سياسة العالم الإسلامي في القرن العشرين في نظر النورسي
د. أحمد داود أوغلو1
1- المدخل:
الحياة الاجتماعية والفكرية لبديع الزمان سعيد النورسي وكفاحه، هي انعكاس لظروف العالم الإسلامي لما تعرّضت له هذه الشخصية الأنموذجية. وقد دخل العالم الإسلامي في هذا القرن بأربع صفحات مهمة، تشكل كل واحدة منها تكاملاً في المجال النظري والعلمي.2 الصفحة الأولى تشمل الربع الأول من هذا القرن حتى انهيار الخلافة، وقد قام العالم الإسلامي بما فيها الخلافة العثمانية بآخر حركة مقاومة تجاه الغرب الأوروبي. وشهدت هذه المرحلة الانعكاسات النظرية والعملية للكفاح ضد الاستعمار في العالم الإسلامي.
في ظل مرحلة تميّزت بعلاقات دولية مؤسسة على المنافسة الاستعمارية، كانت إستراتيجية السلطان عبد الحميد الثاني في مقاومة الضغوط الإستعمارية مستندة إلى فكرة الاتحاد الإسلامي، ومثّلت الجبهة العملية لهذا الكفاح، حربا البلقان، ومقاومة طرابلس الغرب أو الحرب العالمية الأولى، وحرب الإستقلال، وحركة الكفاح على محور إسطنبول -مصر- الهند، وهي انعكاس للجبهة النظرية لمرحلة المشروطية وأفكار الحرية، التي سعت إلى إحداث نقاش في موضوع البناء من جديد بالمعنى السياسي في العالم الإسلامي والذي تكاثف على محور إسطنبول -مصر- الهند، وتشخّصت مساعي جهود الإصلاح المختلفة في شخصية جمال الدين الأفغاني.
والمرحلة الثانية تبدأ من إلغاء الخلافة وتنتهي بالحرب العالمية الثانية، فَقَدَ فيها العالم الإسلامي نقاطا أمام مقاومة النظام العالمي الاستعماري مُجْتَمِعاً أوكل على حده. ظهرت في هذه المرحلة تغييرات جذرية في تاريخ الحضارة الإسلامية من منظور المجتمعات الإسلامية، وهذا ليس جديدا، وفقدت جميع المؤسسات والمفاهيم الإسلامية التقليدية فاعليتها في هذه المرحلة. وألغيت الخلافة التي كانت تمثل وحدة المسلمين، وأقحمت المبادئ والمؤسسات الإسلامية في غيبوبة، واستعمرت جميع البلدان الإسلامية ما عدا تركيا وإيران وأفغانستان، وأهملت في هذه البلاد المؤسسات والثقافة السياسية التي تؤمّن خاصية القوة السياسية والاجتماعية الحقيقية للإسلام.
إختارت المجتمعات الإسلامية التي فقدت مركزها، طريق الدفاع عن الإسلام تجاه الإيديولوجيين المعاصرين الذين يسعون لإقامة دينهم في المجال النظري، بواسطة تشكيل هيئات جماعية لمواجهة ضغوط الإدارة الاستعمارية. فكان من نتائج هذا السعي أن تشكّلت جماعات إسلامية في مصر وباكستان وتركيا والتي تعرف اليوم بالحركات الإسلامية.
ونستطيع أن نلخص التيارات الأساسية المتعلقة بالبحوث النظرية السياسية في هذه المرحلة التي أبعدت فيها المجتمعات الإسلامية عن استمرار الروابط النظرية والعملية في ثلاث نقاط رئيسية حول ثلاثة شخصيات:
1- الرأي الذي يرفض تماماً الرسالة السياسية والمميزة للإسلام الذي شكل أساس الخلافة، واهم مثال على ذلك كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق.3 ومثّل هذا الفكر الطريق الأنسب -بحسب تقدير أصحابه- لدفع التناقض الموجود برفض النظرية والتجربة التاريخية.
2- الرأي الذي يتخذ أساسا له وجوب إصلاح المؤسسات الإسلامية وعلى رأسها مؤسسة الخلافة. وأهم مثال على ذلك كتاب الخلافة لرشيد رضا،4 هذا الكتاب ألف بعد إلغاء الخلافة مباشرة، فهو يرى من جهة أن قيام النظام الجديد في تركيا بفصل السلطة عن الخلافة هو تقييد للسلطة الظالمة، ومن جهة أخرى يصر على ضرورة وجود هذه المؤسسة مع إجراء بعض الإصلاحات عليها بمراجعة المصادر التقليدية.
3- الرأي الثالث، يتناول القضية السياسية في إطار عام يحتكم إلى الخلفية النظرية، ويضع في صدارة اهتماماته التجديد في المبادئ، ويمثّل كتاب "تجديد الفكر الديني في الإسلام"5 لمحمد إقبال مثالاً على ذلك، إذ بيّن أنّه يمكن تحقيق الروح الجمهورية بالإجماع.
وبالتالي فإنّ جعل المفاهيم والمؤسسات المستمدة من المخزون التاريخي فضلا عن قضية التنظير للسياسة الإسلامية، خارج الدورة في هذه المرحلة، أهمّ ما شغل الفكر، ثم السعي للتشكل في إطار جديد؛ يمكن تلخيصه بالسعي لحل المشكلات التي ظهرت نتيجة البقاء خارج المركز السياسي عملياً عن طريق تشكيل الجماعات، والسعي لتقوية المقاومة تجاه النظام العالمي الإستعماري.
المرحلة الثالثة وتبدأ من الحرب العالمية الثانية وخاصة حرب قبرص، وتستمر حتى الربع الأخير من هذا القرن، وتتميز بالثورة الإيرانية والجهاد الأفغاني، وميزة هذه المرحلة ظهور استقلال كثير من الدول الإسلامية نتيجة الثورات على الاستعمار، مما بعث فيهم الشعور بضرورة الاتحاد في إطار منظمة التنمية الإسلامية. وكانت ميزات الدولة الوطنية ومكانة الإسلام فيها من القضايا التي شكّلت بؤرة النقاش النظري الأساسي فيها. ورافقت هذه المرحلة مناقشة مكانة الخلافة في الدولة الإسلامية، ومما أثار النقاش أيضا الخلاف بين الهوية الوطنية في الدول الوطنية والهوية العالمية للإسلام، والصراعات التي دخلتها دولة الخلاقة مع الأنظمة العالمية بسبب ماضيها الإسلامي، فضلا عن مشكلة محاولات تشكيل حياة سياسية وعسكرية واقتصادية بناء على عناصر جديدة للاستقلال في النظام الدولي.
وإن اضطرار تركيا في بداية الربع الأخير من هذا القرن، في المرحلة الثانية التي رجحت طريق التغريب بشكل جذري وإبعاد الإسلام من الساحة الاجتماعية، واضطرت تركيا في الوقت نفسه إلى منازلة الغرب في قبرص، كما عرفت المرحلة البناء الثوري الذي ظهر نتيجة انفجار اجتماعي أطاح بالشاه في إيران، وقد عُرِف المدّ الثوري بمقولاته المعادية للغرب، وفي الفترة نفسها ظهر الجهاد الأفغاني الذي كشف عن عجز إحدى الدول العظمى وأفسد بناء المعسكرين الذي يستند عليه النظام العالمي، وحركة الانتفاضة في فلسطين التي أوقفت التوسع العسكري الإسرائيلي بردّات الفعل الاجتماعية الأساسية، والاعتداء على المسجد الأقصى في الستينات، كلّ ذلك وغيره قَوَّى الشعور بالحاجة إلى التعاون بين الدول الإسلامية.
العالم الإسلامي أمام تحديات كبيرة، بالرغم من تشعّب قضاياه السياسية وكثرتها، وعدم كفاءة دوله في المجال الاقتصادي والعسكري، وسيفضي هذا التحدي إما إلى زعزعة أكبر لوضع العالم الإسلامي تجاه القوى الحاكمة بانتظام، وذلك بطريق تقوية البناء الاستعماري الجديد، أو سيتولّد عنها أولى حركات يقظة حضارية جديدة وذلك عبر مرحلة طويلة.
تظهر انعكاسات مختلف خواص المرحلة ومتطلباتها عند تناول حياة بديع الزمان وآرائه المتعلقة بالعالم الإسلامي، فنكتشف الفكرة ونحرجها إلى طور التصور لأجل صناعة اليقظة.
2- المرحلة الأولى: جهود المقاومة في العالم الإسلامي وسعيد القديم.
يظهر الخط التاريخي الفاصل بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية الفرق بين سعيد القديم وسعيد الجديد من الناحية النظرية والعملية. إن البحث عن حلول نظرية ومقاومة سياسية عملية في المرحلة الأولى انعكست على الجهود العلمية والسياسية لسعيد القديم. وقد كان سعيد القديم يحمل ميزة اجتماعية قوية، وكان نشطاً يبحث عن الحلول. وقد بذل جهوداً فكرية وفعلية في كل قضية تتعلق بالعالم الإسلامي وخاصة بالجغرافيا العثمانية، وتجلت في آثار سعيد القديم آراءه السياسية والاجتماعية المتعلقة بالوضع العام للعالم الإسلامي.
ويشهد لها كلماته وكتاباته قبل المشروطية وبعدها، والكلمة التي ألقاها خلال المحاكمات التي تعرض لها بسبب حادثة 31 آذار في كتاب سماه "شهادة مدرستي المصيبة" أو "المحكمة العسكرية العرفية". ومسامراته مع العشائر في الشرق سنة 1919م جمعها في كتاب "المناظرات"، ثم وضع الخطبة التي ألقاها في دمشق بكتاب "الخطبة الشامية"، ورسالة "السنوحات" التي كتبها بعد عودته من الأسر في مرحلة الانتساب إلى دار الحكمة الإسلامية، هي جميعها آثار تعكس الجهود العملية والنظرية، وهي الآثار الأساسية التي تعكس الآراء السياسية والاجتماعية لبديع الزمان بشكل مكثف. ويمكن أن نجمع آراءه التي تقارن بين حضارتين في هذه الكتب، والتي تعرض مشكلات العالم الإسلامي وحلولها في ثلاثة عناوين.
1- الإسلام والغرب: المقايسة بين الحضارات
يتضح من الأفكار التي عرضها بديع الزمان في هذه المرحلة أنّ القضية ليست صراعاً سياسياً وتاريخياً فقط، بل يراها صراع حضارة شاملة، وأنه يتناول القضايا الأساسية للعالم الإسلامي انطلاقاً من هذه النقطة. وإن المقايسة التي أجراها بين أسس الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، مهمة جداً من حيث بيان عُمَد القضايا الرئيسة وانعكاساتها السياسية والاجتماعية العالمية.
"لأنها تأسست على خمسة أسس سلبية:
فنقطة استنادها هي: القوة، وهذه شأنها: الاعتداء.
وهدفها وقصدها: المنفعة، وهذه شأنها: التزاحم.
ودستورها في الحياة: الجدال والصراع، وهذا شأنه: التنازع.
والرابطة التي تربط المجموعات البشرية هي: العنصرية والقومية السلبية التي تنمو على حساب الآخرين. وهذه شأنها: التصادم، كما نراه.
وخدمتها للبشرية خدمة فاتنة جذابة هي: تشجيع هوى المنفعة، وإثارة النفس الأمارة وتطمين رغباتها وتسهيل مطالبها."6
"أما المدينة التي تأمرنا بها الشريعة الغرّاء وتتضمنها، فهي التي ستنكشف بانقشاع هذه المدنية الحاضرة، وتضع أسساً ايجابية بناءة مكان تلك الأسس النخرة الفاسدة السلبية.
نعم! إن نقطة استنادها هي الحق بدلاً من القوة. والحق من شأنه العدالة والتوازن. وهدفها: الفضيلة بدلاً من المنفعة، والفضيلة من شأنها: المحبة والتجاذب.
وجهة الوحدة فيها والرابطة التي تربط بها المجموعات البشرية: الرابطة الدينية، والوطنية، والمهنية بدلاً من العنصرية. وهذه شأنها: الأخوة الخالصة، والسلام والوئام، والذود عن البلاد عند اعتداء الأجانب.
ودستورها في الحياة: التعاون بدل الصراع والجدال، والتعاون من شأنه التساند والاتحاد.
وتضع الهدى بدل الهوى ليكون حاكماً على الخدمات التي تقدم للبشر، وشأن الهدى: رفع الإنسانية إلى مراقي الكمالات، فهي إذ تحدد الهوى وتحدّ من النزعات النفسانية تُطمئن الروح وتشوقها إلى المعالي."7
تعكس مقايسة بديع الزمان خاصية معيارية لتاريخ الفكر السياسي الإسلامي التقليدي. يستند هذا الفكر الحق والعدل والتعاون وغيرها من القيم اللازمة لتحقيق النظام والاستقرار الاجتماعي أكثر مما هي تحليل للتغيير الاجتماعي. فالمعادلة التي وضعها المفكرون أمثال ابن خلدون، وطورسون بك، وصارت قيمة سياسية مشتركة للمجتمعات الإسلامية، تختلف بشكل قطعي عن تقاليد الفكر الغربي الذي يتوجه لتحليل التغير الاجتماعي، ويستند على أسس المنافسة والصراع بين الطبقات.
بيّن بديع الزمان في هذه المقايسة أنّه يمكن أنْ تعيش القيم الإسلامية مرة أخرى تجاه نظام الحضارة الغربية المستند على أساس القوة والصراع. واللافت للنظر هنا هو اتخاذ عنصر الوطن والصنف مكانهما في هذه الخطة التقليدية، وفي هذا السياق يتناول بديع الزمان المفهومين الأساسيين للإيديولوجية القومية والاشتراكية داخل مجموع القيم الإسلامية الأساسية ويسعى لإقامة التوازن بين سلبيات وإيجابيات الأيديولوجيتين.
تميّز فكر سعيد القديم في التعامل مع الحضارة الغربية عن المفكرين الآخرين، فإنه بالرغم من جميع الأزمات والهزائم التي عاشها، إتبع الصراع المباشر أسلوباً في كثير من الأحيان، ونهج سلوكاً أصرّ فيه على أن النصر والتفوق النهائي هو للإسلام - أو للشرق - وهذا الموقف الصامد والعزيز والمؤيد أحياناً بالرؤى وأحياناً بالنظرة الثاقبة إلى المستقبل وبالإشارات المعنوية، فإنه كان يسوق إلى الأمل دوماً رغم الظروف السلبية التي عاشها. وخير ما يعكس هذه النفسية بشكل عجيب القسم المعنون باسم "خطاب في رؤيا" في رسالة السنوحات التي ألفها سنة 1919م "1335هـ" وهي المرحلة التي تمزقت فيها الدولة العثمانية.
"كانت خصومة الشرق تخنق انبعاث الإسلام وصحوته. وقد زالت وينبغي لها ذلك. أما خصومة الغرب فينبغي أن تدوم لأنها سبب مهم في تنامي الأخوة الإسلامية ووحدتها، وإذا بأمارات التصديق تتعالى من المجلس. فقالوا: نعم، كونوا على أمل؛ أن أعظم صوت داوٍ في انقلابات المستقبل هو صوت الإسلام الهادر."8
كما كان يخالف المنادين بالفكر المعاصر والذين بقوا تحت تأثير النفسية الانهزامية تجاه الغرب في تلك المرحلة والتي ترى أنّ الدين عائق أمام التطور، ويسعى للإيضاح بأن تطور المجتمعات الإسلامية والشرقية لا يتم إلا بالأسس الدينية، وذلك بطراز مقارن، حيث قال:
"إنّه بنسبة قوة الحقائق الإسلامية وبنسبة التزام المسلمين تلك الحقائق، يزدادون رقياً وتقدماً، هكذا يرينا التاريخ. ويرينا أيضاً أنّه بقدر ضعف تمسكهم بتلك الحقائق يصابون بالتوحش والتخلف والإضمحلال والوقوع في ألوان من الهرج والمرج والاضطرابات. ويُغلَبون على أمرهم.. أما سائر الأديان الأخرى فالأمر فيها على عكس الإسلام، أي: بقدر ضعف تمسّك أتباعها وضعف تعصبهم وصلابتهم في دينهم يزدادون رقيا وتقدماً، وعلى قدر تعصبهم وتمسكهم بدينهم يتعرّضون للإنحطاط والإضطرابات.
هذا هو حكم التاريخ... وهكذا مرّ الزمان إلى الآن."9
"إن ظهور جمهور الأنبياء في الشرق رمزٌ من القدر الإلهي: إن المهيمن على شعور الشرقيين هو الدين. فما نراه في الوقت الحاضر من مظاهر اليقظة في أنحاء العالم الإسلامي تثبت لنا أن الذي ينبه العالم الإسلامي وينقذه من الذل والهوان هو الشعور الديني ليس إلاّ.
وقد ثبت أيضاً أنّ الذي حافظ على هذه الدولة المسلمة ‘العثمانية' هو ذلك الشعور رغم جميع الثورات والمصادمات الدامية التي نشبت في أرجائها... فنحن نتميز بهذه الخاصية عن الغرب، ولا نقاس معهم."10
2- النقاط المتعلقة بالقضايا الأساسية للعالم الإسلامي
أظهر بديع الزمان التفوق العقيدي للإسلام تجاه الغرب والذي وضح باستمرار تفاؤله بالمستقبل، قام بوضع نقاط مهمة تتعلق بالضعف العملي للعالم الإسلامي وبالطرق التي تقضي على هذا الضعف. وخلال ذلك اهتم بالتمييز بين تقصير العالم الإسلامي والإسلام نفسه. وهذا التمييز يظهر بشكل بارز في قوله:
"وقد شاهدت أيضاً، أن الإسلام الذي يشكل المدنية الحقيقية قد تأخر عن المدنية الحاضرة مادياً، فكأن الاستلام قد استاء من سوء أخلاقنا فمضى راجعاً إلى الماضي ليشكونا إلى خير القرون."11
يرى سعيد القديم أن العالم الإسلامي "مجلس النواب، ومجلس الشورى غير منتظم أو الذي اختل انتظامه،"12 ويسعى بمختلف الوسائل إلى بيان الأمراض التي كانت سببا في تخلف العالم الإسلامي. وأبانت هذه الأمراض عن الفساد السلوكي العام للمجتمع أحياناً، وأخطاء النخبة في العالم الإسلامي أحياناً أخرى. وقد جمعت المفاسد السلوكية العامة التي سيطرت على المجتمع في الخطبة الشامية في ستة أصناف:
"أولاً: حياة اليأس الذي يجد فينا أسبابه وبعثه.
ثانياً: موت الصدق في حياتنا الاجتماعية والسياسية.
ثالثاً: حبّ العداوة.
رابعاً: الجهل بالروابط النورانية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.
خامساً: سريان الاستبداد، سريان الأمراض المعدية المتنوعة.
سادساً: حصر الهمة في المنفعة الشخصية."13
والفرق الموجود بين الإسلام والشريعة، والأحوال السيئة للمسلمين يجلب السلوك الفاسد للنخبة وأفكارهم الخاطئة لموضوع النقاش:
"فالحرية والعدالة والمساواة التي كان يترفل بها خير القرون والخلفاء الأربعة، ولاسيما في ذلك الوقت، دليل علي أن الشريعة الغراء جامعة لجميع روابط المساواة والعدالة والحرية الحقة. فآثار سيدنا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما وصلاح الدين الأيوبي دليل وأي دليل على هذا الادعاء.
ومن هنا فإني أقرر:
إن سبب تأخرنا وتدنينا وسوء أحوالنا إلى الآن ناتج مما يأتي:
1- عدم مراعاة أحكام الشريعة الغراء.
2- تصرفات بعض المداهنين تصرفاً عفوياً.
3- التعصب المقيت في غير محله سواءً لدى عالم جاهل أو جاهل عالم!
4- تقليد مساوئ المدنية الأوروبية تقليداً ببغائياً -بسوء حظنا أو سوء اختيارنا- مما ولّد تَرْكَنا لمحاسن المدنية التي لا تستحصل بغير مشكلات ومصاعب.
فلو قام الموظفون خير قيام بوظائفهم وسعى الآخرون حسب الظروف المحيطة وما يتطلبه الزمان الحاضر، فلن يجد أحد متسعاً من الوقت للسفاهة. ولو انهمك أي منهما بها فلا يكون إلاّ جرثومة خطرة في جسم المجتمع."14
3- البحث عن الحل بمواجهة أزمات العالم الإسلامي
أ- المبادئ الأساسية:
1- الثقة بالنفس: يمكن التفكير بوصفة بديع الزمان للخروج من هذه الأزمة على شكل حلقات متداخلة تبدأ من الفرد وتتجه نحو العالم الإسلامي. وأكثر نقطة أصر عليها في الخطة الفردية هي تقوية الثقة بالنفس بالتجديد النفسي. وقد أوصى سعيد القديم في جميع رسائله وكلماته في المرحلة التي عاش فيها العالم الإسلامي أزمات وهزائم كبيرة بالأمل تجاه اليأس. والحقيقة إن أهم أساس نفسي يجعل المجتمعات تستطيع الوقوف على أقدامها في مراحل الأزمات ويدفعها للكفاح من أجل المستقبل هو الشعور بالثقة بالنفس. وكي لا يفقد الفرد المسلم أساس هذه المقاومة النفسية يقوم سعيد القديم بإدخال الأسس العقيدية أحياناً، والأحداث الطبيعية أحياناً أخرى، والاستطلاعات المعنوية، أحياناً يقوم بديع الزمان بتحويل الإيمان بالقدر إلى بؤرة مقاومة نفسية حركية بقوله: "إن المستقبل سيكون للإسلام، وللإسلام وحده. وأنّ الحكم لن يكون إلاّ لحقائق القرآن والإيمان. لذا فعلينا الرضى بالقدر الإلهي وبما قسّمه الله لنا؛ إذ لنا مستقبل زاهر، وللأجانب ماضٍ مشوش مختلط"15 كما سعى لجعل الأمل المتعلق بالمستقبل للكتل الإسلامية مستمراً انطلاقا من الأحداث الطبيعية التي يشاهدها الناس يومياً بقوله "وكما أنّ الشتاء يعقبه الربيع والليل يخلفه النهار، فسيكون للبشرية ربيع ونهار إن شاء الله، ولكن أن تنتظروا من الرحمة الإلهية شروق شمس حقيقة الإسلام، فتروا المدنية الحقيقية في ظل سلام عام شامل"16 وقد تناول موضوع الأمل "التفاؤل" والثقة بالنفس بدرجة بالغة الأهمية، حيث تم تقييم المصائب التي حدثت في نهاية الحرب العالمية الأولى على أنها دليل على النجاح المستقبلي والوحدة الإسلامية:
"إنّ المصيبة ليست شراً محضاً، فقد تنشأ السعادة من النكبة والبلاء، مثلما قد تفضي السعادة إلى بلاء... فهذه الدولة الإسلامية التي أخذت على عاتقها -سابقاً- القيام بفريضة الجهاد -فرضاً كفائياً- حفاظاً على العالم الإسلامي وهو كالجسد الواحد، ووضعت نفسها موضع التضحية والفداء لأجله، وحملت راية الخلافة إعلاءً لكلمة الله وذوداً عن استقلال العالم الإسلامي... ستعوّض عما أصابتها من مصيبة، وستزيلها السعادةُ التي سوف يرفل بها العالم الإسلامي.
إذ عجّلت هذه المصيبة بعث الأخوة الإسلامية ونماءها في أرجاء العالم الإسلامي، تلك الأخوة التي هي جوهر حياتنا وروحنا. حتى أننا عندما كنا نتألم كان العالم الإسلامي يبكي، فلو أوغلت أوروبا في إيلامنا لصرخ العالم الإسلامي.
فلو متنا فسوف نموت عشرون مليوناً ‘من العثمانيين الأتراك' ولكن نُبعث ثلاثمائة ‘أي ثلاثمائة مليوناً من المسلمين'.
نحن نعيش في عصر الخوارق. فبعد مضي سنتين أو ثلاث على موتنا سنرى أحياءً يبعثون.
لقد أفقدتنا الهزيمة سعادة عاجلة زائلة، ولكن تنتظرنا سعادة آجلة دائمة، فالذي يستبدل مستقبلاً زاهراً فسيحاً بحال حاضرٍ جزئي متغير محدود، لا شك أنه رابح..."17
2- الحرية المشروطية: إن العنصر الأساسي الذي يؤسس العلاقة بين الفرد والمجتمع في نظام الفكر عند بديع الزمان، هو فكر الحرية الذي يؤمِّن تَحَوُّل التجدد النفسي والشعور بالثقة بالنفس إلى مشاركة اجتماعية وسياسية. وقد أعطى بديع الزمان أهمية لهذا المبدأ الأساسي في مرحلة سعيد الجديد، حيث قال: "إن أكثر شيء احتاج إليه، وأهم دستور في حياتي هو حريتي"18 و "أنا أعيش دون خبز لكن لا أعيش دون حرية"19 ويقوم بتأسيس علاقة مباشرة بين العقيدة والحرية. ويبين أنّ فكر الحرية المنسوب إلى الغرب اكتسب قيمته الحقيقية في العقيدة الإسلامية، حيث يقول:
"المؤمن حرّ في ذاته. فالذي هو عبد لله رب العالمين لا ينبغي له أن يتذلل للناس، بمعنى: كلما رسخ الإيمان قويت الحرية."20
إن العلاقة المنطقية التي أسسها بديع الزمان بين الإيمان، والحرية، والحقوق تشكل أساس آرائه السياسية والمشاركة السياسية للفرد:
"لأن الذي ينتسب إلى سلطان الكون برابطة الإيمان ويكون عبداً له تتنزّه شفقتُه الإيمانية عن التجاوز على حرية الآخرين وحقوقهم، مثلما تترفع شهامتُه الإيمانية وعزته عن التنازل بالتذلل للآخرين والانقياد لسيطرتهم وإكراههم.
نعم. إنّ خادماً صادقاً مخلصاً للسلطان لا يتذلل لتحكّم راعٍ وسيطرته، كما لا يتنازل أن يفرض سيطرته على مسكين ضعيف. فبمقدار قوة الإيمان إذن تتلألأ الحرية وتسطع. فدونكم خير القرن، العصر السعيد، عصر النبوة والصحابة الكرام."21
وإن مشاهدة بديع الزمان العلاقة التي أسسها بين الحرية والإيمان أهم عائق أمام الاستبداد والتحكم، وهو ما بعثه على تأييده حركة المشروطية. ويذكر هذه الحقيقة في كتابه المحكمة العسكرية:
"إنّ أوروبا تظن الشريعة هي التي تمدّ الاستبداد بالقوة وتعينه. حاش وكلا... إنّ الجهل والتعصب المتفشيان فينا قد ساعدا أوروبا لتحمل ظناً خاطئاً من أنّ الشريعة تعين الاستبداد. لذا تألمت كثيراً من أعماق قلبي على ظنهم السيئ هذا بالشريعة."22
ومن هذه الزاوية فإن الحرية بالنسبة للمجتمعات الإسلامية ضرورة مطلقة من أجل البناء السياسي الداخلي، ومن أجل الاستقلالية في العلاقات الخارجية:
"إنّ المدخل الأول لتقدم آسيا والعالم الإسلامي في المستقبل هو المشروطية المشروعة والحرية التي هي ضمن نطاق الشريعة."23
ويتضح من هذا أنّ الحرية هي المبدأ الأساسي للبناء السياسي والترقي الاجتماعي إذا وضعت تحت الرقابة الحقوقية والشرعية، "لأن الحرية الحسناء ما هي إلاّ تلك المتأدبة بآداب الشريعة والمتزينة بفضائلها، وليست تلك التي في السفاهة والرذائل".24
و "إنّ الحرية العامة هي المحصّلة الناتجة من حريات الأفراد، ومن شأن الحرية عدم الإضرار سواء بالنفس أو بالآخرين."25
إنعكس فكر بديع الزمان في استخدام الحرية، داخل حدود المشروعية والحقوق الجارية، على عمله السياسي. يظهر هذا المعنى من الخطاب الذي ألقاه في سلانيك بعد ثلاثة أيام من إعلان المشروطية، والذي دعا القائمين فيه على المشروطية بالبقاء داخل الحدود المشروعة "لا تفسروا الحرية تفسيراً سيئاً كي لا تفلت من أيديكم، ولا تخنقونا بسقي الاستعباد السابق الفاسد في إناء آخر ذلك لأن الحرية إنما تزدهر بمراعاة الأحكام الشرعية وآدابها والتخلق بالأخلاق الفاضلة."26
وقد وجه النداء نفسه إلى النواب في جامع آيا صوفيا:
"إفهموا المشروطية في ضوء المشروعية وتلقوها على أساسها، ولقّنوها الآخرين على هذه الصورة. كي لا تلوثها باليد القذرة لاستبداد جديد متستر وملحد باتخاذ ذلك الشيء الطيب المبارك ترساً لأغراضه الشخصية. قيّدوا الحرية بآداب الشرع لأنّ عوام الناس والجاهلين يصبحون سفهاء وعصاة وقطاع طرق، فلا يطيعون بعد أنْ ظلوا أحراراً سائبين بلا قيد وشرط."27
كما وجه هذا التنبيه إلى أساس المشروعية للعساكر المتمردين في أحداث 31 آذار.28
3- الأمة الإسلامية وقضية الهوية: يتعلق المبدأ المهم الآخر والذي يشكل أساس آرائه السياسية لسعيد القديم بقضية الهوية. وبيّن بإصرار أنّ كل التيارات العثمانية، والإسلامية، والتركية التي ظهرت في أواخر أيام الدولة العثمانية من أجل تنظيم الدولة من جديد تشكّلت بناء على هوية مستقلة. وبعد عصيان العناصر غير المسلمة في البلقان فقدت فكرة العثمانية تأثيرها بشكل كبير.29
كان في بداية القرن العشرين التمايز بين الهوية الدينية التي تستند على الفكر الإسلامي، وبين الهوية القومية التي تستند على التيارات القومية التركية وغيرها. وقد مدح سعيد القديم الذي رأى التأثير الجديد للتيارات القومية القائمة على محاولة التوفيق بين هاتين الهويتين وانتظامهما من جهة، كما مدح الهويات القومية التي خدمت الإسلام بمختلف الوسائل، واعتبرها معبّرة عن التوحيد لأجل الهداية الإسلامية من جهة أخرى.
الوحدة بين الدين والقومية يجب أنْ تتخذ مكانة في أعلى هرم الهوية الإسلامية. وهذا هو أهم فرق بين المجتمعات الغربية التي تتخذ القومية أساساً لهويتها والمجتمعات الشرقية التي جعلت الدين والقومية وحدة لا تتجزأ. وأثناء مرافقته السلطان رشاد في سياحته لروم ايلي تظهر مرحلة سعيد القديم بشكل واضح في المحاورة التي جرت حول الأمة الإسلامية والقومية:
"نحن معاشر المسلمين، الدين والملية عندنا متحدان بالذات، والاختلاف اعتباري، أي ظاهري، عرضي، بل الدين هو حياة الملية وروحها. فإذا ما نُظر إليهما بأنهما مختلفان ومتباينان، فإنّ الحمية الدينية تشمل العوام والخواص، بينما الحمية الملية تنحصر في واحد بالمائة من الناس، ممن يضحي بمنفعته الشخصية لأجل الأمة.
وعليه فلابد أن تكون الحمية الدينية أساساً في الحقوق العامة، وتكون الملية خادمة منقادة لها وساندة حصينة لها.
فنحن الشرقيين لا نشبه الغربيين، إذ المهيمن على قلوبنا الشعور الديني؛ فإن بعث الأنبياء في الشرق يشير به القدرُ الإلهي إلى أنّ الشعور الديني وحده هو الذي يستنهض الشرق ويسوقه إلى التقدم والرقي، والعصر السعيد - وهو خير القرون والذي يليه - خير برهان على هذا.
فيا زملائي في هذه المدرسة السيارة، أعني القطار، يا من تسألون عن التفاضل بين الحمية الدينية والملية، ويا أيها الدارسون في المدارس الحديثة. إني أقول لكم جميعاً:
إنّ الحمية الدينية والملية الإسلامية قد امتزجتا في الترك والعرب مزجاً لا يمكن فصلهما، وأنّ الحمية الإسلامية هي أقوى وأمتن حبل نوراني نازل من العرش الأعظم، فهي العروة لا انفصام لها، وهي القلعة الحصينة التي لا تهدم."30 وقد بيّن سعيد الجديد أيضاً هذا الفكر الأساس لسعيد القديم في المبحث الثالث من المكتوب السادس والعشرين، وقد لفت الأنظار إلى هوية الانتساب هذه في القسم الذي يخاطب فيه الأتراك، قائلا:
"إنّ الشعب التركي هم أكثر عدداً من أي قوم من الأقوام الإسلامية الأخرى، وإنهم مسلمون في كل بقاع العالم، بينما الأقوام الأخرى، فيهم المسلمون وغير المسلمين معاً، لذا لم تنقسم الأمة التركية كبقية الأقوام، فأينما توجد طائفة من الأتراك فهم مسلمون، والذين ارتدوا عن الإسلام أو الذين لم يسلموا أصلاً، قد خرجوا عن وصف الترك كالمجر. علماً أنّ الأقوام الأخرى حتى الصغيرة منها فيهم المسلمون وغير المسلمين.
أيها الأخ التركي!
إحذر وانتبه! أنت بالذات، فإنّ قوميتك امتزجت بالإسلام امتزاجاً لا يمكن فصلها عن الإسلام."
بديع الزمان الذي عارض بشدّة الدعوة إلى الهوية القومية، بيّن في الوقت نفسه القوة الكافية في القومية الايجابية وكيف أنها يمكن أن تكون تحت إمرة هوية الأمة الإسلامية.
"لما كان في الفكر القومي ذوق للنفس، ولذة تُغفل، وقوة مشؤومة، فلا يقال للمشتغلين بالحياة الاجتماعية في هذا الوقت: دعوا القومية!
ولكن القومية نفسها على قسمين:
قسم منها سلبي مشؤوم مضر، يتربى وينمو بابتلاع الآخرين ويدوم بعداوة من سواه، ويتصرف بحذر القومية الايجابية نابعة من حاجة داخلية للحياة الاجتماعية، وهي سبب للتعاون والتساند، وتحقق قوة نافعة للمجتمع، وتكون وسيلة لإسناد أكثر للأخوة الإسلامية.
هذا الفكر الايجابي القومي، ينبغي أنْ يكون خادماً للإسلام، وأنْ يكون قلعة حصينة له، وسوراً منيعاً حوله، لا أنْ يحل محل الإسلام، ولا بديلاً عنه."31
ما بينه بديع الزمان في المرحلة المتأخرة من حياته باسم سعيد القديم، وضّحه وطبّقه أيضاً في تطلعاته:
"فنمو الشعور القومي في الشخص إما أنْ يكون إيجابياً أو سلبياً:
فالإيجابي ينتعش بنمو الشفقة على بني الجنس التي تدفع إلى التعاون والتعارف.
أما السلبي فهو الذي ينشأ من الحِرْص على العرق والجنس الذي يسبب التناكر والتعاند. والإسلام يرفض هذا الأخير."32
إنّ سعيداً الجديد الذي قال بلسان سعيد القديم "لقد انتشر الفكر القومي وترسّخ في هذا العصر. ويثير ظالمو أوروبا الماكرون بخاصة هذا الفكر بشكله السلبي في أوساط المسلمين ليمزقوهم ويسهل لهم ابتلاعهم،"33 لهذا سعى سعياً حثيثاً للحيلولة دون وقوع هذا التمزق، فحاول جعل الأمة الإسلامية حية نابضة بظهور الأفكار القومية عقيب الإعلان عن المشروطية وأوضح أنّ الإسلام والأقدر على تقديم الحل للمعضلات:
"والمسلم هو الرابط فقط بين مختلف المكوّنات. فليست هناك رابطة حقيقية وقوية غير الإسلام بين العرب والترك والكرد والأروناؤوط والجركس واللاز.
إن إهمالاً طفيفاً في الدين أدّى إلى إرساء قواعد ملوك الطوائف وظهور جاهليات ماتت قبل ثلاثة عشر قرناً وبالتالي إلى ظهور الفتن والقلاقل. وقد ظهرت فعلاً وشاهدناها."34
وفي الخطبة الشامية التي ألقاها فيما بعد وجه نداء لتوحيد مفهوم الأمة الإسلامية تجاه بذور العداوة التي كان يسعى الأجانب إلى بثها بين الأتراك والعرب بشكل خاص:
"إنّ الحرية الشرعية والشورى المشروعة قد أظهرتا السيادة الحقيقية لأمتنا. إذ أنّ حجر الأساس في بناء امتنا وقوام روحها إنما هو الإسلام، وأنّ الخلافة العثمانية والجيش التركي من حيث كونهما حاملين لراية الأمة الإسلامية فهما بمثابة الصَدَفة والقلعة للأمة، وأنّ العرب والترك هما الأخوان الحقيقيّان وسيظلان حارسين أمينين لتلك القلعة المنيعة، والصَدَفة المتينة.
وهكذا فبفضل هذه الرابطة المقدسة التي تشد الأمة الإسلامية بعضها ببعض يصبح المسلمون كافةً عشيرة واحدة. فترتبط طوائف الإسلام برباط الأخوة الإسلامية كما يرتبط أفراد العشيرة الواحدة ويمد بعضهم بعضا معنوياً."35
ويقيم سعيد القديم علاقة مباشرة بين الأمة الإسلامية ووحدتها والعقيدة، ويرى أنّ العمل في موضوع الأخوة والوحدة الإسلامية واجب ديني. وهذا يوجب على جميع المسلمين الإتحاد حول هوية واحدة، ويبين الأساس النظري الذي يعني بأن فكر الوحدة الإسلامية واجب ديني:
"أقول مكرراً أن التوحيد الإلهي هو جهة الوحدة في الاتحاد المحمدي الذي هو حقيقةُ اتحاد الإسلام ‘الوحدة الإسلامية'."36
وبناء على مفهوم القومية مع فكر الحرية عنده، يسلّط بديع الزمان الضوء على مقاومة العالم الإسلامي وكفاحه لأجل الاستقلال:
"فلو أنكم قرأتم صحيفة الأفكار وتأملتم في طريق السياسة واستمعتم إلى الخطباء العموميين، أعني الصحافة الصادقة في أخبارها، لعلمتم أنه قد حصل في العالم العربي والهند وجاوا ومصر والقفقاس وإفريقيا وأمثالها، تحوّلٌ عظيم وانقلاب عجيب ورقي فكري وتيقظ تام نابعٌ من فوران فكر الحرية وغليانه في أفكار العالم الإسلامي، فلو كنا دافعين مائة سنة ثمناً لها لكان رخيصاً، لأن الحرية كشفت عن الملّية وأظهرتها وبدأ يتجلى الجوهر النوراني للإسلام في صَدَفة الملّية، فآذنت بتحرك الإسلام واهتزازه."37
والحقيقة أن الحركات القومية المقاومة للإستعمار اكتسبت قوة بالهوية الإسلامية وأعدت الأرضية المناسبة فيما بعد لأفكار الوحدة الإسلامية. وإن حركات البحث عن الهوية تجاه الإستعمار والغرب استمرت بشكل عام حول هوية إسلامية.
ب- إحياء وإصلاح المؤسسات السياسية
إن بديع الزمان الذي يسعى لتقوية البناء النفسي بمبادئ الإيمان والثقة بالنفس، وتطوير وتيرة اجتماعية الفرد بمبادئ الحرية والمشروعية داخل توازن الفرد والمجتمع، كان يسعى أيضا ضمن إطار هذه المبادئ لتأسيس شبكة اتصال سياسي جديد يستند على المشورة، وإصلاح مؤسسة الخلافة والمشيخة وأمثالها ضمن هذا الإطار.
وبالنسبة له إن الحرية الموجودة تحت سيطرة المشروعية، هي الشرط الأولي لمؤسسة الشورى التي هي أساس شبكة الإتصال السياسي. وإن الحرية المشروعة التي هي شرط أولي للترقي المستقبلي للعالم الإسلامي هي بنفس الوقت مرتبطة بميكانيكية الشورى والحاكمية بشكل مباشر:
"إنّ مفتاح حظ الإسلام وسعده ورقيه موجود في الشورى التي في المشروطية. حيث قد انسحق -لحد الآن- ثلاثمائة مليوناً من المسلمين تحت أقدام الإستبداد المعنوي للأجانب.
وحيث إن الحاكمية الإسلامية مهيمنة الآن في العالم ولا سيما في آسيا، فإنّ كل مسلم يكون مالكاً لجزء حقيقي من الحاكمية."38
تخطى بديع الزمان إبعاد الفكر السياسي الإسلامي في المرحلة التقليدية والمتعلق بالمشاركة السياسية والاجتماعية في موضوع الجزء الحقيقي للشورى والحاكمية وجاء بطاقم من العناصر الجديدة. وخلال الإنتقال من الحاكمية السياسية الفردية للخليفة إلى نشر الحاكمية على طبقات المجتمع كون المسلمين مالكين للجزء الحقيقي لهذه الحاكمية، وقد برزت بين هذه العناصر الجديدة مشاركة غير المسلمين بالتساوي مع المسلمين في جهاز الشورى وذلك بتحويل موضعهم من حقوق أهل الكتاب إلى حقوق المواطنين. وبديع الزمان إلى جانب مدافعته عن الوحدة الإسلامية وفكر الحاكمية السياسية للمسلمين، إلا أنّه يرى أنّ مشاركة غير المسلمين في السياسة واتخاذهم مكانة في الإدارة ممكن من زاوية نظر الشريعة. وأهم جديد في هذا هو أنّ عمل أجهزة السياسة الميدانية ينظر إليه على أساس أنّه فن ومهارة أكثر من ارتباطه بالعقيدة، ولهذا قبل آراء غير المسلمين في هذا الإطار حيث يقول:
"كيف يمكن أن يصير الأرمني والياً أو قائم مقام، كما يحدث الآن؟
ج: كما صار ساعتياً وميكانيكياً وكناساً... لأن المشروطية هي حاكمية الأمة، والحكومة ليست إلاّ خادمة."39
هذا التناول الذي يستند على رأي "عدم الخلط بين دائرة الإعتقاد ودائرة المعاملات"40 شرعياً مفهوم المواطنة التي سعى لتطويرها في المرحلة الأخيرة للدولة العثمانية.
والتناول الجديد الذي جيء به لموضوع الحاكمية يقيم الحكومة على أنها موضع خدمة وعمل، ويجلب مع الإنزلاق من فكر الحكومة الغاية إلى فكر الحكومة الواسطة. ولا ضير في تعيين غير المسلم واليا أو قائم مقام ضمن هذا الإطار لأنّ:
"لئن صدقت المشروطية فالقائم مقام والوالي ليسوا رؤساء بل خدام مأجورون، فغير المسلم لا يكون رئيساً مطلقاً، بل يكون خادماً."41
وهذا الوضع مثال على كيفية إعادة النظر في الأحكام الفقهية داخل الأطر السياسية الجديدة. وإن بعض الضرورات والاحتياجات جلبت معها تغييرات جدية في الأحكام والمؤسسات. لأن "الحاجة أستاذ لكل أمر".42 قال بديع الزمان:
"إنّ السلطنة والخلافة متحدتان بالذات ومتلازمتان لا تنفكان وإنْ كانت وجهة كل منهما مغايرة للأخرى... وبناء على هذا فسلطاننا هو سلطان وهو خليفة في الوقت نفسه يمثل رمز العالم الإسلامي. فمن حيث السلطنة يشرف على ثلاثين مليوناً، ومن حيث الخلافة ينبغي أنْ يكون ركيزة ثلاثمائة مليون من المسلمين الذين تربطهم رابطة نورانية، وأنْ يكون موضع إمدادهم وعونهم.
فالوزارة تمثل السلطنة، أما المشيخة الإسلامية فهي تمثل الخلافة."43
وبعد تكرار الآراء التقليدية في جمع السلطنة والخلافة بيد واحدة، يبين بشكل خاص ضرورة حصول تجديدات جدية تستند على الشورى لمؤسسة الخلافة.
وبالنسبة له فمن الضروري لإحياء العالم الإسلامي، وجعله يقف على قدميه، تنظيم مؤسسة الخلافة بشكل يؤمّن مشاركة جميع العالم الإسلامي:
"لقد أظهر الزمان أنّ هذه المشيخة الإسلامية - التي تمثل الخلافة - ليست خاصة لأهل إسطنبول أو للدولة العثمانية، وإنما هي مؤسسة جليلة تعود للمسلمين عامة. فوضعها الحالي المنطفئ لا يؤهلها للقيام بأعباء إرشاد إسطنبول وحدها ناهيك عن إرشاد العالم الإسلامي!"44
يستشف من آراء سعيد القديم أنّ أهم تجديد يطلب تحقيقه في مؤسسة الخلافة، يجب أنْ ينصب على الشورى والشخصية المعنوية التي تشكلها هذه الشورى مع التأكيد على موقع حاكم، وهو الطريق الأساسي الذي يُبْلِغ المشيخة إلى قوتها الحقيقية. إن الآراء التي تبين وجوب نظام الشورى والشخصية المعنوية الحاكمة التي تستمد قوتها من هذه المؤسسة، مشاركة خاصة قام بها بديع الزمان لمساعي تأمين الوحدة الإسلامية بتنظيم مؤسسة الخلافة من جديد في الربع الأول من هذا القرن.
وهذا الرأي يجلب بُعْداً جديداً لأصول الفقه. وبدل البيعة الفردية التي تجعل الإجتهاد والخلافة مشروعة، فإن الإتجاه إلى روح الجماعة والشخصية المعنوية وغيرها من المفاهيم المشتركة والمجردة، يمكن الحكم عليه بأنّه محاولة إجراء رابطة خاصة وجديدة بين مفاهيم الدولة والحاكمية التي صارت مشتركة ومجردة في القرن التاسع عشر والمؤسسات الإسلامية:
"لسنا في الزمان الغابر، حيث كان الحاكم شخصاً واحداً، ومفتيه ربما شخص واحد أيضاً، يصحح رأيه ويصوبه. فالزمان الآن زمان الجماعة والحاكم شخص معنوي ينبثق من روح الجماعة. فمجالس الشورى تملك تلك الشخصية، فالذي يفتي لمثل هذا الحاكم ينبغي أنْ يكون متجانساً معه، أي ينبغي أنْ يكون شخصاً معنوياً نابعاً من مجلس شورى عالٍ، كي يتمكن من أنْ يُسمع صوته للآخرين ويسوق ذلك الحاكم إلى الصراط السوي في أمور الدين.
وإلا فسيبقى صوته كطنين الذباب أمام الشخص المعنوي الناشئ من الجماعة حتى لو كان فرداً فذاً عظيماً. فهذا الموقع الحساس يعرض قوة المسلمين الحيوية إلى الخطر مادام باقياً على وضعه المنكفئ هذا، حتى يصح لنا أنْ نقول:
إنّ الضعف الذي نراه في الدين، والإهمال الذي نشاهده في الشعائر الإسلامية والفوضى التي ضربت أطنابها في الاجتهادات قد تفشت نتيجة ضعف المشيخة وانطفاء نورها، حيث أنّ الشخص الموجود خارج المشيخة يمكنه أنْ يحتفظ برأيه إزاء المشيخة المستندة إلى شخص واحد. بينما كلام شيخ الإسلام المستند إلى مجلس شورى المسلمين يجعل أكبر داهية يتخلى عن رأيه أو يحصر اجتهاده في نفسه في الأقل.
نعم، إنّ كلّ من يجد في نفسه كفاءة واستعداداً للاجتهاد يمكنه أنْ يجتهد، ولكن لا يكون هذا الاجتهاد موضع عمل إلاّ عندما يقترن بتصديق نوع من إجماع الجمهور. فمثل هذا الشيخ - أي شيخ الإسلام المستند إلى مجلس شورى- يكون قد نال هذا السر. فكما نرى في كتب الشريعة أنّ مدار الفتوى: الإجماع، ورأي الجمهور، يلزم الآن ذلك أيضاً ليكون فيصلاً قاطعاً لدابر الفوضى الناشبة في الآراء."45
يبين بديع الزمان أن تقوية الخلافة بالمشورة العلمية يمكن أنْ يتم بتنظيم دار الحكمة الإسلامية من جديد، ويذكر أنّه في حالة عدم تأسيس مثل مؤسسة الشورى هذه فإن إسطنبول ستفقد فرصتها في كونها مركزاً للخلافة الإسلامية:
"فالحاجة شديدة لمثل هذا المجلس الشورى الشرعي، فإنْ لم يؤسس في مركز الخلافة فسيؤسس بالضرورة في مكان آخر.
وعلى الرغم من أنّ القيام ببعض المقدمات يناسب أنْ يسبق تأسيس هذا المجلس -كمؤسسة الجماعات الإسلامية وإلحاق الأوقاف بالمشيخة وأمثالها من الأمور- فان الشروع بتأسيس المجلس مباشرة ثم تهيئة المقدمات له يحقق الغرض أيضاً. فالدوائر الانتخابية -للأعيان والنواب- رغم محدوديتها واختلاط وظائفها قد تكون لها تأثير بالواسطة، رغم أنّ الوضع يستوجب تأسيس مجلس شورى إسلامي خالص كي يتمكن من كفالة المهمة السامية.
إنّ استخدام أيّ شيء في غير موضعه يكون مآله التعطل، ولا يبين أثره المرجو منه. فدار الحكمة الإسلامية التي أنشئت لغاية عظيمة، إذا خرجت من طورها الحالي وأشركت في الشورى مع رؤساء الدوائر الأخرى في المشيخة وعُدّت من أعضائها، واستُدعي لها نحوا من عشرين من العلماء الأجلاء الموثوقين من أنحاء العالم الإسلامي كافة، عندها يمكن أنْ يكون هناك أساس لهذه المسألة الجسيمة."46
تعد المقارنة التي عقدها بديع الزمان بين الوزارة والخلافة، مهمة جداً من منظور وضعه للنتائج التي جاء بها عدم التوافق في المسؤولية بين الوزارة التي تحكم داخل الحدود العثمانية ومؤسسة الخلافة التي هي بموقع تمثيل العالم الإسلامي كله. والحقيقة أنّ أهم القضايا في تلك المرحلة هي ميزة العلاقات التي ستقوم بها مؤسسة الخلافة التي تمثل الاتحاد الإسلامي مع المسلمين في المناطق التي لا تصلها السلطة السياسية فعلياً.
إن القضية العملية الأساسية للإداريين العثمانيين الذين شاهدوا الأفضلية السياسية العالمية التي تؤمّنها الضرورة النظرية لعمل مؤسسة الخلافة تجاه المستعمرين هي عدم وضعهم إدارة سياسية تجعل جميع جغرافية العالم الإسلامي تحت تأثير القوة السياسية. يعني الوزارة التي بين أيديهم. وقد سعى السلطان عبد الحميد الثاني لإلغاء حالة عدم التوازن هذه بين الوزارة والخلافة بالدبلوماسية المتعددة الجهات، وعندما حاول مسؤولو الإتحاد والترقي إلغاءها بالطرق العسكرية في الحرب العالمية الأولى، ألغيت الوزارة بعد الحرب من مسرح التاريخ ثم تبعتها الخلافة. وقد لفت بديع الزمان الأنظار إلى النتائج التي سيظهرها عدم التوازن والتناقض بين ساحة المسؤولية الدينية والقوة السياسية في نهاية الحرب العالمية الأولى في المرحلة التي كان موجوداً فيها بإسطنبول، كما أشار إلى بعض الأمور المهمة المتعلقة بالتطورات التي ظهرت فيما بعد:
"إنّ الوزارة والمشيخة جناحا هذه الدولة المسلمة، فإنْ لم يكونا جناحين متساويين متكافئين فلا يدوم لها المضي، وإنْ مضت المشيخة على وضعها الحاضر فسوف تنسلخ عن كثير من المقدسات الدينية أمام اجتياح المدنية الفاسدة."47
3- المرحلة الثانية: فقدان السلطة السياسية – الدينية في العالم الإسلامي ورسائل النور
الفصل الذي قام به بديع الزمان بين سعيد القديم وسعيد الجديد يعكس الفصل بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية للعالم الإسلامي بنفس الوقت. ففي المرحلة الأولى يتخذ بديع الزمان مكانه كسعيد القديم داخل السياسة الفعالة من أجل الإصلاحات السياسية التي يحتاج إليها العالم الإسلامي، وفي المرحلة الثانية بدل أنْ يسعى بديع الزمان إلى تخليص العالم الإسلامي الذي دخل مرحلة الفتور السياسي، حاول إنشاء إيمان الفرد المسلم من جديد، وعمل على إخراج جماعة مسلمة من هذا الفرد. ويمكن تقييم هذه المساعي والجهود بأنها ترجيح لإحياء روح الجماعة وإيمان كإيمان العهد "المكي" للفرد المسلم الذي سيؤسس مدينته الجديدة بدل السعي داخل الدهاليز السياسية "للمدينة" الخاطئة للشخص المعنوي الذي فقد "مدينته" بمعنى السلطة السياسية الحرة. لذلك فإن ابتعاد بديع الزمان عن السياسة في مرحلة سعيد الجديد يجب أنْ لا ينظر إليه -كما فعل علي عبد الرازق- على أنه مسلك لفصل الشمولية السياسية والإجتماعية للدين الإسلامي. وبهذا المعنى فإن بديع الزمان ينفصل عن مسلك علي عبد الرازق الذي يضيق الشمولية الإسلامية، وعن مسلك رشيد رضا الذي يسعى وراء حلول التجديد المؤسسي. ورغم أنّه يقترب من محمد إقبال إلا أنّ إصراره على موضوع تأسيس إيمان الفرد من جديد جعله يتميّز عن مسلكه.
في المرحلة التي ازدادت فيها التأثيرات الإيديولوجية المستندة على الفلسفة في النظام السياسي، منح بديع الزمان أهمية كبيرة موضوع النجاة بإيمان الفرد، وهذا يظهر أنّه يرى الحل الأساسي في كل مسلم، فيصير كل فرد مسلم بحاله بؤرة للمقاومة تجاه التوسع الفردي المستند على الإيديولوجية، وذلك بطريق الدفاع عن إيمان الفرد أكثر من التجديد المؤسسي. هذا التحديد وهذا المسلك يناسب الوضع العام للعالم الإسلامي في تلك المرحلة.
وهكذا بدأت الحضارة، التي فقدت نقاط المقاومة الجغرافية والسياسية، المقاومة في هذه المرحلة على مستوى الفرد والجماعة، ويمكن القول بأنّ وضع العالم الذي عاشه العالم الإسلامي يمثّل انعكاسات في حياة شخصيته النموذجية، ظهر في مرحلتي سعيد القديم وسعيد الجديد لبديع الزمان.
والقضية الأساسية بالنسبة له في العالم الإسلامي هي تقوية إيمان الفرد، وأن حل القضايا المتعلقة بالحياة لا يتم إلا بإرجاعها إلى هذه المسألة الأساسية:
"في هذا العصر تيارات قوية ومسيطرة إلى درجة تستحوذ على كل شيء، وتستولي عليه، وتمتلكه لنفسها، وتسخره لأجلها، فلو أتى ذلك الذي يُنتظر مجيئه حقاً في هذا العصر، فإنني أرى أنّه يغيّر، ويجرّد نفسه من الأجواء والأحوال الدائرة في عالم السياسة، حفاظاً على أعماله من أنْ تغتصبها تلك التيارات.
ثم إنّ هناك ثلاث مسائل هي:
الحياة... الشريعة... الإيمان.
وأن مسألة ‘الإيمان' هي أهم هذه المسائل وأعظمها في نظر الحقيقة. بيد أنّ ‘الحياة' و ‘الشريعة' تبدوان في نظر الناس عامة وضمن متطلبات أوضاع العالم أهم تلك المسائل. ولما كان تغيير أوضاع المسائل الثلاث كلها دفعة واحدة في الأرض كافة لا يوافق سنة الله الجارية في البشرية، فإن ذلك الشخص المنتظر لو كان م
Birincil Dil | Arapça |
---|---|
Bölüm | ARTICLES |
Yazarlar | |
Yayımlanma Tarihi | 1 Haziran 2011 |
Yayımlandığı Sayı | Yıl 2011 Cilt: 3 Sayı: 3 |