمسجد ومركز التكوين في نشر المعرفة والعلم والوعي وبمساهمتها بما تقدمه في تغيير الإنسان وملامح الحياة المعنوية والمادية، ولكن لا ينبغي الاقتصار على ذلك لأن قدرة هذه المؤسسات على خلق وسط ثقافي ينتج أقوى الدوافع لدى عالم الأشخاص ككل وأقوم التوجيهات له، وأنشط الحركات عنده،48 تبقى متوقفة على نوعية المضامين والمناهج التي تُقدَّم بها هذه النوعية من المعرفة والعلم، إذ هما معا - المضمون والمنهج- الوسيلة الفعالة لاصلاح الفرد والمجتمع وإعادة صياغة سلوك وأسلوب حياتهما صياغة حضارية جديدة.49 سلوك الفرد وأسلوب المجتمع هي جوهر المشكلة الثقافية، لأن "حاجتنا الأساسية في عالم [الأنفس والعقول والضمائر] أكثر [مما هي] في عالم الأشياء... حاجتنا الأولى هي الانسان الجديد... الانسان المتحضّر... الإنسان الذي خرجت منه حضارتنا منذ عهد بعيد. وصياغة هذا الجهاز الدقيق الذي يسمى الانسان لا تتم بمجرد إضافة معلومات جديدة إلى معلوماته القديمة، لأنه سيبقى... قديما في عاداته الفكرية وفي مواقفه أمام المشكلات الاجتماعية وفي... لا فعالية التي نجد"50 آثارها السلبية في جميع مجالات حياتنا في عالمنا العربي والإسلامي.
ولما كانت عملية إعادة صياغة الإنسان على محور طنجة–جكارتا لا يمكن أن تتم وتتحقق بمجرد إضافة معلومة جديدة –في التربية والتعليم أو في السياسة والاقتصاد أو في العقيدة والدين والأخلاق– إلى معلوماته (الإنسان) القديمة، فإن الأمر كذلك بالنسبة لعملية إعادة صياغة المجتمع، إذ لا يمكن أن تتم وتتحقق بإضافة أشياء جديدة إلى الأشياء القديمة التي يتكوّن منها المنظر الإنساني والنموذج الاجتماعي.51 فهذه الإضافات الجديدة المعنوية بالنسبة لعالم الأشخاص أو المادية بالنسبة إلى كمية عالم الأشياء، إن لم تكن في الآن ذاته مصحوبة بدوافع نفسية وتوجيهات فكريه، ونفير حضاري يكون الهدف منها جميعا تغيير الإطار الثقافي العام للحياة على هذا المحور،52 فإنها لا يمكن أن تحدث تركيبا لعناصر الثقافة، ناهيك عن أن تستطيع تحقيق ثقافة بناء حضارة بصورة عملية، تتجلى وظيفتها في سلوك الأفراد وفي أسلوب حياة المجتمع، تتجلى وظيفتها في سلوك الأفراد وفي أسلوب حياة المجتمع، تجليّا لا يدع مجالا للشك في أنّ التغيير والتركيب قد حدث.53
وعليه، ومن أجل أن تؤدي أيّ إضافة معنوية أو مادية مفعولها الاجتماعي ودورها في عملية إعادة صياغة الإنسان والمجتمع أو في إعادة صياغة العملية الاجتماعية بوجه عام، ينبغي أن يكون المقصد منها إحداث تغيير في سائر العوامل المعنوية والمادية التي تتكون منها البيئة الثقافية، وليس إحداث تغيير في عامل من عواملها أو في جزئية من جزئياتها.54
والمهتم بقضايا المجتمعات في العالم - على تفاوت درجات تحضرها ورقيها- يستطيع من خلال التفاتة مهتمة بما يبث في القنوات المرئية في المجتمع العربي والإسلامي وبما يبث فيها في المجتمع الغربي، أن يلاحظ أنّ للإنسان في المجتمعات الغربية اهتماما كبيرا بقضاياه الاجتماعية المختلفة، إذ يجد في هذه القناة أو تلك من يهتم بأمر المشرّدين ومن يهتم بأمر العاطلين عن العمل، ومن يهتم بمسألة الحريات وبما يعزّزها وبقضية الحقوق الفردية والجماعية وبما يكفل ضماناتها، ومن يهتم بقضية البحث العلمي وبالباحثين وبما يشجع على تطوره كمَّا وكيفا، ومن يهتم بالبيئة سواء تعلّق الأمر بالمدينة أو بالريف: زراعة وتشجيرا وتوضيبا للتراب وتنقيبا فيه.55
ولكنه لن يجد فيما يبث في قنوات المجتمعات العربية والإسلامية إلا قلّة قليلة تهتم بما ذكرنا، فإذا ما راح يبحث عن أسباب الاهتمام بهذه القضايا الجوهرية هناك وعن أسباب قلة الاهتمام بها هنا، فإنّ البحث سينتهي به إلى أنّ تلك المجتمعات حقّقت منذ قرون ثقافة التحضر والحضارة، تلك الثقافة التي تجعل كلاّ من الفرد والمجتمع مهتما اهتماما كبيرا بمختلف قضاياه الاجتماعية، وإنّ مجتمعاتنا لم تحقق بعد هذه الثقافة.56
وبالتالي إذا كانت هذه الملاحظة على ما يبث هنا وهناك تجعل المهتم يقف على السبب الجوهري في التفاوت بين الإنسانين المخاطبين بهاتين القناتين، فهل بإمكان مجتمعاتنا العربية والإسلامية أن تحقق ثقافة الاهتمام بكل ما يمكّنها من التطوّر والرقي دون سعي منها إلى تحويل مبادئ وقيم الثقافة إلى محيط أو وسط يحكم إطار حياتها الأدبية والمادية؟57
لا يمكن البحث عن الإجابة عن هذا السؤال في حاضر الأمم الراقية أو المتخلفة، لأنّ الأمة الإسلامية حين كانت في نعيم الحضارة كانت لها ثقافة الاهتمام ولكنها فقدتها، والأمم الغربية آنذاك لم تكن لها ثقافة الاهتمام ولكنها اكتسبتها وحافظت عليها58 وهذا يقود إلى القول: إنّ ضعف الاهتمام الأسمى بالقضايا الاجتماعية والوسائل الأولية وبالطاقات والمهارات المختلفة، وبكلّ ما يمكن الاعتماد عليه في المنعطفات التاريخية دون الوقوع في قبضة الغير عند بعض المتبوعين، وانعدام وجوده لدى أغلب التابعين في عالمنا العربي والإسلامي، ليس ناتجا بوجه عام عن العلم والتّعليم بقدر ما هو ناتج بصفة خاصة عن الثقافة العامة السائدة فيه.59
وذلك لأنّ مشاريع وبرامج التعليم والتكوين كانت ولا تزال تعدّ في بلدان هذا العالم على أساس أنّ الثقافة ظاهرة مدرسية وليس على أساس أنّها ظاهرة بيئية.
وممّا يؤكد ما نقول هو أن الإنسان المسلم ما أن يخرج من البيت أو المسجد أو المدرسة أو من أيّ مؤسسة تربوية وتعليمية حتى يسلك سلوكا مناقضا للمبادئ والقيم التي كان يستمع إليها من محدّثيه، أو التي كان هو نفسه يتحدث عنها، وهذا الانتقال "من حال الى حال أخرى [قرينة على] أنّ هناك انفصالا بين العنصر الروحي والعنصر الإجتماعي [أو على] افتراق بين المبدأ والحياة".60 والعلة في ذلك هي أنّ الفكرة التي تكونت لدى الفرد والمجتمع المسلم عن الثقافة هي أنّها نظرية في المعرفة وليست نظرية في السلوك المنسجم مع المبدأ. وأعتقد أنّه لو كانت مشاريعنا الثقافية وبرامجنا التربوية والتعليمية والتكوينية، قد أُعدت على أساس أن الثقافة هي: « مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته وتصبح لاشعوريا العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه"،61 لكانت هذه المشاريع والبرامج، قد مكّنت الفرد في عالمنا العربي والإسلامي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، من تغيير الفكرة الموروثة عن عهود الانحطاط والاستعمار والغزو الثقافي من أنّ الثقافة نظرية مدرسية، وبالتالي من إنشاء محيط أو مناخ ثقافي عام يجعل كلّ فرد من أفراد هذا العالم سواء كان متعلّما أو غير متعلم يهتم اهتماما أسمى بالبيئة كإطار حضاري.62
ولهذا السبب الجوهري، فإنّ مالك بن نبي كلّما كتب عن أي مشكلة من مشكلات الحضارة في العالمين العربي والإسلامي إلاّ واعتبرها مشكلة ثقافة، فضعف اهتمام الإنسان في هذين العالمين بقضاياه الاجتماعية المختلفة أو ضعـف إرادته في معالجتها أو نقص وعيه بما هو تحت تصرّفه من طاقات ووسائل وإمكان يعود في الأساس إلى الثقافة.63 ولمّا كانت مشكلة الثقافة تستغرق كافة المشكلات الحضارية: المعنوية والمادية التي لم تتمكن البلدان العربية والإسلامية من خفضها طيلة ستين عاما من استقلالها السياسي، فإنّ أيّ تفكير فيها، ينبغي في رأي مالك بن نبي أن يكون في أساسه تفكيرا في مشكلة الثقافة.64
وبصيغة أخرى مادام "إمكان الحضارة يتحدّد... بجغرافية المكان، وبنوع الثقافة [فإنه] لكي نرفع الكتلة العربية الآسيوية من مستوى التلفيق والاصطناع السياسي إلى مستوى مفهوم الحضارة، يجب أن نأخذ في اعتبارنا عاملين هما: الرجل والمنظر الذي يشمله، أي حامل الثقافة وإطاره الذي يحيط به".65
ولهذا مادمت معالجة المشكلات الأساسية للحضارة –كمشكلة الإنسان والتراب والوقت– لا تبدأ سوى من معالجة مشكلة الثقافة كما يلّح على ذلك مالك بن نبي66 ولكن ليس على أساس أنّها مشكلة نقص في المؤسسات التربوية أو في كمية المادة العلمية والمعرفية أو فيما جدّ فيهما، وإنّما على أساس أنّها مشكلة مناهج وأفكار ونوعية.67 هذه المناهج والأفكار إذا عزّزت بالاهتمام الأسمى بكل ما يحيط بالإنسان "يمكن تصبح الثقافة نظرية في السلوك"68 أي تركيبا نفسيا لعناصر الثقافة.69 وبذلك تصبح الثقافة "مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته وتصبح لاشعوريا العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه... [أو] في المحيط الذي يشكّل فيه الفرد طباعه وشخصيته... [أو] المحيط الذي يعكس حضارة معينة".70
وينبغي ألا نتصور أنّ حل مشكلة الثقافة، قد يتم بمجرد تحديد مفهومها على الصيغة المذكورة أو على صيغة أخرى مقاربة أو مغايرة، لأن التحديد وإن كان أمرًا ضروريا فهو غير كاف،71 لكون عملية تحويل ما تتضمّنه صيغة هذا المفهوم من مبادئ وعناصر وظواهر إلى واقع يُحَسُ ويُلْمَسُ في حياة الأشخاص وفي حياة المجتمع معا. هذه العملية تتطلّب بالإضافة إلى ما ذكرت، صياغة برنامج تربوي مناسب، مرفوقا بصيغ بيداغوجية ملائمة لتنظيم مختلف عناصر الثقافة في وحدة متجانسة ووضعهما موضع التنفيذ72 وهذه الوحدة المتجانسة، ليس في استطاعة المجتمع أو الأمة الإسلامية أن تنظم عناصرها وتصوغها كي تجعل منها إطارا يشمل كافة جزئيات البيئة، مالم تتمكّن من التأليف بين عالم الأشخاص ومن تنظيمه ومن تركيبه في وحدة ثقافية يصبح معها سلوك الأشخاص منسجما مع أسلوب حياتها.73 وذلك لأن فعالية عالم الأفكار وعالم الأشياء وسائر العناصر والظواهر الطبيعية مرهونة بمدى قدرة المجتمع أو الأمة على تهيئة شبكة أو قناة اتّصال وتواصل للتأليف بين عالم الأشخاص وتركيبه، تلك التهيئة التي تمكّن من إنشاء ما يسميه مالك بن نبي بـ "العلاقة المتبادلة" بين سلوك الفرد وأسلوب الحياة، من حيث التوجيه والتقويم والنقد.74
ففي بداية نشأة المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة كانت العلاقة المتبادلة بين الجانب الشخصي والجانب الاجتماعي سليمة،75 لأنّ الثقافة التي تحكمها كانت "جد متجانسة، متحدة الطابع عند الخليفة والبدوي البسيط، وذلك يتجلّى في موقف عمر رضي الله عنه عندما خطب في المسلمين غداة تولّيه الخلافة، فقال قولته المشهورة ["أيهّا الناس، من رأى منكم في اعوجاجا فليقوّمه"، "وكان الرد على هذه المقولة ما نطق به أحد أولئك البدو البسطاء"، "والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بسيوفنا"].76
كما تتجلى هذه العلاقة السليمة في موقفين لأبي بكر الصديق كرم الله وجهه:
الموقف الأول: حين اختار للمسلمين رجلين –زكّى النبي صلى الله عليه وسلم أخلاقهما ليختاروا أحدهما خليفة لهم– هما عمر وأبو عبيدة رضي الله عنهما ولكنّهما رفضا "وماكاد عمر يلقي بكلمته هذه ويتقدّم باسطا يمينه، مبايعا أبا بكر... حتى ازدحم الأنصار على البيعة وكأنما دعاهم من السماء داع".77
الموقف الثاني: حين سمع خبر المرتدّين عن الإسلام أو الممتنعين عن أداء الزكاة، فبالرغم من أنه كان ككل الصحابة رضي الله عنهم مشغولا بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وبما أحدثته من فراغ ديني ودنيوي في حياة المسلمين إلاّ أنّ هذا الجزء زاده هَمًّا على هَمٍ ولئن كان كثير من الصحابة ويأتي على رأسهم عمر –رضي الله عنهم أجمعين– اعتبروا امتناع تلك القبائل عن أداء الزكاة إنكارا لركن من أركان الإسلام أو خرقا لقاعدة أساسية من قواعده الخمسة، فإن أبا بكر وإن اعتبره كذلك، إلاّ أنه رأى فيه بداية أزمة ثقافية إن لم يتّخذ منه موقفا حاسما ويتصدّى إلى مقترفيه في الحين فإنّ بداية هذه الأزمة ستستفحل وتقضي تدريجيا على أسلوب حياة المجتمع الإسلامي الوليد، هذه الرؤية المستقبلية هي التي جعلته يقول: "والله لو منعوني عقال بعير كانوا يعطونه لرسول الله لقاتلتهم عليه بالسيف" ويعلن في الحين الحرب عليها.78
وليس وراء هذا الإعلان سوى إيمان أبي بكر وبصيرته "لكن هذا الإيمان وهذه البصيرة لم يكونا يعملان بمعزل عن رأي الجماعة، وحقّها في الشورى والمناقشة".79
إنّ هذه المواقف توضح معنى العلاقة المتبادلة بين الجانب النفسي الذي يمثّله الشخص الطبيعي والجانب الاجتماعي الذي يمثّله الشخص الاجتماعي الذي يمثله الشخص الاعتباري أو المجتمع، كما أنّها في نفس الوقت تدلّ دلالة قطعية على أنّ الثقافة متى تحقّقت في صورة تركيب لعالم الأشخاص، أصبحت الجسر الذي يحفظ من السقوط أو يحفظ الفرد من العصيان أو التمرّد كما يحفظ الحاكم من الوقوع في الاستبداد، أو الجسر الذي يصل بين الشخص والمجتمع كما كان الحال في المجتمع الإسلامي الأوّل.80
فإذا كان من يمثّل السلطة في المجتمع لا يسمح للشخص أو الجماعة بأيّ نشوز في السلوك كما يتجلىّ ذلك في الموقف الذي وقفه أبو بكر من القبائل المرتدة، فإنّ الشخص أو الجماعة لا يمكنها في ظلّ سيادة هاته الثقافة التي تجمع بين الطرفين، أن تسمح لمن يمثّل السلطة بأي انحراف عن أسلوب حياة المجتمع كما يتّضح ذلك من خلال رد البدوي البسيط على مقولة الخليفة عمر.81
وبناء عليه، فإن مشكلة الثقافة والتثقيف اللتان لا تزالان قائمتين في سائر البلدان العربية والإسلامية ينبغي في نظر مالك بن نبي82، ألاّ تطرح بهذه الصيغة: كيف تتكوّن ثقافة معينة؟ أو بهذه الصيغة: ما هو الدور الذي تؤديه ثقافة معينة؟ بل ينبغي أن تطرح بصيغة: كيف يتم إعداد ثقافة معينة قادرة على النهوض بالشخص والمجتمع معا؟83
وذلك، لأنه إذا كانت هذه المشكلات كالأمية والبطالة ونقص الإنتاج والماء وسوء الانتفاع بما هو متاح وسوء تسيير المؤسسات وتبذير الأموال وإهدار الوقت وغير ذلك مما تعاني منه بلدان العالم الإسلامي بوجه عام وبلدان العالم العربي بوجه خاص "لا تشكّل سوى مظهر من مظاهر مشكلة الإنسان الذي لم يتعلّم طريقة استعمال وسائله الأولية... التراب والوقت بصورة فعالة، أو هو قد نسي ما تعلّمه من هذا الاستعمال... فإنّ الإنقاص من عدم فعالية الفرد [والذي يعد مساهمة في] الإنقاص من مختلف المجتمع".84
إذا كانت هذه العينات التي ذكرناها ليست سوى مظهر من مظاهر مشكلة الإنسان، فإن الأمر يحتّم على بلداننا العربية والإسلامية أن تربط بين الفعالية واللافعالية وبين مشكلة الثقافة85. كما يقتضي منها أن تطرح هذه المشكلة بصيغة إجمالية هي: كيف يتم إعداد ثقافة معينة متلائمة مع السلوك الفعال؟86
وهذا لأنّ تغيير معادلة الفرد الاجتماعية ممّا هي عليه من لا فعالية في الميادين المختلفة إلى ما يجب أن تكون عليه من فعالية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، لا يمكن تحقيقها تدريجيا إلا مع وضع مشروع ثقافي، ينبغي على واضعيه أن يعتبروا معادلة الفرد الاجتماعية الحالية قيمة ثقافية مجسّدة على مستوى الفرد والمجتمع،87 كما ينبغي عليهم في نفس الوقت أن يعتبروا جميع المؤسسات والبرامج والمناهج والوسائل المعتمدة حاليا، مصادر ساهمت في تكوين هذه المعادلة.88
وبهذين الاعتبارين اللذين يجعلان من الثقافة ظاهرة بيئية، يستطيع المشروع الثقافي إذا دخل حيّز التنفيذ أن يغيّر تدريجيا معادلة الفرد الاجتماعية من خلال تغييره للوسط الذي تشكّلت فيه كل جزئية من جزئياتها.89
وهو الأمر الذي دفع مالك بن نبي إلى إثارة مشكلة الثقافة وإلى الربط بينهما وبين جميع مظاهر التخلّف المتفشية في البلاد الأفروسيوية90 وإلى اقتراح طرحها بالصيغة التي أشرنا إليها سابقا، لأنّ "هذه المشكلة لا تواجهنا البتة في دائرة المجردات؛ أي في: المسرح، أو السينما، أو مكتب عمل أحد الروائيين، أو في أسلوب إحدى الرقصات الفلكلورية، ولكنها تطرح أمامنا في العالم العيني الملموس لعملنا اليومي، في إحدى حظائر البناء، أو في حقل تقوم بزراعته، أو في المدرسة، حيث نرسل بأطفالنا لتلقي المعرفة، وفي الطرقات التي نعبر بها والقاطرات التي ننتقل بواسطتها، وأخيرا في كل مكان يوجد فيه شكل من أشكال حياتنا ونشاطاتنا اليدوية أو الذهنية... وبكلمة واحدة فإن موضوعنا لا يقتصر على نطاق معين فحسب، ولكنه يتعلق بالإطار الاجتماعي كلّه، حيث تدور حياتنا وتتساوق نشاطتنا وتتشكّل المشكلات العديدة التي تستحوذ على أفكارنا تحت اسم (التخلف)".91 ولما كانت مشكلة الثقافة على هذا الطرح ذات علاقة وطيدة بكل ما يعد إطارا اجتماعيا، فإنّ عملية تغيير معادلة الفرد والمجتمع تغييرا يرفع من مستوى فعالية كافة الطاقات الاجتماعية أي من حركات الأيدي والأرجل ومن نبضات القلوب ومن مواهب العقول ومن كثافة التكتل والانسجام ومن الوعي بالوِجهة وبقيمة الوسائل الأولية. وبكل ما هو تحت التصرف، لاستغلاله واستثماره في العملية الاجتماعية وفي تحرّر الفرد والمجتمع من جميع أشكال التبعية، كل ذلك يبقى في نظر مالك بن نبي متوقّفا على مواجهة مشكلة الثقافة في أصولها.92
وكما أنّ هذه المواجهة تقتضي تحديد مفهوم (ثقافة) وكيفية إعداد ثقافة معيّنة قادرة على النهوض بالفرد والمجتمع، فإنّها أيضا تقتضي تحقيق محتوى هذا المفهوم بصورة عملية في واقع الحياة.
* * *
الهوامش
1 قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب واللغات والفنون، جامعة وهران.
2 انظر مشكلة الثقافة موضوع: معنى الثقافة في التاريخ، معنى الثقافة في التربية، ص: 76،77،78. وانظر القضايا الكبرى، ص79-89. وانظر ميلاد مجتمع، ص: 100. ففي جميع هذه المصادر ينطلق مالك بن نبي في حديثه عن مشكلة الثقافة من أن: "كل حقيقة لا تؤثر على الثالوث الاجتماعي: الأشخاص والأفكار والأشياء هي حقيقة ميتة، وكل كلمة لا تحمل جنين نشاط معين هي كلمة فارغة، كلمة ميتة مدفونة في نوع من المقابر نسميه القاموس".
3 انظر مالك بن نبي من اجل التغيير، موضوع: في البناء الثقافي ص: 49 وما بعدها. وانظر تأملات، ص: 148-149. ومشكلة الثقافة، موضوع: توجيه الأفكار، ص: 67-69.
4 انظر مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، موضوع: دفاع عن شبكة العلاقات الاجتماعية، ص: 49 وما بعدها.
5 انظر مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، موضوع: الطرق الجديدة، ص: 129 وما بعدها.
6 انظر مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ص: 100، 101.
7 انظر مالك بن نبي، القضايا الكبرى، ص: 77، 81.
8 انظر مالك بن نبي، تأملات، موضوع: الثقافة ص: 139-152.
9 انظر مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ص: 99، 100.
10 انظر مالك بن نبي، فكرة الإفريقية الآسيوية، موضوع: مشكلة الرجل الأفروسيوي، ص: 75-87.
11 انظر مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، موضوع: تعايش ثقافي على محور طنجة- جاكرتا، ص: 100-104.
12 انظر مالك بن نبي، شروط النهضة، موضوع: توجيه الثقافة، ص: 58- 105. وانظر عبد المجيد عمر النجار، فقه التحضّر الإسلامي، الفصل الثاني والثالث.
13 مالك بن نبي، فكرة الإفريقية الآسيوية، ص: 125.
14 مالك بن نبي، القضايا الكبرى، ص89.
15 انظر محمد خاتمي، التنمية السياسية، التنمية الاقتصادية والأمن، ترجمة: سرمد الطائي، دار الفكر، سوريا، دمشق، الطبعة الأولى، عام 2002م، ص: 149-154.
16 انظر صحيفة الخبر، الأحد 18 ديسمبر، السنة 16، العدد 4580، ص: 6.
17 انظر على سبيل المثال: بين الرشاد والتّيه، ص: 39 والمسلم في عالم الاقتصاد، ص: 59-64. وفكرة الإفريقية الآسيوية، موضوع: مبادئ اقتصاد أفرسيوي فعال، ص: 148-167. ميلاد مجتمع، موضوع: طبيعة العلاقات الاجتماعية، ص: 31-36.
18 مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، ص: 144.
19 انظر مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ص: 53-67.
20 انظر مالك بن نبي، بين الرشاد والتيه، ص: 33. ميلاد مجتمع، ص: 100، 101.
21 انظر مالك بن نبي، المصدر نفسه، موضوع: الشروط الأولية للتربية الاجتماعية، ص: 102-115.
22 انظر مالك بن نبي، تأملات، موضوع: كيف نبني مجتمعا أفضل، ص: 153-173. وانظر عبد الكريم بكار، من أجل انطلاقة حضارية شاملة... موضوع: التخطيط الحضاري. وانظر عبد المجيد عمر النجار، فقر التحضر، الفصل الثالث.
23 مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، ص: 169.
24 انظر مالك بن نبي، تأملات، ص: 188، 189. وانظر مشكلة الثقافة، ص: 67-69. وجهة العالم الإسلامي، ص: 76، 77.
25 انظر على سبيل المثال مدخل إلى دراسة الظاهرة القرآنية، ص: 53-68. وشروط النهضة، موضوع: من التكديس إلى البناء، ص: 44-51. وموضوع: توجيه الثقافة، ص: 85-88. وتأملات، موضوع: الديمقراطية في الإسلام، ص63-94.
26 انظر مشكلة الثقافة، ص: 64، 65. وانظر ميلاد مجتمع، ص: 100، 101.
27 انظر تأملات، ص: 188.
28 انظر مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ص: 14، 15. ومشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، موضوع: الأفكار وديناميكا المجتمع، ص: 111 – 118.
29 انظر المصدر نفسه، ص: 111.
30 الموقف من هذه القضايا الاجتماعية من حيث الاختلاف والتماثل في البلاد المتخلفة وفي البلاد المتقدمة، ضرب له مالك بن نبي أكثر من مثال، انظر شروط النهضة، ص: 100. ومشكلة الثقافة، ص: 42، 50، 51، 52، 74. وفكرة الأفرسيوية... ص: 234-236.
31 انظر مالك بن نبي، شروط النهضة عنصري: التراب والوقت، ص: 139-148.
32 انظر مالك بن نبي، القضايا الكبرى، موضوع: مشكلة الثقافة، ص: 67-89.
33 هذا البرنامج التربوي لا أتصور أن المدرسة وحدها هي التي تقوم بتلقينه لكل الشرائح الاجتماعية.
34 انظر مالك بن نبي، القضايا الكبرى، ص: 74،

Yıl 2013, Cilt: 8 Sayı: 8, - , 01.12.2013

Öz

Toplam 0 adet kaynakça vardır.

Ayrıntılar

Birincil Dil Arapça
Bölüm ARTICLES
Yazarlar

أ.د. بوعزة عبد القادر Bu kişi benim

Yayımlanma Tarihi 1 Aralık 2013
Yayımlandığı Sayı Yıl 2013 Cilt: 8 Sayı: 8

Kaynak Göster

APA القادر أ. ب. ع. (2013). مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, 8(8).
AMA القادر أبع. مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. Aralık 2013;8(8).
Chicago القادر أ.د. بوعزة عبد. “مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 8, sy. 8 (Aralık 2013).
EndNote القادر أبع (01 Aralık 2013) مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 8 8
IEEE القادر أ. ب. ع., “مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي”, النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, c. 8, sy. 8, 2013.
ISNAD القادر أ.د. بوعزة عبد. “مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 8/8 (Aralık 2013).
JAMA القادر أبع. مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2013;8.
MLA القادر أ.د. بوعزة عبد. “مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, c. 8, sy. 8, 2013.
Vancouver القادر أبع. مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2013;8(8).