قراءة تحليلية في النظرة النورية إلى المسألة الغربية
(العالم الإسلامي والغرب: الحوار والفهم المتبادل)
أ.د. قطب مصطفى سانو1
تقديم الدراسة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،
فهذه صفحات معدودات عنيت بنسجها حول النظرة النورية الناصعة المحكمة إلى المسألة الغربية، تلك النظرة التي نخالها لم تحظ بما تستحقه من التحليل والتحقيق والتوضيح على الرغم مما لها من أهمية موضوعية جلية، ومكانة علمية دقيقة، ولئن عاش العالم الإسلامي ردحا من الزمن أسير النظرات الفكرية المتطرفة -يمينا أو يسارًا- إزاء المسألة الغربية، بل لئن تفاوتت تحليلات النخب والمفكرين حول هذه المسألة، فأورثوا المسلم العادي قلقا واضطرابا وتذبذبا في موقفه من الغرب إن سلبا أو إيجابًا، لئن كان كل ذلك كذلك، فإن الحاجة اليوم ماسة إلى إلقاء مزيد من الضوء على النظرة النورية التي استوفت عناصر الموضوعية والعلمية والمنهجية الشاملة والواقعية العميقة.
إننا نحسب أن النظرة النورية إلى المسألة الغربية إذا نالت حظها من التحليل العلمي الرصين والتحقيق الفكري الشامل، فإنها سَتُسْهِم -إلى حد كبير- في إنقاذ العالم الإسلامي مما يجتاحه من محن وإحن وقلاقل وامتهانات لكرامته وعزته نتيجة انخداع وانبهار شطر كبير من مفكريه بالنظر غير الدقيق إلى المسألة الغربية. كما أننا نحسب أن انطلاق مهندسي سياسات العالم الإسلامي من النظرة النورية في رسم علاقة الأمة بالغرب بعجره وبجره من شأنها إنقاذ الجيل الصاعد من الناشئة مما هم واقعون فيه من انخداع وانهزام وتطرف في الرؤية والنظرة إلى المسألة الغربية، فضلا عن أنه من شأن الأخذ بتلك النظرة القيمة، فتح باب واسع ومتين من الحوار والتواصل بين العالم الإسلامي والغرب، وذلك على أساس متين من القيم المشتركة المتمثلة في المبادئ السامية التي تقوم عليها الشرائع السماوية كلها، والتي تدعو أتباعها إلى نبذ العنف والتزمت والتطرف والتزام الحوار بدل الصراع، والتعاون عوض التنافر، والتكامل بدل الانزواء والانطواء.
وتأتي هذه المقالة المتواضعة لتأخذ بزمام المبادرة إلى دعوة المخلصين من المفكرين إلى أن يولوا النظرة النورية جانب التحقيق والدراسة والتحليل، كما تروم هذه الدراسة دعوة مهندسي السياسات المصيرية لعموم الأمة إلى الاستعانة بهذه النظرة العلمية الدقيقة الفائقة، ذلك أنها تتضمن قدرًا غير يسير من البيّنات والمرتكزات من شأن الأخذ بها خلاص عموم الأمة مما تعاني منها اليوم من غبش في الرؤية إلى المسألة الغربية.
ولقد آن الأوان للمفكرين والنخب في الأقطار الإسلامية أن يتحلوا في نظراتهم بالشجاعة الفكرية كما فعل الإمام المبدع بديع الزمان، كما آن لهم أن يتحرروا في نظراتهم من إملاءات رجال السيف وضغوطات العوام، فالمفكر المخلص لا ينبغي له بأي حال من الأحوال أن يخضع في فكره ونظرته لأهواء العوام، كما لا ينبغي له أن يتطلع إلى إغراءات الحكام، بل يجب أن يطمح في فكره ورؤيته إلى انتشال العوام من براثن التخلف الفكري والهوان الذهني، ويصبو إلى الأخذ بأيدي الحكام إلى ما فيه صلاحهم وصلاح الرعية.
المبحث الأول: أوروبا بين النفع والضرر: عرض وتحليل
في خضم تراكم الأحداث المفجعة، وتلاحق المحن المبكية، وتكاثر الابتلاءات الإلهية، وتأخر الأحلام والتطلعات المعسولة، وفي غمرة تكالب الأعداء، وتفرق الأصدقاء، وتمزق الأوصال، وتشتت الكلمة، في هذه الأثناء، يصعب على المرء المراهنة على التزام المبتليْن الموضوعية والعلمية في النظرة إلى الغالبين، بل لا غرو أن يعلو التشاؤم والتبرم شفاه المغلوبين المهزومين، ولا عجب أن يغدو الانبهار والانخداع والولع بطريقة الغالبين منهلا ينهل منه المنهزمون، مصداقا لما قرره عالم العمران الإسلامي المؤرخ ابن خلدون في مقدمته بأن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، ذلك لأن.
"...النفس أبدا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه؛ أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك واتصل لها، حصل لها اعتقادًا، فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به..."2
لئن كانت هذه المقولة ذات نصيب وافر من المصداقية والواقعية لكون معظم الأبحاث والدراسات والمؤلفات التي ألفها جمع غير منكور في المسألة الغربية تأكيدًا وتقريرا لها، ولا يكاد أحد من أولئك الكتاب والمؤلفين والباحثين يسلم من الانبهار أو الانخداع، ولئن كان ذلك كذلك، فإنّ الإمام البديع بديع الزمان النورسي -رحمه الله- دفع بثقله الفكري والعلمي والمنهجي صوب كلتا النظرتين الانهزامية والانخداعية، فأوسعهما مراجعة وتقويما وتصحيحا، ودعا إلى التخلي عن كلتيهما، كما أنه عني -بطريقته الخاصة- اعتماد طريقة بديلة عُمَدُها المنهجية والموضوعية والواقعية في النظرة إلى الأشياء، وتتبرأ من الانهزامية والانخداعية لأنّهما آفتين مضرتين بالأمم الراغبة في الترقي والتقدم والتطور، وتحاشي الوقوع في أخطاء الماضي، ووعي الحاضر، والتخطيط للمستقبل.
وسعيا إلى مزيد من التحليل للنظرة النورية إلى المسألة الغربية في ضوء ما مني به العالم الإسلام من هزيمة وانسحاب إبان الحربين العالميتين، نرى أن نصغي إلى ما أدلى به الإمام البديع محددا الموقف الأحكم من المسألة الغربية في كتابه اللمعات، حيث قال ما نصّه:
"...حينما سار ‘سعيد الجديد'3 في طريق التأمل والتفكر، انقلبت تلك العلوم الأوربية الفلسفية وفنونها التي كانت مستقرة إلى حد ما في أفكار ‘سعيد القديم' إلى أمراض قلبية، نشأت منها مصاعب ومعضلات كثيرة في تلك السياحة القلبية، فما كان من ‘سعيد الجديد' إلا القيام بتمخيض فكره، والعمل على نقضه من أدران الفلسفة المزخرفة، ولوثات الحضارة السفيهة، فرأى نفسه مضطرا إلى إجراء المحاورة الآتية مع الشخصية المعنوية لأوربا لكبح جماح ما في روحه من أحاسيس نفسانية منحازة لصالح أوربا، فهي محاورة مقتضبة من ناحية، ومسهبة من ناحية أخرى. ولئلا يساء الفهم، لا بد أن ننبّه: أن أوربا اثنتان: إحداهما: هي أوربا النافعة للبشرية بما استفاضت من النصرانية الحقة، وأدت خدمات لحياة الإنسان الاجتماعية بما توصلت إليه من صناعات وعلوم تخدم العدل والإنصاف، فلا أخاطب -في هذه المحاورة- هذا القسم من أوربا؛ وإنما أخاطب أوربا الثانية، تلك التي تعفّنت بظلمات الفلسفة الطبيعية، وفسدت بالمادية الجاسية، وحسبت سيئات الحضارة حسنات لها، وتوهمت مساوئها فضائل، فساقت البشرية إلى السفاهة، وأردتها الضلالة والتعاسة. ولقد خاطبت في تلك السياحة الروحية الشخصية المعنوية الأوربية بعد أن استثنيت محاسن الحضارة."4
وقرر هذه المعاني بما أورده في المثنوي العربي النوري، حيث قال:
"...إن أوروبا اثنان: أحدهما نافع للبشر باستفادته من الدين العيسوي والمدنية الإسلامية، أظهر بإحسان الله ما يستريح به البشر في هذه الحياة... وأوروبا الثاني: خالف الأديان السماوية، واستند بالفلسفة الطبيعية المادية، وغلبت سيئات المدنية حسناتها، وصار سببا لمشقة أكثر البشر وشقاوتهم..."5
وأما تاريخ هذه السياحة الروحية المعنوية، فإنه يعود إلى أيلول عام 1919م عندما دهى العالم الإسلامي أمرٌ لا عزاء له، مهدت لسقوط البقية الباقية من الخلافة الإسلامية في أقل من خمس سنوات، وقد ولدت تلك الهزيمة النكراء التي تعرضت لها الخلافة الإسلامية شعورين متناقضين ومتضادين، أحدهما: الشعور باليأس والقنوط الذي دفع بالسواد الأعظم من الناس إلى التبرؤ من الغرب واستمراء العيش في كنف الماضي السليب، والتلذذ بترديد أمجاد ذلك الماضي مع رفض الأخذ بسائر وسائل وأسباب الترقي والتقدم والتطور، وأما الشعور الثاني، فقد تمثل في الرضى والقناعة بالدونية والانبهار والانهزام والتبرؤ من الماضي التليد مع الاعتقاد الجازم بأن السعادة والرخاء والاستقرار والأمان مرهون كل أولئك بالتبعية الخالصة للغرب الغالب، وقد دفع هذا الشعور كثيرا من النخب إلى الانجرار للغالب والدعوة إلى تقليده تقليدا أعمى في كل شيء قصد اللحاق به وتحقيق ما حققه من إنجازات وتطور وتقدم.
أمام هذين الشعورين، حاول الإمام البديع –كعادته- أن يحيي شعورًا ثالثا لا ينتمي إلى أي من هذين الشعورين، وينبثق من إيمانه الخالص بأن الابتلاء لا يعني نهاية المطاف، بل يجب أن يعقبه صبر واصطبار وتعلم من الماضي، وإدراك الحاضر، والتخطيط للمستقبل، ولنصغ إليه وهو يصف لنا ما دفعه إلى إجراء تلك المحاورة الدقيقة العميقة بين نفسه وبين أوروبا بقسميه في كتابه الموسوم صيقل الإسلام، وهذا نص ما قاله:
"...كنت في أيلول سنة 1919م أتقلب في اضطراب شديد من جراء اليأس البالغ الذي ولّدته حوادث الدهر، كنت أبحث عن نور بين هذه الظلمات المتكاثفة القاتمة... لم أستطع أن أجده في يقظة هي رؤيا في منام؛ بل وجدته في رؤيا صادقة هي يقظة في الحقيقة... دخلت عالم المثال في ليلة من ليالي الجمعة، جاءني أحدهم، وقال: يدعوك مجلس موقر مهيب منعقد لبحث مصير العالم الإسلامي، وما آلت إليه حاله؛ فذهبت، ورأيت مجلسا منورا قد حضره السلف الصالحون، وممثلون من العصور، من كل عصر ممثل.. لم أر مثيلهم في الدنيا، فتهيبت، ووقفت في الباب تأدبا وإجلالا..قال أحدهم: ماذا ترى في عاقبة هذه الهزيمة -التي آلت إليها الدولة العثمانية- وماذا كنت تتوقع أن يؤول إليه أمر الدولة العثمانية لو قدّر لها الانتصار؟ قلت: إن المصيبة ليست شرا محضا، فقد تنشأ السعادة من النكبة والبلاء مثلما قد تفضي السعادة إلى بلاء... لقد فقدنا بهذه الهزيمة سعادة عاجلة زائفة، ولكن تنتظرنا سعادة آجلة دائمة، فالذي يستبدل مستقبلا زاهرًا فسيحا بحال حاضر جزئي متغير محدود، لا شك أنه رابح.. فلو كنا منتصرين غالبين لكنا ننجذب إلى ما لدى أعدائنا من الإستعمار والتسلط، وربما كنا نغلو في ذلك..فهذه المدنية... التي لم نر منها غير الضرر، وهي المرفوضة في نظر الشريعة، وقد طغت سيئاتها على حسناتها، تحكم عليها مصلحة الإنسان بالنسخ، وتقضي عليها يقظة الإنسان، وصحوته بالانقراض؛ فلو كنا منتصرين لكنا نتعهد حماية هذه المدنية السفيهة المتمردة الغدارة المتوحشة معنى في أرجاء آسيا..."6
هكذا صوّر الإمام المبدع الحالة النفسية التي كان عليها عندما صاغ نظرته إلى المسألة الغربية، والملاحظ في هذه النظرة أنها أتت بعد الهزيمة الشنيعة التي مني بها العالم الإسلامي إبان الحرب العالمية الأولى، ولا يخفى على المرء الحالة الكئيبة التي رافقت تلك الهزيمة، كما لا يخفى دورها في نشأة الشعور باليأس والقنوط والانسحاب لدى شريحة غير منكورة من أبناء الأمة الإسلامية في ذلك الزمان، بل ليس بخاف دورها في نشأة الشعور بالانخداع والانهزام والانبهار لدى السواد الأعظم من النخب والمفكرين الذين خيِّل إليهم أيامئذٍ أن الملاذ والمخرج يكمن في اتباع سنن الغالبين وتقليدهم في المأكل والمشرب والملبس والمخبر والمظهر بل في كل شيء حتى المنطق؛ غير أن الإمام البديع -رحمه الله- كعادته، لم يكن من صنف أولئك العلماء والمفكرين الذين تتأثر نظرتهم بالظروف الزمانية والمكانية والآنية، بل كان يرى من نورٍ، ويقرأ الأحداث من وجهة نظر المفكر الحصيف المدرك للأبعاد، والمستشرف لما يحمله المستقبل من آلام وآمال وأحلام لعموم الأمة.
ولهذا، ما كانت نظرته إلى المسألة الغربية لتتأثر أو تنحاز لأي من الشعورين السابقين، وأبى إلاّ أن يستقل بنظرة منصفة علمية موضوعية وسطٍ بعيدٍ عن التوغل في المثالية المجرّدة، أو التغلغل في الواقعية المبالغ فيها. فالمدنية الحاضرة في خلده -رحمه الله تعالى- ذات مساوئ ورزايا لا تخطؤها العين، ولا يمكن أن ينكرها أحد إلا من أصيب بانطماس في الذاكرة، أو بغبش في الرؤية، وفي المقابل، فإن هذه المدنية تحمل بين طياتها -في الوقت نفسه- محاسن وحسنات، لا ينبغي إجحافها فيها، ولا يمكن التغاضي عنها، بل لا يعدو إنكارها إلا أن يكون بخسا للناس أشياءهم، وركوبا متن الشطط والضيم، ومكابرة يأباها منطق العلم والمعرفة والنزاهة والإنصاف.
إن نظرة متفحصة في تلك المحاورة العلمية الدقيقة التي قصد منها الإمام صياغة نظريته في المسألة الغربية، تهدينا إلى تقرير القول بأن الوسطية والاعتدال عند النظر إلى الأشياء كان الدافع والأساس الذي تقوم عليه نظرة الإمام، إذ إنه أكّد في غير ما موضع في كتبه ومؤلفاته بأن أوروبا ليست كلها شرّا كما يذهب بعض من البسطاء والبلهاء، إذ إن في أوروبا جانبًا كان ولا يزال نافعًا للبشرية، وقدّم -ولا يزال يقدّم- خدماتٍ جليلة للإنسانية برمتها، وهذا الجانب من أوروبا لا ينبغي نكرانه ولا تجاهله، ولكن في مقابل هذا الجانب المشرق من أوروبا، جانب آخر، كان -ولا يزال- ضارا ومضرا بالبشرية، ولا تفتأ الإنسانية برمتها تعاني من الشقاء والتعاسة والمشاق التي جلبها إليها هذا الجانب الضار من أوروبا، وينبغي حذر العامة من هذا الجانب، كما ينبغي كشف عواره وتنبيه الغافلين عن المساوئ والرزايا التي يتقلب فيها الجانب.
مادامت أوروبا اثنتين، إحداهما نافعة والأخرى ضارة، فإن للمرء أن يتساءل عن الأسباب الكامنة التي أدت إلى كون أوروبا الأولى نافعة للبشرية، وكون أوروبا الثانية ضارة ومضرة لها، ذلك لأن النفع والضرر يعود كل منهما إلى فعل من البشر، وليس من فعل الإله جل جلاله؛ وإجابة على هذا التساؤل عني إمامنا -رحمه الله- بتحقيق القول في الأسباب التي جعلت أوروبا الأولى نافعة للبشرية، وحصر تلك الأسباب في سببين أساسين، أولهما: سبب عقدي لا دخل للبشر في إيجاده، وثانيهما سبب مادي للبشر دخل في إيجاده، وأما السبب العقدي، فإنه يتمثل في التزام أوربا الأولى بالبقية الباقية من النصرانية الحقة التي لم تطالها يد التحريف والتغيير والتضليل والتبديل، ذلك لأن النصرانية الحقة التي أتى بها المسيح -عليه السلام- تحث أتباعها على التعاون والتواصل مع أمم الأرض قاطبة، وتدعو إلى الرحمة والسماحة والتواضع وصلة الرحم، وتنهى عن الظلم والحيف وسفك الدماء، وهتك الأعراض، وترفع من شأن الفضائل والخصال الحميدة في المجتمع، وتحط من قدر الرذائل والسفاسف بجميع صورها وأشكالها في المجتمعات، وهذه النصرانية الحقة تقوم في جذورها على الحنيفية السمحاء التي تجمع بين الأديان السماوية كلها، وقد بعث بها أيضا نبينا -عليه صلوات ربي وسلامه- ووصفها ذات يوم بأنها اللبنة التي تكمل بقية البناء.
إن التزام أوروبا الأولى بجملة حسنةٍ من مبادئ النصرانية الحقة هو الذي جعلها نافعة للبشرية، ذلك أن هذا الالتزام عصمها من التسلط والتجبر والتكبر في الأرض علوا واستكبارًا، كما عصمها من الاعتداء على الأبرياء، ودفعها إلى تسخير إنجازاتها لخدمة البشرية وتسهيل حياة الإنسان على الأرض، فضلا عن استعدادها للتعاون والتواصل مع أمم الأرض قاطبة.
وأما السبب المادي الآخر الذي جعل أوروبا الأولى نافعة للبشرية، فإنه يعود -في نظر الإمام- إلى الخدمات الجليلة التي قدمتها للبشرية من خلال ما توصلت إليه من صناعات وعلوم وإنجازات تخدم القاصي والداني من البشر، وترفع عن العالمين المشاق والصعاب وتذلل لهم العقبات والعراقيل، وتختصر لهم المسافات والاتصالات، وتوفر لهم وسائل الراحة والرفاهية والترفيه، وتقضي على ما كانت البشرية تعاني منه من متاعب في المركب والمسكن وسواهما، فضلا عن ذلك، فإنها ترفض استخدام تلك الإنجازات فيما لا يعود بالنفع على البشرية.
على أنه حري بالتقرير أن أوروبا -الأولى أو الثانية- لم تصل إلى هذا المستوى من الترقي والتقدم والتطور إلا من خلال ما تميزت به من ابتكار وإبداعية وعمق في التفكير والتخطيط والنظام، والتزامها الحزم والانضباط والرويَّة والأناة فيما تقدم عليه من عمل أو صناعة، وفي هذا يقول الإمام النورسي في صيقل الإسلام منصفا القوم كل الإنصاف:
"...كان سبب رقيها -أوروبا- هو التأني في أخذ كل شيء أو تركه... والصلابة في الأمر التي هي من شأن برودة بلادهم... ونمو الفكر والمعرفة والتوجه إلى الصناعة لكثرة السكان وضيق المكان والمساكن... والتعاون والتتبع الحاصلين من وجود الوسائط المساعدة كالبحر والمعادن وأمثالها..."7
إن هذه الخصال التي لخصها الإمام النورسي في بيان رفيع تعد في حقيقتها أسباب تقدم الشعوب ونهضة الأمم، كما تعد قيم الحضارات وذروة سنامها، وما أخذت بها أمة من الأمم إلا وكان التقدم المادي والتطور الحضاري نصيبها ورفيقها وحليفها، وما تخلت عنها أمة من الأمم إلا وكان التخلف المادي، والتأخر الحضاري ملازما لها، وتلك سنة الله الماضية في الأمم قاطبة، ولم ولن تتخلف في أمة قط مهما سمت أو دنت عقيدتها، وبتعبير آخر، اقتضت سنة الله أن الأمم التي تنطلق من هذه القيم وتتمسك بها، لا بد لها من أن تكافء بتقدم وتطور ماديين، وحري بها أن تقود الأمم التي لا تلقي بالا لهذه القيم. وقد أكد هذا الأمر الإمام النورسي فيما ورد عنه في"الكلمات" حيث قال:
"...فمما ينبغي ألا ننكر أن في المدنية محاسن كثيرة إلا إنها ليست من صنع هذا العصر، بل هي نتاج العالم، وملك الجميع، إذ نشأت بتلاحق الأفكار وتلاقحها، وحث الشرائع السماوية، ولا سيما الشريعة المحمدية، وحاجة الفطرة الإنسانية..."8
إن سداد المعتقد وسلامة النية لا يكفيان لبناء الحضارات، كما أنهما لا يكفيان للحفاظ على الحضارات، بل إن بناء الحضارات أو الحفاظ عليها لا بد له من قيم متمثلة في سلوكيات عملية تقوم بتحقيق ما يدعو إليه المعتقد، وترجمة توجيهات المعتقد في واقع عملي ملموس. ويعني هذا أن الانبهار والانخداع بصحة المعتقد وسموه دون التزام أمين بالقيم المشار إليها لا يعدو إلا أن يكون خروجًا سافرًا على سنة الله في قيام الحضارات والحفاظ عليها، كما لا يعدو ذلك إلا أن يكون تأكيدًا على عدم تمكن المعتقد في نفوس الأتباع.
على أنه من الحري بالتقرير أن عدم سداد المعتقد وسلامة النية لا يحولان -بأي حالٍ من الأحوال- دون تحقق التقدم المادي والتطور الحضاري -المظهري على الأقل- إذ إن تحقيق التقدم لا يلزم بالضرورة سداد المعتقد أو سلامة النية، وإنما يكفي الالتزام بالقيم والسلوكيات التي سبق الإشارة إليها. ولهذا، فلا يعجبنّ امرؤ من تقدم أمم أوروبا، وخاصة أوروبا الثانية على الرغم من انفلاتها وتمردها على مبادئ النصرانية الحقة في عالم المثال، بل لا عجب أن يعانق التقدم والتطور حياة بعض الأمم التي نعدها أمما غاية في الإفلاس الأخلاقي والعقدي.
وأيا ما كان من أمر، فإننا نخلص إلى تقرير القول بأن السبب المادي وقبله السبب العقدي هما اللذان جعلا أوروبا الأولى نافعة للبشرية، وهذا النفع ماض قدما كلما قوي تمسك أوروبا بهما.
ولئن كان هذا تحليلا لأسباب كون أوروبا الأولى نافعة للبشرية، فإن ثمة أسبابا لكون أوروبا الثانية ضارة ومضرة للبشرية، وقد عني الإمام -رحمه الله- بتحرير القول في هذه الأسباب في جملة من رسائله، منها ما ورد عنه في المثنوي العربي، وهذا نصه:
"...إعلم! يا أيها الأوروبا، إنك أخذت بيمينك الفلسفة المضلة السقيمة، وبيسارك المدنية المضرة السفيهة، تدعي أن سعادة البشر بهما؛ شلت يداك، وبئست هديتاك..."9 وقال ما نصه في اللمعات: "...وإنما أخاطب أوروبا الثانية تلك التي تعفنت بظلمات الفلسفة الطبيعية، وفسدت بالمادية الجاسية.. يا أوروبا الثانية! إعلمي جيدا أنك قد أخذت بيمينك الفلسفة المضلة السقيمة، وبشمالك المدنية المضرة السفيهة، ثم تدعين أن سعادة الإنسان بهما، ألا شلّت يداك، وبئست الهدية هديتك، ولتكن وبالا عليك، وستكون..."10
إن نظرة متمعنة في هذا الوصف الدقيق للأسباب التي جعلت أوروبا الثانية ضارة ومضرة، تفضينا إلى تقرير القول، بأنه إذا كان الالتزام بالبقية الباقية من مبادئ النصرانية الحقة أو الدين العيسوي السبب العقدي الأساس في اعتبار أوروبا الأولى نافعة للبشرية، فإن تجرد أوروبا الثانية عن مبادئ هذه النصرانية يعد السبب الأساس في كونها أوروبا ضارة ومضرة بالبشرية؛ وأما السبب الثاني الذي جعل أوربا الثانية غير نافعة، فإن ذلك يعود إلى لجوئها إلى استخدام نتائج الصناعات والإنجازات التي توصلت إليها فيما لا يعود على البشرية بنفع ولا فائدة، بل إنها تقود البشرية إلى مهاوي الدمار والضلال والضياع والتيه، مما جعل هذه الأوروبا أكثر إضرارًا وإساءة إلى البشر.
إن أوروبا الثانية ناقضت أوروبا الأولى من حيث رفضها الالتزام بمبادئ النصرانية الحقة، كما ناقضت من حيث توظيفها إنجازات حضارتها ونتائج علومها وصناعاتها فيما يضر بالبشرية. ورحم الله الشيخ الغزالي عندما عبر عن حالة هذه الأوروبا، فقال: "...إن المدنية الحديثة قضت على التسامي الروحي، وأيقظت الأثرة الحيوانية، وأقرت نمطا من الحياة بجنون التنمية وزيادة الإنتاج، ثم تسخير هذه النتائج الكبيرة لخدمة أغراض خسيسة..."11
وانطلاقا من أنه ليس من الوارد تعذر عيش الإنسان على هذه الأرض دون أن يستند إلى معتقد ولو كان فاسدا ودنيئا، فإنه كان لا بد لأوروبا الثانية من أن تتبنى بعد تمردها على الديانة النصرانية ومبادئها، ديانة أخرى محرفة من الديانة الصحيحة الحقة تتخذ من الفلسفة المادية12 أساسا لها، وتقوم على التنكر الصارخ للخالق المدبر العزيز الحكيم، وتنأى بنفسها عن مبادئ النصرانية الصحيحة رغم ادعائها إيّاها، كما أنها تلفظ في كثير من سلوكياتها القيم والأخلاق الحميدة التي أتى بها الدين العيسوي، ولا تعترف بثبات تلك القيم أو الأخلاق في المجتمعات، بل إنها ترى قيما وأخلاقا خاضعة للظروف والأزمنة والأمكنة انطلاقا من مبدأ التفسير المادي للتاريخ، والمعتقد والأخلاق، فكل شيء يحدث في المجتمع وفق هذا المبدأ إنما يحدث للظروف المادية، فالمادة هي المسؤولة عن تشكيل المعتقد والأخلاق، وتتأثر سلوكيات الأفراد والجماعات بالمادة. وفي هذا يقول الإمام متعجبا من هذه النظرة المادية لأوروبا الثانية:
"...يا أوروبا الثانية الفاسدة! إنك تستندين إلى أسس واهية نخرة، فتزعمين أن كل كائن حي مالك لنفسه، ابتداء من أعظم ملَك، وانتهاء إلى أصغر سمكٍ، كل يعمل لذاته فقط، ولأجل نفسه، فحسب، ولا يسعى أحد إلا للذّاته الخاصة، ولأجل هذا له حق الحياة، فغاية همته، وهدف قصده هو ضمان بقائه واستمرار حياته... فيا أوروبا ما ورطك في هذا الخطأ المشين إلا دهاؤك الأعور، أي ذكاؤك المنحوس الخارق، فلقد نسيت بذكائك هذا ربّ كل شيء، وخالقه، إذ أسندت آثاره البديعة إلى الأسباب والطبيعة الموهومة..."13
بناء على هذا التفسير الجائر للتاريخ والمعتقد والقيم، لم يكن من عجب أن تتحول الحياة في كثير من الأقطار التي تخيم عليها هذه الفلسفة إلى حياة ملؤها الاضطراب، والإباحية، والسفاسف، والقلق، وقد صوّر الإمام النورسي حالة الحياة التي تسيطر عليها هذه الفلسفة وصفا دقيقا، فقال: "...فيا أوروبا التي نأت عن النصرانية وابتعدت عنها، وانغمست في السفاهة والضلالة، لقد أهديت بدهائك الأعور كالدجال لروح البشر حالة جهنمية، ثم أدركت أن هذه الحالة داء عضال لا دواء له. إذ يهوي بالإنسان من ذرة أعلى عليين إلى درك أسفل سافلين، وإلى أدنى درجات الحيوان وحضيضها، ولا علاج لك أمام هذا الداء الوبيل إلا ملاهيك الجذابة التي تدفع إلى إبطال الحس، وتخدير الشعور مؤقتا، وكمالياتك المزخرفة وأهواؤك المنومة... فتعسا لك ولدوائك الذي يكون هو القاضي عليك.. نعم إن ما فتحتيه أمام البشرية من طريق يشبه هذا المثال المذكور..."14
هكذا حاول الإمام تقريب الصورة التي آلت إليها الأوضاع في أوروبا الثانية نتيجة خروجها وتمردها على كل الديانات، وخاصة الديانة النصرانية بمبادئها الداعية إلى الرحمة والشفقة وحسن الجوار، وصلة الرحم.
إن إمعان الفكر في هذه النظرة النورية إلى المسألة الغربية في تلك المرحلة من تاريخ الأمة، يهدي المرء إلى تقرير القول بأنها كانت نظرة ذات أبعاد منهجية تجعلها جديرة بالدراسة والتحقيق والتحليل، ذلك أنها –على الرغم من قساوة عباراتها حينا على أوروبا الثانية– أصرت على ضرورة التأكيد على التفريق بين أوروبا النافعة وأوروبا الضارة، كما أبت إلا أن تسلط الضوء بصورة علمية موضوعية على محاسن المدنية الحاضرة والقيم الأصيلة التي مكّنت أوروبا من بناء حضارتها، والتقدم على غيرها من أمم الأرض.
وفضلا عن هذا، فإنه حاول بكل ما أوتي من قوة بيان وسداد فكر أن ينبه العامة والخاصة على مساوئ المدنية الحاضرة التي تترجمها أوروبا الضارة في تصرفاتها وتعاملاتها مع غيرها من أمم الأرض. ولم يخل تحليله لهذه الأوروبا من تأثر بالأهوال الكئيبة والظروف المأساوية التي كانت تمر بها الأمة أيامئذٍ، وقد تجلى هذا التأثر بشدة لغته، وإصراره على استخدام التعبيرات القاسية والمعبرة عن الآلام التي كانت تجتاحه وهو يرى شريحة من أبناء الأمة يسعون جاهدين إلى تقليد أوروبا الضارة، وتجاوز أوروبا النافعة استخفافا من لدن بعضهم، وجهلا من لدن بعض آخر لما تنتظم المدنية الإسلامية التي أفل نجمها بفعل البشر من محاسن وقيم انطلقت منها أوروبا النافعة في نهضتها وتطورها وتقدمها.
لئن كانت المنهجية تقتضي الابتعاد عن استخدام العبارات العنيفة، فإنه ينبغي أن يعذر إمامنا العلامة -رحمه الله- عن عدم التزامه في بعض الأحيان بهذا القيد، وما ذلك إلا نتيجة الظروف النفسية والاجتماعية والسياسية التي سادت واعتلت أيامئذٍ، وكان وقعها على الإمام شديدًا وعظيما.
وأيا ما كان الأمر، فإننا نخلص إلى القول بأن هذه النظرة النورية تستحق التقويم العلمي الشامل، وتستحق أن تكون موضوعا لدراسات وأبحاث علمية جادة في المؤسسات التعليمية الراقية التي تعنى بتحصين الجيل الصاعد بالمناعات العلمية المطلوبة في العصر الراهن للتعامل مع المسألة الغربية بطريقة موضوعية بعيدا عن الانفعالية والعاطفية والحماسية. وإلى أن يقيض الله لهذه المهمة من يروم خدمة الأمة في العصر الحاضر.
المبحث الثاني: تقويم منهجي للنظرة النورية إلى المسألة الغربية
لئن تبدت لنا النظرة النورية إلى المسألة الغربية في ضوء ما توافر لدينا من معلومات وأقوال مأثورة عن الإمام النورسي، ولئن أدركنا من العرض والتحليل كون تلك النظرة متميّزة عن النظرات السابقة واللاحقة عليها، لذلك، عمدنا إلى هذا المبحث لنقف -بجلاء- على أهم الخصائص المنهجية التي نخال النظرة النورية قد تميّزت بها عن النظرات التي حاولت تحليل المسألة الغربية وإبرازها للعالمين، بيد أنها في معظم الأحيان لم تخل -كما أسلفنا- من الافتقار إلى العديد من الخصائص المنهجية التي ينبغي توافرها في التحليلات العلمية للمسائل الشائكة والمتشعبة كالمسألة الغربية.
وبالرجوع إلى أهل العلم بمناهج البحث والتحقيق والمتخصصين في تحليل الأفكار والآراء، نجد ثمة اتفاقا بينهم على أن التحليل العلمي الدقيق للأفكار ينبغي أن تتوافر فيه جملة من الأسس الضرورية الهامة، ومن أهمّها: الموضوعية، والعلمية، والشمولية. فيعد التحليل علميّا وحقيقيا إذا انتظمت هذه الركائز. ومن ثم، فإن تقويم أي تحليل أو نظرة أو فكرة، ينبغي أن يتمحور حول التحقق من درجة توافر هذه الأسس العاصمة للتحليل من الانحياز والتطويع والتجزيء والجزئية.
وإذ الأمر كذلك، وهو كذلك، فسنقف عند أسس النظرة النورية إلى المسألة الغربية:
أولا: الموضوعية:
لا شك أنه من طبيعة الأفكار والآراء التأثر المباشر وغير المباشر بالقناعات القبلية والتقلبات الزمانية والمكانية والعادية، ومن الصعب بالمكان أن يتجرد المفكر تجردا كليا من ترسبات ظروف الزمان وآثار تقلبات الأيام والأحوال، وكثيرا ما تدفع الظروف والأحوال المفكر إلى تبني مواقف وآراء تعكس التأثر السلبي أو الإيجابي بالظروف والأحوال، ولا يسلم من هذه الظاهرة من المفكرين والعلماء إلا فئة قليلة يتميزون بالصمود أمام العواصف الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويتحلون بالتأمل والتأني والأناة في نظرتهم إلى ما يداهم ساحتهم من مستجدات وأحوال وأهوال. ولعل نظرة سريعة فيما يعج به عالم الكتابة والتأليف من أبحاث ودراسات وكتب، تنبئك أن للزمان سطوة وتأثيرا ظاهرا على عامة المفكرين في تصوراتهم ونظراتهم إلى الأشياء والمسائل.
ومن ثم، تواتر عند العالمين عدم الاعتداد بالتاريخ مصدرا للتشريع، كما تواتر عند أهل العلم بالأصول والفقه أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والعادات والتقاليد، ويكاد علماء الرجال -الجرح والتعديل- يتفقون على عدم قبول رواية المحدثين الذين ابتلوا في المحن أو شاركوا في الفتن والاضطراب، ومرد هذا كله إلى الاعتراف الأكيد بتأثير الزمان والمكان الإيجابي أو السلبي على تفكير المفكر ونظرته إلى الأشياء وحكمه على الظواهر.
ولئن كان هذا الأمر جليا يدركه أولئك الذين يتعاملون مع أعمال المفكرين ويغوصون في أعماق مراميهم ومقاصدهم، فإن نظرة متمعنة في جل أعمال الإمام النورسي، تدلك على محاولته الدائبة والدائمة في الابتعاد عن إخضاع أفكاره وآرائه الإصلاحية لظروف الزمان والمكان، وتقلبات الأيام والأحوال، وإصراره على ضرورة جعل الأفكار والآراء حاكمة على الزمان والمكان لا محكومة بهما، فالزمان والمكان في نظره الصائب يجب أن يخضعا للآراء والأفكار لا لأن تخضع لهما الأفكار والآراء. ومقتضى هذه النظرة الابتعاد عن التأثر بتقلبات الأهواء والشهوات والإرادات عند الصدع برأي أو فكر، كما أن مقتضى هذه النظرة التجرد من القناعات القبلية المنسوجة إزاء شيء من الأشياء أو ظاهرة من الظواهر التي تحدث في المجتمع، وهذا ما نرومه من الموضوعية.
وقد أوفى نظرة الإمام النورسي -رحمه الله- إلى المسألة الغربية على الموضوعية والتجرد والوضوح، إذ إن نظرته تجاوزت الرضوخ لظروف الزمان التي كانت سائدة أيامئذٍ، وتجاوزت استحضار تقلبات المكان والتأثر بها، فعلى الرغم من الظروف النفسية العويصة الصعبة التي كانت الأمة الإسلامية تمر بها إبان الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغم من سيطرة الشعور بالهزيمة واليأس لدى البعض، واستعلاء الشعور بالانبهار والانخداع، فإن الإمام النورسي أبى أن تكون نظرته أسيرة لأي من هذين الشعورين المتأثرين بظروف الزمان والمكان والأحوال السائدة.
ولكأني بالإمام وهو يقدم نظرته القائمة على الموضوعية العلمية، يريد أن يقرر بجلاء ضرورة العودة إلى المنهج القرآني عند التعامل مع الأفكار والأشخاص، وهذا المنهج يرفض تبعية تعاليم الشرع للزمان والمكان غير الطبيعيين، ويراهما تابعين وخاضعين لها، وفي هذا يقول المولى الكريم مخاطبا نبيه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليمات ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾،المائدة:7 وقال في موضع آخر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلاَئِدَ وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.المائدة:2 وقال أيضا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلّٰهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.النساء:135
إن هذه الآيات الكريمات ومثيلاتها في الذكر الحكيم والأحاديث النبوية المتكاثرة تأكيد وتقرير بأن الموضوعية هي السمة الأساسية التي تميز شخصية المسلم عن غيره، وتجعل حكمه ونظرته إلى الأشياء والأفعال نظرة منصفة لا مكان فيها للأهواء والنزوات والتقلبات والاضطرابات، وأي حيدة عن الموضوعية، فإن من شأن ذلك أن يقود المرء إلى الظلم وعدم الإنصاف، وبخس الناس أشياءهم بغير حق، ومادام الظلم والحيف محرما في الشرع، فإن التغاضي عن محاسن المخالف وغمطه حقه يعد ذلك محرما بحسبانه ظلما، وقد حرّم الله الظلم على نفسه، وجعله محرما بين عباده.
ومن ثم، فإن نظرة المفكر المنصف الحصيف الرزين إلى المسألة الغربية ينبغي لها أن تكون موضوعية بحيث يبدي ما فيها من محاسن، ومساوئ، ولا يجوز لها نسبة محاسن إليها ليست فيها، أو نسبة مساوئ إليها، وكل ذلك يعد جورا وحيفا وظلما.
الثانية: العلمية والشمولية:
من المتفق عليه بين أولى العلم والنهى أن نظرة المفكر المنصف الواعي إلى الأحداث والمسائل ينبغي لها أن تختلف عن نظرة العامة وأنصاف المفكرين والعلماء، فالمفكر الحصيف يسمو بنظرته من أن تتأثر وتخضع لأهواء العامة وشهوات الحكام، ويدفعه ضميره الحي إلى التغلب على لحظات الغضب والانفعال عند البوح برأيه أو نظرته في مسألة من المسائل، ولا يمكن أن يعد المفكر مفكرا حقيقيا إذا كان همه إرضاء العوام، أو تكلف التقرب إلى الحكام على حساب فكره ورأيه ونظرته.
ومن ثم، فإن قراءة متأنية في الطروحات الفكرية التي تعج بها الساحة الإسلامية، تهدينا إلى الزعم بأن ثمة نجشا فكريا عمَت به البلوى في عالم الأفكار والآراء، كما تهدينا تلك القراءة إلى تقرير القول بأن هنالك فصامًا نكدا وانفصالا واضحا بين ما يحمله ضمير كثير من المفكرين من آراء وأفكار، وبين ما تدبّجه أقلامهم من آراء وأقوال وأفكار، ومرد هذه الازدواجية في عالم النخب والمفكرين إلى الرغبة العارمة إما: في إرضاء العامة وكسبهم العوام، أو التزلف إلى رجل السيف والتقرب منه بأبخس الأثمان وأنحس الطرق والوسائل. ولهذا، فلا غرو أن تنتعش وتروج في الواقع الإسلامي سوق الأفكار المنحوسة والتحليلات المدسوسة التي جلبت ولا تزال تجلب مزيدًا من التفتت والتشتت والتفكك للسواد الأعظم من أبناء الأمة.
ولقد كان من نتائج هذا الانحراف الفكري أن عاشت الأمة ولا تزال تعيش رهينة وفريسة التحليلات الفكرية المغشوشة والنظرات المتطرفة إلى المسألة الغربية والتي لا تخلو من أن يكون تطرفا إلى أقصى اليمين أو تطرفا إلى أقصى اليسار، واعتبارا بأن سياسات الأمم والدول ترسم في ضوء تلكم التحليلات التي يقدمها المفكرون أو المحسوبون على الفكر، فإنه ليس من عجب أن يشهد العالم الإسلامي إنقساما وتوزعا بين هذه التحليلات المتطرفة، إذ إن عموم الأمة والشعوب الإسلامية في أرجاء المعمورة إختارت إما: الجنوح التام للغرب بحسبانه الملاذ والمخرج مما نحن فيه من تخلف وتأخر، أو الإرتماء في أحضان الرفض التام للغرب بوصفه مصدر ومحور الشر الدائم للعالم الإسلامي، وباعتباره سبب كل الرزايا والبلايا والمآسي التي تجتاح العباد والبلاد.
إن غياب العلمية والشمولية في معظم الدراسات والأبحاث التي عني أربابها بتناول المسألة الغربية من زاوية ضيقة لهو المسؤول مسؤولية تامة عن هذه المواقف غير المتوازنة من المسألة الغربية، وبالتأمل في النظرة النورية إلى هذه المسألة، يجد المرء أنها سمت بنفسها من الوقوع في هذا التغييب المتعمد للعلمية والشمولية والموضوعية، إذ إنها اتسمت -كما رأينا- بتسليط الضوء على المسألة بصورة متوازنة وصريحة بعيدًا عن التأثر بتقلبات أهواء العوام، وأمزجة رجال السيف في تلك الأيام، ولقد اختار الاعتدال والوسطية في النظر إلى هذه المسألة، كما ابتعد عن التطرف لأقصى اليمين أو لأقصى اليسار، فالغرب في نظرته ليس كله شرا، وليس كله خيرا، بل إن العقيدة النصرانية الحقة هي الأخرى ليست عقيدة خالية من المبادئ السامية والخصال الحميدة، وليست هي المسؤولة عن نشأة ما سمّاه بأوروبا الثانية الضارة، وبالتالي، فإن التعامل معه ينبغي أن يقوم على استحضار أمين لهذا البعد، كما أن الحكم عليه ينبغي أن يتأسس على التمييز بين الغرب النافع والغرب الضار.
وفضلا عن هذا، فإنه لا ينبغي تحميل عقيدة أو دين التصرفات التي تقوم بها أوروبا الثانية، فالأديان السماوية كلها لا تقر بأي من تلك التصرفات، بل إن الأديان كافة تندد بها، وتنعى على فاعليها، وتتبرأ منها تبرؤا، وتراها شؤما ووبالا عليها. وعليه، فإن تلك الأوروبا تمردت على مبادئ الأديان السماوية كافة، وخاصة منها الديانة النصرانية الحقة، كما أنها تبرأت من المبادئ السامية التي تدعو إليها تلك الديانة، الأمر الذي صيَّرها أوروبا ضارة ومضرة بالبشرية جمعاء. وليس أدل على هذا من أن أوروبا الأولى التي تختلف في تصرفاتها وتعاملاتها عن أوروبا الثانية، كانت نافعة لأنها احتمت بالعديد من مبادئ النصرانية الحقة، كما أنها سخرت إنجازاتها وإمكاناتها وصناعاتها لخدمة البشرية، وتسهيل حياة الإنسان على الأرض بعيدا عن الاستعلاء والتجبر والطغيان والاعتداء والاستكبار.
إن علمية الطرح النوري لم تتوقف عند هذا الحد من النظرة الوسطية المعتدلة إلى الديانة النصرانية والمسألة الغربية، بل إن الإمام النورسي -رحمه الله- أصّر على ضرورة إبراز القيم والأسباب المادية التي مكنّت أوروبا من بناء حضارتها وتقدمها على غيرها من أمم الأرض، وتتمثل تلك القيم فيما تميزت ولا تزال تتميز به من التأني والانضباط والانتظام والصلابة والحزم وحسن التخطيط لكل ما تقدم عليه من عمل أو تصرف.
إن هذه القيم التي تعد في حقيقتها محاسن أوروبا ترتد في جذورها إلى المبادئ الشرعية التي دعا إليها ديننا الحنيف، غير أن عامة المسلمين في أرجاء المعمورة تجاوزوها وتغافلوا عنها، واستبدلوها بغيرها، وتشكو بلدانهم وأقطارهم من غياب هذه القيم وانعدامها شبه الكلي في كثير من الأحيان، ولا غرو -إذا- أن تكون النتيجة الحتمية -وفق السنة الإلهية- تقدم أوروبا وتفوقها على العالم الإسلامي في مجال الصناعة والتقنية والفنون، ولا عجب أن تحل حضارة أوروبا محل الحضارة الإسلامية، بل لا عجب في أن تخدم الحضارات تابعة وخاضعة لإملاءات الحضارة الغربية المتمكنة.
على أنه من الجدير بالتحرير والتقرير أن التزام الإمام النورسي العلمية في نظرته إلى المسألة الغربية لم يتوقف عند إبرازه محاسن أوروبا الأولى، والإشادة بالأسباب والمبادئ التي أقامت عليها تقدمها وتطورها ونهضتها، ولكنه انتظمت تلك العلمية تحليلا صريحا وواضحا لمساوئ أوروبا الثانية التي تمردت -كما سبق- على الدين العيسوي وعلى مبادئه الإنسانية، فهذه الأوروبا في نظرة الإمام -رحمه الله- هي المسؤولة عن جزء كبير من الشقاء والتعاسة التي يعيش فيها السواد الأعظم من البشرية، وقد أضرت هذه الأوروبا بالإنسانية، إذ إنها دفعت بإنجازاتها ونتائج علومها وصناعاتها إلى الإضرار بالإنسانية، كما أنها تعد في حقيقتها شقية وقلقة ومضطربة، ويعزو الإمام شقاء هذه الأوروبا إلى تمردها على مبادئ النصرانية الحقة، واستخدامها ما منّ الله به عليها من إنجازات وصناعات فيما لا يعود إلا بالشر والضرر على البشرية. ولهذا، فإن على العالم الإسلامي الإبتعاد عن هذه الأوروبا، فإنها لن تزيده إلا تخلفا وتأخرا وتقهقرا وارتكاسا وانتكاسا.
وصفوة القول، لقد أوفت النظرة النورية على العلمية والشمولية التي تحتاج إليها الأمة الإسلامية في العصر الراهن في تعاملها مع المسألة الغربية، وكان مقتضى هذه العلمية والشمولية ضرورة العودة الصادقة إلى تبني الأسباب والخصال الحميدة التي استندت إليها أوروبا في بناء نهضتها وتقدمها وحضارتها، كما كان مقتضاها ضرورة الوعي على أهمية الأديان وخاصة الأديان السماوية في ترشيد الإنجازات والصناعات وتسخيرها لخدمة البشرية والإنسانية، فليس ثمة دين سماوي يدعو أتباعه إلى تدمير البنى التحتية للأمم، وسفك الأرواح، وهتك الأعراض، وإبادة الممتلكات، والاستعلاء في الأرض، والتكبر على العباد، والخضوع للشهوات والنزوات، فكل أولئك آفات وأمراض تواترت الأديان السماوية على محاربتها والوقوف منها موقف الرفض والإنكار.
أجل، إنه ليس من عجب أن تكون العلمية حاضرة في جميع جوانب النظرة النورية، ذلك لأن الإمام -رحمه الله- تشبع من فهمه للمنهجية القرآنية القائمة على العلمية المتمثلة في الدعوة المستمرة إلى الوسطية ورفض الغلو والتطرف والتزمت في السلوك والمعتقد والتصرف، فقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة التي تدعو المسلمين إلى التزام الاعتدال والوسطية في أفكارهم وتصرفاتهم، ومن ذلك قوله تعالى واصفا الأمة ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾البقرة:143 وقوله ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾،الفرقان:67 وثمة نصوص عديدة في هذا المجال لا يتسع المقام لعرضها.
إن تبرأ الشرع الحنيف من الأمراض الفكرية المتمثلة في الغلو والتطرف والتزمت والتبرم، يعود إلى كون هذه الأمراض الأسباب الرئيسة وراء الانزلاقات الفكرية والزلات العقدية، ذلك لأن غياب الاعتدال والوسطية في التفكير والتحليل والتقويم ينتج عنه نشأة تلك الأمراض، كما ينتج عنه إصابة الأمم في ضعف في رؤيتها، ووهن في سلوكياتها، وعجز في تعاملها مع أزماتها ومشكلاتها.
ومهما يكن من شيء، فإن ما نراه اليوم من تصرفات هوجاء وسلوكيات حمقاء ناتجة عن الغلو والتطرف والتزمت من لدن بعض أتباع الأديان السماوية، لا ينبغي نسبتها إلى الأديان السماوية، فجميع تلك الأديان بريئة من كل دم يسفك باسمه، ومن كل عرض يهتك باسمه، ومن كل مال يباد باسمه.
إن الحوار والسلام والأمان والأمن والاستقرار يعد أولئك ركائز وأسسا دعت إلى توفيرها وتعميقها وتثبيتها جميع الأديان السماوية، ولم يشذ عنها دين سماوي قط، وقد حاول الإمام النورسي -رحمه الله- تقرير هذا التفكير والتأكيد عليه، سعيا منه إلى القضاء على تذرعات المتذرعين، وخداعات الخادعين والمخادعين الذين يستندون إلى الأديان السماوية في تصرفاتهم المخالفة لتعاليم تلك الأديان جملة وتفصيلا.
المبحث الثالث: النظرة النورية وواقع العالم الإسلامي.
ليس بخاف على أحد أن الأمة الإسلامية اليوم على مفترق الطرق، وتمر بمنعطفات خطيرة، كما تواجه تحديات جسيمة، مما يجعل مفكريها مطالبين اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يتسموا بالشجاعة الفكرية في نظراتهم، وأن يتحلوا بالرشد العلمي في تحليلاتهم، وأن يسموا في أفكارهم وآرائهم على الخضوع لتقلبات أهواء العوام ولضغوطات المؤسسات المتسلطة على الأفكار والأحلام، فواجبهم اليوم الأخذ بأيدي الأمة نحو سبل الرشاد، والبوح مخلصين وصادقين بما تملي عليهم ضمائرهم البوح به تجاه الأحداث العالمية المتراكمة والمتعاقبة والمتلاحقة.
إن المرحلة الفكرية الراهنة لعموم الأمة عويصة وشاذة ومعقدة، والواقع السياسي للسواد الأعظم من الديار الإسلامية لا يسر الأعداء ولا الأصدقاء، وينذر بمزيد من الآلام والمعاناة والإحن والمحن إذا لم يشمل الأمة لطف من الله في قدره وقضائه. إنه ليس بخاف على أحد من الغيارى والمفكرين صنوف الأعراض والأمراض التي تجتاح الأمة، وطمع القوى والتكتلات العالمية في ثرواتها ومواردها الطبيعية، فضلا عن تلذذ المكابرين بامتهان كرامتها وعزتها، مما جعل وزن الأمة يشهد يوما بعد يوم تراجعا وتقهقرا في المحافل الدولية.
إن هذه المحن القاسيات والفجائع المبكيات هي التي دفعت الإمام النورسي -رحمه الله تعالى- أن ينذر حياته للتنبيه عليها، وتحذير الأمة من عواقبها، مما جعله بحق رجل القدر في حياة أمة. إننا نعتقد أن عموم الأمة مسؤولة عن هذه الظروف الاستثنائية، وتقع المسؤولية على النخب والمفكرين الذين رسموا للأمة سياساتها وعلاقاتها مع المحتلين والغزاة، حيث إنه بفعل من النخب غدت دول العالم الإسلامي -إلى وقت قريب- متوزعة على ما كان يعرف بالمعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، وبانتصار المعسكر الغربي على المعسكر الشرقي، أجبر المنضوون تحت لواء المعسكر ال
Birincil Dil | Arapça |
---|---|
Bölüm | ARTICLES |
Yazarlar | |
Yayımlanma Tarihi | 1 Haziran 2012 |
Yayımlandığı Sayı | Yıl 2012 Sayı: 5 |