BibTex RIS Kaynak Göster

من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور

Yıl 2012, Sayı: 5, - , 01.06.2012

Öz

من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور

أ.د. العربي بوسلهام1
يعالج الموضوع: بعض الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور للأستاذ المصلح بديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله.
لاحظ الإمام سعيد النورسي، وهو الذي عاصر أخطر فترة انتقالية في حياة المسلمين وهي نهاية القرن الثالث عشر الهجري وبداية القرن الرابع عشر، أنّ المجتمع الإسلامي ينحدر في مظاهر حياته كلها انحدارا سريعا، واكتشف أن غزوا فكريا منظما يشن على العقيدة الإسلامية إبتداء من الدوائر الأجنبية إلى صحيفة الاتحاد والترقي إلى أجهزة إعلام الانقلابات اللادينية، وخاصة بعدما صرح وزير المستعمرات البريطاني -غلادستون- في مجلس العموم البريطاني وهو يخاطب النواب وبيده نسخة من القرآن الكريم قائلا: "مادام هذا القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم لذلك فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود أو نقطع صلة المسلمين به". ولقد تأكد للنورسي أن الإسلام أصبح في خطر أكيد، وأنه لابد من تقوية الإيمان عند البعض وإنقاذه عند البعض الآخر، أمام هذه الموجات العاتية من تزييف المنطق العقلي والحقيقة العلمية.
ولقد ساعدت دراسته العقلية الرصينة واطلاعه الواسع على تطور العلم الحديث في نجاح محاولة ذلك الإنقاذ، فبدأ بتأليف الرسائل والكتب في دحض شبهات القول وإثبات حقائق الإيمان بأسلوب علمي عصري قريب إلى روح العصر وفهم الناس جميعا، وكان يتتبع الشبهات التي كان يثيرها الملاحدة وأعداء الأمة لإدخال الشك في عقول الجيل الحديث فيرد عليها ويخصص لها الرسائل المتنوعة دون ذكر الشبهة إلا نادرا.2 ومن هنا نرى أن كتابات النورسي تنقل صورة جلية عن الصراع الفكري في عصره وتضع الأسس الفكرية لتنشئة جيل مؤمن يعرف كيفية التعامل مع عصره.
وبيانا لما سبقت الإشارة إليه مجملا، قسّمت الموضوع إلى المحاور الآتية:
1- مميزات رسائل النور.
2- أسسها.
3- إنجازاتها في واقع حياة الأتراك وغيرهم.
عندما تصفحنا رسائل النور وجدناها اتخذت منهجا وطريقة وغاية لإعادة الناس إلى دينهم وصقل شخصيتهم بالقرآن الكريم، فاتسمت بما يأتي:
1- إنسجامها وتلاؤمها مع قوانين الفطرة.
2- مصدرها رباني ومحور موضوعاتها القرآن الكريم فهي بمثابة تفسير لمعاني القرآن.
3- تهتم بالبنية الداخلية للإنسان وتتجه لتزيينها.
4- تعطي أهمية كبرى لصحة البنية الإجتماعية.
5- تقوم رسائل النور بالتربية والتعليم وتوسيع الأفق وبيان السبيل القويم.
6- تقوم رسائل النور بمزج المادة مع المعنى وتحتضن الدنيا والآخرة معا.
7- موقف بديع الزمان النورسي من التيارات المنحرفة موقف الإعراض عنها واللامبالاة بها.
• أما المحور الثاني فسأتناول فيه النقط الآتية:
1- خدمة هذه الرسائل للإيمان وحمل دعوة القرآن.
2- الدعوة إلى الإخلاص.
3- الدعوة إلى الأخوة.
4- الدعوة إلى العجز والفقر إلى الله والشفقة على المستضعفين.
5- سبيل رسائل النور هو الثبات بصدق.
• أما المحور الثالث فسأعالج فيه ما حققته رسائل النور في نفوس قارئيها ومحبيها، وعرضت تفاصيله في النقط الآتية:
1- أصبحت رسائل النور مرآة للقرآن العظيم ومنهجا تجديديا لتفسير معانيه لمواجهة التحديات وقضايا العصر.
2- جددت علم العقيدة وعلم الكلام.
3- أسست شخصية معنوية تجاه الشخصية المعنوية الإلحادية.
4- جعلت روادها ومريديها يتصرفون تصرفا إيجابيا في المجتمع.
5- تجرد أصحابها عن السياسة الغربية المقيتة.
6- تعمل على ترسيخ الإيمان في أصحابها الذين مكنهم ذلك من تخطي الصعاب والتحديات.
7- حققت نموذجا متميزا في التربية والتعليم مثل ما حققه السلف الصالح.
8- حركة رسائل النور بعيدة عن الرياء ولا تطلب أجرا عند إيفاء الخدمة.
وأخيرا خلصت في الأخير إلى خاتمة إن شاء الله. سنعرض تفصيل العناصر إنطلاقا من كليات رسائل النور، وبناء على ما استفدناه من بحث الأستاذ الدكتور شنر دلك حول منهج وطريقة رسائل النور وغايتها.3
المحور الأول عرضت فيه مميزات رسائل النورسي:
أولا: رسائل النور متناغمة، لأنّ موضوعاتها مستمدّة من القرآن الكريم، كما أنّها تمثّل تفسيرا لمعانيه: ومن ثم فهي تتلاءم مع قوانين الفطرة قال تعالى: ﴿فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾الرُّوم:30 فهناك انسجام مع قوانين الفطرة وقوانين الكون فهذه القوانين الموضوعة في الكون والمنقوشة في الفطرة لا يمكن نزعها من الكون ولا يمكن إخراجها من الفطرة وإهمالها، ويصل الإنسان إلى كماله عندما يدرك العلاقة بين هذه القوانين ويتعامل معها في توازن، إلا أن الإنسان عاجز عن إدراك هذه القوانين المنقوشة في فطرته لذا يحتاج إلى معلم ومفسر هو القرآن الكريم والفرقان الحكيم... نعم! إن الفطرة بلسان حالها تقول للقرآن الكريم: "لا يتحقق كمالنا من دونك"، تعرض رسائل النور هذه الحقيقة، ويؤكّد مصنّفها أنّ من أراد فهم قوانين الفطرة فعليه بمطالعة القرآن الكريم، يشهد لهذا المعنى قوله: "أما القرآن الحكيم فهو قراءة كتاب الكون هذا وتلاوة نظامه فهو يقرأ شؤون النقاش الأزلي ويكتب أفعاله"،4 إن الوظيفة التي أخذتها رسائل النور على عاتقها هي إيضاح قوانين الفطرة هذه السارية في الكون والإنسان: "إعلم علم اليقين أن أسمى غاية للخلق وأن أعظم نتيجة للفطرة هو الإيمان بالله. وإن ألمع سعادة للإنس والجن وأحلى نعمة هي محبة الله الموجودة في معرفة الله..."5
وهكذا فإن الغاية الأولى لرسائل النور هي إيضاح وبيان أسمى نتيجة للفطرة وهي معرفة الله ونقش محبته في القلوب والأرواح.
ويبين بديع الزمان العلاقة بين الإسلام وبين قوانين الفطرة في الجمل التالية "أجل إن حقائق الشريعة التي أتى بها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم حافظت على التوازن الموجود في قوانين الفطرة فلم تخل بالمناسبات اللازمة للروابط الاجتماعية، فكلما طال الزمن ظهر الاتصال فيما بينها، ويتوضح من هذا أن الإسلام دين فطري للنوع البشري وهو العامل الوحيد في المحافظة على الحياة الاجتماعية ووقايتها من الهزات والزلازل".6
2- أما مصدر هذه الرسائل فهو القرآن الكريم: مصدرها رباني ومرشدها الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم وسبيلها هو السبيل القويم لأهل السنة والجماعة. إن أي قوة كي تستطيع النفوذ إلى أعماق قلب الإنسان وروحه وربط روحه وقلبه بالحقائق، وإثارة الكرامة الإنسانية بمشاعر الشوق والوجد فلا بد أن يكون مصدرها ومنبعها قدسيا.
فإذا لم تكتسب هذه القوى قدسية عامة وكلية فإن تأثيرها سيكون باهتا وضعيفا، فإن كان المصدر مقدسا فإن التأثير سيكون جذريا وعميقا وكليا ومستمرا، ويشرح بديع الزمان هذه الحقيقة بقوله: "إن قدسية المصدر تظهر تأثير براهين عديدة، وبهذه القدسية تفرض أحكامها على الناس عامة"،7 وهكذا فإن رسائل النور تستمد لمعانها من قدسية القرآن وتترنم بهذه القدسية. قال بديع الزمان "بما أننا نملك في أيدينا معجزة باقية مثل القرآن فإن البحث عن برهان آخر يبدو لعقلي شيئا زائدا، بما أننا نملك برهانا للحقيقة مثل القرآن فهل يصعب على قلبي إلزام المنكرين وإفحامهم"،8 فكانت رسائل النور برهانا مستمدا من القرآن الكريم وهي لمعة براقة من لمعات إعجازه ورشحة من رشحات ذلك البحر وشعاع من تلك الشمس الملهمة من كنز العلم وترجمة معنوية نابعة من فيوضاته... وإذا قيل كيف تُعد رسائل النور تفسيرا للقرآن مع أنها لا تشبه التفاسير المتداولة فالجواب أن التفسير نوعان: هما تفسير اللفظ والعبارة والجملة في الآية الكريمة أو إثبات الحقائق الإيمانية للقرآن الكريم إثباتا مدعما بالحجج الرصينة والبراهين الواضحة، وقد ثبت بشهادة ألوف من العلماء المحققين أن رسائل النور هي من القسم الثاني من التفسير بل من أثمنه وأسطعه وأكمله وأكثره قيمة.9
3- تهتم رسائل النور بالبنية الداخلية للإنسان وتتجه لتزيينها. وتأثيرفيها تأثيرا عميقا وحيويا وجذريا: إذ تقوم بتشكيل الروح وتوسيع أفق التفكير وتُؤَمِّن امتزاج العقل مع القلب، وتأثيرها يهيء الإنسان لأكبر وأفضل تغيير. فهي تزرع في العالم الداخلي للإنسان مشاعر علوية كطلب الرضا الإلهي، والإخلاص والفداء والصفاء والصدق، سئل الشيخ بديع الزمان النورسي رحمه الله عن ذلك حيث قيل له: "لماذا نجد تأثيرا غير اعتيادي فيما كتبته في (الكلمات) المستقاة من فيض القرآن الكريم، قلما نجده في كتابات العارفين والمفسرين.. فأجاب النورسي: "إن الفضل في هذا التأثير يعود إلى إعجاز القرآن الكريم وليس إلى شخصي أنا".10
4- تعطي رسائل النور أهمية كبرى لصحة البنية الاجتماعية ولاتجاهها، لذا عُدَّت من مقاصدها تأمين الهدوء الاجتماعي والراحة العامة ولا تعير أي اهتمام أو التفات لحركات التدمير والهدم والتمزيق بل ترفع شعار الحركة الإيجابية وترى فيها وظيفتها ومهمتها، ولا تسمح مطلقا بالفعاليات السلبية، بل تسعى لتقوية أواصر المحبة والأخوة في بنية المجتمع، وتُلِح على ضرورة الاتحاد والامتزاج. وترد بشكل مطلق كل المشاعر والأفكار التي قد تذهب بروح الأخوة التي أمر بها ديننا الإسلامي، فكان رافضا للشعور القبلي أو العشائري أو الفكرة القومية أو العنصرية أو الملية السلبية، قال بديع الزمان النورسي مخاطبا دعاة التفريق بين المسلمين والمطالبين بحقوق أقليات دون غيرها: "إن كنتم حقا تحبون هذه الأمة حبا جادا خالصا، وتشفقون عليها فعليكم أن تحملوا في قلوبكم غيرة تسع الإشفاق على غالبية هذه الأمة لا على قلة قليلة منها، إذ أن خدمة هؤلاء خدمة اجتماعية مؤقتة غافلة عن الله، وهم ليسوا بحاجة إلى الرأفة والشفقة-وعدم الرأفة بالغالبية العظمى منهم ليس من الحمية والغيرة في شيء".11
إن استحصال الرضا الإلهي وتحقيق الفضيلة هو هدف وغاية رسائل النور التي تسعى لتحقيقها في البنية الاجتماعية. وفي المجتمعات التي تحل المادة والمنافع المادية محل الفضيلة والتي تنتشر فيها المظاهر الخداعة والتصفيف، بحيث تكون العلاقات قائمة على أسس النفاق والتزلف وفي مثل هذا الجو لا يمكن تأسيس المحبة الحقيقية والتساند.
5- تقوم رسائل النور بالتربية والتعليم وتوسيع الأفق وبيان السبيل القويم: فهدفها تربية مخاطبيها بالحق وبالمعرفة عن طريق القراءة وإكسابهم الشخصية الواثقة. إن مطالعة رسائل النور ممتع ومنهجها مقنع، إذ تعرض المسائل عرضا منطقيا تحليليا، ومدبّجا ومدجّجا بالأدلة والبراهين، فيستفيد العقل والقلب والروح واللطائف المعنوية الموجودة لدى الإنسان ويأخذ كل منها نصيبها، فمعانيها سامية وأفقها واسع، وهي ترمي لتنشئة عناصر دعوة مثالية بهمم عالية.
6- تقوم رسائل النور بمزج المادة مع المعنى وتحتضن الدنيا والآخرة معا.
إقتصر كثير من المهتمين بعرض حقيقة الإنسان على بُعْدها المادي فقط، فحُرِموا إلى الوصول إلى أعماق الإنسان بالتعرُّف على دقائق روحه وسماته الملكوتية، ففقدت التوازن في عرض المسألة والتخطيط لها، استدركت رسائل النور على الوضع، فأسست على الجمع بين مسؤولية الإنسان الأخروية ووظائفه العبودية بشكل حساس وجدي، فلم تهمل الآخرة وما غفلت عن وظائف الإنسان الدنيوية ومسؤولياته الاجتماعية، قال بديع الزمان: "فلا بد أن أسعد إنسان هو من: لا ينسى الآخرة لأجل الدنيا... ولا يضحي بآخرته للدنيا... ولا يفسد حياته الأبدية لأجل حياة دنيوية... ولا يهدر عمره بما لا يعنيه ".12
7- موقف بديع الزمان النورسي من التيارات المنحرفة موقف المعرض عنها وغير المبالي بها: يرى الأستاذ أن مجرد الإطلاع على التيارات التي تستند إلى العناد وإلى العصبية الملية والمنافع القومية الضيقة وعلى أنانية النفس فضلا عن الدعاية الكاذبة والظالمة، والتي تعمل لحساب ظلم لم تشهد الدنيا مثيلا له، شيء لا يجوز. ذلك أن الرضا بالظلم ظلم، فإن كان مناصرا له يكون ظالما فإن مال إليه يكون مظهرا للآية الكريمة ﴿وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾.هود:113
قال الأستاذ: "شك أن الحق القرآني لا يتنازل للإستناد إلى سيوف هؤلاء الظالمين. وبدلا من الإستناد إلى قوة قد تخضبت يدها بدماء ملايين الأبرياء فإن الواجب على أهل القرآن الإلتجاء إلى قدرة وإلى رحمة خالق الكائنات بل هو فرض عليهم".13
المحور الثاني: خطط وطرق الخدمة التي تؤديها رسائل النور
وضحت في هذا المحور أسس مسلك رسائل النور.
1- خدمة الإيمان وحمل دعوة القرآن:
خدمة الإيمان وخدمة القرآن هما أساس مسلك رسائل النور، ذلك أنّ غاية الخلق هي الإيمان بالله، والدعوى الكبرى هي كسب الحياة الأبدية، فهذه أكبر من الحروب العالمية وأكبر من موضوع حاكمية الشعب على ظهر هذه الأرض، وهي خلاصة دعوة بديع الزمان ولبها.
ولهذا السبب فإن السعي لإنقاذ الإنسان من مستنقع الكفر ومن هوة الفسق والضلالة بالإيمان وبذل كل المساعي والجهود في هذا السبيل إلى درجة الوجد والعشق هو محور هذه الدعوة، قال بديع الزمان النورسي: "إن في الإيمان حقا جنة معنوية، وإن في الضلال جحيما معنويا أيضا في هذه الدنيا ذاتها."
لقد فتحت المدنية السفيهة جراحا يصعب علاجها في روح البشر، فمن ذا الذي سيمد يده إلى الإنسان المحطم والممزق والمنحل بسبب التأثير المدمر والخانق للكفر والإباحية؟ ومن سيرشده إلى السبيل القويم؟ هذا ما يشغل بديع الزمان النورسي، قال (رحمه الله): "إن العالم يمر بأزمة معنوية كبيرة، فالأمراض الموجودة في المجتمع الغربي الذي اهتزت قواعده المعنوية- بدأت تنشر في سائر الأرض مثل وباء الطاعون، فكيف يستطيع المجتمع الإسلامي أن يواجه هذا الوباء المرعب ويتحداه وبأية وسائل؟ أيستطيع ذلك بالصيغ المتفسخة والمتعفنة والباطلة للغرب؟ إنني أرى الرؤوس الكبيرة سادرة في الغفلة. فالأعمدة المتهرئة للكفر لا تستطيع حمل حصن الإيمان وقلعته. لذا فقد كثفت جميع جهودي حول الإيمان وحول الحياة الداخلية للمجتمع ووجوده المعنوي ووجدانه وإيمانه.
ولكنني عندما أفعل ذلك أفعله على أساس الإيمان والتوحيد الذي أسسه القرآن فقط، فهذا هو العمود الأساس للمجتمع الإسلامي، وعندما يهتز هذا العمود فلا يبقى أثر للمجتمع".14
2- الإخلاص:
الإخلاص في العمل يعني قصد وجه الله تعالى منه، وهو ما رامت تحقيقه رسائل النور، إذ يصرّ بديع الزمان على أنّ الإخلاص هو أكبر قوة في النجاح والفلاح، وقد ألف رسالة بهذا الخصوص، وتظهر درجة عنايته بالإخلاص من الكلمة التي وضعها في أول رسالة الإخلاص التي حثّ فيها على "إعادة قراءة هذه الرسالة كل 15 يوما" لأن أبطال الحقيقة الذين أخذوا الخدمة القرآنية على عواتقهم طريقهم التخلص من الأحاسيس القذرة مثل الرياء وحب المظهر والحسد والحرص والطمع، ولايتم ذلك بغير التحقق بالإخلاص.
إن سبيل رسائل النور هو جعل طلب رضا الله تعالى هو الأساس.
فإذا كانت رسائل النور قد نجحت كل هذا النجاح وتنجح، بإذن الله في قابل الأيام، فإن السبب في هذا يكمن في سر الإخلاص، قال بديع الزمان النورسي: "فإنه بالإخلاص والتساند الحقيقي يستطيع ثلاثة أشخاص أن يفيدوا أمتهم فائدة مائة شخص".15
3- الأخوة:
الأخوة الحقيقية لا تقوم على المعاوضة، وطلاب النور إخوة في مائدة درس القرآن يعين بعضهم بعضا، وتعبر عن هذا رسائل النور بـ "الفناء في الإخوان".16
أي فناء بعضهم في بعض، فإن رأى في أخيه نقصا أكمله، وإن رأى فيه سوءا تألم له ونصحه، وحاول إصلاحه بلطف ويسر، قال بديع الزمان النورسي: "إن المؤمن يحب أخاه، وعليه أن يودّه، فأيما تصرف مشين يصدر من أخيه يحمله على الإشفاق عليه، وعلى الجد في محاولة إصلاحه باللين والرفق دون اللجوء إلى القوة والتحكم".17
إن الإيمان يقتضي المحبة، والإسلام يقتضي الأخوة، فروابط الوحدة الموجودة بين المؤمنين والإتفاق والامتزاج وهي مؤسسة بفضل تجليات أسماء الله الحسنى.
ويشرح الأستاذ الترابط قائلا: "إن خالقكما واحد، ومالككما واحد، معبودكما واحد، رازقكما واحد... وهكذا واحد واحد إلى أن تبلغ الألف، ثم إن نبيكما واحد، دينكما واحد، قبلتكما واحدة، وهكذا واحد واحد إلى أن تبلغ المائة.
ثم إنكما تعيشان معا في قرية واحدة، تحت ظل دولة واحدة في بلاد واحدة... وهكذا واحد واحد إلى أن تبلغ العشرة."18
كل هذه الروابط سلاسل معنوية تستطيع ربط الكائنات والعوالم بعضها ببعض، تستمد نبعها من القرآن وتستثار بالانفعالات المقدسة للحمية الدينية فهي علاقات وأواصر تتحد وتتماسك وتتكامل ضمن روح الدعوة.
4- العجز والفقر والشفقة والتفكر:
يتأسس مسلك رسائل النور على أسس أربعة (العجز، والفقر، والشفقة، والتفكر)، وهو أقصر طريق للوصول إلى الله وأسلمه وأمضاه، وفق ما استخرجه الأستاذ من القرآن الكريم.
فالمؤمن يرقى ويسمو بقدر إدراكه عجزه بين يدي الله وفقره إليه، يوصله العجز عن طريق العبادة إلى اسم المحبوب، ويوصله الفقر إلى اسم الرحيم. وعندما يسلك المؤمن طريق استعمال واستغلال فقره وعجزه فإنه يصبح مرآة لتجلي الصمدانية، يؤكّد هذه المعاني قول الأستاذ: "ولا يذهبن بكم سوء الفهم إلى الخطأ. فالمقصود بالعجز والفقر والتقصير إنما هو إظهار ذلك أمام الله سبحانه وليس إظهاره أمام الناس".19
إن ربع سلوك رسائل النور شفقة. الشفقة مثل الحب والعشق (بل ربما أكثر منهما) طريق واسع ومؤثر. فطريق الشفقة هو طريق الرحمة، وقدّ تمثّلها الأستاذ أحسن تمثّل، فقال: "يقولون لي: لم تعرضت لفلان ولعلان؟ إنهم لا يدركون… إن أمامي حريقا هائلا يصل لهيبها إلى السماء ويحترق فيها أولادي، ويحترق فيها إيماني. وأنا أهب لإطفاء هذا الحريق ولإنقاذ إيماني، فإذا تعثرت رجلي بشخص يحاول منعي عن ذلك فما أهمية ذلك؟ وماذا تعني هذه الحادثة الصغيرة أمام هذا الحريق الهائل المرعب؟ آه من التفكير الضيق ومن النظرة الضيقة".20
والتفكير هو الأساس الرابع في مسالك رسائل النور، لهذا تجد رسائل النور غنية بالتفكير الشامل والتأمل العميق، ففيها سباحة في أعماق الأسرار الإلهية باستخدام خريطة الحقيقة الإنسانية وبمطالعة مرآة الماهية الإنسانية بوجدان مذعن للحق وبإيمان تحقيقي سمته الاطمئنان، من خلال قراءة ومطالعة كتاب الكائنات بابا بابا وصفحة صفحة وسطرا سطرا باسم الله وعلى ضوء الأسماء الحسنى لله.
5- الثبات بصدق:
إن الثبات والاستمرار في أداء الخدمة الإيمانية حتى الموت ومهما كانت الظروف والأحوال ودون خوف أو تراجع، والإيمان بالدساتير الموجودة في رسائل النور والمحافظة على العزة والكرامة الإسلامية وإظهار الوفاء والإخلاص والصدق لدعوة القرآن من أسس النجاح كما أكّدته رسائل النور.
والصدق عند بديع الزمان كان من نوع الصدق الصديقي،21 تستشف هذه المعاني من قوله: "لو كنت أملك رؤوسا بعدد شعرات رأسي، وبدأ كل يوم بنزع رأس من رؤوسي لما تخليت عن الخدمة الإيمانية.. لو حولتم الدنيا إلى نار تصبونها على رأسي لما أحنيت هذا الرأس -الذي وضعته فداء للحقيقة القرآنية- أمام الزنادقة".22
6- الشوق المطلق والشكر المطلق:
الشكر لازم للمؤمن الصالح في كلّ حال وفي جميع الأوقات وفق ما قررته رسائل النور، والشكر هو ثمرة شجرة الخلق و "مقياس الشكر هو القناعة، والإقتصاد، والرضى، والامتنان. أما مقياس عدم الشكر والاستغناء عنه هو الحرص، والإسراف، وعدم التقدير والاحترام وتناول كل ما هب ودب دون تمييز بين الحلال والحرام".23
ومن عاش بالشكر والشوق المطلقين لا يستبد به اليأس ذلك أنّ "اليأس يمنع كل نوع من أنواع الكمال، والذي فرق العالم الإسلامي ومزقه تمزيقا هو اليأس، فاليأس هو أفظع داء يصيب الأمم والشعوب فهو سرطان الأمم".24
وسيرة الأستاذ غنية بطرد اليأس حتى في ظل الظروف المظلمة المرعبة والأحكام القاسية التي صدرت في حقه ظلما وعدوانا، والتي رُمِي بسببها بالخيانة وحكم عليه بالإعدام، وبالرغم من كلّ ذلك لم ينحن بل حافظ على عزمه، وبذر بذور الأمل في كل مكان ذهب إليه مثيرا الهمم وملهبا الحماسة والشوق للدعوة.
قال بديع الزمان: "أجل كونوا مفعمين بالأمل. ففي الانقلابات المستقبلية سيكون أعلى صوت هو صوت الإسلام."25
المحور الثالث: طرق تنفيذ الخدمة في رسائل النور.
1- أن يتحول المؤمن إلى مرآة للقرآن العظيم:
الأصل أن يكون المؤمن مرآة للقرآن الكريم، وقد حرصت رسائل النور على التعريف بهذه المعاني والدعوة للالتزام بها، وتؤكّد على أنّ الأصل في الكتب الموضوعة والمؤلفات المكتوبة أن تعكس بشكل جيد قدسية المصدر والمنبع وهو القرآن الكريم، لهذا ينتظر منها أن تكون مرآة للقرآن، تبرز القرآن وتظهره أمام الأنظار، فإن أصبحت الكتب وكيلة أو ظلا غابت قدسية المصدر، ذلك لأن الذي يدعو الجمهور إلى الامتثال والطاعة هو قدسية المصدر أكثر من الأدلة والبراهين.
قال الأستاذ: "عندما ينظر امرؤ إلى كتاب ابن حجر فإنه ينظر إليه بقصد فهم القرآن ومعرفة ما يقوله وليس من أجل معرفة ما يقوله ابن حجر".26
فلو وجهت الأنظار بهذا الشكل إلى القرآن وتمت الإشارة في الضرورات الدينية إلى القرآن لأدى هذا إلى إيقاظ أكثر للضمائر ولزادت أشواق الأرواح إلى الحقائق، ولقامت قدسية القرآن وجاذبيته بهز الضمائر ولأثرت الحقائق على النفوس بواسطة الإيمان، وهكذا تزداد حاكمية القرآن ونفوذه بكل معنى الكلمة على النفوس بصورة مباشرة، لهذا "يجب أن تعطى الدروس القرآنية بشكل لا تكون آلة لشيء، لكي يمكن كسر الكفر المطلق والضلالة المتمردة العنيدة، ولكي يعطى الإقناع القطعي للجميع. ولا يتم هذا الإقناع في هذا الزمن وفي ظل هذه الظروف إلا عند حصول القناعة بأن الدين لم يجعل آلة لأي غرض دنيوي أو أخروي أو شخصي، ماديا أو معنويا."27
2- تجديد علم العقيدة:
تمّ في رسائل النور شرح الحقائق القرآنية بلغة العلم كما يستوعبه أهل الزمان، فكان درسا منطقيا يضرب الأمثال ويسلك التمثيل لأجل تقريب الحقائق للعقل المعاصر، فاتبعت رسائل النور طريقة "موسى" عليه السلام الذي كان يجد الماء بعصاه في كل مكان، فأينما ضربه انفجرت عنده عيون الماء الزلال الذي جعل الله تعالى منه كل شيء حي.
وبهذا فـ "إن رسائل النور لا تقوم بإعطاء الدروس مثل العلماء الآخرين، إذ لا تعتمد فقط على أرجل العقل ونظره، ولا مثل الأولياء الذين يتحركون بالكشف القلبي وأذواق القلب. ولكن هذه الرسائل تتحرك باتحاد العقل والقلب وامتزاجهما وبتعاون الروح وسائر اللطائف الأخرى. فتطير إلى الأوج الأعلى وتصل إلى ذرى لا تصل إليها قدم الفلسفة، بل لا يستطيع حتى نظرها الوصول إليها وتستطيع إظهار هذه الحقائق الإيمانية حتى للعيون العمياء".28
3- تأسيس شخصية معنوية.
يرى بديع الزمان أن أي شخص -مهما كانت مرتبته المعنوية كبيرة- لا يستطيع النجاح في إزالة الوساوس الصادرة من الكفر ومن الضلالة ومن الإلحاد الناتج من فكرة الجمعيات السرية التآمرية إزالة تامة. لذا يجب وضع شخصية معنوية تجاه الشخصية المعنوية للإلحاد. ورسائل النور أصبحت شخصية معنوية بعد أن نجحت في جلب ملايين الناس إليها. وهذه الشخصية المعنوية لا تحمل سمة السياسة أو الجمعيات السرية المسلحة التآمرية، ولا سمة الجمعيات الاعتيادية، ولا سمة الفكرة القومية أو المحلية ولا سمة فكرة شخصية. بل هي عبارة عن أفراد تجمعوا وتحلقوا حول رسائل النور التي هي تفسير معنوي وتفسير حقيقي للقرآن يريدون ارتشاف الحكمة والمعرفة منها، وهذه الشخصية المعنوية لا تعني جمعية علنية أو سرية بالمفهوم الاجتماعي والسياسي، بل تعني ربما "وحدة قلبية" نابعة عن علاقات وجدانية وعاطفية أو "انتسابا للقرآن".
لقد جمعت الشخصية المعنوية لرسائل النور أشخاصا من مستويات متعددة في صعيد واحد، والخدمات التي تقدمها حلقات الحقيقة المتداخلة بعضها في بعض والممتدة من المركز نحو المحيط، والتي تعبر عنها بتعابير"الطالب -الأخ- الصديق" لها وجوه متعددة، وتهدف جميعا إلى إيصال حقائق القرآن وإلى كل جبهات الحياة الاجتماعية المختلفة بصورة صادقة ومخلصة، ومع أن أساس سلوك رسائل النور أساس واحد، إلا أن المظاهر المختلفة لهذه النشاطات تتعلق بالميل النفسي وليس بالأساس. أي أن رسائل النور لا تنشئ أناسا ذوي بعد واحد، أو أناس في قالب معين فقط. فلكونها مظهرا لـ "الإسم الجامع" فإن كل شخص يأخذ من معرفتها الكلية وحكمتها وحقيقتها وإطار فكرها حسب قابليته وميله، يساعد فهم هذه المشارب على وضوح الحقائق النسبية وحضورها، وإذا جاز التعبير فإن الشخصية المعنوية لرسائل النور ليست بستانا فيه نوع واحد من الفواكه بل هي حديقة بستان واسعة تحتوي على أشجار متنوعة وعلى أثمار وفواكه متعددة وعلى ورود وزهور عديدة تنمو كلها في أطيب مناخ وأحلاه وضمن تكاملها فإن هذه تظهر بشكل "جميل" و"أجمل" و "الأجمل".
4- طريقة رسائل النور هي العمل الإيجابي:
كان "التصرف الإيجابي" آخر ما تحدّث فيه بديع الزمان سعيد النورسي، وبهذا الصدد قال (رحمه الله): "إن واجبنا هو العمل بشكل إيجابي وليس بشكل سلبي أي إيفاء الخدمة الإيمانية لتحصيل الرضا الإلهي دون التدخل في الوظيفة الإلهية. ونحن مكلفون بالصبر تجاه كل الظروف الصعبة وبالشكر وبالعمل الإيجابي الذي يحافظ على الأمن وعلى الاستقرار."29
وقال أيضا: "لقد بذلت كل ما في وسعي من جهد طوال حياتي للمحافظة على الأمن إذ يجب ألا تستعمل القوة في الداخل بل نحو الاعتداء الخارجي. وظيفتنا هي مد يد المساعدة للمحافظة على الأمن الداخلي بكل ما نملك من قوة. إن أكبر شرط من شروط الجهاد المعنوي هو عدم التدخل في الوظيفة الإلهية، فوظيفتنا نحن أداء الخدمة، أما النتيجة فتعود إلى الله سبحانه وتعالى ونحن مكلفون ومجبرون على أداء وظيفتنا."30
وبهذا أسس الأستاذ للبعد عن كلّ عمل أو نشاط يؤدي إلى إثارة أهالي البلد بعضهم ضد بعض، أو عمل يفضي إلى انحياز لجهة على حساب أخرى، والأكثر من ذلك كلّه هي الإصرار على دفع والابتعاد عن كلّ ما يمس الأمن والاستقرار والهدوء. وبهذا أوصى تلاميذه وطلابه.
وللعمل الإيجابي أسباب حيوية، ذلك أنّ الحياة الاجتماعية إن كدر ماؤها، فإن إعادة السكون والاستقرار إليها تحتاج إلى مدة طويلة من الزمن، وتتطلب همة كبيرة وجهودا مكثفة.
والبنية الاجتماعية إن اهتزت بعوامل الاستبداد أو الإرهاب والفوضى، فلا يمكن أداء الخدمة فيها بشكل مستمر وصحي ومؤثر.
ولكي يتم نقش الحقائق القرآنية في القلوب والعقول فإن الهدوء الاجتماعي شيء ضروري ولازم فإن تم تناول الأمور تحت سيل (التهيج -إستعمال القوة الجسدية- الانحياز) وليس في جو (العقل- المنطق - موازنة الأدلة) زادت التناقضات واشتدت وارتفع الضغط الإجتماعي، وساد الإضطراب الشديد، فيضيع الاستقرار والهدوء الداخلي وينفرط العقد الاجتماعي. وهو جو مثالي لشيوع الفوضى والاستبداد والإرهاب، وأساس دفع هذه الأوبئة العمل بحركة إيجابية.
5- تجرد رسائل النور عن السياسة:
من اللافت للنظر والداعي إلى التفكير تجرد سعيد الجديد عن السياسة، لهذا يحق لنا التساؤل عن أسباب ابتعاد الأستاذ عن تشكيل حزب وأنموذج سياسي؟ ولماذا حصر كل همه وجهوده في خدمة القرآن؟ رتبت جواب السؤال في شكل مواد موجزة بعد القيام بمسح شامل لرسائل النور.
أ- يرى بديع الزمان أنه عندما يتم تقييم الحوادث الإجتماعية يجب أن يكون التشخيص تاما وذو متانة وصحة. وانتهى به تشخيصه الموجز إلى ما يأتي:
"إن الحياة البشرية ما هي إلا كركب وقافلة تمضي، ولقد رأيت بنور القرآن الكريم في هذا الزمان، إن طريق تلك القافلة الماضية أدت بهم إلى مستنقع آسن، فالبشرية تعثر في سيرها فهي لا تكاد تقوم حتى تقع في أوحال منتنة.
ولكن قسما منها يمضي في طريق آمنة، وقسم آخر قد وجد بعض الوسائل لتنجيه -قدر المستطاع- من الوحل والمستنقع. وقسم آخر وهم الأغلبية يمضون وسط ظلام دامس في ذلك المستنقع الموحل المتسخ. فالعشرون بالمائة من هؤلاء يلطخون وجوههم وأعينهم بذلك الوحل القذر ظنا منهم أنه المسك والعنبر، بسبب سكرهم. فتارة يقومون وأخرى يقعون وهكذا يمضون حتى يغرقون. أما الثمانون من المائة فهم يعلمون حقيقة المستنقع ويتحسسون عفونته وقذارته إلا أنهم حائرون، إذ يعجزون عن رؤية الطريق الآمنة.
ومن الصعب إثارة القلوب بمطرقة السياسة. ثم إن إيفاء الخدمة في زمن عاصف يكون صعبا، فإن تكسرت هذه المطرقة لسبب من الأسباب طار حتى النور. (أو انطفأ). لذا يجب ترك تلك الناحية، والالتفات إلى أهم وألزم وأسلم ناحية وهي ناحية الخدمة الإيمانية".31
ب- رسائل النور دروس قرآنية تهدف إلى نيل الرضى الإلهي، ولا يمكن أن نكون متحيزين ضد أي شخص يأتي إلى درس الإيمان مهما كان هذا الشخص فلا نميز في الدرس الإيماني بين صديق وعدو، بينما التحيز الموجود في السياسة يقضي على هذا المعنى ويختل معنى الإخلاص.
ج- هناك دوائر وحلقات للقلب والمعدة والبدن بعضها وسط بعض بدءاً من الأسرة إلى المحلة إلى المدينة إلى البلد إلى الكرة الأرضية والنوع البشري، ففي كل دائرة قد يكون هناك نوع من الوظيفة لكل إنسان، ولكن أكبر وظيفة وأهمها وأكثرها دواما توجد في أصغر دائرة وهي دائرة القلب، وقد توجد الوظيفة الصغيرة والمؤقتة والتي لا تحتاج إليها إلا من وقت إلى آخر في أكبر دائرة. ولكن الدائرة الكبيرة تكون أكثر جاذبية، "وبجاذبيتها هذه تجذب إليها الفضوليين وتشغلهم بها. وتجعلهم ينسون الوظيفة الحقيقية والوظيفة الكبرى، وتعطي دافعا للتحيز ولا ترى بأسا في ظلم الظالمين فتكون بذلك شريكا في الظلم".32
إن أوسع مجال ودائرة تكون سببا في الغفلة وفي الانشغال بالدنيا والغرق فيها وفي نسيان الآخرة هي دائرة السياسة. فمن الصعب على الشخص السياسي المحافظة على الإخلاص وعلى الصفاء وعلى نقاء القلب، فتجاه الحوادث وفي أثناء غمار النضال هناك حاجة ماسة إلى إيمان بوضوح الشمس لكي لا يختنق الإنسان بهذه الحوادث لذا:
"إن السياسي لا يكون -في الأغلب- متدينا ومتقيا تمام التقوى، كما أن المسلمين والمتقين الحقيقيين لا يكونون ساسة. والشخص المتدين الذي يعرف أن الغاية الكبرى للكائنات كلها هي عبودية الإنسان لله، لذا فإنه لا يتعلق بالسياسة تعلق العاشق، بل يمكن أن يهتم بها بدرجة ثانية أو ثالثة وفي سبيل جعلها وسيلة لخدمة الدين وخدمة الحقيقة".33
د- "وحمدا لله فإنني بسبب تجردي عن التيارات السياسية لم أبخس قيمة حقائق القرآن التي هي أثمن من الألماس ولم أجعلها بتفاهة قطع زجاجية بتهمة الدعاية السياسية. بل تزيد قيمة تلك الجواهر القرآنية على مر الأيام وتتألق أكثر أمام أنظار كل طائفة".34
هـ- إن الساحة السياسية ساحة ملوثة بالأمراض السارية، وتشبه الأنفلونزا تجعل الفكر يهذي... وهي تفرق ما بين المسلمين، فتجعل الشخص عدوا لأخيه المؤمن ولو كان طيبا كالملاك لمجرد أنه يختلف عنه في النظرة السياسية، ويحتج عليه ويكون محبا لصديق سياسة ولو كان كالخناس ويكون مناصرا له حتى في الظلم ويشترك معه من الناحية المعنوية في جرائمه.
وفي الواقع العملي يكون السياسي في الغالب مخلا بالعدالة والحق وبأسسهما، ويتخذ التحيز السياسي أساسا فتختل بسببها الروابط الاجتماعية.
و- في الحوادث السياسية "لسنا متحركين ذاتيا، بل نتحرك بالواسطة. فأوربا تنفخ ونحن نرقص هنا".35
فمنبع الحوادث السياسية ومصدرها ومواضع صنعها هو الغرب، لذا فهناك احتمال الإشتراك بعلم أو دون علم بالأعمال القذرة وبمناورات الغرب وألاعيبه. والذين ينحرفون في تلك التيارات تكون أعمالهم لحساب القوى الخارجية لأن إرادتهم لا تأثير لها وكون نياتهم خالصة لا تفيد شيئا.
ز- لا يؤيد بديع الزمان الانشغال بالسياسة من الناحية النفسية أيضا للفرد... ذلك لأن الذين يتعلقون بالسياسة والنظر إليها من زاوية متحيزة يجعلون أرواحهم غبية وعقولهم منتكسة.
والسياسة في هذه الأيام تفسد القلوب وتجعل النفوس العصبية في عذاب دائم. فمن كان يرغب في قلب مستريح ونفس مرتاحة فعليه الابتعاد عن السياسة.
ط- إن للخدمة القرآنية منزلة أسمى من جميع السياسات، ولا تستطيع هذه الخدمة النزول إلى مستوى السياسة الدنيوية التي صبغتها -في الأعم الأغلب- هي الكذب، وبالنسبة إلينا فإنه تكفينا الأذواق المعنوية والأنوار الإيمانية.36
6- قوة رسائل النور أصلية:
إن الخدمات التي لا تأسر القلوب ولا تشغل الأرواح مهما بدت كبيرة في المظهر الخارجي، فإنها -من منطلق الحقيقة- تشبه النار المشتعلة في القش، لا تملك دواما ولا تأثيرا، إن فعالية ونشاط رسائل النور هو في سبيل أسمى معنى، فلكونها تأخذ "العقل، القلب، الروح" أساسا فهي لا تهتم بإطلاق الشعارات، بل تهتم بالحياة الواقعية، ووسيلتها ليست الهدم والتمزيق واستعمال القوة العمياء والسلاح، بل وسيلتها عشق الحقيقة والإرشاد القلبي، فليست هي دون غاية أو هدف أو نظام. وفعاليتها تساعد على استتباب الأمن والاستقرار والهدوء، وتقف في وجه الفتن والهدم الاجتماعي والاضطرابات والهزات ولا تعطي لها فرصة، وهذه الفعالية تحاول بالرفق واللين وبمشاعر الرحمة والشفقة معالجة دواليب المجتمع التي أصابها الخلل والفساد.
وتتميز فعاليتها بأنها تقوم بنقش الحقائق في النفوس، وبالنفاذ إلى أعماق القلوب لتثير أرق المشاعر ولتوسع الاستعدادات السامية.
7- طريقة تعليم وتربية رسائل النور متكاملة:
أسست رسائل النور في طول البلاد وعرضها ورشة تربية دائمية، وقلبت سطح الوطن إلى مدرسة وإلى مؤسسة معرفة، إن رسائل النور تقرأ الآن بكل شوق داخل البلد وخارجه من قبل جميع الأعمار بدءاً من الأطفال إلى الشيوخ قراءة مستمرة. إن اجتماع العديد من الناس-قد يبلغ عددهم الملايين- حول دروس وحقائق رسائل النور في سبيل الله، دون وجود أي إكراه ودون وجود أية روابط فيما بينهم، وتوحدهم حول هذه الحقائق يعد خدمة قرآنية كبيرة وحادثة مهمة. فلم يحدث في تاريخ الإسلام أن اجتمع كل هذا العدد من الناس حول كتاب مؤلف. ولما كانت رسائل النور تجليا لسلوك الصحابة في هذا العصر فإن نظام التربية عندها انعكاس لأنموذج "دار الأرقم" في عصر النبوة. إن طريقة التربية برسائل النور وتعليمها يعطي أهمية كبيرة لتربية المؤمنين -ولاسيما أجيال الشباب- تربية قرآنية. ويركز هدفها التربوي على الكيفية أكثر من الكمية.، لهذا تجدها متميّزة بما يأتي:
8- لا تطلب أجراً ولا أجرة عند إيفاء الخدمة:
تتبع رسائل النور الأنبياء في موضوع نشر الحق، أي أنها لا تطلب أجرا مقابل خدماتها، بل تنتظر أجرها من رب العالمين فهذه الدنيا عالم خدمة وليس عالم الأجر. وطريقة رسائل النور هذه بعيدة عن الرياء وعن المظاهر وعن حب التصفيق، فهي طريقة خالصة للخدمة، فاتخذت "تقديم الخدمة دون مظاهر"دستورا، فأنقذت العلم من أن يكون واسطة لجر المنافع فحافظت بذلك على عزة العلم وعلى كرامته.
خاتمة:
قال بديع الزمان سعيد النورسي: "إنني أؤكد لكم وأقسم على ذلك بأن قصدي من الثناء على رسائل النور هو تأييد حقائق القرآن وتأييد أركان الإيمان والبرهنة عليها ونشرها. إنني أحمد خالقي الرحيم مائة ألف حمد وشكر، لأنه لم يجعلني أعجب بنفسي، وأنه أراني كل تقصيرات نفسي وكل عيوبها فلم تبق هناك أية رغبة للسعي لجمع الإعجاب لهذه النفس الأمارة بالسوء."37
وعلى ضوء هذا البيان فقد حاولنا في هذا البحث استعراض الخدمات التي قدمها الأستاذ للقرآن وللإسلام، غير أن مدح هذا المجدد العلاّمة والثناء عليه لا يعد إسرافا كما أعتقد، ذلك لأنه كان تحت إمرة القرآن وتلميذا من تلاميذه.
ذلك لأنه مثّل امتدادا لدور لقمان الحكيم في عصره الذي شخص حيرته، وطبيب الإيمان ودلال القرآن وهو من الناحية المعنوية من أبرز أخصائي الزمان في الدعوة هدايات القرآن.
بديع الزمان هو طبيب زمانه الذي قدم من صيدلية القرآن أدوية لأمراض العصر.
بديع الزمان هو دلال القرآن الذي عمل على إحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلن عن قدسية القرآن.
بديع الزمان هو دليل زمانه الذي فتش عن الخلاص ووجده في القرآن، فجلب الأنظار إلى القرآن.
بديع الزمان هو ناشر نور القرآن الذي أخذ على عاتقه مسؤولية الدعوة القرآنية.
بديع الزمان هو معمار الإيمان الذي عالج الوجدان العام والقلب العام بالحكمة القرآنية.
بديع الزمان هو الجواد الأصيل الذي سبح في أعماق أسرار معرفة الله، وهو معرف بالقرآن، وهو في النهاية الأمل المنتظر للإسلام بعد الله.
لقد أرسى بديع الزمان مسلكه على أسس صلبة، فالطريق الذي اختطه طريق حكيم وملائم للفطرة، فقد بدأ بألزم شيء للإنسان، فدعا البشر إلى "التوحيد". وبعد أن جعل منتسبي طريقه يمرون من مراحل انتقاله في الفكر والقلب والروح، جعلهم يتجولون في الآفاق الرحبة للفكر والتأمل، فتشكلت منهم جماعة حصينة وكاملة، واستخدم الحكمة والكلمة اللينة واللسان العذب في تبليغ دعوته، ولم يلتفت أو يتهم أبدا بالأسلوب الخشن الحاد وبالأسلوب الهدام المخرب، واستمر في دعوته بصبر وجلد، وتحمل كل الآلام دون خوف ودون استسلام ودون التخلي عن أسلوبه الإيجابي في التصرف.
ونجح بديع الزمان النورسي في تأسيس جيش فدائي متماسك نقي وصميمي، وأنشأ شخصية معنوية قوية تشع نورا تجاه الشخصية المعنوية للكفر، وقد تطلع إلى المستقبل بأمل ولم يقع في اليأس.
عاش مثلما تحدث، وتحدث مثلما عاش، فتربع على عرش القلوب كحقيقة تعيش في الواقع، ففي سبيله وطريقته وطرازه وأسلوبه اتخذ الإنسان أساسا ورسم سبل الوصول إليه، واهتم كل الاهتمام بإنشاء هذا الإنسان وبكيفية صعوده مدارج الكمال.
وقد أصبح سعيد النورسي المنقذ المنتظر في عصره بإخلاصه التام وبتفكيره العميق وبتضحيته اللامحدودة وبتواضعه الكبير وبروحه المتألقة وشفقته الواسعة وشخصيته الكبيرة الخالية من الأنانية، وبخدماته الجليلة وبعبوديته الخالصة الخالية من حب المظاهر وبالتزامه المتين.
لقد عكس الأستاذ في القرن العشرين أنموذج عصر الصحابة، ونشر أسلوب دار الأرقم وأصحاب الصفة، فحرك الجماهير الجامدة، بمشاعر عشق الحقيقة، وجعل غاية الإسلام ومثله الأعلى، والغاية العلوية والمقدسة للدين فوق جميع المنافع الشخصية، وفوق جميع المآرب.
حافظ على العزة الدينية، وجعل الإخلاص والاستغناء عن الناس والتضحية والإقتصاد التام أسس قواعد حياته. وبمفهومه عن طراز الخدمة -الذي يبدأ من المركز ويتوجه نحو المحيط- فقد بدأ بشخصه وخاطب نفسه، ولم تقتصر طاقة خدماته في مكان معين أو زمان معين أو بيئة معينة.
بل داوم على أداء خدماته المخلصة في كل مكان وفي كل زمان وفي جميع الأحوال.
وخلاصة القول أن رسائل النور أخذت نورها من القرآن الحكيم مباشرة أي أنها أصبحت مثلما قال الشاعر:
إن التقدير الإلهي لا يمكن رده بقوة الذراع
وأن شمعة أوقدها الله لا تنطفئ بالنفخ
إن رسائل النور برسالتها الغنية وبفكرها المؤثر وبعلمها العميق تحمل بحق صفة "المعلم" ولكونها تزكي الأنفس وتطمئن القلوب وتهذب الأرواح فهي تحمل بحق صفة "المربي".
إن قراءة رسائل النور تجعل الإنسان ينسى الإنسان، إذ تحمله إلى أقاليم المعرفة وتعجنه بأسرار وبأنوار القرآن، وتصفي نفسه وتعيد تشكيله من جديد، وتربطه برسول الله وبالقرآن وبالله. وتجعله يطير في أنوار أسماء الله الحسنى ويتنزه في حدائق العشق والمحبة الإلهية.
لذا فإن العالم الإسلامي بأجمعه، والبشرية جمعاء في حاجة إلى مثل هذا التفسير للقرآن وإلى منظومة الحقائق هذه في بداية نقطة انطلاقها للهداية. وستزداد هذه الحاجة يوما بعد يوم وستحتفظ رسائل النور بشبابها وطراوتها ونصاعتها حتى يوم القيامة.
تم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
الهوامش:

1 أ.د. العربي بوسلهام: أستاذ الفكر والحضارة بكلية الآداب والعلوم الأساسية بالرباط.
2 النورسي، بديع الزمان سعيد، الكلمات، مقدمة رسالة المعجزات القرآنية –ص420، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، سوزلر، استانبول 1992. مقدمة رسالة المعجزات القرآنية، ص420.
3 بديع الزمان النورسي في مؤتمر عالمي حول تجديد الفكر الإسلامي، ترجمة أورخان محمد علي ص 117-165 الطبعة الأولى 1997 دار سوزلر للنشر.
4 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني ص 122...
5 النورسي، بديع الزمان سعيد، المكتوبات، ص 289، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، سوزلر، استانبول 1992.
6 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني ص 124.
7 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني ص 125...
8 الكلمات ص 419.
9 النورسي، بديع الزمان سعيد، الشعاعات، ص 562، ترجمة إحسان قاسم الصالحي. سوزلر، استانبول 1993. (بتصرف يسير).
10 بديع الزمان سعيد النورسي، السيرة الذاتية، ص: 242.
11 المكتوبات ص 542-544.
12 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني ص 130.
13 نفسه.
14 نفسه.
15 صيقل الإسلام -الخطبة الشامية - ص: 515.
16 اللمعات، اللمعة الحادية والعشرون، ص: 245.
17 المكتوبات، المكتوب الثاني والعشرون، ص: 340.
18 المكتوبات ص 341.
19 السيرة الذاتية، ص: 177.
20 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني ص 138.
21 نسبة إلى ابي بكر الصديق رضي الله عنه.
22 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني ص 140.
23 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني.
24 صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 505.
25 صيقل الإسلام -السانحات- ص: 360 بتصرف.
26 صيقل الإسلام –السانحات- ص: 348.
27 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني.
28 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني.
29 السيرة الذاتية ص: 471.
30 السيرة الذاتية، ص: 469.
31 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني.
32 الملاحق-ملحق قسطموني- ص: 120.
33 الملاحق -ملحق أميرداغ- ص: 259.
34 الملاحق-ملحق أميرداغ- ص: 259.
35 صيقل الإسلام -السانحات- ص: 361.
36 بديع الزمان سعيد النورسي في مؤتمر عالمي- الثاني.
37 الملاحق-ملحق أميرداغ- ص: 263.

Yıl 2012, Sayı: 5, - , 01.06.2012

Öz

Toplam 0 adet kaynakça vardır.

Ayrıntılar

Birincil Dil Arapça
Bölüm ARTICLES
Yazarlar

أ.د. العربي بوسلهام Bu kişi benim

Yayımlanma Tarihi 1 Haziran 2012
Yayımlandığı Sayı Yıl 2012 Sayı: 5

Kaynak Göster

APA بوسلهام أ. ا. (2012). من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization(5).
AMA بوسلهام أا. من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. Haziran 2012;(5).
Chicago بوسلهام أ.د. العربي. “من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, sy. 5 (Haziran 2012).
EndNote بوسلهام أا (01 Haziran 2012) من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 5
IEEE بوسلهام أ. ا., “من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور”, النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, sy. 5, Haziran 2012.
ISNAD بوسلهام أ.د. العربي. “من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 5 (Haziran 2012).
JAMA بوسلهام أا. من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2012.
MLA بوسلهام أ.د. العربي. “من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, sy. 5, 2012.
Vancouver بوسلهام أا. من الأسس الفكرية والحضارية في رسائل النور. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2012(5).