منهجيّة الاهتمام بعبادة التّعمير، سؤال استعادة الأمة وظيفة الشهادة عند الأستاذ النورسي
أ. عبد الرحمن طيبي1
مدخل
يكفي فقط حمل همّ المحاولة.. محاولة المرور على شريط حياة الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي (1876-1960م) لاستذكار المعطيات الزمانية والمكانية التي سبقت لحظة ميلاده، وواكبتها، بل وتلك التي رافقته إلى مماته، فجعله الله عاملا مهما من عوامل تجاوز الأمة نكباتها المعاصرة، ذلك أنّ الظروف التي واكبته في ضيقها وسعتها، دفعته إلى التعاطي الإيجابي مع مسائل الكون والوجود، فكان بمثابة درس استئناف عملي للتعامل مع معطيات الزمان والمكان بتعقيداتها النظرية والعملية، وفي الوقت نفسه كان درسا يمشي على الأرض في تثبيت الأمة على ميراثها، وأوّل الطريق الإقرار الواقعي بالحال التي وصلته الأمة في تخلّفها مشرقا ومغربا، فهي بالرغم من شساعة المكان (الممتد من الماء إلى الماء) أي من طنجة إلى جاكرتا على قول المفكر الجزائري المسلم مالك بن نبي (رحمه الله)،2 وبالرغم من النور المستمد من قيمها الخالدة المنبثقة عن الإسلام، إلا أنّها حرمت نفسها، والإنسانية جمَعاء من العيش في ظلال هذه القيم الرفيعة، ولم يكن التقصير أو القصور خاصا بفئة دون أخرى، بل تتحمّل الأمة بكلّ مكوناتها تبعات التخلّف عن صناعة وعي إنساني وتحريكه وفق ما ينفع الإنسانية في حاضرها ومستقبلها، فهي في وضع تعيس لا يسرّ3 وفق ما قرر كثير من أهل الفكر والذكر وعلى رأسهم الأستاذ بديع الزمان النورسي (رحمه الله).
كان للظروف الحضارية والتربوية والاجتماعية فضلا عن السياسية -المأساوية بكل معنى الكلمة- التي عاصرها الأستاذ بديع الزمان، أثر كبير في بروز جهوده بوصفها نقطة انعطاف في منحى سير الأمة الإسلامية، بل الإنسانية جمعاء، فبذل الأستاذ كل غال ونفيس لأجل استعادة الأمة إشعاعها على نفسها ثم على الإنسانية، وحاول جهده المساهمة في استعادة الأمة قيمتها وإشعاعها على الكون كلّه، والإنسان دوره في الحياة، مؤسسا تشخيصه للخلل وتقديمه للعلاج على ما جاء به الوحي الشريف،4 فدقق الرجل في معرفة أسئلة الراهن، واقتراح الحلول العملية، إنقاذا للإيمان باعتباره مبدأً مركزيا في كل نهضة محتملة، فكانت رسائل النور مصدرا مهما في السعي نحو استعادة الأمة دورها الحضاري الطلائعي المنشود، مستنبطا هذه المعاني من القرآن الكريم، منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾،البقرة:30 قال فخر الدين الرازي (ت 606 هـ): "الخليفة من يخلف غيره ويقوم مقامه... والخليفة اسم يصلح للواحد وللجمع، كما يصلح للذكر والأنثى..."5 استثمر الأستاذ هذه المعاني وربط الآية بما قبلها وما بعدها، مؤكّدا أنّ البشر خليفة الأرض وحاكمها، قال الأستاذ بديع الزمان: "إنه لما كانت هذه الآيات في تعداد النعم العظام، وأشارت الأولى إلى أعظمها -من كون البشر نتيجة للخلقة وكون جميع ما في الأرض مسخراً له يتصرف فيها على ما يشاء- أشارت هذه إلى أن البشر خليفة الأرض وحاكمها"،6 فما بالك إذا كانت الأمة صاحبة الكتاب الذي حوى الآية السابقة أمة سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين "لأن المضاف إلى المعرفة معرفة بجهة والمنسوب إلى الشريف يتشرف"،7 "(لأن المضاف إلى المعرفة) أي لأننا قد خُصصنا بالإضافة والانتساب إلى خير الرسل ذي الشهرة والمعرفة. والتخصيص بالإضافة إلى المعرفة وإن لم يكن معّرفاً للنكرة حقيقة، لكن يقربها إلى المعرفة ويشّرفها بها. نعم، لتلك الإضافة والانتساب صرنا خير أمة أخرجت للناس. والمنسوب إلى الشريف شريف"،8 ولا يمكن لمن نُسِب إلى الشريف أن يكون شريفا إلا بالعمل بما كان به الشريف شريفا، ورأس ما تنال به تلك الرتبة، القيام بوظيفة الشهادة، فسؤال الشهادة أهم مدخل لاستعادة الأمة وظيفتها الحضارية المؤسسة على هدايات القرآن الكريم والسنة المطهّرة.
1- سؤال الشهادة:
مما لا شك فيه أنّ دارس وممحص الخبرة المعرفية التي ورّثها الأستاذ بديع الزمان يدرك بجلاء القضية المركزية التي شغلته والهم المحوري الذي امتلك عليه أنفاسه، كان رحمه الله مسكونا بالعمل على استعادة مجد هذه الأمة، والذي لن يكون إلا بتحقيقها الشهادة على الناس، كما كان متحققا في أول أمر هذه الأمة، لأن فعل إنقاذ الإيمان مقدمة لاستعادة دور الإنسان المسؤول المتحمل لأمانة التكليف في هذا الوجود، يقول الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾،البقرة:143 ويذكر الأستاذ بديع الزمان متسائلا في هذا المضمار بمعاني تنضح بالشعور بمرارة الوضع، وتؤرخ للبون الكبير بين واقع التديّن والأنموذج المطلوب، كما كانت رسائله في الوقت نفسه غنية بأمل الاستدراك، قال الأستاذ: "فيا ترى هل يقبل عقل بأن يُترك هذا الإنسان الذي أصبح مكرّماً بالخلافة والأمانة، والذي ارتقى إلى مرتبة القائد والشاهد على المخلوقات، بتدخله في شؤون عبادة أغلب المخلوقات وتسبيحاته بإعلانه الوحدانية في ميادين المخلوقات الكثيرة وشهوده شؤون الربوبية الكلية... فهل يمكن أن يُترك هذا الإنسان، يذهب إلى القبر لينام هادئاً دون أن ينبّه ليُسأل عن كل صغيرة وكبيرة... كلاّ ثم كلاّ!"9
بيّن مما سلف تقريره أنّ عبارات الأستاذ غنية بالتذكير بوظيفة الشهادة، وتجاوز في العناية بها مستوى العبارة، فكانت نصوص رسائل النور طافحة بالإشارات إلى تجسيد مهمة الشهادة، فماذا قدّم الأستاذ بديع الزمان النورسي على مستوى الإشارة لاستعادة الإنسان المسلم وظيفة الشهادة القرآنية المتضمنة لمعاني التكريم بالخلافة وتحمل الأمانة لنيل الاستحقاق؟
وقبل الاسترسال حري بنا التنبيه إلى مقصدية لفظ "السؤال"10 في عنوان هذا البحث.
يعبر "السؤال" عن قلق وحيرة منهجيتين، مستمدة من الاستجابة المدروسة من الأستاذ بديع الزمان لأسئلة الراهن، والتي استدعت منه البحث عن الحلول الممكنة والمثلى لها، والتي تنتهي باجتماعها عند سؤال استعادة مرتبة الشهادة، عبر العودة بالأمة إلى سابق عهدها في الريادة على الأمم الأخرى بتحققها وتحقيقها لمفهوم الخيرية في ظلال أستاذية القرآن الكريم، وتكفي إطلالة سريعة على عدد مرات ورود لفظ "السؤال" مجردا دون تثنية أو جمع في صفحات كليات رسائل النور، ليتبين لنا ذلك الزخم الهائل منه في عدة مقامات، مقام التعليم والتوجيه، ومقام الرد والمنافحة، ومقام التقرير والإثبات، ومقام الاستنكار والإبطال وغيرها من المقامات، فعلى سبيل المثال فقط لا الحصر، ورد ذكره على اللفظ السابق أكثر من 63 مرة في الكلمات،11 وأكثر من 90 مرة في المكتوبات،12 ونفس الأمر يتكرر مع باقي الأسفار المكونة لكليات رسائل النور، والقضية ليست إحصائيات جافة، بل نستمد منها أهمية الشهادة في التأسيس للبعث الحضاري المنشود، أوّلها أنّ العمل على إنقاذ الإيمان يقوم على استعادة وظيفة الشهادة.
أ- بوابة إنقاذ الإيمان والعلاقة بالشهود:
يفرض بيان العلاقة القوية بين إنقاذ الإيمان واستعادة وظيفة الشهادة، التنبيه إلى أن مقصود هذا البحث التركيز على إيحاءات الأفكار المركزية والإشكالات الكبرى التي كان الأستاذ بديع الزمان عنها يكتب وبها يعظ وينصح ويوجّه ويربي، والتي جمعت في مجموعته الموسومة برسائل النور، ومضامينها تؤكّد انسجامها مع العمل الجدي والاجتهاد المستمر لأجل استعادة الأمّة مرتبة الشهادة القرآنية.
تقيّدت في البحث بنوع من القراءة الموجهة وفق معطيات زمان ومكان الأستاذ بديع الزمان، معطيات عايشها، ومنها شخّص العلل التي أصابت الأمة في تدينها ودنياها، وبناء عليها اقترح الحلول المثلى لها، ونصوص الرجل ناطقة بالمعاني التي أشرنا إليها، فهي تؤرخ لسيرة رجل فذ، فقد مثّلت جهوده بحق منعطفا حاسما في تاريخ الأمة المسلمة، فقد خلخلت مساعيه الرتابة التي أصابت دافعية حركة الأمة بالخلل ثم بالعطل، كما أنّنا لا نعدم نصوصا أخرى، تنتهي بنا إلى المقصد نفسه عند استنطاقها، ويتجلى منها أنّ وظيفة الشهود القرآني لا مطمع في تحقيقها بغير إنقاذ الإيمان، يشهد لها قول الأستاذ بديع الزمان واصفا الحال ومشخصا الوضع ومبينا الحلول: "أيها التعساء! ماذا فعلت بكم، وما الذي أفعله بحقكم؟ إنني أسعى لإنقاذ إيمانكم وإبلاغكم السعادة الأبدية."13
وإنقاذ الإيمان لتحقيق السعادة الأبدية التي لا تتحقق دون استعادة مرتبة الشهادة، إيحاء قوي وتوجيه صارخ لذوي العقول والألباب إلى استيعاب عملية الإنقاذ، لأن السعادة الأبدية في أبجديات الأستاذ بديع الزمان لن تكون إلا عبر الاقتداء بأنموذج الإنسان الكامل المتمثل في أفضل البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، العامل المهم في معادلة الشهادة والمجسد لها أنموذجا حيا على البسيطة ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾،البقرة:143 قال الأستاذ بديع الزمان: "وحيث إنّ أشرف الموجودات هم ذوو الحياة، وأنبل الأحياء هم ذوو الشعور، وأكرم ذوي الشعور هم بنو آدم الحقيقيون الكاملون، لذا فالذي أدّى من بين بني الإنسان المكرم تلك الوظائف المذكورة آنفاً وأعطى حقها من الأداء في أفضل صورة وأعظم مرتبة من مراتب الأداء، لا ريب، أنه سيعرج - بالمعراج العظيم - فيكون قاب قوسين أو أدنى، وسيطرق باب السعادة الأبدية وسيفتح خزائن الرحمة الواسعة، وسيرى حقائق الإيمان الغيبية رؤية شهود، ومن ذا يكون غير ذلكم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ؟"14
وفي خضم المضامين الثقيلة التي تتضمنها عملية إنقاذ الإيمان –مع استصحاب فكرة استرجاع مرتبة الشهادة-، إحالة قوية من الأستاذ بديع الزمان إلى مضامين حضارية تتجلى في تحليل معادلة الإنقاذ:
ب- فعل الإنقاذ:
هو فعل التشخيص، فبالتوجيه إلى هذه الفكرة تنبيه قوي إلى عاملين أساسيين من عوامل البناء الحضاري هما الإنسان والزمن -فضلا عن عامل التراب أو المكان المتضمن فيهما- يتعرضهما الخطر الشديد، أو يكاد المقصود بعملية الإنقاذ يشارف على الهلاك، وبالتالي فعل الإنقاذ إقرار بحالة الخطر المعيشة، والتعطل عن أداء الدور المطلوب شرعا وعقلا، أي أنّ الحال، على وفق ما ذكر سابقا في مستهل البحث، لا يليق به إلا وصف التعاسة وعدم السرور، أو كما عبّر عنه أحد المفكرين الجزائريين بـ "الغثائية الحضارية المقرفة التي تطبع حياة الأمة"،15 أي بالملخص المفيد أن فعل الإنقاذ يستهدف الإنسان، ويسارع الزمن بالبحث عن الحلول والبدائل، "ليس زماننا زمن طريقة"16 لاستعادة الدور المطلوب، والفعالية المنشودة، والتي لنا منها الأنموذج الحي والمثال الواقع في إحدى لحظات الزمن السابق، وقد عبر عنها الأستاذ بديع الزمان بالتعاسة لما وصف الغافلين عن هذا الأمر بالتعساء،17 كما أن الإيحاء بالخطر يتضمن توجيها لطيفا إلى اشتراك قوى داخلية وأخرى خارجية في رعاية هذا الخطر وسقي عوده للقضاء على الإيمان بمشمولاته ودفعه إلى الإنسحاب من جميع مناحي الحياة، قال الأستاذ بديع الزمان: "إن الذي يواكب خيالاً زمن تأليف رسائل النور ونشرها يجد أن الأمة، أمة الإسلام تمر في أحلك فترات حياتها، حيث تجتاح سيول الظلمات، ظلمات الفتن العاتية أرجاء العالم الإسلامي كافة، وتغزو الشبهات والأفكار الباطلة العقول والقلوب من كل صوب، فأظلمت النفوس واختنقت الأرواح حتى انقطع الرجاء..."18
ج- وسائل الإنقاذ:
لا تختلف عن الوسائل التي كانت سببا في تحقيق مرتبة الشهادة للأمة في زمن سابق، قال الأستاذ بديع الزمان: "إن رسائل النور برهان للقرآن الكريم وهي لمعة براقة من لمعات إعجازه، ورشحة من رشحات ذلك البحر، وشعاع من تلك الشمس الملهمة من كنز العلم، وترجمة معنوية نابعة من فيوضاته"،19 وبالتالي تحقيق مرتبة الشهادة باستخدام وسائل الإنقاذ التي نبّه إليها الوحي لنكون الأمة الوسط20 كما جاء في الآية السابقة، ولا يتأتى ذلك إلا بالوحي، أو بالأحرى بالقرآن الكريم، قال الأستاذ بديع الزمان: "وإذا قيل كيف تعد رسائل النور تفسيرا للقرآن مع أنها لا تشبه التفاسير المتداولة، فالجواب أن التفسير نوعان: هما تفسير اللفظ والعبارة والجملة في الآية الكريمة، أو إثبات الحقائق الإيمانية للقرآن الكريم إثباتا مدعّما بالحجج الرصينة والبراهين الواضحة، وقد ثبت بشهادة ألوف من العلماء المحققين أن رسائل النور هي من القسم الثاني من التفسير، بل من أثمنه وأسطعه وأكمله وأكثره قيمة."21 فهو يخرج بها عن التفسير الكلاسيكي –إذا صح التعبير- والمعروف في غالب مدونات هذا العلم، إلى التفسير الهدائي المستصحب للبعد الكلي للوحي ممثلا في الكتاب والسنة، "هو الترجمة الأزلية لهذه الكائنات والترجمان الأبدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية، ومفسّر كتاب العالم... وكذا هو كشافٌ لمخفيات كنوز الأسماء المستترة في صحائف السموات والأرض... وكذا هو مفتاح لحقائق الشؤون المُضْمَرة في سطور الحادثات... وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة... وكذا هو خزينة المخاطبات الأزلية السبحانية والالتفاتات الأبدية الرحمانية… وكذا هو أساسٌ وهندسةٌ وشمسٌ لهذا العالم المعنوي الإسلامي... وكذا هو خريطة للعالم الأخروي... وكذا هو قولٌ شارحٌ وتفسير واضحٌ وبرهان قاطعٌ وترجمان ساطعٌ لذات الله وصفاته وأسمائه وشؤونه... وكذا هو مربٍّ للعالم الإنساني... وكالماء وكالضياء للإنسانية الكبرى التي هي الإسلامية... وكذا هو الحكمة الحقيقية لنوع البشر، وهو المرشد المهدي إلى ما خُلِقَ البشرُ له... وكذا هو للإنسان: كما أنه كتاب شريعة كذلك هو كتاب حكمة، وكما أنه كتاب دعاء وعبودية كذلك هو كتاب أمر ودعوة، وكما أنه كتاب ذكر كذلك هو كتاب فكر، وكما أنه كتاب واحد، لكن فيه كتب كثيرة في مقابلة جميع حاجات الإنسان المعنوية، كذلك هو كمنزل مقدسٍ مشحون بالكتب والرسائل. حتى إنه أبرز لمشرب كل واحدٍ من أهل المشارب المختلفة، ولمسلكِ كل واحدٍ من أهل المسالك المتباينة من الأولياء والصديقين ومن العرفاء والمحققين رسالةً لائقةً لمذاق ذلك المشرب وتنويره، ولمساق ذلك المسلك وتصويره حتى كأنه مجموعة الرسائل".22 إن إطلاق لفظ القرآن الكريم كثيرا ما يفيد في سياقات رسائل النور: القرآن والسنة الشريفة، وفي مرات يصلح أن تضاف إليها الخبرة المعرفية الإسلامية والإنسانية من المعارف والعلوم في مقام التأييد كما جاء في قوله السابق "مدعما بالحجج الرصينة والبراهين الواضحة" وغيرها من التصريحات في مواضع أخرى من رسائل النور، ولا يخفى في هذا المضمار إيحاء الهدائية إلى الدور الحقيقي للإنسان في هذا الوجود الذي لا يخرج عن تحمل مسؤولية أمانة التكليف للقيام بدور الخلافة والعمران، مع استحضار المعية الإلهية منطلقا ومصبا "ثم أجابوا إظهار ذلك الغني المطلق سبحانه ثروتَه التي لا تنفد ورحمته التي وسعت كل شيء، بالدعاء الملح والسؤال الجاد، بإظهار فقرهم وحاجتهم قائلين: إياك نستعين"23 لتحقيق الوسطية القرآنية الموصلة أو بالأحرى التي يترتب عنها استعادة مرتبة الشهادة، كما لمّح إلى ذلك في أقوال له سابقة مقيدة في بدايات هذه الورقة.
د - المنقِذ والمنقَذ:
المنقذ –بقاف مكسورة- إنسان مؤيد بنور الوحي، ومؤزر بالنماذج التاريخية المتحققة لسلف الأمة، ومدعم بمعارف التحكم وفقه استحقاقات اللحظة، ومسكون بهمّ استعادة المؤسسات المجتمعية ابتداء من الأسرة البسيطة كمكون أساسي لمسمى الأمة لدورها في صناعة الإنسان الرسالي، كما فعلها من قبل سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، قال الأستاذ بديع الزمان: "فهو إمام جميع المرسلين، وقرة عين كل الأصفياء، وسلطان جميع المرشدين، وزبدة كل المختارين والمقربين"24 والمنقذ –بقاف مفتوحة- إنسان مكبّل بأغلال الشهوات، ومقيد بنير الابتعاد عن الهدي الرباني، بالتخلي عن أداء دور الخلافة في الأرض وعمارتها، سواء إنسان الدائرة الإسلامية أو من يصنف خارجها، ولم يهنأ للأستاذ بديع الزمان بال بغير التذكير والنصح الدائبين المستمرين، فلم يفتر ما وسعته أيامه عن التذكير وفق هذا المنوال، منها قوله: "أتحسبون أن "مهمة حياتكم" محصورة في تلبية متطلبات النفس الأمارة بالسوء ورعايتها بوسائل الحضارة إشباعاً لشهوة البطن والفرج؟ أم تظنون أن الغاية من درج ما أُودع فيكم من لطائف معنوية رقيقة، وآلات وأعضاء حساسة، وجوارح وأجهزة بديعة، ومشاعر وحواس متجسسة، إنما هي لمجرد استعمالها لإشباع حاجات سفلية لرغبات النفس الدنيئة في هذه الحياة الفانية؟ حاشَى وكلا!!"25، ولا يليق في هذا المقام لتبيان تعدية العلاقة بين الأول والثاني غير استعمال الأول مع الثاني الأسلوب القرآني المتمثل في منهج التخلية والتحلية، قال الأستاذ: "إن أثر القرآن في كل هذا التقدم (الحضاري الإسلامي) لا ينكر، فالقرآن هو الذي دفع العرب إلى فتح العالم، ومكنهم من إنشاء إمبراطورية فاقت إمبراطورية الإسكندر الكبير، والإمبراطورية الرومانية سعة وقوة وعمرانا وحضارة."26
وكلّ ذلك قائم على التحقق بوظيفة الشهادة في النفس والروح والعقل وسائر الأعضاء، ثم السعي إلى القيام بمتطلبات الشهادة على الناس.
هـ - غايات الإنقاذ:
غايات الإنقاذ واضحة جلية كما عبّر عنها الأستاذ بديع الزمان في مواضع عديدة من كليات رسائل النور، خلاصتها الإنتقال من واقع التعاسة والتعساء إلى واقع السعادة والسعداء، فيصبح الإنسان قرآنا يمشي على الأرض "فإذا نظرتَ إلى ذلك القرآن الكريم ببصيرة قلب سليم، ترى أن جهاته الست ساطعة نيّرة، وشفافة رائقة، بحيث لا يمكن لظلمةٍ ولا لضلالة ولا لشبهة ولا لحيلة أيّاً كانت أن ترى لها شقاً وفرجة للدخول في رحابه المقدس قط، حيث إن عليه: شارة الإعجاز، تحته: البرهان والدليل، خلفه "نقطة استناده": الوحي الرباني المحض، أمامه: سعادة الدارين، يمينه: تصديق العقل باستنطاقه، شماله: تثبيت تسليم الوجدان باستشهاده. داخله: هداية رحمانية خالصة بالبداهة، فوقه: أنوار إيمانية خالصة بالمشاهدة. ثماره: الأصفياء والمحققون والأولياء والصديقون المتحلّون بكمالات الإنسانية بعين اليقين."27، ويفصلها في مكان آخر أنها طريق معرّفة بالواجب، ومن عرف ما يجب عليه أدى دوره "الكون الذي يراه الغافلون فضاء موحشاً بلا نهاية، وجمادات مضطربة بلا روح تتدحرج في دوامة الفراق والآلام، يبينه القرآن: كتاباً بليغاً، كتبه الأحد الصمد، ومدينة منسقة عمرها الرحمن الرحيم، ومعرضاً بديعاً أقامه الرب الكريم لإشهار مصنوعاته. فيبعث بهذا البيان حياة في تلك الجمادات، ويجعل بعضها يسعى لإمداد الآخر، وكل جزء يغيث الآخر ويعينه، كأنه يحاوره محاورة ودية صميمة، فكل شيء مسخر وكل شيء أنيط به وظيفة وواجب.. وهكذا يلقي القرآن دروس الحكمة الحقيقية والعلم المنور إلى الإنس والجن والملائكة كافة..."28
2. تجليات سؤال الشهادة:
وزيادة في توضيح هذا المسعى، مسعى إنقاذ الإيمان وعلاقته بالعمل على استعادة الأمة لوظيفة الشهادة على الأمم الأخرى، يتطلب المقام التطرق إلى تجليات سؤال الشهادة29 وفق مسلك الإشارة، وضمن أدبيات الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، والتي يمكن التطرق إلى بعضها فيما يأتي:
أ- مقصدية الخدمة:
كثيرا ما يوظّف الأستاذ بديع الزمان من غير ملل مفهوم خدمة الإيمان وخدمة القرآن، والتي تحمل مضامين التضحية، والهم المشترك من أجل الوصول إلى غايات معينة، حتى وصل به الأمر حدّ الاستعداد للتضحية بالجنة من أجل إسعاد الآخرين عبر إنقاذ إيمانهم، قرر هذه المعاني في قوله: "سعيت بكل ما أملك من قوة لتوفير خدمة إيمانية لأهل الإيمان، وربما كنت مستعداً لا للتضحية بالمراتب الدنيوية الفانية وحدها بل - إن لزم الأمر -بالتضحية حتى بالمراتب الأخروية الباقية لحياتي في الآخرة، مع أن الجميع يسعون للحصول على هذه المراتب، ويعلم أصدقائي المقربون بأنني- إن لزم الأمر أقبل ترك الجنة والدخول إلى جهنم من أجل أن أكون وسيلة لإنقاذ بعض المساكين من أهل الإيمان".30
هذه الخدمة التي لن تتحقق مضامينها دون السعي بإلحاح وجهد من أجل مقاربة مفهوم الرسالة المتجسدة في شخص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واستحضار مسار دعوته المليء بالمعاني والعبر، والتي جعلت من هذه الأمة في ظرف وجيز أمة شاهدة على الأمم، والخدمة التي عاش لها الأستاذ بديع الزمان وعايشها وكابدها، تصب في منحى استرجاع الإرث المعنوي والمادي لهذه الأمة من باب تبرئة الذمتين الشرعية والحضارية، قال الأستاذ: "وحيث إن الإيمان وسيلة الفوز بالحياة الأبدية ومفتاح السعادة الخالدة، فينبغي إذاً السعي لأجله. بيد أني عالم ديني، مكلف شرعاً بإفادة الناس، لذا أريد أن أخدمهم من هذه الناحية أيضاً. إلاّ أن هذه الخدمة تعود بالنفع إلى الحياة الاجتماعية والدنيوية، وهذه ما لا أقدر عليها، فضلاً عن أنه يتعذر القيام بعمل سليم صحيح في زمن عاصف، لذا تخليت عن هذه الجهة وفضّلت عليها العمل في خدمة الإيمان التي هي أهم خدمة وألزمها وأسلمها. وقد تركت الباب مفتوحاً ليصل إلى الآخرين ما كسبته لنفسي من حقائق الإيمان وما جربته في نفسي من أدوية معنوية. لعلّ الله يقبل هذه الخدمة ويجعلها كفّارة لذنوب سابقة."31
مضامين مفهوم فلسفة الخدمة:
مفهوم فلسفة الخدمة ومضامينها تستدعي الخوض في أمرين:
الأمر الأول: مركزية الإنسان في عملية الشهادة.
الأكيد أن تحميل الإنسان أمانة التكليف والخلافة في الكون له دلالته في هذا الباب، فلا يمكن المكابرة وغمطه حقه أو الطغيان به تعديا على طوره الذي خلقه الله له، فلا هو بالحقير الوضيع، ولا هو بالمتربّب –من الربوبية- المنازع بلا حول ولا قوة لخالقه صاحب الحول والقوة، والأمر والنهي، فهو إنسان مكرم ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾،الإسراء:70 وهو المخاطب بالخلافة ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾البقرة:30 فـ "الإنسان يمثل أعظم مقصد من المقاصد الإلهية في الكون، وهو المؤهَّل لإدراك الخطاب الرباني. وقد اختاره سبحانه من بين مخلوقاته، واصطفى من بين الإنسان المكرّم مَن هو أكمل وأفضل وأعظم إنسان بأعماله وآثاره الكاملة، ليكون موضع خطابه الجليل باسم النوع الإنساني كافة، بل باسم الكائنات جميعاً"32، فبمعرفة القيمة الحقيقية لهذا الإنسان ووظيفته في الوجود33، وعلاقته به تسهل عملية إدماجه في مسار استرجاع مرتبة الشهادة المفقودة، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾،الذاريات:56 عبودية شعائر34 وعبودية استخلاف.35 كما أن "الإنسان في هذا الكون أشبَه ما يكون بالطفل الضعيف المحبوب يحمل في ضعفِه قوةً كبيرةً وفي عجزه قدرةً عظيمة؛ لأنه بقوة ذلك الضعفِ وقدرةِ ذلك العجز سُخِّرت له هذه الموجوداتُ وانقادت. فإذا ما أدرك الإنسانُ ضعفَه ودعا ربَّه قولاً وحالاً وطوراً، وأدرك عجزَه فاستنجد واستغاث ربَّه، وأدّى الشكرَ والثناءَ على ذلك التسخير، فسيوفّق إلى مطلوبه وستخضع له مقاصدُه وتتحقق مآربُه."36
الأمر الثاني: أهمية قيمة الحرية.
لن يُتنبه إلى مركزية الإنسان في عملية الشهادة دون التفطن إلى قيمة من القيم الراقية المتمثلة في مبدأ الحرية، تلك الحرية المنسجمة مع الفطرة الإنسانية، والتي تخدمها إبرازا ومحافظة، فمن الناحية الأولى نفض كل غبار أو شوائب تحول دونها، ومن الناحية الثانية تعهدها بالتزام نهج التوحيد، فهي حرية العبودية لمستحقها الواحد الأوحد من جعل من الإنسان خليفة في الأرض.
حتى أن الأستاذ بديع الزمان يبدي استعداده لقبول جوع دائم مقابل التمتع بالحرية "ظلمي أن يردّوا عليّ حريتي ولا يمسوها بسوء. إنني أتمكن أن أعيش من دون طعام ولكني لا يمكن أن أعيش من دون حرية."37
ويشرح المسلك السابق في ضرورة انسجام الحرية مع الالتزام بالأوامر والنواهي التي تعتبر في حد ذاتها إنقاذا للإيمان وتطويعا للكون بقوله: "إن جني فوائد الحرية الحقة والاستفادة منها استفادة كاملة منوط بالاستمداد من الإيمان؛ ذلك لأن من أراد العبودية الخالصة لرب العالمين لا ينبغي له أن يذلّ نفسه فيكون عبداً للعبيد. وحيث إن كل إنسان راعٍ في مُلكه وعالَمه فهو مكلّف بالجهاد الأكبر في عالمه الأصغر ومأمور بالتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وإحياء سنته الشريفة."38 لأن "الحرية الخارجة عن دائرة الشرع، إنما هي استبداد أو أسرٌ بيد النفس الأمارة بالسوء، أو بهيمية أو وحشية."39
ومن باب الحرية التي تمثل صورة من صور تجلي مفهوم الشهادة عبر فلسفة الخدمة التي يرتكز عليها فكر الأستاذ بديع الزمان يحمّل المسؤولية للمؤمنين تجاه من فقدوا حريّتهم بعبادتهم "سوى الله" بأنهم مطالبون بالعمل والسعي لمساعدتهم في استرجاع حريتهم، قال: "إخراج آدم عليه السلام من الجنة، هو عين الحكمة ومحض الرحمة. كما أن إدخال الكفار جهنم حق وعدالة، مثلما جاء في "الإشارة الثالثة من الكلمة العاشرة" أن الكافر وإن عمل ذنباً في عمر قصير، إلاّ أن ذلك الذنب ينطوي على جناية لا نهاية لها؛ ذلك لأن الكفر تحقير للكائنات جميعاً وتهوين من شأنها.. وتكذيب لشهادة المصنوعات كلها للوحدانية.. وتزييف للأسماء الحسنى المشهودة جلواتها في مرايا الموجودات... ولهذا يلقى القهار الجليل، سلطان الموجودات، الكفارَ في جهنم ليخلدوا فيها، أخذاً لحقوق الموجودات كلها منهم."40 وبمفهوم المخالفة، من فرط في واجب تبيان الحق لهؤلاء فيتحمل مسؤولية يقتص منه على أساسها كما أن عقاب الكفار اقتصاص لهم لغمطهم حق واجب الوجود وحقوق من يتمتعون بحرية العبودية لله عز وجل من باب الواجب الوقتي ومسؤولية الشهادة الحضارية.
ج- دفع تشويش ما يمنع القيام بوظيفة الشهادة.
شاعت في عصر النورسي -تعبيرا عن دركات الانحطاط التي بلغتها الأمة- روح الإتكالية عن أداء الدور الرسالي بسبب التفاسير السيئة لمفهوم صاحب الوقت، وقرب خروج المهدي المنتظر ليملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا، مما دفع طبقة واسعة من المسلمين إلى نفض أيدهم من العمل والتفريط في الخيرية القرآنية المقترنة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاستحقاق مرتبة الشهادة كما جاء في الوحي الشريف، حتى وصل الأمر بأحد أعلام الفكر الإسلامي المعاصر الراحل محمد الغزالي إلى التعبير عن هذا الوضع بأن المسلمين انتقلوا من درجة ترقب المهدي المنتظر إلى دركة ترقب المهدي غير المنتظر من الدجالين والمشعوذين، مما أشاع الاتكالية والخنوع،41 اعتبر الأستاذ بديع الزمان فكرة المهدي في حد ذاتها دافعا قويا للاستمرار في العمل، ومعينا للاستمداد، ومانعا قويا من الاستقالة عن أداء الدور المطلوب في هذه الحياة، فكل مسلم يمتلك حظا من المهدوية التي تسعى لملء الأرض عدلا كما ملئت جورا، مساهمة في نهاية المطاف في استرجاع مرتبة الشهادة "وأما المهدي فلتقوية القوة المعنوية وردّ اليأس عند استيلاء الضلالة، ولتشجيع ذوي الهمم المجدّدين في الانسلاك في سلك نوراني إمامُه ورأسُه المهدي رضي الله تعالى عنه. فهذه الحكمة تقتضي الإبهام ليُمكن الانتظار في كلّ زمان."42
فالانتظار في عرف الأستاذ بديع الزمان ليس انتظارا سلبيا قريبا من مفهوم السكون، بل هو انتظار إيجابي مفعم بالحركية وقوة الاندفاع "إن كل وقت وكل عصر بحاجة إلى "معنى" المهدي الذي يكون أساساً للقوة المعنوية، وخلاصاً من اليأس. فيلزم أن يكون لكل عصر نصيب من هذا المعنى. وكذلك يجب أن يكون الناس في كل عصر متيقظين وحذرين من شخصيات شريرة تكون على رأس النفاق وتقود تياراً عظيماً من الشر، وذلك لئلا يرتخي عنانُ النفس بالتسيّب وعدم المبالاة."43
ومن هذا الباب يفسر الأستاذ بديع الزمان المسألة، محاولا استجلاء حكمة تغييب وقت ظهور المهدي بأنه لا ينفك عن الحفاظ على استمرارية الهم الرسالي في المؤمنين "فلو كانت أوقات ظهور المهدي والدجال وأمثالهما من الأشخاص معينةً لضاعت مصلحة الإرشاد والتوجيه."44
وفي هذا المقام جدير التنبيه إلى فكرة راقية لفت إليها الأستاذ بديع الزمان الأنظار، وهي العلاقة بين المهدوية كتجسد في فرد واحد، وروح الجماعة في إجابته عن تساؤل حول الرابط بين العصر الذي نعيشه والذي هو عصر الجماعة لا الفرد، وبين المهدوية التي تعتبر مجسدة في فرد واحد حسب الآثار الواردة في هذا الباب، ملمحا إلى ذلك الدور التكاملي، وكأنه بأداء كل فرد لدوره الرسالي سيكون عاملا مساعدا، أو بما يقرب لفلسفة التهيئة، من البواكير إلى النهايات العظمى.45
كما أنه في مقابل استثمار دافعية المهدوية لاستعادة مرتبة الشهادة زاوجها الأستاذ بديع الزمان بدافعية أخرى، هي دافعية الأنموذج السابق المتحقق، والذي يجعل عملية الاستعادة أسهل بكثير من عملية البناء من عدم، وفق ما قام بذلك النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فالتاريخ يحفظ لنا أنباء تمكن هذه الأمة من مرتبة الشهادة لأزمنة عديدة، كان التوحيد جوهر الإنسانية خلالها، وأمة الإسلام الشاهدة على الأمم، قال الأستاذ بديع الزمان "فلنرجع القهقرى، ولننظر عصراً عصراً، كيف اخضرت تلك العصور واستفاضت من فيض هذا العصر؟ نعم، ترى كل عصر تمر عليه قد انفتحت أزاهيرُه بشمس عصر السعادة، وأثمر كلُ عصر من أمثال أبي حنيفة والشافعي و... والجنيد والشيخ عبد القادر الكيلاني... والإمام الغزالي والشاه النقشبندي والإمام الرباني ونظائرهم ألوف ثمراتٍ منوراتٍ من فيض هداية ذلك الشخص النوراني..."،46 حيث انتقلت بهم الأمة من مكان إلى آخر وارتقت من درجة إلى أخرى كما انتقلت زمن الصحابة والتابعين فقد "كانوا مغمورين في ظلمة عصر "الفترة"، فصاروا في زمن يسير أساتذة مرشدين وسياسيين وحكاماً عادلين لأرقى الأمم حضارة وعلماً واجتماعاً وسياسةً، فحكموا العالم شرقاً وغرباً ورفرفت رايات عدالتهم براً وبحراً."47
3 – فضاء الشهادة ومصادر بعثها:
لا مراء في أن العمل على استعادة مرتبة الشهادة لا يكون إلا في هذه الأرض، كل الأرض من دون استثناء جزء منها؛ فالأصل أن تكون فضاء توجّه المسلمين بالتبليغ والإصلاح، لأنّها جُعِلت مسخّرة للإنسان، وما دامت كذلك فهي والإنسان مشتركان في المأتى والمصير، فكلاهما مخلوق لله عز وجل، والثاني مطية الإنسان للفوز بالآخرة، فالمكان هو مجال النشاط، ودافعية المكان لاسترجاع مرتبة الشهادة في فكر الأستاذ بديع الزمان تتجلى في الآتي:
أ – الأرض مكان العبادة:
يؤكّد الأستاذ على أنّ "الأرض مائدة رحمانية أقيمت تكريماً للإنسان"48، وهذه المائدة الرحمانية يجب أن تستعمل فيما خلقت له بعيدا عن كل انحراف قد يتطرق إلى وظيفتها، ومصدر ما يجعله الأرض مستعملة فيما خلقت له "توحيد القبلة" باتباع المنهج الحق، منهج صاحب الفضل في تكريم الإنسان بالخلافة وعمارة المكان الذي عبّر عنه أكثر من واحد بالقرآن المسطور الذي وافقه القرآن المنظور (الكون)، قال الأستاذ بديع الزمان "فَخَطَرَ على قلب ذلك السعيد القديم الممخض بالجروح - ما في مكتوبات "الإمام الرباني" من أمره له غيباً: "وحِّد القبلة" أي أن الأستاذ الحقيقي إنما هو القرآن ليس إلاّ، وأن توحيد القبلة إنما يكون بأستاذية القرآن فقط..."49 على اعتبار ثقل المسؤولية لأن الذي "منحكم من الشجر الثمرَ والنار، ومن الأعشاب الرزقَ والحبوب، ومن التراب الحبوبَ والنباتات، قد جعل لكم الأرض مهداً، فيها جميع أرزاقكم، والعالم قصراً فيه جميع لوازم حياتكم، فهل يمكن أن يترككم سدىً فتفروا منه، وتختفوا عنه في العدم؟ فلا يمكن أن تكونوا سدىً فتدخلوا القبر وتناموا براحة دون سؤال عما كسبتم ودون إحيائكم؟"50
ووحدة القبلة بدلالتها المعنوية عبر وحدة منهج السير في استعادة رتبة الشهود من خلال وحدة المكان في الإشتراك في أصل الخلقة مع الإنسان "الحدوث"، والإنسان من تراب، ووحدة قبلة التوحيد تتطلب أيضا في فكر الأستاذ بديع الزمان العمل على وحدة الأمة من أجل أداء هذه الأمة رسالتها المتجلية في وظيفة الشهادة.
قال الأستاذ: "إن تباين الأفكار هذا قد هزّ أساس الأخلاق الإسلامية وفرّق اتحاد الأمة، وأخّرنا عن ركب الحضارة، لأن أحدهم يكفّر الآخر ويضلله، بينما الآخر يعدّ الأول جاهلاً لا يوثق به. وهكذا ساد الإفراط والتفريط. وعلاج هذا الداء هو الصلح النابع من توحيد الأفكار، وربط العلاقات ووصلها حتى يوصل إلى نقطة الاعتدال، فيتصافح الجميع، ويتفقوا جميعاً لئلا يُخلّوا بنظام الرقي"،51 لأن فائدة استعادة الأمة لمرتبة الشهادة لن يعود نفعها على أمة الإسلام فقط بل يشع نورها على الإنسانية جمعاء عبر نظام الرقي هذا.
ب- هجرة المكان:
يتطلب النظر إلى المكان كمحل للنشاط وفضاء تتحقق فيه الوحدة والتوحيد التفكير في الهجرة من مكان إلى مكان آخر تحقيقا للمقاصد المشار إليها، ليس تفريطا في المكان المهاجر منه، بقدر ما يندرج في إطار محاولة إنقاذه للعودة به إلى وظيفته الأساسية التي خلق لها، ولهجرة المكان دافعية خاصة لتحقيق المقاصد والغايات عبر الشعور بمركزية الإنسان وقيمة الحرية وتقدير المسؤولية، والاستمداد من معاني المهدوية، والتسلي بالنماذج السابقة، قال الأستاذ بديع الزمان "وبعد أن تلقيت هذا التنبيه القرآني، باتت تلك المقبرة عندي مؤنسة أكثر من إسطنبول نفسها، وأصبحت الخلوة والعزلة عندي أكثر لطافة من المعاشرة والمؤانسة، مما حدا بي أن أجد مكاناً للعزلة في صارى ير على البسفور. وأصبح الشيخ الگيلاني رضي الله عنه أستاذاً لي وطبيباً ومرشداً بكتابه فتوح الغيب، وصار الإمام الرباني رضي الله عنه كذلك بمثابة أستاذ أنيس ورؤوف شفيق بكتابه مكتوبات فأصبحت راضياً كلياً وممتنّاً من دخولي المشيب، ومن عزوفي عن مظاهر الحضارة البراقة ومتعها الزائفة، ومن إنسلالي من الحياة الاجتماعية وانسحابي منها، فشكرت الله على ذلك كثيراً."52 كما تعتبر فرصة لائقة للبحث في مواطن الخلل الذي أبعدنا أو أقعدنا عن أداء الوظيفة، والتفكير الجدي في سبل الاسترجاع، لأن الغربة المذمومة هي العيش وسط الأحياء بلا غاية ولا هدف ولا اهتمام بأمور المسلمين بل والإنسانية جمعاء، لهذا كانت الهجرة سعيا لاسترجاع وظيفة الشهادة وليس فرارا منها كما يتبادر من أوّل وهلة.
ج- المسؤولية الوقتية:
يرتكز الأستاذ بديع الزمان في هذا المقام على واجب الوقت، أي أن عدم أداء البعض لواجباتهم في هذا الزمن أو الزمن الذي سبقه لا يعفيه وأهل زمانه من مسؤولية العمل على استعادة رتبة الشهادة على الناس، قال النورسي: "مالي وللناس، فكل الناس خائرون مثلي، فيتخلى عن الشهامة الإيمانية ويترك العمل الجاد للإسلام"،53 وزيادة في إيضاح الفكرة لا غرو من الإحالة على لفتة من لفتات أحد المجددين في الفكر الإسلامي عند وقوفه مع الآية القرآنية ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾البقرة:134،141 حيث استفاد منها بطلان التقليد من باب تحمل كل جيل لمسؤولياته، فضلا عن عدم إثابة الأبناء عن طاعة الآباء،54 على أساس المسؤولية الوقتية، فلكل جيل حظه من العمل سواء للحفاظ على مرتبة الشهود أو العمل على استعادتها.
خاتمة:
لن نعدم حيلة في الدلالة على أن عمل الأستاذ بديع الزمان لم يخل من التصريح فضلا عن التلميح إلى ضرورة استعادة مرتبة الشهادة، لاسيما على مستوى الأفكار لمركزية المبثوثة في خبرته المعرفية على ضرورة، وتشهد لها عناوين كليات رسائل النور55 وإن لم يتسع لعرضها تفصيلا، رأس ما تقوم عليه وترمي إلى تحقيقه رتبة الشهادة التحقق بالإيمان في شعاب الحياة، فالإيمان ليس كلاما يلاك ويمضغ ثم يرمى، بل هو حقيقة قلبية وقناعة عقلية وتمثّل بسائر الأعضاء، كلّ ذلك لأجل استرداد المؤمن وظيفة الشهادة على الناس.
لن نختم هذه الورقة دون الإشارة إلى الخلفية النظرية لفكرة "إنقاذ الإيمان"، عمدة هذا البحث، حيث لم يوظف الأستاذ بديع الزمان عبارة "إنقاذ الإسلام" مثلا، وفي هذا إشارة لطيفة إلى حديث جبريل الشهير الذي أتى فيه يعلم الناس دينهم والمعروف بحديث الإسلام والإيمان والإحسان،56 فبحق الإيمان يعبّر عن المعتقد أو الدافع النظري للإسلام الذي يعتبر انعكاسا لهذا الإيمان عبر أداء الشعائر، في حين يمكن اعتبار مرتبة الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" مقاربة لبوابة مرتبة الشهادة، فالإيمان هو المحرك والدافع الأكبر لاستعادة مرتبة الشهادة، وكل ما سبق من تفصيلات يصب في هذا المنحى.
* * *
الهوامش:
1 أ. عبد الرحمن طيبي: جامعة الجزائر، رئيس تحرير يومية الحوار.
2 انظر: بن نبي، مالك، مشكلة الثقافة، ترجمة: عبد الصبور شاهين، طـ 4، دار الفكر، دمشق، سوريا، 1404-1984، ص 100.
3 Al Faruqi, Ismail Raji, AL TAWHID: Its Implications for Thought and Life, iiit Virginia, U S A, iiph Riyadh, Saudi Arabia, third edition, 1416-1995, p xiii
4 المقصود بالوحي في هذا السياق بالذات القرآن الكريم والسنة والشريفة، والخبرة المعرفية الإسلامية التي ساهمت في صناعة أنموذج الإنسان المسؤول على عمارة الأرض في ظلال التوحيد.
5 الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، طـ 01- 1401-1981 دار الفكر بيروت لبنان، ج 2 ص 180-181.
6 النورسي، بديع الزمان سعيد، كليات رسائل النور، إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، تحقيق: إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، مصر، طـ 3، 2002، ص 233.
7 النورسي، بديع الزمان سعيد، كليات رسائل النور، صيقل الإسلام، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، ط 3، القاهرة، مصر 1995، ص 171.
8 النورسي، صيقل الإسلام، م، س، هامش 2 ص 171.
9 النورسي، بديع الزمان سعيد، كليات رسائل النور، الكلمات، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، مصر، طـ 3، 2000، ص 83.
10 سأل السُّؤْل ما يسأله الإنسان وقرئ "أوتيت سؤلك يا موسى" بالهمز وغيره، وسأله الشيء سؤالا ومسألة... قال الأخفش: يقال خرجنا نسأل عن فلان وفي فلان... الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، رتبه: محمود خاطر، دار الفكر، بيروت، لبنان، د، ت ص 281.
وجاء أيضا: سألته الشيء استعطيته... وسألته عن الشيء استخبرته... قال ابن الأثير السؤال في كتاب الله والحديث نوعان أحدهما ما كان على وجه التبيين والتعلم مما تمس الحاجة إليه، فهو مباح أو مندوب أو مأمور به، والآخر ما كان على طريق التكلف والتعنت، فهو مكروه ومنهي عنه.
ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، مصر، د،ت، مجلد: 3 ص 1907.
11 انظر: النورسي، الكلمات، م، س.
12 انظر: النورسي، بديع الزمان سعيد، كليات رسائل النور، المكتوبات، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، مصر، طـ 3، 2001.
13 النورسي، بديع الزمان، كليات رسائل النور، المكتوبات، م، س، ص 95.
14 النورسي، الكلمات، م،س، ص 95- النورسي، بديع الزمان سعيد، كليات رسائل النور، الشعاعات، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة مصر، ط 2، 1993، ص 501.
15 برغوث، الطيب، محورية البعد الثقافي في إستراتيجية التجديد الحضاري عند مالك بن نبي، طـ 02، دار قرطبة للنشر والتوزيع، المحمدية، الجزائر، ص 09.
16 النورسي، المكتوبات، م، س، ص 79.
17 انظر: المرجع السابق، ص 691.
18 النورسي، الكلمات، م، س، ص 898.
19 المرجع السابق، ص 419.
20 "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" [البقرة: 143]، "والوسط هو العدل... وهو الخيار والخيرية... وفيه... خطاب لجميع الأمة أولها وآخرها... أمة وسطا فعبر عنهم بلفظ النكرة ولا شك أن هذا يتناول أهل كل عصر..." راجع: الرازي، مفاتيح الغيب، م، س، ج 4، ص 107-108-110-111.
21 النورسي، الكلمات، م، س، ص 691.
22 النورسي، الكلمات، م، س، ص 264.
23 المرجع السابق، ص 135.
24 المرجع السابق، ص 63.
25 المرجع السابق، ص 136.
26 النورسي، إشارات الإعجاز، م، س، ص 280.
27 النورسي، الكلمات، م، س، ص 345.
28 المرجع السابق، ص 527.
29 "أداء هذه الشهادة إنما يكون في الدنيا، وتقريره أن الشهادة والمشاهدة والشهود هو الرؤية، يقال شاهدت كذا إذا رأيته وأبصرته، ولما كان بين الإبصار بالعين والمعرفة بالقلب مناسبة شديدة لا جرم قد تسمى المعرفة التي في القلب مشاهدة وشهودا، والعارف بالشيء شاهدا ومشاهدا، ثم سميت الدلالة على الشيء شاهدا على الشيء لأنها هي التي صار بها الشاهد شاهدا، ولما كان المخبر عن الشيء والمبين لحاله جاريا مجرى الدليل على ذلك سمي ذلك المخبر أيضا شاهدا، ثم اختص هذا اللفظ في عرف الشرع بمن يخبر عن حقوق الناس بألفاظ مخصوصة على جهات مخصوصة، إذا عرفت هذا فنقول إن كل من عرف حال شيء وكشف عنه كان شاهدا عليه، والله تعالى وصف هذه الأمة بالشهادة، فهذه الشهادة إما ان تكون في الآخرة أو في الدنيا، وجائز أن تكون في الآخرة لأن الله تعالى جعلهم عدولا في الدنيا لأجل ان يكونوا شهداء، وذلك يقتضي أن يكونوا شهداء في الدنيا،... فإن قيل تحمل الشهادة لا يحصل إلا في الدنيا، ومتحمل الشهادة قد يسمى شاهدا وإن كان الأداء لا يحصل إلا في القيامة، قلنا الشهادة المعتبرة في الآية لا التحمل، بدليل أنه تعالى اعتبر العدالة في هذه الشهادة، والشهادة التي يعتبر فيها العدالة هي الأداء لا التحمل، فثبت أن الآية تقتضي كون الأمة مؤدين للشهادة في دار الدنيا، وذلك يقتضي أن مجموع الأمة إذا أخبروا عن شيء أن يكون قولهم حجة، ولا معنى لقولنا الإجماع حجة إلا هذا..." الرازي، مفاتيح الغيب، م،س، ج4، ص 112.
30 النورسي، الشعاعات، م، س، ص 459.
31 النورسي، المكتوبات، م، س، ص 78.
32 النورسي، بديع الزمان سعيد، كليات رسائل النور، اللمعات، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، مصر، طـ 3، 2001، ص 555.
33 انظر في هذا المقام الكتاب القيم: جيدل، عمار، ماهية الإنسان وصلتها بحريته ووظيفته الاجتماعية من خلال رسائل النور، دراسة تحليلية نقدية، شركة نسل للطباعة والنشر، إستانبول، تركيا.
34 انظر: الغزالي، محمد، عقيدة المسلم، دار الشهاب للطباعة والنشر، باتنة، الجزائر، 1985. ص 128.
35 انظر: الغزالي، محمد، نظرات في القرآن، طـ 2، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، 1999، ص 51.
36 النورسي، الكلمات، م، س، ص 369.
37 النورسي، بديع الزمان سعيد، كليات رسائل النور، الملاحق، ملحق أميرداغ، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، دار سوزلر للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، طـ 3، 2002، ص 233.
38 النورسي، صيقل الإسلام، ص 531.
39 المرجع السابق، ص 535.
40 النورسي، المكتوبات، م، س، ص 51.
41 انظر: الغزالي، محمد، مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، منشورات العالمية للإعلام، طبع دار هومة، الجزائر، 2001، ص 105- 105/ الغزالي، محمد، الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين، طـ 5، دار الكتاب العربي، القاهرة، مصر، 1380- 1960، ص 54.
42 النورسي، بديع الزمان سعيد، كليات رسائل النور، المثنوي العربي النوري، تحقيق: إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، مصر، طـ 1، 1995، ص 446.
43 النورسي، الكلمات، م، س، ص 391.
44 المرجع السابق، ص 391.
45 انظر: النورسي، المكتوبات، م، س، ص 566-567.
46 النورسي، الكلمات، م، س، ص 262.
47 النورسي، المكتوبات، م، س، 286.
48 النورسي، الكلمات، م، س، 287.
49 النورسي، المثنوي العربي النوري، م، س، ص 30.
50 النورسي، الكلمات، م، س، ص 462.
51 النورسي، صيقل الإسلام، م، س، ص 473.
52 النورسي، بديع الزمان سعيد، كليات رسائل النور، سيرة ذاتية، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، دار سوزلر للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، طـ3، ص 160.
53 النورسي، صيقل الإسلام، م، س، ص 505.
54 الرازي، مفاتيح الغيب، م، س، ج4، ص 86.
55 الكلمات، المكتوبات، الشعاعات، اللمعات،...
56 عن عمر رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". قال: صدقت.
قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
قال: فأخبرني عن الساعة. قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن تر
Birincil Dil | Arapça |
---|---|
Bölüm | ARTICLES |
Yazarlar | |
Yayımlanma Tarihi | 1 Haziran 2012 |
Yayımlandığı Sayı | Yıl 2012 Sayı: 5 |