التبليغ والارشاد في رسائل النور
د. داود آى دوز1
"لقد ضحيت حتى بآخرتي في سبيل تحقيق سلامة إيمان المجتمع، فليس في قلبي رغب في الجنة ولا رهب من جهنم، فليكن سعيد بل ألف سعيد قرباناً ليس في سبيل إيمان المجتمع التركي البالغ عشرون مليونا فقط بل في سبيل إيمان المجتمع الإسلامي البالغ مئات الملايين. ولئن ظل قرآننا دون جماعة تحمل رايته على سطح الأرض فلا أرغب حتى في الجنة إذ ستكون هي أيضاً سجناً لى، وإن رأيت إيمان أمتنا في خير وسلام فإنني أرضى أن أُحرق في لهيب جهنم إذ بينما يحترق جسدي يرفل قلبي في سعادة وسرور.."2
"لى غاية واحدة وهي واحدة
إنني في هذا الوقت الذي أتقرب فيه إلى القبر... وفي هذا الوطن الذي هو بلاد إسلامية، نسمع نعيق أبوام البلاشفة... هذا النعيق يهدد أسس الإيمان في العالم الإسلامي، ويشدّ الشعب ولا سيما الشباب إليه، بعد سلب الإيمان منهم،
إنني بكل ما أملك من وجود، اُجاهد هؤلاء، وأدعو المسلمين وبخاصة الشباب إلى الإيمان، فأنا في جهاد دائم مع هذه المجموعة الملحدة. وسأمثلُ إن شاء الله في ديوان حضوره سبحانه وأنا رافع راية هذا الجهاد. وكل عملي ينحصر في هذا. وأخشى ما أخشاه أن يكون الذين يحولون بيني وبين غايتي هذه هم بلاشفة أيضاً.
فغايتي المقدسة هي التكاتف والتساند والترابط مع كل من يجاهد أعداء الإيمان هؤلاء. اعطوني حريتي واطلقوا يديّ كي أعمل بالتكاتف مع القوى المجاهدة في سبيل إعلان التوحيد وترسيخ الإيمان في هذه البلاد وإصلاح الشباب المتسمم بالشيوعية."3
قبل الانتقال إلى الموضوع الأساسي لنلقي نظرة قصيرة على مكانة التبليغ والإرشاد في الإسلام.
التبليغ يعنى إيصال الخبر. ومعناه الاصطلاحي: "الإخبار بكل شيء يعدّ جيداً، وإيصال كل شيء حسن ونظيف وخير إلى البلاد والأمم الأخرى، لقبوله"4 وباختصار التبليغ هو؛ "شرح حقيقة الإسلام" أو "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
التبليغ هو غاية وجود كل نبي. ولولا التبليغ لما كان لإرسال الأنبياء أي معنى ولكان ذلك عبثاً. وإن من لطف الله وكرمه للبشرية هو تجلي الرحمانية والمرحمة الإلهية وإحياءها في حياة أنبيائه. وانعكاس ذلك على البشرية لا يتم إلا بالتبليغ...
وإن كثيراً من الآيات القرآنية تصرح بذلك لفظاً ومعنى، وتكرر أن وظيفة الأنبياء هي التبليغ.5
الأمة، وخاصة العلماء هم ورثة الأنبياء في هذا الموضوع. تغيرالزمن والشروط، واختلاف الجغرافيا لا تشكل عائقاً للتبليغ الديني. لكن توضع الشروط الخاصة بكل زمان ومكان في التبليغ بعين الاعتبار. لأن جميع الأنبياء تحركوا على هذا الشكل. جميع الشعوب والأمم متساوية في التبليغ الإسلامي وصاحبة لنفس الحقوق. وإن تبليغ الإسلام لجميع الناس فرض على كل مسلم دون تفريق في العرق، واللون، والجنس، والجغرافيا، والزمان، والمكان.
وذلك لأن وظيفة الدعوة للإسلام وتبليغه ليست خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. كما أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء ولن يأتي نبياً بعده. إذاً فما هي الوظيفة التي تقع على عاتق منتسبي الدين الذي سيبقي إلى يوم القيامة؟ وأقصر جواب لذلك هو: "السير على طريق رسول الله وأصحابه. والقيام بوظائف تعادل الوظائف التي قاموا بها في العصر الذي عاشوا فيه حسب إمكاناتهم، وذلك حسب متطلبات يومنا". يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾آل عمران:104 وبذلك يأمر بوجود جماعة تقوم بهذه الوظيفة. وقد أجاب بديع الزمان هذا الأمر الإلهي وقام بوظيفة الإرشاد والتبليغ.
إن أهم خواص الإرشاد والتبليغ عند بديع الزمان، والتي تميزه عن الآخرين وتظهره في الأمام هي:
1- نذر نفسه كاملة لهذا العمل:
نعم لقد أجاب بديع الزمان أوامر الله وقام بالتبليغ والإرشاد. لكن هذه الإجابة لم تكن على شكل تخصيص قسم من وقته لذلك، بل كانت على شكل جعل عمره كاملاً لذلك. لأن بعض الناس يقومون بذلك إلى جانب أعمالهم الأخرى بعد زواجهم وإنجابهم للاولاد أو يقومون به مقابل أجرة "كأئمة الجوامع، والمؤذنين، والوعاظ، والمفتين وغيرهم؛" بينما قال بديع الزمان كما فعل الأنبياء ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّٰهِ﴾،يونس:72 ولم يطلب أي أجر ووقف كل عمره لوظيفة الإرشاد والتبليغ.
لم يخش الأستاذ الذي جعل غاية حياته هي التبليغ والإرشاد شيئاً أو يخاف من أحد في هذا السبيل ووضع أمام عينية جميع المخاطر. وقد بين أنه مستعد للتضحية بآخرته إلى جانب تضحيته بدنياه بشرط سلامة إيمان الأمة نتيجة التبليغ والإرشاد.
"لقد ضحيت حتى بآخرتي في سبيل تحقيق سلامة إيمان المجتمع، فليس في قلبي رغب في الجنة ولا رهب من جهنم، فليكن سعيد بل ألف سعيد قرباناً ليس في سبيل إيمان المجتمع التركي البالغ عشرون مليونا فقط بل في سبيل إيمان المجتمع الإسلامي البالغ مئات الملايين. ولئن ظل قرآننا دون جماعة تحمل رايته على سطح الأرض فلا أرغب حتى في الجنة إذ ستكون هي أيضاً سجناً لى، وإن رأيت إيمان أمتنا في خير وسلام فإنني أرضى أن أُحرق في لهيب جهنم إذ بينما يحترق جسدي يرفل قلبي في سعادة وسرور..."
2- المرحلة التي عاشها:
مرحلة اعتبرت فيها كل حملة دينية "حركة رجعية" وأسيء فيها حتى للمتدينين الذين يؤدون العبادات بانفراد، ومنعت فيها قراءة القرآن وتعليمه، وأرسل فيها العلماء الأبرياء لمنصة الإعدام لمجرد بعض الأوهام، وعوقب فيها كل تعليم ديني بشدة ودونما رحمة. نعم، هي مرحلة أغلقت فيها المدارس والزوايا التي حرست مقدسات ومعنويات وحيثية الأمة على مئات السنين، وأطفئت فيها جميع منابع العرفان، تركت التدريسات الدينية، وأرعب بعض المشايخ وعلماء الدين بشتى الأساليب، وبإعطاء بعضهم مناصب، في مثل هذه المرحلة المشئومة كانت غاية حياة مؤلف رسائل النور بديع الزمان هي الإرشاد والتبليغ. هذه الشخصية العظيمة اندفعت دون وجل وعاشت من أجل ذلك فقط، في هذا الوسط الذي يعد فيه التدين جسارة فضلاً عن القيام بخدمة الدين. وسيشاهد هذه الحقيقة كل من يدرس حياته وآثاره بشكل واضح.
3- سعة مجال الخدمة وتنوعها
إن نشاطات الإرشاد والتبليغ التي قام بها بديع الزمان ليس لها زمان ولا مكان. فقد كان يدرس الطلاب، ويعظ وينصح، ويتقدم الصفوف الأولى للمجاهدين في الحرب، ويصارع الأعداء بالسيف وجها لوجه، ويجابه قائد الأعداء عندما يقع في الأسر حتى يدفعه للتفكير وهو على منصة الإعدام، مما يجعله ينصفه، ويفعل ذلك كله باسم الإرشاد والتبليغ. ومن طرف فقد كان يعطي العشائر دروساً ونصائحاً في الأخلاق والإيمان خلال رحلاته في شرقي الأناضول، ومن طرف آخر كان ينقل آراءه وتشخيصاته المصيبة في السياسة الإسلامية للعلماء في الشام. كما كان يعرض الحقائق القدسية للقرآن في خطبته ومقالاته لمجلس المبعوثان -النواب في عهد المشروطية- وكان يعرض أفكاره هذه في مؤلفه "المحكمة العرفية السكرية" دون خوف. وقد أقنع السلطان، كما أقنع الحكومة في أنقرة بفتح جامعة في الشرق. ويشتغل بالسياسة في مرحلة معينة ولو بشكل قليل من أجل خدمة الدين، ويوصي النواب في المجلس باتباع الحق دون خوف، ويحوّل السجن إلى مدرسة يوسفية ويكتب الرسائل لتلاميذه يوضح لهم فيها الطريق. والأهم من ذلك كله يقوم بتأليف رسائل النور تحت أقسى الشروط، ويرسل الرسائل التي كتبها إلى مختلف بقاع العالم وهو على قيد الحياة... وخلاصة القول إن الإرشاد والتبليغ قد ملآ حياة بديع الزمان ولم يتركا له فراغاً.
لقد استمر بديع الزمان في إرشاده بين الكتل الشعبية وداخل طبقة المثقفين، وخاطب كل الجماعات دون تفريق في المستويات التي تفهمها كل جماعة. لذلك لم يهمل أحداً من مخاطبيه في آثاره التي كتبها. وكل من يقرأ آثاره من العوام، والخواص، وخواص الخواص يستفيد منها حسب مستواه. فمثلاً ألف رسالة "محاكمات عقلية" لخواص الخواص. كما ألف لمعات للمرضي والشيوخ، ورسائل للشبا، ولأخوات الآخرة.
4- توحد لسان الحال والقال
إن أهم خاصية للأستاذ في الإرشاد والتبليغ هي شرحه للحقائق داخل وحدة الحال والقال... واهتم كثيراً بالإخلاص، والزهد، والتقوى... وطلبه أجر التبليغ والإرشاد من الله عز وجل فقط وذلك وفق الدستور القرآني والنبوي... واستغناءه عن الناس.
5- تبليغه وإرشاده كان قرآنياً ونبوياً
إلى جانب كون بديع الزمان صاحب حس إنساني مرهف، فقد عاش كل عمره في ظلال القرآن والسنة، وتحرك حسب موجبات الكتاب والسنة في القضايا التي تتعلق بدعوته. نعم، إن من أهم خواص التبليغ والإرشاد عنده، هي موافقته لشروط العصر الذي يعيشه، وموافقة التبليغ والإرشاد لمنهج الدعوة القرآنية والنبوية. يعني أنه عمل وفق الأوامر القرآنية الموجهة للأنبياء والعالمين في التبليغ، واتبع منهجاً في الدعوة للإسلام يوافق منهج النبي صلى الله عليه وسلم.
6- تشخيصه ومعالجته لأمراض العصر بشكل جيد
لقد ضرب بديع الزمان بمشرطه على أمراضنا العصرية، ومن أجل تشريح وتشخيص هذه الجروح التي سببت لنا مصائب كبيرة، وكي يخلص المسلمين من الانهيار، قال كل شيء من صميم قلبه منذ بداية حياته وحتى لقاءه لمولاه، وتابع مشكلاتنا بنفس المقياس، وقدّم نفس الشيء من أجل معالجة هذه الأمراض.
بالنسبة لبديع الزمان إن منبع جميع المساوئ في عهده كما هي اليوم هو الجهل، وفقر الضرورة الاختلاف. وكمفكر أدرك عصره بشكل جيد أراد أن يلقح الجماعات التعيسة في تلك الأيام روح العلم. واهتم كثيراً بقضايا فقر الضرورة والمشكلات الاقتصادية. وبحث عن الحلول لاختلافنا، وأصر على الوحدة والاتحاد.
نعم إن أول سبب لأزماتنا الاجتماعية هو الجهل الذي يعد أول سبب لسفالتنا القومية. ولا شك إن الجهل الذي يعني عدم معرفة الله والرسول وإهمال الدين وعدم مشاهدة فعاليتنا المادية والمعنوية التاريخية، هي بدون شك أكبر بلاء ينزل فوق رؤسنا منذ ذلك اليوم وحتى يومنا.. وقد وقف بديع الزمان حياته لمحاربة هذا الميكروب. وبالنسبة له إنه من العبث التفاؤل بنجاة الأمة دون تنوير المجتمع بالعلم والعرفان، وتعويد المجتمع على التفكير المنظم، وقطع الطريق أمام الأفكار المنحرفة.
لقد نجح بديع الزمان في تأسيس حركة تجديد كبيرة في كليات رسائل النور، وأسس مدرسة إسلامية على العلم والحكمة. وقد بدأ بديع الزمان حركة إرشاد وتبليغ جديدة في العالم الإسلامي في العصر الذي انكسفت فيه الأفكار والضمائر. وهو حقاً مجدد في عالم الإرشاد.
ونحن نريد أن نقدم في هذه المقالة المنهج الذي اتبعه بديع الزمان في وظيفة الإرشاد والتبليغ طيلة حياته، والتي أوصى بها تلاميذه، ومن المناسب أن يتبعها الوعاظ والمرشدون المسلمون الذين يعيشون في هذا العصر وذلك على شكل مواد.
1- على المرشد أن يعيش ما يقوله أولاً:
إن أهم سر لإجراء الإيضاحات الخارقة التي يقوم بها الأستاذ بديع الزمان في آثاره تأثيراً كبيراً على الأفكار والقلوب، هو عيشه لهذه الحقائق بنفسه بشكل كامل. أي لئلا يكون ممن تتعرض له الآيات الكريمة مثل: ﴿تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾الصف:2 و ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾البقرة:44 لم يقل ما لا يفعل. بل العكس فقد خاطب نفسه أولاً وعاش ذلك بنفسه ثم قاله للآخرين.
وقد خاطب نفسه كثيراً في رسائل النور، وأرجع كثيراً من الأخطاء لنفسه بهدف إعطاء الدروس للآخرين، ورجح هذا الأسلوب في التبليغ لإيقاظ الآخرين بموجب التواضع الخاص بالناس العظام ودون الإساءة إلى مخاطبيه. وكان يخاطب نفسه بالعبارات التالية "يا نفسي الشرهة"، و "يا نفسي المغرورة"، "يا نفسي المسكينة"، وخاطب نفسه أكثر من مخاطبته للآخرين.
* يجب أن نعيش نحن أولاً:
"ولو أننا أظهرنا بأفعالنا وسلوكنا مكارم أخلاق الإسلام وكمال حقائق الإيمان، لدخل أتباع الأديان الأخرى في الإسلام جماعات وأفواجاً. بل لربما رضخت دول العالم وقاراته للإسلام."6
* رسائل النور تسعى لاقناع نفس مؤلفها أولاً:
"ثم إن رسائل النور تحاول أولاً إقناع نفس مؤلفها ثم تخاطب الآخرين؛ لذا فالدرس الذي أقنع نفس المؤلف الأمارة بالسوء إقناعاً كافياً وتمكّن من إزالة وساوسها وشبهاتها إزالة تامة لهو درس قوي بلا شك، وخالص أيضا بحيث يتمكن وحده من أن يصدّ تيار الضلالة الحاضرة التي اتخذت شخصية معنوية رهيبة -بتشكيلاتها الجماعية المنظمة- بل أن يجابهها ويتغلب عليها."7
2- الإخلاص في التبليغ والإرشاد
إن الأشخاص الذين يخدمون الدين يجب أن يكونوا مثالاً في الصدق من المنظور العقيدي، والفكري والقولي، والسلوكي. يعني يجب أن يكونوا مخلصين. ويجب أن يقوموا بالإرشاد والتبليغ لأجل اكتساب مرضاة الحق تعالى. ويجب أن لا تكون نيته بقصد تحقيق المنفعة، والرياء، والمظاهر، والحسد، والحرص، والطمع أو اكتساب مدح وثناء الناس. الرياء والسمعة ضد الإخلاص. والرياء كما جاء في الحديث هو شرك.8
طريق رسائل النور هو طريق الإخلاص. والنجاة لا تكون إلا بالإخلاص. والإخلاص هو الشفرة المعنوية لقبول ومقبولية التوفيق في خدمة القرآن. ويبين بديع الزمان إن أكبر قوة لرسائل النور هي الإخلاص. وقد ألف رسالة بهذا المقصد. ووضع عبارة "يجب أن تقرأ مرة كل 15 يوماً على الأقل" في مستهل هذه الرسالة مما يدل على درجة الأهمية التي أولاها للإخلاص.
* يجب أن يرى الإرشاد والتبليغ فوق كل شيء:
"إن طلاب رسائل النور الحقيقيين يرون خدمة الإيمان فوق كل شيء فحتى لو منحوا مرتبة القطبية يفضلون عليها خدمة الإيمان، حفاظاً على الإخلاص."9
* غايتنا الإخلاص واجتناب الرياء
"أخي العزيز الفطن!
نحن نهرب هروباً من احترام الناس إيانا وتوقيرهم لنا وحسن ظنهم بنا وإكرامهم لنا وإعجابهم بنا، وذلك بمقتضى مسلكنا.
فاللهاث وراء الشهرة التي هي رياء وعُجب، ودخول التاريخ بفخر وبهاء، وهو عُجب ذو فتنة وحب الظهور وكسب إعجاب الناس. كل ذلك مناف ومخالف للإخلاص الذي هو أساس من أسس مسلك النور وطريقه.
فنحن نجفل ونهرب مذعورين من هذه الأمور باعتبارنا الشخصي؛ ناهيك عن الرغبة فيها.
ولكننا نرجو من رحمة الله الواسعة إظهار رسائل النور النابعة من فيض القرآن الكريم، والتي هي لمعات إعجازه المعنوي، ومفسرة حقائقه وكشافة أسراره... فنرجو من رحمته تعالى الإعلان عن هذه الرسائل والرواج لها وشعور الناس بحاجتهم إليها وإظهار قيمتها الرفيعة جداً، وتقدير الناس لها وإعجابهم بها، وتبيان كراماتها المعنوية الظاهرة جداً وإظهار غلبتها على الزندقة بجميع أنواعها بسر الإيمان، فنحن نريد إعلام هذه الأمور وإفهام الناس بها وإظهار تلك المزايا، ونرجو ذلك من رحمته تعالى."10
* عدم جعل الإخلاص في الإرشاد والتبليغ آلة لأى شيء
"بل قد جرحت أكثر من مائة مرة مشاعر طلاب النور الذين يحملون حسن ظن مفرط بشخصي، يشهد على هذا ما كتبته في "رسائل النور" وحقائقها المتعلقة بشخصي، والمنصفون ممن يختلفون إليَّ بجد، والأصدقاء جميعاً. فأنا لست المالك لبضاعة النور، بل لست إلا دلالاً ضعيفاً بسيطاً في حانوت مجوهرات القرآن.
كما إنني بتصديق من إخواني المقربين، وبما شاهدوا من أماراتها العديدة، عازم على أَلاّ أضحي بالمناصب الدنيوية وأمجادها الزائفة وحدها، بل لو أسند إليّ -فرضاً- مقامات معنوية عظمى، فإنني أضحى بها أيضاً لخدمتي للإيمان والقرآن خشية اختلاط حظوظ نفسي بإخلاصي في الخدمة. وقد قمت بهذا فعلاً..."11
3- وظيفة المبلغ هي التفهيم، وجعل الآخرين يقبلون التبليغ موكول إلى الله
يبين الله تعالى أن الوظيفة التي تقع على عاتق الأنبياء هي التبليغ فقط، أما قبول التبليغ أو عدم قبوله فهذا موكول إلى الله عز وجل حيث يقول: ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاَغُ﴾المائدة:99 كما خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللّٰهَ يَهْدِي مَن يَشَاء...﴾القصص:56 ﴿فَذَكِّرْ إنما أَنتَ مُذَكِّرٌ. لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ.﴾الغاشية:21-22 إن وظيفة من يقوم بالتبليغ والإرشاد هي الدعوة الحسنة وإيصال الأحكام الإلهية لمخاطبيه. أما الهداية فهي من أمور الله تعالى. وذلك لأن الداعية لا يملك القوة التي تجبر الناس على الإيمان وهو ليس مسؤولاً عن ذلك.
* لا يتدخل بأمور تخص الله؛
"أَما مسلك رسائل النور فإنه يؤدي مهمته ولا يتدخل بأمور تخص الله سبحانه، فوظيفة طالب النور التبليغ، أما قبول الآخرين لتبليغه فموكول إلى الله سبحانه..."12
4- التطوع
التطوع هو، القيام بالخدمة دون غرض أو عوض، يعني دون انتظار المنفعة والأجر. التطوع يختلف عن الإخلاص والصميمية. الرياء هو ضد الإخلاص، والمنفعة والأجر ضد التطوع. وكي يبين أن الإرشاد والدعوة يجب أن تتم بلا أجر نرى أن معظم الأنبياء قالوا: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّٰهِ ﴾،هود:29 ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي...﴾هود:51 ويتضح من ذلك أنه لا يمكن انتظار المنفعة المادية والمعنوية من الناس في الإرشاد والتبليغ. وأساسها مرضاة اللّٰه. وبديع الزمان يتبع الأنبياء في نشر الحق، ولا يطلب الأجر والأجرة مقابل خدماته. وبالنسبة له إن هذه الدنيا هي دار الخدمة، وليست دار الأجر.
* عدم أخذ الأجرة مقابل التبليغ والإرشاد
"وعدم قبول شئ مقابل ما يقوم به المرء من خدمات في سبيل الدين، بل لا يطلبه قلبا. وإذا حصل شيء من هذا القبيل فليعده إحساناً إلهياً محضاً، من دون البقاء تحت منة الناس. إذ ما ينبغي أن يسأل شيء في الدنيا لقاء خدمات في سبيل الدين، لئلا يضيع الإخلاص. فالأمة وإن كان عليها أن تضمن معاش هؤلاء، كما أنهم يستحقون الزكاة، إلا أن هؤلاء العاملين لا يسألون الناس شيئاً وربما يوهب لهم، حتى لو وهب لهم شيء فلا يأخذونه لقيامهم في خدمة الدين فالأفضل إيثار من هم أهل لها على النفس، والرضى بما قسم الله من رزق والقناعة به."13
* الانتساب للدولة من أجل الخدمة، وليس من أجل الحصول على مرتب
"إن خدمة رجل مثلي للدولة لا تكون إلا بإسداء النصائح. وهذه لا تتم إلا بحسن تأثيرها، وهذا لا يتم إلا بترك المصالح الشخصية، فإنى معذور إذن عندما أرفض المرتّب."14
5- المحافظة على الأخوة، والوحدة، والإتحاد في التبليغ والإرشاد
إن الله يأمر المؤمنين بالإتحاد والتعاون على فعل الخير. ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾آل عمران:103 ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾المائدة:2 ويطلب بديع الزمان من الجماعات والأشخاص الذين يقومون بالإرشاد والتبليغ أن يتحدوا ويتعاونوا، وأن لا ينتقدوا ولا يغتابوا الأشخاص والجماعات الذين يقومون بالخدمات الأخرى.
أ- المحافظة على الوحدة والاتحاد بين الأخوة في التبليغ والإرشاد
العلاقة في رسائل النور هي علاقة حسبية، صميمية، وأخوة حقيقية. طلبة النور هم أخوة وأصدقاء في درس القرآن. معينين ومظاهرين لبعضهم. ويعبر عن هذه الحالة في رسائل النور بتعبير "الفناء في الإخوان" يعني أنهم يفنون في بعضهم، ويعيشون مزية وشعور الأخ فكرياً. والإيمان يقتضي أخوة المحبة الإسلامية. والروابط التي تؤسس الوحدة، والاتفاق والامتزاج هي بقدر الأسماء الآلهية.
"ينبغي للقريببين من دائرة رسائل النور من أرباب العلم وأهل الطريقة وأصحاب المشارب الصوفية الانضمام إلى تيار النور، ليمدّوه بما لديهم من رأسمال سابق، والسعي لتوسيع دائرته وحث طلابه وبث الشوق في نفوسهم، وإذابة الأنانية وإلقائها كقطعة ثلج في حوض الماء السلبيل للجماعة ليغنم ذلك الحوض الكوثري كاملاً. وإلا فمن يفتح نهجاً جديداً ويسلك طريقاً آخر، يضرّ هذه الجادة القرآنية المستقيمة القويمة من دون أن يشعر، ويتضرر هو بنفسه أيضاً، بل قد يكون عمله نوعاً من العون للزندقة دون شعور منه."15
* وفي مثل هذا الوقت إن أكبر قوتنا هي إمداد بعضنا بعضاً.
"إن الجهاد المعنوي لطلاب النور ضد هذا التيار الجارف يعدّ -بإذن اللّٰه- جهاداً عظيم الثواب، إذ فيه قبس من جهاد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين يثابون بعمل قليل ثواباً عظيماً.
فيا إخوتي الأعزاء:
في مثل هذه الأوقات العصيبة، وأمام هذه الأحداث الجسام، فإن أعظم قوة لدينا -بعد قوة الإخلاص- هي قوة "الإشتراك في الأعمال الأخروية" إذ يكتب كل منكم في دفتر أعمال إخوته حسنات كثيرة مثلما يرسل بلسانه الإمداد والعون إلى قلعة التقوى وخنادقها."16
ب- السلوك الذي يجب اتباعه تجاه المشارب والمناهج الأخرى التي تقوم بالتبليغ والإرشاد
وقد عرض بديع الزمان حلولاً سليمة حتى ليومنا هذا -حسب قناعتنا- في هذه القضية.
فقبل كل شيء يرى أن وجود الجماعات المختلفة ضروري ومفيد. ويبحث عن وحدة الغاية بين الجماعات. ولا شك أنه يجب أن تكون هذه الغاية إيجابية وبناءة. ويجب أن تكون في خدمة الدين والأمة. وإذا وجدت هذه لا يُسأل عن الوحدة في المنهج والمشرب. ويقول إن الاتحاد في هذه الحالة يجلب الضرر وليس النفع، وسيدفع الناس للقول "هذا لا يهمني ليفكر به الآخرون" ويصر على وجوب عدم انتقاد الطلبة والقائمين بوظيفة التبليغ لبعضهم.
* التحرك بشكل إيجابي:
1- العمل الإيجابي البنّاء، وهو عمل المرء بمقتضى محبته لمسلكه فحسب، من دون أن يرد إلى تفكيره، أو يتدخل في علمه عداء الآخرين أو التهوين من شأنهم، أي لا ينشغل بهم أصلاً.
2- بل عليه أن يتحرى روابط الوحدة الكثيرة التي تربط المشارب المعروضة في ساحة الإسلام -مهما كان نوعها- والتي ستكون منابع محبة ووسائل أخوة واتفاق فيما بينها فيتفق معها.
3- واتخاذ دستور الإنصاف دليلاً ومرشداً، وهو أن صاحب كل مسلك حق يستطيع القول: "إن مسلكي حق وهو أفضل وأجمل" من دون أن يتدخل في أمر مسالك الآخرين، ولكن لا يجوز له أن يقول: "الحق هو مسلكي فحسب" أو "إن الحسن والجمال في مسلكي وحده" الذي يقضي على بطلان المسالك الأخرى وفسادها.
4- العلم بأن الإتفاق مع أهل الحق هو أحد وسائل التوفيق الإلهي وأحد منابع العزة الإسلامية.
5- الحفاظ على الحق والعدل بإيجاد شخص معنوي، وذلك بالاتفاق مع أهل الحق للوقوف تجاه أهل الضلالة والباطل الذين أخذوا يغيرون بدهاء شخص معنوي قوي في صورة جماعة على أهل الحق -بما يتمتعون به من تساند واتفاق- ثم الإدراك بأن أية مقاومة فردية -مهما كانت قوية- مغلوبة على أمرها تجاه ذلك الشخص المعنوي للضلالة.
6- ولأجل إنقاذ الحق من صولة الباطل:
7- ترك غرور النفس وحظوظها.
8- وترك ما يُتصور خطأً أنه من العزة والكرامة.
9- وترك دواعي الحسد والمنافسة والأحاسيس النفسانية التافهة."17
جـ- طراز السلوك تجاه المشايخ والأساتذة والعلماء:
* يجب عدم مناقشة الأساتذة والمشايخ
"من المحتمل جداً أن يُحرَّكَ ضدنا مشايخ أو علماء متظاهرون بالتقوى، مخدوعون بأنفسهم أو بتحريض غيرهم لهم.. وتجاه موقف كهذا، لابد لنا من المحافظة على وحدتنا وتساندنا، وعدم تضييع الوقت معهم في الجدل والنقاش الفارغ."18
* بلغوا سلامي لذلك الواعظ والعالم
"بلّغوا ذلك العالم الواعظ عني السلام. فإنني أقبل انتقاده لشخصي واعتراضه عليّ بتقدير وبرحابة صدر. وأنتم بدوركم لا تسوقوا ذلك العالم الفاضل ولا أمثاله من العلماء إلى المناقشة والمناظرة. ولو حدث تعدّ وتجاوز علينا، فلا تقابلوه حتى بالدعاء عليهم. إذ إن ذلك المتجاوز أو المعترض أيا كان، هو أخونا من حيث الإيمان لأنه مؤمن. حتى لو عادانا، فلا نستطيع أن نعاديه بمثل عدائه، حسب ما يرشدنا إليه مسلكنا. لأن هناك أعداء شرسين وحيّات لاذعة ونحن لا نملك سوى النور، لا الصولجان. النور لا يؤلم، بل يلاطف بضيائه، ولا سيما الذين هم ذوو علم فلا تثيروا غرورهم العلمي إن كانوا على غرور وأنانية، بل استرشدوا ما استطعتم بدستور الآية الكريمة: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾الفرقان:72
ثم إن ذلك الشخص المحترم، إن كان داخلاً في دائرة رسائل النور، واشترك في استنساخ الرسائل، فهو إذن ضمن تلك الدائرة فاصفحوا عنه حتى لو كان يحمل خطأ فكرياً.
فليس مثل هذا الشخص الفاضل من ذوي الدين والتقوى المنسوبين إلى الطرق الصوفية بل حتى من المؤمنين المنسوبين إلى فرق ضالة، لا ينبغي أن نثير معهم نزاعاً وخصاماً في هذا العصر العجيب، بل لا نجعل نقاط اختلاف ونزاع موضع نقاش مع المؤمنين بالله واليوم الآخر حتى لو كانوا من النصارى."19
6- البدء بالعمل من الأساس
المبدأ الأساسي للدعوة الإسلامية هو "البدء بالعمل من الأصول والنزول إلى الفروع بالتدريج." لذلك على الدعاة المسلمين أولاً أن يزيلوا التشوش الإيماني الذي وقع فيه المسلمون والناس وأن يقيموا أسس التوحيد. والإسلام لا يقوم إلا على عقيدة سليمة. وإن الإشتغال بالفرعيات دون تحقيق ذلك لا يجلب للدعوة أية فائدة. وإن كون الآيات المكية التي هي أول ما نزلت من القرآن تتعلق بالإيمان يدل على أهمية هذه المسألة. وبديع الزمان مثل جميع المفكرين المسلمين يرى أن أكبر حقيقة في الدنيا هي حقيقة الإيمان والتوحيد. لذلك أعطى الأولوية للقضايا الإيمانية في وظيفة التبليغ والإرشاد، وبيّن باستمرار أن هذه هي الوظيفة الأولى والأساسية لرسائل النور. وبالنسبة له إن أكبر مشكلة لهذا العصر هي عدم الإيمان. وقد كافح طيلة حياته ضد جميع العوائق التي تمنع انكشاف أنوار الحقيقة.
* رسائل النور تعطي درساً في الحقائق القدسية الإيمانية للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر.
"فلئن رُجّحت المسائل البسيطة للنحو والصرف التى يقرأها الطلاب مثل: نصر نصرا ونصروا... على الأوراد التى تُذكر في الزوايا، فكيف برسائل النور الحاوية على الحقائق الإيمانية المقدسة في "آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر." ففي الوقت الذى ترشد رسائل النور إلى تلك الحقائق بأوضح صورة وأكثرها قطعية وثبوتاً حتى لأعتى المعاندين المكابرين من الزنادقة وأشد الفلاسفة تمرداً، وتلزمهم الحجة، كم يكون على خطأ من يترك هذه السبيل أو يعطلها أو لا يقنع بها ويدخل الزوايا المغلقة دون استئذان من رسائل تبعاً لهواه! ويبين في الوقت نفسه مدى كوننا مستحقين لهذه الصفعة، صفعة الرحمة والتأديب."20
* وظيفتنا إنقاذ المسلمين من الإعدام الأبدي للموت
"نعم! لو كنت على دأبي السابق في أن أردّ كل إهانة وتحقير حفاظاً على عزة العلم... ولو لم تكن وظيفتي الحقيقية منحصرة في أمور الآخرة وحدها وموجهة لإنقاذ المسلمين من الإعدام الأبدي للموت... لو كان سعيي هو لأجل الحصول على حطام الدنيا واللّٰهاث وراء شؤون السياسة السلبية، كما هو الشغل الشاغل للمعترضين عليّ... لكان هؤلاء المنافقون الذين يعملون في سبيل الفوضوية والإرهاب سبباً في حدوث عشرات الحوادث من أمثال 'منمن‘ وحادثة ‘الشيخ سعيد‘."21
7- الخواص التي يجب الانتباه إليها لدى أداء الإرشاد والتبليغ
لقد رفض القرآن المجادلة التي تتم بجهل وبإدّعاءات فارغة دون طرح الأدلة المعقولة. وأمر بالدعوة على أساس الحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلة قساة القلوب بأفضل الأساليب وأجملها وليونة اللسان ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾،النحل:125 ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أهل الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾العنكبوت:46 ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾.طه:44
إنه من الصعب جداً الحصول على نتيجة إيجابية بالمناقشات. ولا يمكن فرض الأفكار على الطرف الآخر مهما كانت حسنة ومقبولة إلا إذا عرضت بشكل حسن ولين. لذك طلب بديع الزمان أن يبقى التبليغ والإرشاد بعيداً عن النقاشات وأوصى باستخدام اللسان الجميل. لأنه لا مكان للحدة، والغوغاء، والنقاش، والغضب في التبليغ. ومن هذا المنظور لم يبدأ بديع الزمان النقاش، ولم يدخل في أية غوغاء، لكنه وجد نفسه في بعض الأحيان وسط الغوغاء والنقاشات. وأحياناً صار نفسه مركزاً للغوغاء والمناقشة دون إرادته. وفي تلك الحالة تحمل مسؤلية إخماد الغوغاء والنقاش.22
* أهمية القول الحسن في الإرشاد والتبليغ
"لما كان القرآن الكريم يسوق جزالة البيان وبلاغة الكلام مقدماً ويكررهما كثيراً، فكأنه يرمز إلى أن البلاغة والجزالة في الكلام -وهما من أسطع العلوم والفنون- سيلبسان أزهى حللهما وأروع صورهما في آخر الزمان، حتى يغدو الناس يستلهمون أمضى سلاحهم من جزالة البيان وسحره، ويستلمون أرهب قوتهم من بلاغة الأداء، وذلك عند بيان أفكارهم ومعتقداتهم لإقناع الآخرين بها، أو عند تنفيذ آرائهم وقراراتهم..."23
* غلبة المتحضرين من حيث الأمور الدينية تتم بالاقناع
"إن الظهور على المدنيين من منظور الدين إنما هو بالإقناع وليس بالإكراه. وبإظهار الإسلام محبوباً وسامياً لديهم وذلك بالامتثال الجميل لأوامره وإظهار الأخلاق الفاضلة."24
* إن سبب عدم تأثير نصائح الناصحين هو:
"ومن هنا فإني أخال أن سبباً من أسباب عدم تأثير نصيحة الناصحين في هذا الزمان هو: أنهم يقولون لسيئي الخلق: لا تحسدوا. لا تحرصوا. لا تعادوا. لا تعاندوا. لا تحبوا الدنيا. بمعنى أنهم يقولون لهم غيّروا فطرتكم. وهو تكليف لا يطيقونه في الظاهر. ولكن لو يقولون لهم: اصرفوا وجوه هذه الصفات إلى أمور الخير، غيّروا مجراها، فعندئذ تجدي النصيحة وتؤثر في النفوس، وتكون ضمن نطاق إرادة الإنسان واختياره."25
8- عدم الفتور في الوظيفة الباقية وترك الملعنة
على الذين يقومون بخدمة الدين أن يكونوا مثل الأنبياء وصحابتهم دون فتور أو كلل أو ضعف ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ...﴾آل عمران:146 كما يجب عليهم أثناء قيامهم بوظيفة التبليغ أن لا يتركوا التبليغ ويهتموا بما لا يعنيهم. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يَعنيه."26 ويقول الأستاذ سعيد النورسي في هذا الموضوع.
* "إخوتي الأعزاء!
اعلموا يقيناً أن الوظيفة التي ينشغل بها طلاب رسائل النور مسألة أجلّ وأعظم من أعظم مسائل الكرة الأرضية قاطبة، فلا تفتروا في مهمتكم الباقية، ملتفتين إلى مسائل دنيوية مثيرة للاهتمام، اقرأوا كثيراً 'المسألة الرابعة‘ من رسالة "الثمرة" كيلا تخور عزائمكم وتضعف قوتكم المعنوية."27
* يجب أن نحصر كل قوتنا وفكرنا ووقتنا بالوظيفة القدسية.
"لابد أن نحصر أوقاتنا وجميع قوتنا واهتمامنا في وظيفتنا المقدسة. ولابد أن نعد كل ما هو خارج عنها أموراً لا تعنينا بشئ، فلا نضيّع وقتنا بها. لأننا نملك النور وحده، لا المطرقة والصولجان، فلا يبدر منا تعدٍ على حقوق أحد قطعاً، ولكن إذا ما اعتدي علينا، نظهر النور ونبينه. فنحن في حالة نوع من دفاع نوراني."28
* عندما يصيب المخلصين في العمل فتوراً يتعرضون لصفعة مشفقة.
"إن العاملين المخلصين في هذه الخدمة القرآنية لما يعتريهم الفتور والإهمال في العمل يأتيهم التحذير والتنبيه فيتلقون لطمة ذات رأفة وعطف."29
9- الإيثار
الإيثار يعني التفكير بالآخرين، وترجيح حقوق الآخرين ومنفتهم على حقوق ومنفعة النفس. والإيثار هو من أهم مميزات المرشد. والداعية لا يتحدث عن نفسه وإنما يتحدث دوماً وبكل فرصة عن دعوته. وفي الأصل يوجد معنى التفكير بمنفعة الآخرين ونجاتهم في مفهوم الإرشاد والتبليغ والدعوة. وعلى العاملين في الإرشاد والتبليغ أن يقدموا التضحيات المادية والمعنوية. وقد جاء في القرآن الكريم حول المؤمنين المؤثرين ﴿...وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.الحشر:9
* التضحية بالراحة، والشرف، والحيثية وحتى بالحياة عند الضرورة...30
* ترك الأنانية في الإرشاد والتبليغ
"إن مسلكنا ينحصر في هذا الوقت في خدمة الحق وحده وترك الأنانية كلياً ولا يحصل بغير ذلك قطعاً. وقد اقتنعنا بهذا قناعة تامة، كما أن نفسي الأمارة منذ عشرين سنة اضطرت إلى الرضوخ لهذا المسلك."31
10- الصبر على المصاعب التي تواجه خلال الإرشاد والتبليغ
إن أكبر معيار للقوة والقدرة في سجية أي مرشد هو الصبر ومقاومة المنة وتحمل المشقات والمصائب. إن أصالة ونجابة المرشد تتجلى في المحنة ومشقاتها.
إن المرشد الذي يوصي بالصبر والتحمل، يجب أن يكون قد تعرض للمشقات والمحنة، وأن يكون قد تعرض لأذى وصبر. وذلك كي يصير دليلاً حقيقياً للبشرية. مهما كان الاضطراب والمشقات شديدة فإن المرشد يستمر في إرشاده وخدماته يأخذ الحذر والتحمل.
والصبر من الوظائف الدينية للمسلمين. وتوجد أكثر من تسعين آية في القرآن تتحدث عن الصبر. وبديع الزمان هو مرشد أكبر عاش هذه الحقيقة بكمالها، وأوصاها لتلاميذه وللعاملين في التبليغ والإرشاد.
* الصبر على المشقات
"وما دمنا نعمل من أجل حقيقة هي من أهم الحقائق وأجلّها، وأشدها ثبوتاً ورسوخاً؛ ولا يمكن تقييمها أو تقديرها بأي قيمة مادية مهما كانت، ويهون بذل النفس والروح والصديق والحبيب، بل الدنيا بأسرها في سبيل تحققها، فلابد إذاً من أن نصمد بكمال المتانة والصبر تجاه جميع الويلات والمحن التي قد تنزل بنا، وأن نواجه بصدر رحب جميع مضايقات الأعداء."32
* إننا مكلفون بالصبر والشكر تجاه كل مشقة داخل خدمة الإيمان
"إن وظيفتنا هي الحركة الإيجابية البناءة وليست الحركة التخريبية الهدامة. بل تنحصر وظيفتنا في الخدمة الإيمانية وفق رضى الله سبحانه من دون التدخل فيما هو موكول أمره إلى اللّٰه. ونحن مكلفون بالتحمل والصبر في أثناء أداء خدمتنا الإيمانية التي تنتج الحفاظ على الأمن والنظام."33
11- الإرشاد والتبليغ يتم بوجود السكينة والأمن واستمرارهما
إن الأستاذ بديع الزمان، بتضحيته، وشجاعته، ومرحمته، وشفقته، وكفاحه المعنوي ما يقارب القرن من الزمان أبعد تلاميذه عن جميع الحركات التي تؤدي إلى الفتنة والفساد، والنفاق والشقاق، وتفسد الأمن، كما أبعدهم عن السلوك الذي يوقع المسلمين ببعضهم. كما أنه لم يتأخر عن إيقاظ المسؤولين في الإدارة يومها في المواضيع التي تحمل أهمية حياتية.
إننا نشاهد هذا المنهج في الإرشاد عند الأقطاب، والمجددين، والمجتهدين القدماء. فمثلاً رغم السجن والمشقات التي تعرض لها الإمام الرباني، والإمام الأعظم أبو حنيفة، وأحمد بن حنبل لم يتركوا حركاتهم الإيجابية. ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا...﴾الأعراف:56
﴿وَاللّٰهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾،المائدة:64 ﴿... وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾الأعراف:142
إن بديع الزمان اعتقد أن الأمة التي تتمزق بوقوعها في النفاق والتفرقة لن تفلح أبداً لذلك فقد أعطى للمحافظة على الأمن أهمية كبيرة. وقد عرض ذلك على الأنظار مراراً في رسائل النور.
وهذه بعض الأمثلة.
* الإيمان، لا يفسد الأمن وإنما يحققه
"ن أجزاء رسائل النور التي ليست سوى علوم إيمانية، تؤسس الأمن والنظام، ذلك لأن الإيمان الذي هو منبع الخُلُق الحسن والخصال الحميدة ومنشؤها، لن يخلّ بالأمن بل يحققه ويضمنه. أما ما يخل بالأمن فهو عدم الإيمان بسوء خُلُقه وسجيته..."34
* إيقاف الفوضى والمحافظة على الأمن في خدمة الإيمان35
12- إجتناب السياسة في التبليغ والإرشاد
لقد اشتغل بديع الزمان في المرحلة التي سماها مرحلة سعيد القديم قبل تأليف رسائل النور بالسياسة لدرجة ما بقصد خدمة الدين والمقدسات، لكنه عندما شاهد أن السياسة بدأت تنحرف عن غايتها، وانقلبت نحو الصراع من أجل المنفعة، وفتحت الطريق للتطرف والتفرقة، قرر أنه لا يمكن أن يخدم الإيمان والقرآن بهذا الطريق، وصرف نظره عن عالم السياسة.
إن أحد الأسباب المهمة لمنع بديع الزمان تلاميذة من السياسة هو أن السياسة تفتح طريق الخلاف وتفسد الأخوة الإسلامية. ويعبر عن قلقه في هذه الخصوص على الشكل التالي:
"حذار... حذار... أيها الإخوة من أن تقذفكم التيارات الدنيوية ولاسيما السياسية منها ولاسيما التيارات التي تلفت الأنظار نحو الخارج، إلى التفرقة، إذ تجعلكم بعد ذلك الدستور الشيطاني والعياذ باللّٰه: "الحب في السياسة والبغض في السياسة" بدلاً من الدستور الرحماني "الحب في الله والبغض في اللّٰه" إذ عندها تعادون أخاً لكم هو في الحقيقة كالملاك وتولون الحب لرفيق في السياسة وهو كالخناس وتبدون الرضا لظلمه، وتشاركونه في جنايته ضمناً. فحذار حذار من هذا!"36
وقد جرت حادثة بهذا المعنى أدت إلى ابتعاده تماماً عن السياسة، وننقلها على الشكل التالي:
"رأيت ذات يوم رجلاً عليه سيماء العلم يقدح بعالم فاضل، بانحياز مغرض حتى بلغ به الأمر إلى حد تكفيره، وذلك لخلاف بينهما حول أمور سياسية، بينما رأيته قد أثنى -في الوقت نفسه- على منافق يوافقه في الرأي السياسي!. فأصابتني من هذه الحادثة رعدة شديدة، واستعذت بالله مما آلت إليه السياسة وقلت: "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة."37
* لا توجد لنا أية علاقة مع أهل السياسة
"إن الذين يتعرضون لنا إنما يتعرضون للإيمان مباشرة ويتعدون عليه. فنحن نحيلهم إلى العلي القدير ورغم أنه لا علاقة لنا بأهل السياسة قطعاً، فليعلموا جيداً أنه ليست إلا أسس رسائل النور التي تحافظ على هذه الأمة من التردي والسقوط في الهاوية والفوضى والإرهاب."38
* السياسة طريق خطير ويمنع أهم الخدمات اللازمة
"لقد خاض سعيد القديم غمار السياسة ما يقارب العشر سنوات علّه يخدم الدين والعلم عن طريقها. فذهبت محاولته أدراج الرياح، إذ رأى أن تلك الطريق ذات مشاكل، ومشكوك فيها. وأن التدخل فيها فضول -بالنسبة إليّ- فهي تحول بيني وبين القيام بأهم واجب. وهي ذات خطورة. وأن أغلبها خداع وأكاذيب. وهناك احتمال أن يكون الشخص آلة بيد الأجنبي دون أن يشعر."39
13- الاستفادة من مختلف الوسائط في التبليغ والإرشاد
إن للوسائط دور مهم في تأثير الدعوة إلى جانب قابلية الداعية ومزياته ونشاطاته. لذلك يجب على الداعية أن يراجع جميع الوسائط التي تسهل عمله وتؤثر على النتيجة. وقد استفاد بديع الزمان في حياته من جميع الوسائط في الإرشاد والتبليغ، وطالب باستخدام الصحف في ذلك.
* على الصحف أن تجعل إعلاء كلمة الله أساساً لها.
"إن اساس هذا الإتحاد يمتد من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال.. ومركزه: الحَرمان الشريفان... وجهة وحدته: التوحيد الإلهي... عهده وقَسَمَه: الإيمان... نظامه الداخلي: السنة النبوية الشريفة... قوانينه: الأوامر والنواهي الشرعية... مقر اجتماعاته: جميع المدارس والمساجد والزوايا... ناشرُ أفكار تلك الجماعة نشراً خالداً إلى الأبد: جميع الكتب الإسلامية وفي المقدمة القرآن الكريم وتفاسيره 'ورسائل النور أحد تلك التفاسير في زماننا هذا‘ وجميع الصحف الدينية والجرائد النزيهة التي تهدف إلى إعلاء كلمة اللّٰه... ومنتسبوه: جميع المؤمنين... رئيسه: فخر العالمين صلى الله عليه وسلم."40
14- إن الله ينصر من يخدم دينه
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللّٰهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.محمد:7
﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللّٰهُ مَن يَنصُرُهُ...﴾الحج:40 لذلك نجد بديع الزمان يشجع المتكاسيلن في خدمة الدين إستناداً على هذه الآيات ويبين أن الله ينصر من يخدم دينه.
"يبرر أحد طلاب النور، عدم سعيه لرسائل النور لازدياد هموم العيش.
فقلنا له: لأنك لا تسعى "لرسائل النور ازدادت عليك هموم العيش. لأن كل طالب في هذه المناطق يعترف -وأنا كذلك أعترف- أنه كلما سعينا لرسائل النور وجدنا السهولة في الحياة والانشراح في القلب واليسر في المعيشة."41
15- المشورة
للشورى مكانة مهمة في الدين الإسلامي. ويدل على ذلك وجود سورة في القرآن بهذا الإسم، ووجود آيات كثيرة حول ذلك. ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾الشورى:38 كما جاء في القرآن مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾.آل عمران:159 وقد امتثل بديع الزمان لهذه الأوامر الإلهية واستشار من حوله وأمر أهل الخدمة بالاستشارة.
* حافظوا على أصواتكم من التشتت بالمشورة الشرعية
"حذار حذار... لا تفسحوا المجال لانتقاد بعضكم البعض الآخر فيستغل أهل الضلالة اختلاف مشاربكم وعروقكم الضعيفة وحاجاتهم المعايشة. صونوا آراءكم من التشتت بإقامة الشورى الشرعية بينكم، إجعلوا دساتير رسالة الإخلاص نصب أعينكم دائماً. وبخلاف هذا فإن اختلافاً طفيفاً في هذا الوقت يمكن أن يلحق أضراراً بليغة برسائل النور."42
* يجب أن تكون مع المشورة الحذر والسكون وعدم البلبلة
"أنجزوا أعمالكم بالشورى مع الأخذ بالحذر وبعيداً عن القلق والاضطراب ودون إحداث الضجيج."43
16- إصلاح الوعاظ، ورجال العلم، والمشايخ الذين لهم مكانة مهمة في التبليغ والإرشاد
الوعاظ ورجال العلم والمشايخ لهم أهمية كبيرة في نظام بديع الزمان. ويصف الواعظ بـ "المدرس العمومي". ويجب إصلاح المؤسسات التي تلعب دوراً مهماً في تخلفنا والتي شرحت بعض القضايا بشكل خاطئ للشعب وعلى رأسها مفهوم التوكل. وبهذا يتم نقل الرسالة الإسلامية إلى الشعب بشكل أسلم. وحسب رأي بديع الزمان، إن أكبر خدمة لجعل العلم ملك الشعب، وتنبيه المشاعر الدينية والعقدة الحياتية للكتل الشعبية الكبيرة، وتنوير الأفكار والضمائر، تقع على عاتق الوعاظ ورجال العلم والمشايخ.
أ- كيف يجب أن يكون الواعظ
"لابد أن يكون الواعظ حكيماً، وذا دراية بالمحاكمات العقلية.
نعم! إن الوعاظ الذين لا يملكون موازين، ويطلقون كلامهم جزافاً، قد سببوا حجب كثير من حقائق الدين النيّرة. فمثلاً: الزيادة التي زيدت في معجزة انشقاق القمر الباهرة بالمبالغة في الكلام، وهي أن القمر قد نزل من السماء ودخل تحت إبط الرسول صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى السماء. هذه الزيادة، جعلت تلك المعجزة الباهرة كالشمس، مخفيةً كنجم السهي، وجعلت ذلك البرهان للنبوة الذي هو كالقمر، مخسوفاً، وفتحت أبواب حجج تافهة للمنكرين.
حاصل الكلام:
يجب على كل محبّ للدين وعاشق للحقيقة: الاطمئنان بقيمة كل شيء وعدم إطلاق الكلام جزافاً وعدم التجاوز. إذ المبالغة افتراء على القدرة الإلهية. وهي فقدان الثقة بالكمال والحسن في العالم واستخفاف بهما واللذين ألجآ الإمام الغزالي إلى القول: "ليس في الإمكان أبدع مما كان."44
ب- وضع رجال العلم في التبليغ والإرشاد
* التشويق، والإرشاد، والنصيحة هي من شأن العلم
"إن كثيراً جداً من الناس يمضي بميل السيادة والآمرية والتفوق على الآخرين، فيجعل العلم المشوّق الناصح اللطيف، وسيلة قسر وإكراه لاستبداده وتفوقه، فبدلاً من أن يخدم العلم يستخدمه. وعلى هذا فقد دخلت الوظائف بيد من ليسوا لهاً أهلاً، ولاسيما الوظائف في المدارس الدينية، فآلت إلى الاندراس نتيجة هذا الأمر."45
جـ - آراءه حول المشايخ في الإرشاد والتبليغ
* شأن المشيخة التواضع والمحوية
"إن شأن الولاية والمشيخة والعظمة: التواضع والتجرد، وهما من لوازم الفضيلة وخصائص الكمال ورفعة الشأن، لا التكبر والتحكم.. فمن تكبّر فهو صبي متشيّخ وطفل متكهّل، فلا تعظّموه..."46
* الوظيفة الأصلية للمشايخ هي خدمة الإتحاد الإسلامي والإرشاد إليه:
"لقد كنتَ -سابقاً- تودّ الشيوخ جميعاً وتحبهم بل تحسن الظن حتى بالمتشيخين، فما هذا الهجوم على قسم من المتشيخين الذين ابتلوا بالبدع؟
ج: قد يرد العداء من فرط المحبة وشدتها! نعم، فكما كنت أحبّهم لأجل نفسي، فقد عشقتهم لنفس الإسلام أضعاف أضعافها، [لقد انتقش في سويداء قلوبهم الطارة الصبغة الربّانية وفي خلدهم ضياء الحقيقة47].48
إلا أن أس أساس مسلكهم: تنوير القلوب وربطها بالفضيلة الإسلامية والسير عليها، أي: الإنطباع بالحمية الإسلامية، أي: ترك المنافع الشخصية لأجل الإخلاص، أي: التوجه إلى تأسيس المحبة العامة، أي: خدمة الإتحاد الإسلامي والدعوة إليه.
17- مقصد الدين
هناك أحاديث شريفة تعد الدين نصيحة. وقد روي الحديث التالي في أوثق المصادر: "الدينُ النصيحة، الدينُ النصيحة، الدينُ النصيحة. قلنا لمَن؟ قال للّٰه، لكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامّتهم."49
* الدين النصيحة
"الدين النصيحة، والتأثير ضروري فيها. ولا يحصل إلا بإثارة الحمية الإسلامية والمشاعر الوجدانية."50
* المقصد الحقيقي للشريعة هو الإرشاد والتعليم51.
18- يجب أن يكون التبليغ لائقاً لعمله
يجب على الأشخاص الذين يقومون بالإرشاد والتبليغ معرفة بعض الخواص بشكل جيد قبل البدأ بالدعوة. وقبل الحصول على هذه المعلومات، يعني قبل الإستعداد للدعوة علمياً فلن يتم الحصول على نتيجة. فقبل كل شيء على الداعية، معرفة الأسس والمبادئ التي يدعو إليها بشكل جيد، وأن يتعلم الإسلام جيداً بجميع وجهاته. لذلك يجب أن يضع الكتاب والسنة فوق كل شيء، ويفهمهما بشكل جيد. والمرشد والمبلغ صاحب الثقافة الإسلامية، يحتاج لم
Birincil Dil | Arapça |
---|---|
Bölüm | ARTICLES |
Yazarlar | |
Yayımlanma Tarihi | 1 Aralık 2012 |
Yayımlandığı Sayı | Yıl 2012 Cilt: 6 Sayı: 6 |