BibTex RIS Kaynak Göster

النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي

Yıl 2013, Cilt: 7 Sayı: 7, - , 01.06.2013

Öz

النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي
أ.د. محمد خليل جيجك
تمهيد
إن هناك في عالم المادة والمعنى كثيرا من النواميس الكونية والحقائق الثابتة التي بثها الخالق في فطرة هذا الكون بحيث توجد فيه تلكم النواميس والحقائق من أول يوم خلق الله لكون أو الناس على وجه هذه البسيطة. ولا ريب أن من أظهر تلك الحقائق المعنوية الثابتة والنواميس الفطرية الراسخة التي يقبلها مؤمنو الناس وكافروهم وأخيارهم وأشرارهم وصلحاؤهم وطلحاؤهم؛ ومن أجلى تلك المفاهيم التي يتمدح بها أو يريد أن يظهر بها بين الناس كل من الحكام العادلين والجائرين هو حقيقة العدل؛ ويستبين هذا المعني فيما يقوله الراغب الإصفهاني (تـ 502 - 1108): "ومن فضلها أن كل نفس تتلذذ بسماعها وتتألم من ضدها ولذلك يستحسن الجائر عدل غيره إذا رآه أو سمع به"1. فإنه وإن اختلفت مقاربات الناس إلى العدل وكذا وإن تفاوت ما يحمِّلونها من المعنى لكن لا يختلف اثنان ولا ينتطح عنزان في أن العدل مفهوم إنساني مستحسن عند جميع الطباع السليمة وقيمة أخلاقية فاضلة وفضيلة خلقية كاملة عند كافة العقول المستقيمة فينبغي لكل أحد -سواء كان رئيسا أو مرؤوسا- أن يتحلى بها ولا يتخلى عنها فمن هنا كان العدل سنة إلهية ثابتة في جبلة هذا الكون، ويفصح عن هذا المعنى بأبلغ صورة مقولة الإمام النورسي هذه: "إن العدالة العامة الجارية في الكون النابعة من التجلي الأعظم لاسم "العدل" إنما تدير موازنة عموم الأشياء، وتأمر البشرية بإقامة العدل"2. وقال بعض البلغاء: "إن العدل ميزان الله لذي وضعه للخلق ونصبه للحق".3
ومن جانب آخر إن العدالة من أهم العوامل الحضارية التي تسبب الشهود الحضاري لدى الأقوام المتحضرة والشعوب المتمدنة عبر التاريخ -ولا تزال- لأن لها تأثيرا بالغا في تقويم نفسيات الشعوب ودورا كبيرا في تكوين وحدتهم وإنشائهم مستقبلا أفضل لأمتهم وإعادة ثقتهم بأنفسهم وأولياء أمورهم كما أن العدالة تسد الهوة بين الدولة والشعب التي تنشأ من عدم التواثق فيما بينهما فهي عامل عظيم في رقي الأمم وفي إنشاء الحضارات الإنسانية الراقية وازدهار المدنيات الفاضلة تمدهم بكثير من القوى المعنوية في مشوارهم الحضاري فالتي تفعل هذه الفعلة البنّاءة هي عدالة أولياء الأمور في سياستهم وأحكامهم وأقضيتهم وتوزيع ثروات دولتهم كما أن الظلم في الطرف المقابل من أكبر الأسباب التي تأتي بنهاية الدول والشعوب وتسبب دمار أقوى الأمم وانحلال كيان مجتمعاتهم وتفرقهم شذر مذر. قال الماوردي (ت 450): "وليس شيء أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور".4 ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى: ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾،الأعراف:7- 165 وقوله: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾،الكهف:18- 59 وقال ابن تيمية: "...إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة".5 وفي نفس المعنى قال بعض الحكماء: "الملك يبقى على الكفر ولا يبقى على الظلم".6 وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله على الكوفة: "أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام وسنن خبيثة سنتها عليهم عمال السوء وإن أقوم الدين العدل والإحسان".7
فلما للعدالة من هذا الدور العظيم والنفع العميم يتبدى أن تحقيق العدالة في الأوساط البشرية ضرورة فردية واجتماعية لابد منه ألبتة لصالح الفرد، وترابط المجتمع، وتماسك الجماعة، وتوازن الدولة، وازدياد التطور، واكتمال الترقي، وانتشار الفضائل، ونمو الكمالات؛ ورقي الحضارات، واتزان الحركات. وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما قاله محمد عبده (تـ 1905) من أن العدل عبارة عن إيصال الحق إلى صاحبه من أقرب الطرق إليه8 استبان أن استمرار العدالة وديمومتها أمر ضروري لتأمين الحياة الهانئة السعيدة الشاملة لكل الطبقات الإنسانية العالية منها والمنخفضة. ومن هنا ترى الكتلات البشرية على اختلاف مشاربها ومذاهبها وتنوع مناهجها ومسالكها وتفرق نحلها وأديانها وتشتت نزعاتها وأذواقها وتباين أزمنتها وأمكنتها تحبذ العدالة وتحض عليها كل حسب مبادئها وتعاليمها وقوانينها وقواعدها وحسب ما تكوِّن هذه المجموعةُ من ثقافتها. وكذلكم إن تلك النظم الدينية والوضعية المادية خذ من الاشتراكية والشيوعية إلى الرأسمالية وسائر النظم الفاشية وحتى تلك النظم الديكتاتورية المستبدة تعلن على رؤوس الأشهاد وتزعم أن جميع مساعيها إنما هي لأجل تحقيق العدل في الأوساط البشرية. فالاشتراكية مثلا –كما قال عماد الدين خليل- إنما تسعى حسب زعمها لتحقيق العدل ولكن حاصرا إياها -نتيجة لمنطلقها المادي الصرف- في تنفيذ مطالب الإنسان المادية فقط.9 فإذاً إن العدالة -سواء عالجناها من الناحية الخلقية أو من الناحية القضائية أو من الناحية الإدارية والسياسية مفهوم عالمي محبوب ومشترك إنساني مقبول مدى التاريخ كله لم يفقد -رغم التطورات الهائلة والثورات العظيمة في التفكير الإنساني- أيَّ شيء من محبوبيتها ومقبوليتها -رغما من تفرق الآراء في كيانها وبنيانها- مذ تلك الأدوار الابتدائية التاريخية إلى تلك الأدوار المتطورة الراقية وفي تللك الطبقات الكادحة الأسيرة إلى تلك الطبقات الحرة المتمدنة.
ومن جراء ما للعدالة من هذه الأهمية القصوى تبوأت في البيان القرآني مكانة هامة فذكرها القرآن الكريم في واحدة وأربعين آية من غرر آياته ببيان ناصع وإيقاع أكيد ذكرها القرآن إما أمرا بها وحضا عليها أو بيانا لضرورة ثبوتها وتأكيدا على عظمة مكانتها وجلالة موقعها أولا وقبل كل شيء في الحكم بين الناس-سواء كان ذلك الحكم سياسيا أو إداريا تنظيميا أو حكما قضائيا حقوقيا- ثم في سائر شؤون الحياة كالتعامل الأسري والمعاملات الإنسانية والعلاقات الثنائية والملابسات القضائية وغيرها؛ ويستبين بذلك أن العدالة في المنظور القرآني حقيقة كونية، وشرعة عالمية، وناموس اجتماعي ضروري لا مندوحة عنها أبدا في جميع الأحقاب والأدوار التاريخية لا يعتريها النسخ ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها فهي بما لها من هذه المكانة العليا تنزيل من حكيم حميد. فيا ترى! هل هناك بيان أنصع من قول الله سبحانه: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾النساء:4- 58 فتوحي كلمة "بين الناس" من بين تلك الكلمات الأخرى التي يصلح المقام لها كـ"بين المؤمنين" أو "بين المسلمين" أو غيرهما أن المطلوب من الإنسان هو تحقيق العدالة بين جميع الناس أيا ما كانت هوياتهم وجنسياتهم وصفاتهم الإيمانية وغيرها؛ وهل هناك بيان أكثر إفصاحا لضرورة العدالة في الواقع البشري -حتى ولو كان مع الأعداء- من قول الله سبحانه ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾الأنعام:152 اللهم لا..ثم إن هذا النداء الرباني بهذه الكلمات القارعة الناصعة يوحي بالكثير من المعاني والملاحظات والتفكيرات حول أهمية العدالة كمفهوم خلقي وفضيلة إنسانية وشرعة ضرورية لابد منها لاستقرار المجتمع وأمنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِله﴾النساء:135 فصيغة المبالغة في "قوامين بالقسط" تومئ بالكثير من المعاني حول لزوم العدالة والمقدار المطلوب منها للناس وهكذا...
وأما من ناحية السنة فهناك حشد كبير من الأحاديث النبوية التي تنوه بحقيقة العدالة ومكانتها السامية ولا يسعنا ونحن في هذه الورقة المحدود الساحة أن نذكر الكثير من الأحاديث بل نكتفي هنا بحديثين فحسب أحدهما في فضيلة العدالة والثاني منهما في الترهيب من ضده وهو الظلم: روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا عليهم"10 وروى أيضا عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"11، وهكذا فإن الحصيلة الإسلامية في باب العدالة من تلكم النصوص الربانية والأحاديث النبوية والأقاويل الحكيمة المأثورة من صلحائه وعلمائه وحكمائه حول العدالة ولزومها توحي من ناحية بالضرورة البالغة للعدالة في الواقع البشري؛ ومن ناحية أخرى توحي بالكثير من المعاني حول أهمية العدالة في المنظور القرآني والإسلامي العالمي. فكانت هذه النصوص -ولا تزال- مصدر إلهام لمعظم العلماء والحكماء والمربين والأخلاقيين الذين تكلموا على العدالة وكتبوا فيها فاستقى منها الكثرة الكاثرة منهم الكثير من المعاني الإنسانية والمفاهيم العالمية والحقائق الأخلاقية والدساتير التشريعية التي لها صلة بالعدالة وأدلوا برأيهم فيها.
وأيضا هناك شيء آخر يعطي دورا كبيرا حيويا للعدالة عبر جميع الحياة السياسية والأسرية والقضائية في الإسلام ويدل على ما لها من الضرورة القصوى في تحقيق أمن المجتمع وترسيخ نظامه وانتشار الفضيلة بين شتى قطاعات المجتمع وتهذيب طبقات الجماعة والدولة من خبائث الأخلاق ورذائل الأعمال وهو أن الشريعة الإسلامية جعلت العدالة من شروط القضاء فلا يكون القاضي إلا عدلا والأداء فلا يقبل المنقول إلا من العدل والشهادة فلا يقبل إلا شهادة العدول والولاية فلا يتولى الولاية على الأموال والنفوس والفروج إلا العدول والأمانة فلا يؤتمن في الوصية وتوديع الأموال وسائر الأمانات إلا العدول والإمامة فلا يتولى أمور المسلمين ولا يكون وليا عليهم في أمر من أمورهم إلا العدول الأمناء وغيرها من الكثير الكثير. يرشد ويثبت كل ذلك ويدل على أن العدالة في المنظور الإسلامي هي قطب رحى الحياة الهانئة الآمنة لا يمكن أن يدور بدونها. والملاحظون عن كثب لما ولى الإسلام من هذه الأهمية العظمى للعدالة بشتى ساحات تطبيقها يجزمون أن من أعظم أهداف الإسلام هو تحقيق العدالة في الجامعات البشرية مهما كانت فمن هنا يقول: سعيد حليم باشا من أعاظم الرجال الإداريين في الدولة العثمانية حيث ارتقى إلى رتبة الصدارة العظمى لمدة أربع سنوات (1913-1914): "إن الإسلام منح للجامعة الإنسانية العدالة والمساواة ونور العلم وبذلك ازدهرت الحضارة".12 كما يقول طارق رمضان: "إن العدالة هي الشرط الأساس لسير الإسلام وللحياة الاجتماعية فيه وأن العدالة لازمة لكل أحد سواء كان فقيرا أو غنيا وسواء كان رئيسا أم مرؤوسا أو كان مسلما أم غير مسلم فلا يغير الإيمان أو عدم الإيمان شيئا من لزوم العدالة"13.
إن العدالة وإن كانت مفهوما عالميا يقبلها جميع فئات الناس ويحبها ويحبذها جميع طوائفهم ونحلهم لكنها تختلف حسب ما تحمَّل من المعاني من قوم إلى آخر ومن طائفة إلى أخرى فترى حدثا ما يوائم العدالة عند قوم بينما هو نفس الظلم عند آخرين أو قريب منه وهكذا.. فبما لها من هذه الهوية الغير الثابتة أُلجِأ مفهوم العدالة أن يكتسب كيانا إضافيا يختلف من قوم إلى آخرين دون أن يكون لها كيان ثابت مستقر تجمع عليه آراء الأقوام وتتفق عليه أنظار الطوائف.
فنظرا لما لها من الحيوية البالغة والدور العظيم في تحقيق الأمن والسلام والعيش الرغيد في المجتمعات وتكوين الثقة اللازمة بين طبقات المجتمع اعتنى بالعدالة قديما وحديثا الأنبياء، والعلماء، والفلاسفة، والأخلاقيون، والساسة، والقادة، وذوو الحياة الروحية من الزهاد والعباد، ورجال الدين والفكر كما اعتنى بها أكثر فأكثر المصلحون فكل منهم نظر إليها من منظوره الخاص وحاول أن يدلي فيها برأيه وخصيصا في جانب ضروريتها ولزومها لسعادة البشر وبيان مجالاتها التي لابد أن تتحقق فيها حتى يطمئن المجتمع. ولا ريب أن العلامة النورسي -طيب الله مثواه- الذي هو من أعاظم المصلحين والمجددين في العصر السالف من أولئك الذين اهتموا بهذه القضية الضرورية اهتماما بالغا ولكنه لم يقف تجاه مفهوم العدالة موقفا واحدا ولم يتناوله من ناحية واحدة شأن الكثير من الذين تناولوه بل ناول القضية من النواحي المختلفة حسب ما مرت حياته به في أواخر الحكم العثماني والسنين الأولى من أيام الجمهورية من الأطوار المتقلبة والأدوار المختلفة بضغط الأحداث والوقائع.
استرعى الإمام النورسي بين حين وآخر أيام شبيبته انتباه الساسة العثمانيين إلى قضية العدالة كضرورة اجتماعية لا مندوحة عنها في تحقيق أمن المجتمع وسلامه ولا بد منها للحفاظ على كيان الدولة وبقائها. وحينما سجن أو ألجئ إلى العزلة وتغيرت الظروف الاجتماعية في المجتمع التركي تماما وساد عليه العلمنة والوضعية والدنيوية اتجه النورسي بمقتضى حكمته العميقة وبصيرته النافذة إلى أن يشرح مفهوم العدالة من ناحية أخرى وهي ما نسميه بـ"العرفانية". ولا ريب أن هذا الاتجاه الأخير ينبثق من إشراقات روحية فائضة كان النورسي يتمتع بها قلما تجدها عند الآخرين. فكان لزاما علينا أن نعالج قضية العدالة عند النورسي من كلتا الناحيتين غير ناسين أن هناك للنورسي استخداما ثالثا لمفهوم العدالة لكنه خفيف الوزن والمعنى بالنسبة إلى الأولين وهو استعمال العدل ككونه اسما في أوساط الجمهورية التركية الفتية لتلك المؤسسة القضائية التي يجرى فيها تحقيق الخصومات ويرفع إليها شكاوى الناس وهو جهاز العدل.
فهيا بنا أن نناول بشيء من التفصيل والتحقيق مفهوم العدالة عند النورسي بكافة أبعادها وبجميع ما يطلق عليها من المعاني والمفاهيم:
محاور العدالة حسب أطوار حياة الإمام النورسي
إن من البداهة بمكان لدى المتصفحين لحياة النورسي أن النورسي بما أن حياته تصادف أواخر الحكم العثماني مر -من سوى أيام صباه وتعلمه- بثلاث فترات سياسية حادة كان لكل فترة منها تأثير عميق في كيان الأمة الإسلامية وعقلية أبنائها:
1- فترة ما قبل المشروطية التي كانت تتموج بتموجات سياسية يهتز منها كيان الدولة العثمانية بضغوط تلك المنظمات التحريرية من أمثال منظمة الاتحاد والترقي التي قسرت الحكومة العثمانية على أن تعلن المشروطية.
2- وفترة المشروطية التي لا تقل عن التي قبلها أحداثا ووقائع مخضت بالجمهورية العلمانية.
3- وفترة الجمهورية التي تبرأت عن معظم ميراثها وابتعدت عن ثقافتها وخلعت من نفسها تاريخها القديم وولت وجهها نحو الغرب مستقية منه غالب التنظيمات الإدارية والحقوقية والسياسية والقضائية. ولكل واحدة من تلك الفترات وما كانت تموج به من تلك الأحداث التي تشيب منها الولدان خطوط عريضة في حياة النورسي وجهاده وأنشطته العلمية وممارساته الدعوية وملاحظاته التفكيرية ومقارباته الاجتماعية. ترى آثار ذلك ظاهرة من خلال مؤلفاته وكتاباته التي تصادف واحدة من تلك الفترات. فمن هنا قسم النورسي حياته إلى مرحلتين متمايزتين المرحلة الأولى تلك المرحلة التي تصادف أيام المشروطية وأيام ما قبلها ففي كلتا الفترتين كان النورسي يمارس جهاده على الصعيد السياسي والتدريس العلمي أكثر من غيرهما ويعالج إلى جانب فعالياته العلمية والدعوية - الأعمال السياسية أكثر ويخالط رجال الحكومة ويرشدهم بدور العلماء الذين لا يخافون في الله لومة لائم إلى ما هو خير لهم في أولاهم وعقباهم فهو في هذه الفترة كما قال كلتون كوب Kelton Cobb: "مرب إصلاحي"14 ومن هنا يحاول النورسي جهده كي يسترعي أنظار ساسة الأمة إلى ما اعترى المجتمع الإسلامي من طوارئ الفساد، ومواقع الوهن، ومواطن الضعف والخلل؛ فمثلا "الخطبة الشامية" تلخيص لأدواء الأمة فكأن جميع أبناء الأمة شهود في ساحة الجامع الأموي وهو يخاطبهم شارحا لهم تلك الأدواء التي أصابت الأمة في مقتلها على أعواد منبره، كما كان رحمه الله بما حمل على كاهله من تلك المسؤلية العظمى يدل الساسة والقادة على مشروعات هامة لها صلة قوية بمستقبل المجتمع الإسلامي وإنقاذه من براثن التخلف كمشروع "المدرسة الزهراء" في الشرق؛ ومن الجانب الآخر يسعى النورسي جهده ولا يألو لأن يهدأ من ثورة الناس كما صرح بذلك فيما سماه هو بالجناية السادسة من كتاب "إيكي مكتب مصيبت"15 وهو في هذه الفترة يشارك في الأعمال التوعوية ومن هنا نراه أنه يكون عضوا لجمعية الاتحاد المحمدي كما كان عضوا لسبع جمعيات أخرى على حد تعبيره16.
نعم إن كتاب "المناظرات" مشحون بتلك الإرشادات القويمة والتوجيهات السياسية الحكيمة والقواعد النافعة الموجهة لحياة المجتمع التي تستلفت أنظاره نحو المخاطر التي تحيط به إبان ذاك. ومؤلفاته القيمة التي تتضمن الكثير من التعاليم السياسية النافعة، والتوجيهات الاجتماعية الرائعة، والمبادئ الإرشادية الحكيمة التي قلما تجدها في أي مؤلف آخر أو عند حكيم آخر من أمثال "السنوحات"، و"الطلوعات"، و"المحاكمات"، و"اللوامع" تصادف تلك الفترة التي زلزل فيها كيان الأمة زلزالها. وفي هذه المجموعة من كتابات النورسي توجيهات قوية للساسة وأفكار قيمة للخاصة وإرشادات نافعة للعامة وملاحظات عالية تتصل بالحياة الاجتماعية وترشد الأمة إلى النافع الأصلح. فترى النورسي في تلك الفترة -حيث كان خبيرا بطاقات الأمة- يحترق لوعا وشوقا إلى مصير أفضل للأمة فهو كبركان عظيم يندلع منه إلهاب التفكيرات العظيمة ونيران الملاحظات الحكيمة حول مسير الأمة ومصيرها كما أنه كالبحر الطامي تموج فيه أمواج الآلام على واقعها المر من ناحية وتتلاطم فيه لجج الآمال نحو مستقبلها من ناحية أخرى. فآلامه وأماله تسير جنبا إلى جنب أليس من الشاهد على ذلك ما أبدته حكمته العميقة حينما سأل عنه مفتي مصر محمد بخيت عن مستقبل الأمة العثمانية والغربية بقوله: "إن العثمانية حاملة بالأوربائية وستلد يوما ما كما أن أوربا حاملة بالإسلامية وستلد يوما ما". والنورسي يسمي نفسه في تلك الفترة بسعيد القديم.
وأما ما بعد تلك الفترة وهي الفترة التي تصادف أيام الجمهورية فمن جراء ما لاقاه النورسي من العنف الكثير والقسوة البالغة كالترصد الحكومي المزعج والاعتقالات المستمرة والتسميم المتكرر والإسكان الحتمي أي الحظر من التجول وغيرها من العنف الكثير والإزعاج الشرير والمنفى المستمر الذي ابتدأ عام 1925 ودام مدى 25 عاما17 ألجأ إلى أن يغير خطته الدعوية السابقة في هذه الفترة العنيفة القاسية -حفاظا على استمرار دعوته بدروسه ونشر رسائله- وأن يبدل منهجه العملي في الدعوة فبدأ أول ما بدأ إبان منفاه إلى بارلا بتأليف رسائل النور18 التي يغلب عليها الطابع الروحي والعرفاني أكثر من الطابع السياسي فترك المصطلحات الإسلامية السياسية في دعوته واتجه إلى استخدام المصطلحات العرفانية التي توحي بالمعاني الأخلاقية والتربوية والتزكية النفسية والتهذيب السلوكي أكثر من غيرها كما كثف معظم ما لديه من الطاقة الروحية والعلمية على إثبات الموضوعات الاعتقادية كعقيدة الخالق والرسول والآخرة وغيرها علما منه أن أعظم ما اعترى الأمة في تلك الفترة التي كان يعيش فيها هو وهن العقيدة. وهوt وأرضاه سمى نفسه في تلك الفترة بسعيد الجديد.
مع أننا لا ننسى أن حياة النورسي في فترة سعيد الجديد أيضا تنقسم إلى قسمين متمايزين لكل منهما ملامح خاصة: القسم الأول هو مأ اسلفنا أعلاه وأما القسم الثاني فهو حينما أفسح له المجال بعض الشيء وأغمض عنه العين في فترة حكومة الحزب الديمقراطي برآسة عدنان مندرس نجد أن النورسي يحاول بدور سعيد القديم أن يأخذ من بعيد بطرف من البساط السياسي ويدلي برأيه في بعض من الأعمال السياسية19 فيوجه بعض الرسائل الإرشادية المتضمنة للنصائح النافعة لبعض الساسة كما نراه يوجه طلابه لتعضيد الحزب الديمقراطي ويصوت بنفسه أيضا مع أنه لم يصوت قبل ذلك أبدا ويشارك بعض الأعمال اليومية ويرسل الرسالة لبابا الفاتيكان ويشترك في احتفالات العام الدوري لفتح إسطنبول وغيرها من الأنشطة الاجتماعية والسياسية20 فجل هذه النشاطات الاجتماعية والسياسية التي كان النورسي يمارسها تصادف أيام حكومة الحزب الديمقراطي. ومن جرائها يستحق أن يسمى بسعيد الثالث.
فإذاً فلنتناول مفهوم العدالة عند النورسي حسب تلك المراحل التي مرت حياته بها:
2. العدالة عند سعيد القديم
ولما أسلفنا أعلاه من أن حياة النورسي مرت بتلك المنعطفات الحادة نرى أن خطته الدعوية وأسلوبه الخطابي ومعجمه الاصطلاحي في دعوته وإرشاده تتغير بتغير الأزمان وتتشكل حسب الظروف المواتية كي يكون خطاباته بليغة مطابقة للمقام ومقتضيات الأحوال حتى يكون عطائه الدعوي فيها أكثر والمساحة الدعوية لديه أوسع. فبينما كان يعيش النورسي فترة سعيد القديم كان له أسلوب يتميز بالقوة والمتانة والصراحة والبوح بالحق مهما كان ثمنه باهظا فمثلا إن ما أدرجه في كتابه "إيكي مكتب مصيبت شهادتنامه سي" شاهد صدق على ذلك21 ومن هنا ربما يغلب عليه من حين لآخر المصطلح السياسي واللون الاجتماعي فيكثر فيه من التوجيهات الإجرائية لولاة الأمور ويوجه النصائح الحكيمة للحكام ويرغبهم في بناء بعض الأفكار الجديدة22 لبناء مستقبل أفضل كما يتبين ذلك من خلال ما وجهه للجنود من الخطاب23 ويجادل الاستبداد السياسي ويشنع عليه بأغلظ الكلمات محاولا بذلك أن يأتي بنواحي جديدة لحياة أفضل ولهذا ينافح بحرارة بالغة عن المشروطية في كتاباته في تلك الفترة كما يسلط الضوء في هذا الصدد من حين لآخر على بعض الجوانب الإيجابية والسلبية للحضارة الأوربية24 ويستمد في ذلك إلى جانب ثروته العلمية الفائضة من الصحافة اليومية أيضا ومن شدة ولوعه في هذه الفترة بالصحف والجرائد اليومية والمجلات سمى نفسه في بعض كتاباته بالجريدة السيارة25 ثم لا يلبث أن يسعى لإرشاد الصحفيين من حين لآخر فيقول أيها الصحفيون! يلزم أن يكون الأديب ذا أدب وأن يكون متأدبا بالأدب الإسلامي...26
فكتابات النورسي في هذه الفترة حافلة بالأفكار الاجتماعية البنائة، والتوجيهات السياسية النافعة، والإرشادات التنظيمية المفيدة، والنصائح الحكيمة النيرة وهو يحاول بجميع جهده وطاقته أن ينشئ الأمة الإسلامية من جديد ويعيد إليها حيويتها وروحها ووحدتها وقوتها وعزها ومجدها وينفض عنها غبار التخلف الذي تراكم على جميع جسدها مر القرون وعبر العصور. وكان على وعي تام وبصيرة نافذة بأدواء الأمة وما اعتراها من الأمراض وخصوصا منها الاستبداد فيرى أن سحب الاستبداد المظلمة هي التي سترت شمس الإسلام وحقائقه العليا عن الأعين؛27 ومن جراء ذلك يرى أن أكثر ما تحتاج إليه الأمة كي تستثمر ما لديها من الطاقات الفكرية والثروات الاقتصادية والإمكانيات الإنسانية الهائلة لتحقيق مستقبل أفضل لها هو تطبيق ومراعاة تلك المفاهيم الثلاث التي طالما ناضلت الإنسانية للظفر بها شرقا وغربا قديما وحديثا وهي الحرية والعدالة والمساواة ويبرهن على ذلك28 فحيث كان النورسي يقرأ قراءة واعية ما كانت الأمة تعانيه من النظم الجائرة المستبدة وما منيت به في تلك الفترة القاسية العاتية من الأمراض السياسية التي أهمها ترك الحرية وترك العدالة وترك المساواة كان يعتني بـ الحرية والعدالة والمساواة أكثر ويكثف طاقته بين فينة وأخرى لتحقيقها. علما منا أن النورسي حيث كان خبيرا بأدواء عصره وما يلقاه الأمة الإسلامية من المصائب والويلات من جراء ما يرتكبه أولياء أمور المسلمين من المظالم بسبب عدم التسوية بين المسلمين سواء في منح الحقوق السياسية وسواء في تقسيم ثروات الدولة وتمتيع المسلمين متكافئين بإمكانياتها وسواء في الأمور القضائية فحيث كان النورسي واعيا لهذا الوضع المزري والمزدري كان ينبه قراءه في كتاباته إلى أن "العدالة التي لا مساواة فيها ليست عدالة أصلاً".29 ونراه يشرح وجهة نظره في المساواة بعض الشيء بقوله: العدالة المحضة، ذلك الدستور العظيم الذي ينظر إلى الفرد والجماعة والشخص والنوع نظرة واحدة، فهم سواء في نظر العدالة الإلهية مثلما انهم سواء في نظر القدرة الإلهية؛ وهذه سنة دائمة.30 وقد استنبط بعض أهل العلم المساواة التي تنتج العدالة من قوله تعالى ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾الْمَائِدَة:8 أي ولا يحملنكم بغضهم وعداوتهم لكم أو بغضكم وعداوتكم لهم على ترك العدل فيهم فالعدل بالمساواة أقرب إلى تقوى الله31 فإذا دلت الآية بصريح كلماتها على وجوب مراعاة العدل مع العدو فما بالك بها مع غيره. وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه بهذه الآية الكريمة فقال: باب "إن الله يأمر بالعدل..." وقوله "إنما بغيكم على أنفسكم" وقوله: "ثم بغي عليه لينصرنه" وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر" ثم ذكر البخاري حديث كيد لبيد بن الأعصم اليهودي في عمل السحر للنبي صلى الله عليه وسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أطلعه الله على ما كان وكشف ما ألم به: "وأما أنا فأكره أن أثير على الناس شرا". يقول محمد الصادق عرجون معلقا على ترجمة الإمام البخاري: فانظر إلى دقة فهم هذا الإمام العظيم وإلى براعة فقهه لروح الإسلام واستنباطه من الآية الكريمة أن المسلم لا يخلق به أن يثير الشر والفساد على عامة الناس لا فرق بين مسلمهم وكافرهم32 وليس هذا إلا المساواة نفسها التي تكوِّن العدالة الحقيقية.
فالنورسي يطلق العدالة في هذه الفترة من حياته بمعنى عام هو ألصق بالسياسة تماما ويرى أن من أعظم العقبات دون طمأنينة المجتمع وسكينته واستقراره هو ترك الساسة للعدالة والمساواة بين الناس وعدم منح الحريات الضرورية للحياة الكريمة للناس. ومن هنا يرى في مقارنة النورسي العدالة بالحرية والمساواة تلك البصيرة السياسية النافذة والحكمة الاجتماعية العميقة لديه حيث يرى أن العدالة لا يمكن أن تتحقق بدون المساواة33 لأنه إذا ترك المساواة بين الناس سواء من أجهزة القضاء في قضائها وقراراتها أو من الكوادر السياسية والإدارية في إعطاء الحقوق الموفرة لكافة أبناء الوطن في لغاتهم وجنسياتهم ومعتقداتهم وسائر ما لهم من الحقوق أو من أجهزة الدولة الأخرى في إعطاء الفرص بدرجات متساوية للمواطنين في الارتفاق بإمكانيات الدولة على حد سواء أو في غيرها فإذا ترك المساواة بين الناس من ذكرنا فيما ذكرنا استحالت العدالة واختل توازن المجتمع.
وحقيقة مقارنة العدالة بالمساواة أو جعل المساواة شرطا أساسيا للعدالة أو جعل العدالة نفس المساواة هي ما مشى عليه العلماء ومن لهم صلة بالقضية منذ قديم الزمان ولما للمساواة من هذا الدور العظيم في تحقيق العدالة يرى البعض من المعتنين بالعدالة من أمثال الراغب الإصفهاني "أن العدالة هي القسط القائم على الاستواء".34
وحينما يؤكد النورسي على ضرورة الحرية لسعادة الإنسان واطمئنان المجتمع لا يهمل أن يلفت النظر إلى الجانب السلبي لها وهو تلك الحرية التي يستعملها الناس في إشباع غرائزهم الطبيعية وأهوائهم النفسية بدون وازع ولا رادع فيقول: "ويُطلق اسم البغي على الجهاد في سبيل الله ويسمّى الأسر الحيواني والاستبداد الشيطاني حرية".35
ومن اهتمام النورسي البالغ في هذه الفترة بضرورة العدالة في جميع نواحي الحياة الإنسانية يرى ببصيرته الثاقبة أن أحد المقاصد الأساسية الأربع والعناصر الأصلية التي يستهدف القرآن الحكيم إبرازها للعالم البشري هو العدالة36 وهذا يطابق -مع شيء من التفصيل فيما ذكره النورسي- ما ذكره الإمام الغزالي (تـ 5051111) من أن المقاصد الأساسية للقرآن الكريم ثلاث التوحيد واليوم الآخر والصراط المستقيم37 فالصراط المستقيم هنا عند الغزالي هو ما عبر عنه النورسي في سياق تعداد المقاصد القرآنية بالعدالة كما سيأتي تفسير النورسي للصراط المستقيم في سورة الفاتحة بالعدالة. فيستبين من جعل العدالة إحدى المقاصد القرآنية الأربع أن القرآن ولى طرفا كبيرا من عنايته للعدالة وليس ذاك إلا لما للعدالة من الدور العظيم في سيادة الأمن والرخاء والسكينة والطمأنينة على شتى قطاعات المجتمع وتغلغلها في أعماقه.
ويرى النورسي بمقتضى ذاك الاهتمام أن للقرآن عناية خاصة بهذه المقاصد "فهذه المقاصد الأربعة كما تتراءى في كله كذلك قد تتجلى في سورة سورة، بل قد يلمح بها في كلام كلام، بل قد يرمز إليها في كلمة كلمة"38 ثم يثبت النورسي هذه الفكرة القيمة بأمثلة ثلاث هي ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ و﴿اَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ و﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ قائلا: "إن الرحمن في جملة البسملة تلميح إلى نظام العدالة والإحسان ورب العالمين في الحمدلة إيماء إليها"39 ولعمر الحق! إن هذا استنباط بديع رائع جدا يدل من جانب على تلك البصيرة الثاقبة والعبقرية العلمية الفذة التي يتمتع بهما النورسي ويدل من جانب آخر على مدى عناية النورسي بحقيقة العدالة.
ومن جانب آخر نرى أن النورسي يقارب مفهوم العدالة مقاربة فلسفية فهو يتناولها من ناحية فلسفة الوجود حيث يرى أن التركيبة الطبيعية للخلقة البشرية وهي تركيب القوى الثلاث في خلقته: القوة العاقلة والقوة الغاضبة والقوة الشهوية هي التي تشكل أرضية صلبة لتحقيق العدالة فإن العدالة "هي ملخص الحكمة والعفة والشجاعة اللاتي هي أوساط للمراتب الثلاث للقوى الثلاث"40 فحيث كانت العدالة هي ملخص هذه المراتب الثلاث التي هي أوساط للقوى الثلاث كانت بحق هي الصراط المستقيم الذي أمر الله عباده أن يستهدوه منه. وقد أشار الإمام الرازي (تـ 606) قبل النورسي بحقبة من الزمن إلى نفس الحقيقة حيث صرح "أن العدالة هو حفاظ المرء على أوساط مراتب القوى الثلاث".41
وهناك شيء آخر لابد من الإعراب عنه وهو أنه لاريب أن من أهم الميزات الذاتية والخصائص الشخصية للعلامة النورسي الشجاعة البالغة في سبيل التصريح بالحق مهما كلفه من ثمن باهظ. من هنا ترى النورسي لا يطأطئ رأسه أمام ألد أعدائه في أحرج أوقاته وإن دفع ثمنا لذلك حياته فمن ذا لم يتمثل النورسي قائما للقائد الروسي رغما من أنه في أوج كبريائه وقمة قدرته وعليائه والأستاذ أسير معتقل لديه كما أن من مظاهر تلك الجسارة البالغة في الإعلان بالحق لدى النورسي فعلته الشهيرة وقولته المشهورة مع الرئيس التركي مصطفى كمال مع تملكه إبان ذاك لجميع وسائل البطش والفتك فمن هذه الخصيصة السامية الراسخة في كيان النورسي وجبلته كان النورسي في فترة سعيد القديم -على حد تعبيره- يعلن على رؤس الأشهاد بحتمية التطبيق العملي للعدالة ويدعو الحكام والساسة إلى تطبيق العدالة ويندد بمواقفهم المخالفة لها فيرى أن الحاكم الجائر المستبد مهما ألبس أعماله الإجرائية من ملابس مزخرفة توهم أنها عدالة لكنها لا تتخلص من أن تكون ظلما فيقول: "سيكون زمان يُخفي الضدُّ ضدَّهُ، واذا باللفظ ضد المعنى في لغة السياسة. واذا بالظلم يلبس قلنسوة العدالة، واذا بالخيانة ترتدي رداء الحمية بثمن زهيد".42 كما تراه في سياق التلويح بالمعنى السياسي للعدالة يعرض بأمداء ظلم الحكام الذين جاروا ولم يعدلوا مشيرا من خلال ذلك بكلام وجيز إلى أهم جانب من جوانب العدالة وهو الذي يتعلق بسياسة الدولة وهو رعاية حقوق المواطنين فلا شك أن أكثر ما يقع من الظلم السياسي والاجتماعي هو ما ينشأ من عدم رعاية ولاة الأمور لحقوق مواطنيهم كما يومئ النورسي إلى أن العدالة أمر ضروري لصيانة هيبة الدولة والحفاظ على بقاء عظمتها في النفوس فإذا لم يراع الولاة نواميس العدالة وجاروا في حكمهم فستكون دولتهم على وشك الانقراض والانهدام وقد سبق أن قيدنا أنه ليس شيء أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور43 فيقول الإمام النورسي في هذا السياق: "إن العدالة المحضة تتطلب رعاية حقوق الرعية، لتصان هيبة الحكومة وعظمة الدولة".44 وقد لوح بطرف من ذلك من قبل الإمام ابن تيمية (تـ 728) بقوله: "إن أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم... ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام... وذلك أن العدل نظام كل شيء".45 كما نرى أقضى القضاة الإمام الماوردي أيضا يصرح بما من هذا القبيل ولكن ببيان أجمع وأوعب فيقول: "إن ما تصلح به الدنيا حتى تصير أحوالها منتظمة وأمورها ملتئمة ستة أشياء... دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح".46
وفي سياق مناولة النورسي لمفهوم العدالة نراه يوسع مدلول العدالة إلى أقصى حد ممكن ويؤكد على قسمي العدالة الإيجابي والسلبي -على حد تعبيره وتقسيمه- فيشرح أولا العدل الإيجابي وهو: "إعطاء كل ذي حق حقه" ثم يعقب هذا المعنى بشرح ما له من ميزة "العالمية" قائلا: "إنه محيط وشامل لكل ما في هذه الدنيا لدرجة البداهة فكما أثبتنا في "الحقيقة الثالثة" بأن ما يطلبه كل شيء وما هو ضروري لوجوده وإدامة حياته التي يطلبها بلسان استعداده وبلغة حاجاته الفطرية وبلسان اضطراره من الفاطر ذي الجلال يأتيه بميزان خاص دقيق، وبمعايير ومقاييس معينة، أي إن هذا القسم من العدالة ظاهر ظهور الوجود والحياة".47 وبهذا الشرح التوسيعي الذي وسع به النورسي مفهوم العدالة إلى أبعد الحدود بحيث يكون شاملا لجميع فعاليات الكون وتصريفاته تكون العدالة مرادفة للميزان الذي أفصح الله عنه بقوله ﴿وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ﴾الرحمن:7-8 كما ذهب ذلك المذهب الراغب الإصفهاني أيضا.48 ويعرب الراغب عن علة إطلاق الميزان على العدالة بقوله: "إذ كان من أثرها ومن أظهر أفعالها".49
ثم يتناول القسم السلبي: فهو عنده تأديب غير المحقين، "أي إحقاق الحق بإنزال الجزاء والعذاب عليهم. فهذا القسم وإن كان لا يظهر بجلاء في هذه الدنيا إلا أن هنالك إشارات وأمارات تدل على هذه الحقيقة خذ مثلاً سوطَ العذاب وصفعات التأديب التي نزلت بقوم عاد وثمود بل بالأقوام المتمردة في عصرنا هذا، مما يظهر للحدس القطعي هيمنة العدالة السامية وسيادتها".50
فكما أن إعطاء الحقوق لذويها من العدالة عند النورسي كذلك إنزال العذاب بالعاصين وتأديبهم أيضا من العدالة عنده. وبذلك يكتمل مفهوم العدالة عند النورسي بجميع أبعادها.
ضرورة تأمين وسائل تحقيق العدالة
وفي الجانب الآخر لا يهمل النورسي أن يشير إلى تلك الوسائل التي يتطلبها تحقيق العدالة في الواقع الإنساني وتكون ضرورية ضربة لازب لثبوت العدالة. ويحاول النورسي أن يقتنص ذلك الاستنباط البديع والاستخراج الرائع من خلال معجزات بعض الأنبياء كما هو شأنه في اسنتنباط بعض الإيحاءات البديعة واستلهام بعض الدروس الرائعة لرقي الأمة وازدهارها من معجزات الأنبياء المقصوصة علينا في القرآن الكريم وقد مهد لذلك بقوله: إن صورة الأشياء تبدو في درجات متفاوتة في القرآن الكريم فأحيانا توجد بذور الشيء أو نواه وأحيانا مجمل الشيء أو خلاصته وأحيانا دساتيره وأحيانا توجد عليه علامات ويرد كل من هذه الدرجات أما صراحة أو إشارة أو رمزا أو إبهاما أو تنبيها. فيعبر القرآن الكريم عن أغراضه ضمن أساليب بلاغته وحسب الحاجة وبمقتضى المقام والمناسبة فمثلا إن الطائرة والكهرباء والقطار واللاسلكي وأمثالها من منجزات العلم والصناعة -التكنولوجيا الحديثة- والتي تعد حصيلة التقدم الإنساني ورقيه في مضمار الصناعة والعلم، أصبحت هذه الاختراعات موضع اهتمام الإنسان وتبوأت مكانة خاصة في حياته المادية. لذا فالقرآن الكريم الذي يخاطب البشرية قاطبة لم يهمل هذا الجانب من حياة البشر بل قد أشار إلى تلك الخوارق العلمية من جهتين: الجهة الأولى أشار إليها عند إشارته إلى معجزات الأنبياء عليهم السلام الجهة الثانية أشار إليها عند سرده بعض الحوادث التاريخية51 فبعد هذا التمهيد القيم يأخذ النورسي في الإبانة عن وجه استلهام تلك المنجزات العلمية عن المعجزات الأنبيائية فيشرح ذلك باستفاضة.52
وما يهمنا هنا هو أن الأستاذ النورسي طيب الله ثراه صرح بضرورة تأمين الدولة أو جهاز العدالة بعض الوسائل الحديثة كالهاتف اللاسلكي والفاكس والإنترنت وغيرها حتى يتأتى للقائمين على الأمور أن يحققوا العدالة على أفضل مستوى وأشمله ويستلهم ذلك من قصة سليمان عليه السلام حيث يقول: "ولقد آتى الله سبحانه سيدنا سليمان عليه السلام المُلك والنبوة معاً، وأكرمه بمعجزة يتمكن بها من الاطلاع المباشر بنفسه وبلا تكلف ولا صعوبة على أحوال رعاياه، ومشاهدة أوضاعهم، وسماع مظالمهم. فكانت هذه المعجزة مناط عصمته وصونه من الشطط في أمور الرعية. وهي وسيلة قوية لبسط راية العدالة على أرجاء المملكة... فهذه الآية تشير إشارة رائعة إلى إحضار الصور والأصوات من مسافات بعيدة. فالآية تخاطب: أيها الحكام! ويا من تسلمتم أمر البلاد! إن كنتم تريدون أن تسود العدالة أنحاء مملكتكم، فاقتدوا بسليمان -عليه السلام - واسعَوا مثله إلى مشاهدة ما يجري في الأرض كافة، ومعرفة ما يحدث في جميع أرجائها. فالحاكم العادل الذي يتطلع إلى بسط راية العدالة في ربوع البلاد، والســلطان الــذي يرعـى شؤون أبناء مملكته، ويشفق عليهم، لا يصل إلى مبتـغــاه إلا اذا اسـتـطـــاع الاطـلاع - مـتى شاء- على أقطار مملكته وعندئذ تعم العدالة حقا".53
والملفت للنظر هنا أن النورسي استنبط من بعض معجزات سليمان عليه السلام لفتة كريمة إلى استخدام بعض الوسائل الجديدة والوسائط الحديثة الناجعة لتحقيق العدالة على مستوى أفضل تيسر تلك الوسائل لأولياء الأمور الوصول في أقرب وقت وأسرعه إلى المزيد من أطراف المجتمع والعديد من فئات الناس بدون تمحل وتكلف كما تيسر لهم تلك الإمكانيات الحديثة والآليات المخترعة الاطلاع على شتى أحوال المجتمع وما يجري بين طياته من مكامن الخير ومخابئ السوء فيتأتى لهم بذاك أخذ الحيطة دون انتشار الفساد والأخذ بالتدابير اللازمة لازدياد الخير وتعميمه. وليس دفع الفساد ورفع مكامن الشر عن المجتمع وترسيخ الفضائل وتحقيق محاسن الفعال والخصال ونشر الكمالات العالية بين قطاعاته إلا مظهرا جليا من مظاهر السياسة العدالة فإن العدل الشامل -كما قال الماوردي- يدعو إلى الألفة ويبعث على الطاعة وتعمر به البلاد وتنمو به الأموال ويكثر معه النسل ويأمن به السلطان فقد قال الهرمزان لعمر حين رآه مبتذلا "عدلت فأمنت فنمت"54 وأيضا العدل -كما قال ابن تيمية- نظام كل شيء55 ولا شك أن من أفضل وأحسن مظاهر النظام هو "درء المفاسد وجلب المصالح"56 فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ومتى لم تقم بعدل لم تقم.57
وما استنتجه الأستاذ في هذا الاسنتنباط الشيق من وجوب تأمين أولياء الأمور لتلك الوسائل الفنية والتقنية والتكنولوجية حتى يتمكنوا من تحقيق العدالة على جميع المستويات الحياتية فمستند إلى قاعدة أصولية كلية وهي: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
واكتمالا واكتنافا بجميع جوانب حقيقة العدالة إن الأستاذ النورسي لا يهمل أن يشير من خلال نظرته الشمولية للعدالة إلى عدالة الشريعة الإسلامية كنظام حقوقي في أحكامها فيشير أولا إلى خلود الشريعة الإسلامية بصراحة وبدون هوادة حيث يقول: "إن الشريعة الغراء لما أنها أتت من الكلام الأزلي فستستمر إلى الأبد..." ثم يمضي يبرهن على ذلك بكلام مطنب ويقول في آخر كلامه: إن تطبيق الحرية والعدالة والمساواة خصوصا في العصر الإسلامي الأول برهان قاطع على أن الشريعة الإسلامية جمعت العدالة والمساواة وحق الحرية بجميع ما تقتضيها من الارتباطات والضروريات.58
وينطلق في الإفصاح عن ذلك من قوله تعالى ﴿فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾ منافحا عما يعتري بعض الأذهان من الشكوك في نقص حصة المرأة من ميراث أبيها بالنسبة إلى الرجل فيقول: "إن الحكم القرآني محض العدالة وعين الرحمة في الوقت نفسه نعم، إن ذلك الحكم عدالة؛ لأن الرجل الذي ينكح امرأة يتكفل بنفقتها كما هو في الأكثرية المطلقة. أما المرأة فهي تتزوج الرجل وتذهب إليه، وتحمّل نفقتها عليه، فتلافي نقصها في الإرث".59
3. العدالة بالمعنى العرفاني عند سعيد الجديد
إن الذين يلاحظون عن كثب حياة النورسي ويتتبعون المراحل التي مرت بها يرون أن النورسي مر برياضات بدنية جدية مجدية وعبد الله عبادات جمة مستمرة وأمضى أوقاتا طويلة في تفكير عميق في السموات والأرض وما بينهما ويضاف إلى كل ذلك حياته الانعزالية التي عاشها ردحا من الزمن بين أغصان تلك الشجرة الباسقة في بارلا60 أو في حجرات تلك الزنازن المظلمة الظالمة في قسطموني أو أسكي شهر أو غيرهما فاكتسب بجميع ذاك إشراقات روحية عظيمة واسعة الأطراف أضاءت له تلك العوالم المعنوية الأخرى التي لا يصلها إلا ذوو الأرواح الزكية والنفوس النيرة وأكسبه قراآت معنوية متنوعة في شتى صفحات هذا الكون والأسماء الإلهية وشتى المفاهيم الإسلامية الأخرى فما قيده يراعه في الشعاع الثاني من مقامات التوحيد وما شهق به من ذاك النحيب الروحي في تلك المناجاة والابتهالات الشجية في الشعاع الثالث وما كتبه بنانه في الشعاع الرابع وخصوصا ما كتبه بالعربية في الباب الرابع من مراتب "حسبنا الله ونعم الوكيل"61 كل هذه الكتابات مصداق باهر لما كان النورسي يتمتع به من تلك الفيوضات الروحية والأنوار القلبية والنوازل الربانية التي كانت تتنزل على قلبه بين فينة وأخرى وكفى.
وهناك شيء آخر ينبغي أن يتنبه له المتصفح لحياة النورسي العرفانية وهو أن تلك الإشراقة الروحية التي اكتسبها من خلال مجاهداته الرياضية وعباداته وتفكيره الطويل إبان عزلته وتلك الاستنارة العقلية التي اكتسبها من خلال معارفه العصرية في غضون شبابه حصَّلتا لديه تركيبة علمية وحصيلة عرفانية عجيبة بها استطاع أن يتحدى أعتى ملا حدة العصر وبها استطاع أن يقرأ أدلة التوحيد المبثوثة على جميع أجزاء الكون قراءة جديدة قلما توجد لدى الآخرين.
لا جرم أن من تلك المفاهيم الهامة العظيمة التي قرأها النورسي بتلك الإشرقات الروحية الجديدة قراءة من نوعية أخرى مفهوم العدالة فقرأها النورسي تلك القراءة التوحيدية البديعة الفذة في شتى صفحات هذا الكون ومن خلال هذه القراءة التوحيدية يشاهد النورسي بإشراقته الروحية التي عمت جميع جوانبه وأفعمت عضلاته وأعصابه أن هناك بعضا من المعاني الربانية والأفعال الرحمانية ما يعم جميع تلك التصرفات الإلهية السائدة على جميع الأكوان وهي: الحكمة والعناية والرحمة والعدالة، فيرى النورسي بحكمته العميقة أن هذه الحقائق الأربع هي التي تسود على جميع الأفعال الإلهية التي تدبر هذا الكون الفسيح الأرجاء والمترامي الأطراف فأيما قلبت نظرك منه وجدتها فيه فيقول: "فيا صاحبي، أنعم النظر في هذا، لترى مدى ظهور اِنتظام الحكمة، ومبلغ وضوح إشارات العناية، ومقدار بروز أمارات العدالة، ودرجة ظهور ثمرات الرحمة الواسعة، في تلك القصور المتبدلة، وفي تلك الميادين الفانية، وفي تلك المعارض الزائلة. فَمَن لم يفقد بصيرته يفهم يقيناً أنه لن تكون - بل لا يمكن تصور-حكمة أكملَ من حكمة ذلك السلطان ولا عناية اجملَ من عنايته، ولا رحمة أشمل من رحمته، ولا عدالة أجلّ من عدالته".62 ويشنع النورسي أثناء هذا الشرح على الملاحدة الذين لا يؤمنون بالآخرة أيما تشنيع فيندد بعميهم وحماقتهم وبلاهتهم تجاه جميع هذه الأدلة الناصعة والحجج الدامغة حيث يقول: "ولكن لما كانت هذه المملكة - كما هو معلوم - قاصرةً عن إظهار حقائق هذه الحكمة والعناية والرحمة والعدالة، فلو لم تكن هناك في مقر مملكته - كما توهمت - قصور دائمة، وأماكن مرموقة ثابتة، ومساكن طيبة خالدة، ومواطنون مقيمون، ورعايا سعداء تحقق تلك الحكمة والعناية والرحمة والعدالة، يلزم عندئذٍ إنكار ما نبصره من حكمة، وإنكار ما نشاهده من عناية، وإنكار ما نراه من رحمة، وإنكار هذه الأمارات والإشارات للعدالة الظاهرة البينة.. إنكار كل ذلك حماقة فاضحة كحماقة من يرى ضوء الشمس وينكر الشمس نفسَها في رابعة النهار! ويلزم أيضاً القول بأن القائم بما نراه من إجراءات تتسم بالحكمة وافعالٍ ذات غايات كريمة وحسنات ملؤها الرحمة إنما يلهو ويعبث ويغدر - حاشاه ثم حاشاه - وما هذا الا قلب الحقائق إلى أضدادها، وهو المحال باتفاق جميع ذوي العقول غير السوفسطائي الأبله الذي يُنكِر وجودَ الأشياء، حتى وجودَ نفسه!".63
إن النورسي يرى ويقرأ بفراسته العرفانية العميقة المتطلعة إلى آفاق واسعة من عالم الملك والملكوت تجليات الأسماء الإلهية المبثوثة على جميع صفحات هذا الكون المشهود وغير المشهود وينثرها فرائد درر يجعل منها قلائد منظومة من براهين التوحيد فمعظم رسائله وخاصة منها الشعاع الثاني والثالث والرابع واللمعة الثلاثون خير شاهد على تلك القراءة التوحيدية العرفانية والتذوق الوجداني القدسي الذي كان النور

Yıl 2013, Cilt: 7 Sayı: 7, - , 01.06.2013

Öz

Toplam 0 adet kaynakça vardır.

Ayrıntılar

Birincil Dil Arapça
Bölüm ARTICLES
Yazarlar

أ.د. محمد خليل جيجك Bu kişi benim

Yayımlanma Tarihi 1 Haziran 2013
Yayımlandığı Sayı Yıl 2013 Cilt: 7 Sayı: 7

Kaynak Göster

APA جيجك أ. م. خ. (2013). النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, 7(7).
AMA جيجك أمخ. النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. Haziran 2013;7(7).
Chicago جيجك أ.د. محمد خليل. “النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 7, sy. 7 (Haziran 2013).
EndNote جيجك أمخ (01 Haziran 2013) النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 7 7
IEEE جيجك أ. م. خ., “النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي”, النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, c. 7, sy. 7, 2013.
ISNAD جيجك أ.د. محمد خليل. “النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 7/7 (Haziran 2013).
JAMA جيجك أمخ. النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2013;7.
MLA جيجك أ.د. محمد خليل. “النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, c. 7, sy. 7, 2013.
Vancouver جيجك أمخ. النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2013;7(7).