BibTex RIS Kaynak Göster

الخلفية البراديغمائية لأزمة البيئة والتوجه العلمي الكوني عند النورسي - Dr. Kadir Canatan: “The Paradigmatic Background to the Ecological Crisis and Said Nursi’s Cosmological Teachings...

Yıl 2010, Sayı: 2, 95 - 112, 01.12.2010

Öz

الخلفية البراديغمائية لأزمة البيئة والتوجه العلمي الكوني عند سعيد النورسي
قادر جان اطان1
1- مدخل:
أنجزت بحوث متعددة الجوانب منذ أواخر الستينات عن التغيرات البيئية ونتائجها. وقد ربطت المسألة في البداية بالظاهرة المادية لواقع التحديث مثل التصنيع والتوطين في المدن. أما اليوم، فتجري مناقشتها بإضافة خلفية أخرى هي البعد التاريخي والحدث اليومي الساخن. ومن هنا، يتناولها المفكرون المسلمون المعاصرون، وكذلك المفكرون المستمدون من التقاليد المقدسة من غير المسلمين، في إطار "التغير البراديغمائي" 2 فهم يرون أنّ العالم الغربي تعرض إلى تغيير في متلقيات الكون والإنسان والإله من خلال المرور بسياق الحداثة. فالتغير البراديغمائي كامن في أصل الأزمات العالمية المتعددة الوجوه.
أريد هنا أنْ أبدأ بأنموذج تجريبي يوضح التغيرات البيئية، قبل الدخول إلى قصة "التغير البراديغمائي" الممتدة إلى "عصر التنوير" وأسعى بذلك لإيصال المقتربات التي تختزل التغييرات البيئية في سبب أُحادي إلى محصلة نظرية. ثم أتناول بعد ذلك، التغير البراديغمائي المعيش في الغرب وانفصام وشائجه -بموازاة هذا التغير- عن النظرة الكونية التقليدية على محور العلاقة بين الإنسان والطبيعة والإله، لارتباطها بالبعد الثقافي لهذا الأنموذج. لقد سرت آثار هذا التغير الذي تعرض له الغرب إلى الدول المجاورة في فترة قصيرة. لذلك، يجب التوقف عند تأثيرات الفكر الغربي على المثقفين العثمانيين، قبل تمحيص مفهوم الكون والطبيعة عند سعيد النورسي.
بهذا الأسلوب أريد الدخول إلى الموضوع الأساس، يعني مفهوم الكون عند سعيد النورسي. وأظن أنّ توجهاته العلمية الكونية تتوضح بهذا الأسلوب أكثر من غيره. كذلك، أريد أنْ أناقش بالارتكاز على هذه النقطة، نوع الإضافات التي يقدمها سعيد النورسي للتوجهات البراديغمائية المعاصرة من خلال شروحاته المضافة إلى الفكر الإسلامي الحديث. وأبادر بالقول - نتيجة - أنه اقترح حلولاً منطلقة من مبادئ واسعة وعميقة لأزمة البيئة في عالمنا الحالي مستنداً إلى نظرة كونية خاصة.
2- إيضاح أزمة البيئة: مقترح أنموذج
الإنسان موجود مرتبط بوشائج مع بيئته الاجتماعية المادية، ومؤثر في بيئته بنتيجة هذه الوشائج. وقد تعرضت وشائجنا مع محيطنا وبيئتنا إلى تغييرات كثيرة في سياق التاريخ، وظهرت معضلات متنوعة في وشائج الإنسان والبيئة حتى في المجتمعات التقليدية. لكننا نلاحظ في أزمة المرحلة التاريخية الحالية -قياساً بالمراحل التاريخية السابقة- صفتين جديدتين هما: اكتساب المعضلة بعداً عالمياً وظهور تهديد جدي لا يعرض الحياة الإنسانية وحدها إلى الخطر، بل الحياة الحيوانية والنباتية أيضاً، ومن ثم مقدرات البيئة الكونية.3
يمكن البحث في ثلاثة مظاهر مهمة من مظاهر أزمة البيئة. الأول: هو تلوث الفضاء إلى جانب تلوث الطبيعة والتراب والماء، بسرعة فائقة. ومهما امتلكت الطبيعة "قوة تطهير" خاصة بها، فقد بلغت الطبيعة غاية جهدها في تجديد نفسها بإمكاناتها الذاتية إزاء تسارع وتيرة التلوث.
الثاني: استنفاذ المصادر غير القابلة للتجديد في الطبيعة، نتيجة الاستهلاك المسرف والوحشي.
الثالث: استنفاذ تكامل النظام البيئي والذي نشعر بمؤثراته على المدى البعيد.4 وكل الدلائل تدل على تدميرنا للكرة التي نعيش عليها، ونشير هنا إلى بعضها فقط لإبراز الآثار الواضحة الملموسة على الحياة.
تأمّل التهديد الوخيم للحياة بسبب تخلخل الموازنة البيئية والتلوث البيئي، في ضوء استهلاك أنواع النبات والحيوان بزيادة عشرة أضعاف عن معدل نموها الطبيعي، وفي ضوء الخطر الذي يتعرض له 42% من 15 نوعاً من أنواع الثديات، و 18% من 400 نوعاً من الطيور و 30% من 43 نوعاً من البرمائيات و 45% من 102 نوعاً من الزواحف و 53 % من 200 نوعاً من الأسماك و 22% من 11000 نوعاً من النبات، وذلك في أوربا، مركز الحضارة الحديثة.
ولا يمكن الادعاء أنّ بروز أزمة البيئة وظهور قلق حقيقي وحساسية ملموسة بشأن آثارها على المستوى العلمي، يقابله وضوح كامل بشأن أسباب الأزمة أو الحلول المقترحة لها. لقد استحدثت أزمة البيئة ايديولوجيات للمعضلة. والسمة العامة لهذه الايدلوجيات هي التفسير الأحادي للتغير البيئي، تركّز زمرة من أنصارها على العوامل البنيوية مثل النمو الديمغرافي والتقدم التكنولوجي والنمو الاقتصادي وأشكال التنظيم الاجتماعي، ويؤكد غيرهم على العوامل الثقافية مثل شكل الحياة للمجتمعات ونظرتها إلى العالم ومستوى الوعي البيئي.
إنّ من أقدم النظريات التي يجري التأكيد عليها في نطاق العوامل البنيوية هي دالة النمو الديمغرافي كسبب رئيس للخلل البيئي. هذه النظرية التي ترجع إلى "مالثوس" لا زالت تحافظ على حيويتها ولا زالت مؤسسات وشخصيات متخصصة تعتقد أنّ تحديد النسل هو الحل الأمثل لمشاكل البيئة، مثله مثل مشاكل النمو الاقتصادي. والواقع أن المشكلة الحقيقية في عالمنا اليوم ليست في نقص الإنتاج الغذائي إزاء احتياجات البشر، بل في سوء التوزيع رغماً عن كفاية الإنتاج.
إن أفكاراً بديلة أخرى ترى أنّ وسيلتي الخلاص من الفقر والبؤس "أي النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي"، هما بحد ذاتهما من العوامل البنيوية لتخلخل الموازانة البيئية، ويقترح مفكرون "مثل schumacher" تكنولوجيا صغيرة الحجم بديلاً عن التكنولوجيا العملاقة، بينما يتطرّف بعضهم إلى حدّ رفض التكنولوجيا باعتبارها أم الخطايا.
والعجيب في هذا النقاش، أنّ بعضهم يعلن أنّ التكنولوجيا الحديثة أم الخطايا، وفي الوقت نفسه يدعو آخرين من المتفائلين إلى حل مشاكل البيئة بتكنولوجيا أرقى وأحسن نوعية. والحقيقة أنّ النمو الاقتصادي والتكنولوجيا يؤديان إلى التلوث الناتج من الرفاه وزيادة الاستهلاك في الدول المتقدمة، وبالعكس في الدول النامية التي تعاني من التلوث بسبب الفقر والتناقضات الدائمة في مستويات متعددة.
لقد دفع انحصار فعاليات حركة البيئة في قطاع نخبوي في البداية، إلى محاولة إشراك الجمهور في فعاليات أنصار البيئة لإشاعة الوعي. وبمرور الزمن، انزاحت الآراء المعروضة بهذا الصدد إلى نقطة نبّه عليها المهتمون بالاجتماعيات هي: العلاقة بين التلوث البيئي والنمط الثقافي والاجتماعي. ولعلّ هذه النقطة هي التي تشغل قطاعاً واسعاً في وقتنا الحاضر.
ولمّا كان الاقتصاد والتكنولوجيا والنظام الاجتماعي والكثافة السكانية محصّلة من محصلات الفعاليات والتصرفات الإنسانية، فلا يتصور استقلال هذه العوامل عن المحيط الاجتماعي-الثقافي المتطور من تلك الفعاليات. ذلك أنّ كلّ ثقافة تُقَدِّم مفهوماً بشأن علاقة الإنسان والبيئة ودور ومعنى الإنسان في العالم. ولا يمكن عرض مسألة البيئة بجميع أبعادها من غير تدقيق هذه المفاهيم وتغيرها. وفي هذا الاتجاه يلزم أن نفكّر في العوامل البنيوية والثقافية معاً، وتأثيراتها المتبادلة، إذا أردنا أن نصل إلى إيضاح التغير البيئي. وكما يظهر في الشكل الآتي، لا تتوقف تأثيرات العوامل البنيوية والبيئية ببعضهما، بل تتأثر بالمتغيرات البيئية المتولدة منها أيضاً فتكون سبباً لوسط جديد وظاهرة جديدة. وحتى أزمة البيئة التي هي متغير غير مستقل بذاته، تكون سبباً لتغيير قناعاتنا ويشارك براديغمائياً في أزمة البيئة.
لم تعد مشكلة البيئة في عصرنا واقعة تتقبل إيضاحاً يعتمد عوامل أحادية، بل صارت معركة براديغمائية ضمن مشاريع الثقافة والحضارة.
والذين يتقبلون اختلال التوازن بين الإنسان والبيئة كثيرون جداً. لكن الذين يرجعون سبب ذلك إلى اختلال العلاقة المطمئنة بين الإنسان والله "تعالى" قليلون.5 والواقع أنّ تخلخل التوازن بدأ عمودياً أولاً، يعني بين الإنسان والله "تعالى"، ثم انعكس أفقياً. مما يؤكّد أنّ الاهتزازات المشاهدة في التوازنات في عصرنا الحاضر ترجع إلى التغييرات الجذرية التي شهدتها المجتمعات الغربية في البراديغمات "مجموعة التصورات" الكونية أثناء عبورها إلى العصور الحديثة. ويمكننا أن نسمي هذا الحال "تغير البراديغم"، لتحقق مثل هذه التغيرات بصورة نادرة في تاريخ المجتمعات. لقد تغيرت نوعية الحياة وشكل العلاقات التقليدية. وترجع أسس تغييرها إلى عصر التنوير في القرن الثامن عشر الميلادي.
3- تَغَيُّر البراديغما: العالم الحديث الذي "أنشأه التنوير"
إنّ "التغيّر البراديغمائي" الذي بدأ مع عصر التنوير، هو في الواقع قصة تَحَوُّل علم الكون "الكوزمولوجي" إلى علم تصور الكون "الكوزموغرافي". ينشغل علم الكون بجميع مستويات الحقائق الشكلية، والمستوى المادي هو واحد من أبعاد مستويات الحقائق هذه. إن العالم المادي والكائنات في علم الكون التقليدي هو مظهر وشكل. أما عالم الغموض، فهو ظاهرة أو انعكاس لعالم آخر، عالم ما وراء الطبيعة "ميتافيزيك" لكن التفكير العميق يمكن أنْ يتصور ذلك العالم الغامض المشحون بالأسرار خلف المظهر والشكل انطلاقاً من عالم المادة، إنّ العلم المستنبط من الإسلام والذي يدرس موضوعة الكون من الزاوية المشار إليها، يفسّر العالم المنظور "البعد الظاهر" والعالم غير المنظور "البعد الباطن" بنوع من العلاقة المترابطة المتبادلة. لقد سلبت الرؤية المعاصرة من العالم "بحصرها الوجود في الصور الظاهرية" المعنى والغاية منه، وجعلته مغلقاً.
لقد تلقت البشرية منذ فجر تاريخ العالم نظرة مخزونة بالمقدسات. ولما بلغنا العصور الحديثة تلقيناه "عالماً مجرداً عن السحر" كما قال ويبر "weber".6 وأرى أن هذا البعد هو السمة الأساسية لعلم الكون المعاصر، وبتعبير أدق، لعلم تصور الكون "كوزموغرافي". كانت الطبيعة في تاريخ البشرية المديد حديقة مصممة في ظل التقديس وغير المعتاد. ولذلك تشكّلت العلاقة بين الإنسان والطبيعة على قاعدة الاحترام والرعاية المتبادلة. ومع تجريد العالم من السحر، ترك "العالم المقدس والمبارك" مكانه لعالم من أكوام المادة وركام الكتل المستغلة والمغيّرة والمستهلكة. والسمة الثانية المهمة لعلم الكون الحديث، هو التصميم الميكانيكي له، والذي أرسى قواعده نيوتن. لقد كان الكون في الماضي مثل جسد حي يرتبط كل شئ فيه ارتباطاً عضوياً. أما في العصور الحديثة، فقد صار مثل ماكنة عملاقة تعمل بقوانين ثابتة. وحتى العلاقة بين هذه الماكنة وخالقها "الله تعالى" اكتسبت صفة جديدة لا تعرفها العصور السابقة التقليدية، وترتب عليه تصور فاسد يقوم على تصوّر مفاده أنَّ الخالق خلق (الكون) تلك الماكنة العملاقة وتركها تعمل لحالها، كما يصنع الصانع ساعة ثم يشغلها ولا يتدخل في شغلها.7 لقد دخل بذلك إلى علم الإلهيات "Theology" مفهوم إله مجرد لا يتدخل في أمور الكون.
لم يكتف علم الكون المعاصر بتصميم ميكانيكي ومجرد عن السحر للعالم والطبيعة، بل فصل بين الإنسان والطبيعة أيضاً، وتخيّل صراعاً وعداء بينهما. في نظرية الصراع المتخيّلة بين الإنسان والطبيعة، فتغيرت بهذا وظيفة العلم أيضاً. وبعد باكون "Bacon" صار مفهوم العلم وسيلة لقهر الطبيعة والسيطرة عليها.8 فهل يمكننا بعد ذلك ألا نؤيد الفكر البديل الذي يقول بأنّ من أصول العلم الحديث والتكنولوجيا المعاصرة أن يكون ضد البيئة وضد الحياة؟
إنّ "باكون" الذي يدعو إلى استخدام القوة والقسوة ضد الطبيعة بصراحة، هو في الوقت نفسه من منظري فلسفة العلم المعاصر، والأفكار التي عبّر عنها بشأن الطبيعة مُفْزِعَة، فهي حسب رأيه "مضطرة للخدمة" "والفريسة التي يطاردها الصيادون" و "العبد" و "مستحق للتعذيب من أجل أن يبوح بأسراره" "لمقاومته رجال العلم."9 فلا بد لسياسة علمية وتكنولوجية تحمل هذه المفاهيم عن الطبيعة، أنْ تكون عدوة للبيئة، لا صديقة لها.
لقد غَيَّر علم الكون المعاصر وضع الإنسان في الكون والدنيا بصورة جذرية. فَتَحَوَّلَ -مع عصر التنوير- مفهوم الكون من مفهوم قائم على مركزية الإلهي "ثيوسنترك" إلى مفهوم قائم على مركزية الإنساني "انتروبوسنترك". وإذا كان الإنسان في التعاليم التقليدية في قمة سلم المخلوقات، فإن التصميم التجريدي الرتيب المغلق لعلم الكون يجعله أنموذج مُؤَلَّه جديد، فيصير هذا الأنموذج سوبرماناً مرة، و "وجوداً خلاق" مرة، و "إنسان" حينا ثالثا، وبدهي أنْ يتوجه الإنسان بإرادته واختياره إلى تشكيل الطبيعة مجدداً، في دنيا مغلقة ورتيبة تماماً، وعالم لا تتدخل فيه القدرة الإلهية! وحاصل ذلك في النهاية بداية المرحلة المعروفة في علاقة الإنسان بالطبيعة ووضعت الطبيعة تحت سطوته.10
في الدنيا المغلقة والرتيبة، تتحطم الطبيعة من أجل جني أكبر قدر ممكن من المنفعة، مما تولّد عن زعزعة العلاقة المفعمة بالمعاني بين الإنسان والطبيعة. والمؤسف أنّ علم الكون المعاصر قد انتقل في خلال السياق الحضاري إلى المجتمعات الأخرى وطغى على ثقافاتها وأسدل ستار النسيان على علم الكون التقليدي.
4- انعكاسات التنوير على مجتمعنا: المادية والتحقيقية "التجريبية" في العهد العثماني
بدأت تأثيرات فكر التنوير على التعامل مع الطبيعة والإنسان والله تنعكس على المثقفين العثمانيين منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ووجدت الأفكار التجريبية والمادية، التي حاربها سعيد النورسي طوال حياته، من يمثلها في أوساط المنورين "المثقفين" العثمانيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ونجح هؤلاء في الدخول إلى المدارس العليا، وكانت "المادية" تعرض في جو فكري متكدر وهلامي حتى بدايات عهد حركة المشروطية الثانية. ثم بدأت تتبلور وتتحدث بمفاهيمها الخاصة بعد ذلك.
مصادر "المادية" في العهد العثماني متعددة المراكز. ومن أهم مراكز التأثير "إلى جانب الماديين ومؤلفي الموسوعات الفرنسيين" تجريبية كومت "Auguste Komte" والتيار الفيزيولوجي لكلود برنارد "Claude Bernard" ونظرية التطور لدارون "Darwin Charles" والمادية البيولوجية لبوهنر "Udwing Buchner".11 استمد هؤلاء المثقفين "المنورين" العثمانيين من مؤلفي الموسوعات العلمية والماديين الفرنسيين رأيهم عن الطبيعة بعيداً عن الدين والتقاليد، وانتهوا إلى القول بأنّها متشكلة من المادة المكتفية بذاتها عقلاً وحركة كماكنة تعمل لذاتها. وفيما بعد، غذّي هذا الرأي بتجريبية كومت "Comte" التي تقول بأن الحقيقة الشيئية لا تفهم إلا بتكرر المشاهدة والتجريب وتحكيم العقل.
وقد بدّل التيار الفيزيولوجي لبرنارد، مؤسس الطب التجريبي، زاوية النظر عند المثقفين العثمانيين. فتفسير الوجود الإنساني بالوظائف البدنية حسب هذا التيار، أَضْعَفَ العنصرالمعنوي الذي تشحنه النظرة الدينية، وشاركت نظرية دارون في نشوء الإنسان عبر سلسلة التطور في قطع الصلة بالمنابع الإلهية. زد على ذلك، بلوغ المادية نهاية المطاف بأطروحات بوهنر حول أبدية المادة ونشوئها بنفسها بقوانين طبيعية.
إنّ المؤسسات التعليمية العصرية، التي بدأت بالتعليم واحدة بعد الأخرى في القرن التاسع عشر، تعد القواعد الحقيقية للتفكير المادي في العهد العثماني، لقد نشأت الغالبية الساحقة من الماديين العثمانيين في هذه المؤسسات، وفي مقدمتها "المدرسة الطبية" "كلية الطب". وكان لأفكار الطلاب الموفدين للدراسة في أوربا -والتي حملوها إلى الدولة العثمانية من خلال الترجمات التي نشروها- دور كبير في هذا الإتجاه.
وجدت هذه التطورات الفكرية والهيكلية أرضية لها في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وانفتحت على المجتمع بحركة "المشروطية الثانية"، ولعلّ من بين أهم رموز التيار المادي في العهد العثماني بشير فؤاد وأحمد شعيب وبهاء توفيق وصبحي أدهم وعبد الله جودت الذي تخرّج من "المدرسة الطبية" ومن مؤسسي "جمعية الاتحاد والترقي"، ويرتكز تفكيرهم على القول بأنّ العلم هو القيمة العليا والعظمى وأنّ سبيل معرفة الطبيعة والإنسان هو المناهج العلمية وفق النسخة المتداولة في أوروبا عصرهم، وأنّ الدين والتقاليد مطبات في طريق الشعوب الساعية إلى التقدم وأنّ التناقض بين الشرائع الإلهية والقوانين الطبيعية هو في الأصل تناقض بين الدين والعلم وأنّ الغرب أرسى أساس الحضارة المعاصرة بالصراع مع الدين والتقاليد.
بعد استعراضنا لهذه التوجهات، يتوضح جليا سبب إصرار سعيد النورسي في رسائله على الوشائج بين الطبيعة والإنسان والله، يعنى علم الكون. بل أفرد رسالة خاصة بعنوان "رسالة الطبيعة" يتحدى فيها التيار المادي. هذه الرسالة تُعَدُّ أطروحة تتضمن خلاصة مكثفة ومؤثرة في صفحات قليلة، لا يكتفي فيها بالرد على منهج الطبيعة المغلقة الرتيبة، يعني رفض قطع الوشائج بين الله والكائنات والطبيعة، بل يزيد على ذلك بالتفكير في علم معنوي للكون.
5- أطروحة علم الكون لسعيد النورسي إزاء المذهب الطبيعي "Naturalism" وتأليه الطبيعة "Pantheism"
من الناحية التاريخية والاجتماعية، تمتاز رسالة الطبيعة بميزتين هما:
الميزة الأولى: رسالة الطبيعة ليست جهداً فلسفياً ونظرياً على وجه الحصر. بل تتضمن أيضاً أجوبة ساخنة عن أسئلة أثارتها التيارات المادية في العقول تلك الأيام؛ فنلاحظ أنّ التساؤلات التي أجاب عنها تعود إلى المقولات المستحدثة للمذهب الطبيعي والمادية المؤلهة للطبيعة؛ فالرسالة من هذه الوجهة، تسد حاجة ملموسة وساخنة في ذلك الزمن، كما هو مفهوم من مدخلها الذي قال فيه النورسي: "ذهبت إلى أنقرة سنة ألف وثلاثمائة وثمان وثلاثين. فرأيت أفكار زندقة مخيفة جداً، تعمل بالدسائس للولوج إلى أفكار أهل الإيمان القوية المنتشية ببشرى انتصار جيش الإسلام على اليونان، وتخريبها، وتسميمها."12 ثم قال إنّه صنف رسالة باللسان العربي لتبديد أفكار الزندقة هذه، لكن لم يكن لها الأثر المرجو لقلة العارفين بالعربية، فاتسع الفكر اللاديني. لذلك صنف النورسي باللسان التركي هذه الرسالة المكثفة الغنية الوجيزة.
الميزة الثانية: تُقَوِّضُ رسالة الطبيعة الادعاءات المخالفة واحدة فواحدة، بأسلوب الإقناع العقلي والفلسفي. يعني يرد على مخالفيه بنفس أسلوبهم.
إنّ هاتين النقطتين تجعلان من سعيد النورسي عالم دين متميزاً عن العلماء التقليديين وفي الوقت نفسه تبرزان محور التمايز للفكر الإسلامي المعاصر. ففي رأي الباحث "تورك اونه"، أنّ ما يميز الفكر الإسلامي المعاصر عن الفهم التقليدي للإسلام، هو تطوّر أشكال إثبات الدين لذاته وشرعيته بنتيجة سراية السياق الثقافي من الغرب. فلا يبرهن على الإسلام في هذا الأسلوب بالرجوع إلى المصادر المُسَلَّم بصحتها إسلامياً، بل إلى التحقيق العقلاني البحت، ولا يتخذ الفكر الإسلامي المعاصر. "المتميز عن الفهم التقليدي للإسلام" الأديان التقليدية منافساً له، باعتبار أنّ التهديد الايديولوجي نابع من الايديولوجيات الحديثة وليس من الأديان، ولهذا السبب يجد الفكر الإسلامي المعاصر نفسه في تنافس شديد مع الايديولوجيات المعاصرة وتياراتها.13 وبتعبير آخر، تغير الخطاب الإسلامي التقليدي إلى خطاب عصري حديث تحت تأثير العوامل الخارجية.
وهذا الخطاب الجديد واضح جداً عند سعيد النورسي، سنرجع إلى عرضه لاحقا.
يسلك سعيد النورسي سبيلاً وسطاً بين الإفراط والتفريط في آرائه عن علم الكون. وقبل كل شيء، هو يعادي عداء شديداً المذهب الطبيعي الذي يَدَّعي بأنّ الكون يعمل ذاتيا مثل الماكنة مستقلاً عما وراء الطبيعة والكون. وهو يفنّد الدعاوى الثلاث الرئيسة للطبيعيين، فيضع المسألة بالشكل الآتي: "لما كانت الموجودات قائمة ومحال إنكار وجودها… فهذا الوجود… إما أن تقول إنّ أسباب العالم تُوجِدُه، ويعني أنّ ظهور هذا الوجود هو باجتماع الأسباب… أو أنّه يُوجِدُ نفسه بنفسه... أو أنّه يُوجَدُ بتأثير الطبيعة بمقتضى طبع الطبيعة… أو أنّه يُوجَدُ بقدرة القادر ذي الجلال. ولما كان طريق آخر غير هذه الطرق الأربعة معدوماً، فإنّ الإثبات القاطع لاستحالة الطرق الثلاثة الأولى وبطلانها وامتناعها وعدم إمكانها، يثبت بلاشك ولا شبهة طريق الوحدانية الرابع بالضرورة والبداهة."14
والملاحظ هنا، تناول سعيد النورسي الموضوع اعتماداً على العقل "يعني الفلسفة". فهو يُعَدِّدُ الاحتمالات أولاً، ثم يفند وينقض الاحتمالات الثلاثة الأولى، ويبرهن على صحة الاحتمال الرابع الأخير، وهو أسلوب بعيد عن الخطاب الوعظي للعلماء التقليديين مثل. أيها المسلمون، الله خالق الموجودات، والقول خلاف ذلك باطل فاحذروه!
وأريد هنا أنْ أوضح شيئاً ذكره الأستاذ شريف ماردين بشأن وقوع سعيد النورسي تحت تأثير نظرية نيوتن.15 مدعماً رأيه بتحليل الأسلوب اللفظي للرسائل، مثل استعمال النورسي كلمة "الماكنة" أو "مصنع الكائنات"، فعدها من إشارات التأثير. وأرى أنّ اصطياد مثل هذه الكلمات والانطلاق منها للادعاء بأنّه صاحب فكرة ميكانيكية عن العالم هو تبسيط لفكر النورسي الغائر في أعماق عمق المعاني والمفاهيم. إنّ استعمال لسان عصري على المستوى اللفظي، لا يعني بالضرورة فكراً عصرياً. ولا أزيد هنا إلا أنّ تحليل ألفاظ مفكر لاستكشاف عالمه، لا يعدو أنْ يكون أسلوباً سطحياً وقاصراً عن الفهم ثم الإفهام، وسأوضح في سياق هذا البحث رفض سعيد النورسي لفكرة "الإله الذي لا يتدخل في الأمور" رفضاً قاطعاً.
يُفَنِّدُ سعيد النورسي وينقض طروحات الماديين والطبيعيين واحدة فواحدة، ثم يذكر رأيه فيشرح نظرته إلى الطبيعة، وفي هذا الإطار. وهنا نتوقّف قليلاً عند رأي سعيد النورسي بشأن "تأليه الطبيعة"، قبل إيضاح نظرته إلى الطبيعة.
يقرر سعيد النورسي أن القول بتداخل ماهية الكون مع الله، أو حلول الله في الكون أو إنكار كل حقيقة غير "واجب الوجود" "يعني وحدة الوجود"، قول مخالف للإسلام، ومضر. فهو لا يجد في هذا المشرب سوى حقيقة مهمة هي: "بقوة الإيمان وبانكشاف بدرجة حق اليقين لولاية عالية، تنحط وتهوي وجود "الممكنات" إزاء وجود "واجب الوجود"، إلى درجة سفلى حتى لا تجد مقاماً غير الخيال والعدم في ذلك النظر، فكأنّه ينكر الكائنات لحساب واجب الوجود."16
ويحذّر سعيد النورسي من إمكانات تَحَوُّل "وحدة الوجود" إلى "الطبيعية"، مع تثبيته للتناقض الأساسي بينهما: "ساد فكر المادية في هذا العصر حتى يظنون المادة مرجعاً لكل شيء. فإذا أظهر في مثل هذا العصر مشرب ‘وحدة الوجود' بسبب انتقاص خواص أهل الإيمان لأهمية المادة إلى درجة إعدامه، فقد يستحوذ عليه الماديون قائلين:
"نحن أيضاً نقول بذلك! والحال أنّ أبعد المشارب في الدنيا عن مسلك الماديين وعُبَّاد الطبيعة هو مشرب ‘وحدة الوجود'. لأن أهل ‘وحدة الوجود' يُعَظِّمُون بقوة الإيمان، وبلغ اهتمامهم بالوجود الإلهي غايته حتى أوصلهم إلى إنكار الكائنات والموجودات، أما الماديون، فهم يعظمون اهتمامهم بالموجودات بلغت درجة إنكار الله على حساب الكائنات. فشتان ما بينهما!"17 وبعد أنْ قارن سعيد النورسي بين مسلك الماديين والطبيعيين ومشرب "وحدة الوجود" على هذا الوجه، ذكر ثلاثة محاذير بشأن "وحدة الوجود":
الأول: الكائنات والمادة من صنع الله ولها حقيقة. وما له حقيقة في الخارج، ليس وهماً أو ظلاً كما يدعي أصحاب وحدة الوجود. وقد يوصل إنكار مصنوعات الله، إلى إنكار واجب الوجود الذي عرّف نفسه بواسطة هذه المصنوعات.
الثاني: هذا الفكر الفلسفي العالي عند الخواص، قد يُمَهِّد السبيل إلى عبادة الطبيعة إذا انتقلت إلى العوام. فقد يقال جهلاً: لما كان لا وجود لشيء إلا الله، فما نراه من أشياء جزء من وجوده. فيقعون في نوع من عبادة الطبيعة.
الثالث: هذا المعتقد يستجلب معان مغلوطة بشأن الله والعالم.18
نستخلص من هذا، أنّ كوناً بلا خالق محال عند سعيد النورسي، بقدر استحالة أنْ يكون الخالق هو المخلوق! فما الطبيعة والكائنات في نظره إذن؟ وما موقع الإنسان فيها؟ وما نوع الوشائج بين عالم الوجود والله؟ الجواب عن هذه الأسئلة يعطينا مؤشرات رؤية النورسي الكونية.
تجد حيثما طالعت رسائل النور، موضوعاً عن "الطبيعة" بالمعنى المحدد، أو "الكائنات" بالمعنى الواسع. هاتان الكلمتان هما مركز فكر النورسي. وما يجعل الطبيعة أو الكائنات في مركز فكره، هو الأهمية التي يوليها إياها في معرفة الله. فلا يرى النورسي الكائنات أمراً عادياً قائماً بذاته، أو أشياء من مواد بلا أرواح.
1- الطبيعة عند النورسي كتاب، فهو يقرؤها كما يقرأ كتاباً. وأسلوب قراءة كتاب الطبيعة عنده يوصل إلى معرفة الله، كما أنّ قراءة الكتاب المنزل -القرآن- يوصل إلى الله. فهو يصف الكائنات بالكتاب الكبير الذي يفسِّره القرآن.19
2- كتاب الطبيعة الذي صنعته القدرة الإلهية، ليس كتاباً معتاداً، بل أثراً خارقاً ومعجزاً. قال الأستاذ النورسي "ما يسمونه الطبيعة لا يعدو أنْ يكون صنعة، ولا يمكن أنْ يكون صانعاً، ونقشاً، ولا يمكن أنّ يكون نقاشاً."20 فإذا اطلعنا على هذا الأثر الرائع، نعرف خالقه وصانعه.
3- وفي عبارة أخرى له، يُصَوِّرُ الطبيعة مرآة يعكس كل شيء فيها أسماء الله الحسنى. "… الكائنات مرآة. كذا كُنْه كل موجود من الموجودات مرآة. الإيجاد الإلهي بالقدرة الأزلية معروض. فكل موجود هو بجهة منه مرآة لاسم من الشمس الأزلية تعكس نقشاً له".21 فهذه الطبيعة التي هي مرآة تعكس أنوار القدرة الإلهية، لا بد أنْ تضم معان سامية وقدسية. لكن هذه المسألة تتبع النظر. فالطبيعة لبعضهم ستار يُخْفِي سِرَّ الحقيقة عنهم. خصوصاً لأولئك الذين لا تغادر أعينهم نشأة الكون ولا يرون في التكوين إلا ماكنة. إنّ تجاوز هذا التكوين وهذه المرئيات إلى ما ورائها، وإبصار القدرة الإلهية الخالقة، يقتضي نظراً حكيماً."
4- تحيط العناية بكل شيء في الكائنات. فكل شيء يسوده نظام تحفظه سنن إلهية. هذا النظام الذي يسود الكائنات من الذرة إلى الشمس، تشهد -بنظامها- على وجود الله.22
5- الإنسان يشغل ذروة المواقع في الكائنات، الإنسان هو الثمرة الأخيرة لشجرة الخليقة. وكل شيء هو لإنضاج وتكامل هذه الثمرة. لذلك، هو قلب الكائنات ومركزها. فبفضل الإنسان صارت الأرض تعدل السموات وهي -قياساً بها- الثمرة الصغيرة في شجرة كبيرة.23 والإنسان مرآة تعكس الصانع الجليل ببديع بنائه وبما وهب له من صفات جزئية مثل العلم والقدرة والبصر. وهو وجود في غاية العجز والضعف، لكنه يبحث عن معين قوي.24
6- الإنسان بطبعه وجبلته مُيَسَّر للسمو وللهبوط. ففيه خصال الملائكة، كما فيه صفات الحيوان. وقصة الإنسان في الأرض هي قصة التذبذب بين هذين القطبين. فالنفس تهبط به إلى أسفل، والمعرفة والعبودية ترتقيان به إلى السمو.25
7- العالم الكبير "الكائنات" والعالم الصغير "الإنسان" خاضعان لمشيئة الله، إنّ الله الذي لا يُرَى بالعين، حاضر في كل مكان، وكل شيء خاضع لإرادته لا شريك له في ملكه. "من البدهي ألا يكون صانع الكائنات من نوع الكائنات. ماهيته لا تشبه ماهية شيء من الأشياء إطلاقاً. فلا تمنعه إذن الموانع والقيود الموجودة في دائرة الكائنات، ولا تُقَيِّد إجراءاته. فهو قادر على التصرّف في الكائنات كلّها والإحاطة بها. ولو أحيلت التصرفات والأفعال المشاهدة في الكائنات إلى الكائنات نفسها، لتسببت في مشكلات واختلاطات تزيل كل انتظام ولا تُبْقِي شيئاً في الوجود، بل لا يظهر شيء إلى الوجود."26
ونسأل هنا: كيف هو تصرف الله في الكائنات؟
8- قال سعيد النورسي بخفاء العلاقة بين العالم الظاهر والعالم الباطن، ونوع التصرُّف في هذا السياق. لكن بصيرة حادة وذكاء فائقا يسبر الأغوار من الظاهر إلى الباطن، يمكن أن يكتشف ذلك. الأسباب وظيفتها في العالم الظاهر هي ستائر في الحقيقة. فإذا رُفِعَت هذه الستائر، يتوصل فيما وراءها إلى وجود القوة الخالقة، ينبّه سعيد النورسي إلى الفعاليات والحركات العظيمة في الكائنات قائلا: "تعال وانظر إلى كل مكان، وأنعم النظر في كل شيء أنّ يداً خفية تعمل في هذه الأفعال كلها…إذن، هذه لا تعمل بذاتها. يوجد صاحب قدرة خفي يجعلها تعمل."27
فكما يَحُسُّ آدم سميث بيد خفية تعمل في الحياة الاقتصادية، كذلك النورسي يرى يداً خفية تدير الكائنات كلّها، ويوضّح هذه العلاقة المُغَلَّفة بالأسرار بمثال الشمس التي ترسل أنوارها إلى دنيانا: "كما أنّ تمثال الشمس غير المحدودة نوعاً ما باعتبار النورانية، تتمثّل في كلّ شيء صقيل ولامع… فهكذا هذه الكائنات، يتجلى فيها الصانع ذو الجلال تجلياً يكون حاضراً وناظراً في كل مكان مع استحالة حصر وجوده في مكان، بصفاته كلّها -التي هي نور- وبأسمائه النورانية كلها، وبسر توجه الأحدية. محال أنْ يكون انقسام في توجهّه. يفعل كلّ شيء في الوقت عينه، وفي كلّ مكان، بلا كلفة ولا مزاحمة."28
كذلك، يضرب مثلاً للقدرة الإلهية بسلطان مقتدر يقوم بأعمال عظيمة في أرجاء سلطنته بواسطة الوكلاء.29
الخلاصة، يتلخّص التفكير الكوني عند سعيد النورسي في أنّ الكائنات تعمل بإرادة الله وأنّ الإنسان والمجتمع يعيشان بإحاطة علمه. وأنّ العالم الظاهر والباطن، والأرض والسماء، وكل عالم يؤثر في عالم آخر ويتأثر به. ولم يترك الله الإنسان بغير مسؤولية أو إرادة أو عناية. الإنسان يخوض في هذه الدنيا امتحاناً يقوده إلى نتيجة مفادها أنّه مسؤول أمام خالقه، وأيضاً إزاء نوعه، بل إزاء سائر الأحياء والطبيعة. علاقاته لا تخضع للأهواء. وقد سعى سعيد النورسي في رسائله إلى الارتقاء بالإنسان إلى هذا الوعي.
6- المضامين البيئية لعلم الكون المعنوي:
يمكننا الآن أنْ نقيم الرابطة بين علم الكون وعلم البيئة، إنّ المصدر الذي ينظم القواعد والقيم بين الإنسان والطبيعة والأحياء هو نظرته إلى الكون وأسلوب حياته. فرؤيتنا الكونية إذن، ليست فرضيات مجردة ومثالية، بل مشحونة بمضامين مؤثرة على الطبيعة والبيئة. إنّ المعاني التي نتشبع بها عن الله ودور الإنسان في الأرض، مؤثر على نوع تصرفاتنا.
مثال ذلك: يعتقد الهنود الحمر أنّ التراب والماء والحجر وكل شيء عوارض "للأرض الأم". آلهتهم (معبودتهم) "الأرض الأم". وهي جزء حالّ في الطبيعة وليست خارجها، تعمل في كل عمل وفي كل لحظة، في تكاثر الأحياء، ونمو النبات، وجريان المياه… في كل عمل. وفي الحقيقة، في كل فعل من أفعال الخالق. إنّ الانطلاق من مثل هذه الفرضيات مثلاً، يخرج الطبيعة من إطار المتراكمات المادية التي لا تحمل معنى، إلى إطار طبيعة مقدسة تستحق الاحترام والحب. فيتغير تبعاً لذلك، نوع العلاقة مع عالم الموجودات من علاقة إنتاج واستهلاك إلى الكون المقدس الذي يؤوي الإنسان ويربيه في بيت دافئ ويحبه كقوة خالقة.
وقد ذكرنا فيما سبق، أنّ البراديغما المعاصرة جَرَّدت العالم من القُدْسية، عارض سعيد النورسي إغلاق الماديين للكون، ورأى في الكون "مرآة" تعكس أسماء الله الحسنى، و "كتاب" مُقَدَّساً ينبغي قراءته، "وصنعة" و "أثر" بديعاً لله يلزم الاطلاع عليه، وأراد بهذا أنْ يسبل هالة من القدسية عليه على خلاف الجهود الرامية إلى نزع القدسية عنه، وعرّف الإنسان بأنّه مخلوق في امتحان مستمر على هذه الأرض، وبهذا فهو مضطرٌّ إلى تَحَمُّل المسؤولية. ورآه عَالَماً داخل عَالَم، وخلاصة صغيرة لعالم كبير. فهما عالَمَان متداخلان يقومان ببعضهما.
فإذا أردنا استنباط رؤية بيئية من نظرة سعيد النورسي الكونية، نقول بأنّ مصدر تخلخل العلاقة أفقياً بين الإنسان والطبيعة هو في الأصل بسبب تخلخل العلاقة عمودياً بين الإنسان والله. فهو يُشَدِّدُ على "أنّ من يترك العبادة، لا يرى عبادة الموجودات، بل لا يمكن أنْ يرى عبادتها، ورُبَّما ينكرها. وهنا، يهين الموجودات التي هي في مقام عال من جهة العبادة والتسبيح، والتي كل منها مكتوب صمداني ومرآة الأسماء الربانية، وينكر كمالاتها ويعتدي عليها، بتنزيلها من مقاماتها العالية وبتلقيه إياها كحال بائس وجامد وبلا وظيفة ولا أهمية."30
يؤكد سعيد النورسي -بتحليل عميق وذكي- أنّ تخلخل العلاقة بين الإنسان والله، ينعكس على علاقة الإنسان بالطبيعة، وأنّ الإنسان المقطوع الصلة بالله، يهبط بعالم الموجودات إلى درجة العادية ثم يؤدي به إلى التجاوز عليها. فهو يحدّد هنا توجهات ثابتة وأكيدة، ويرى أنّ ملامح العلاقة بين الإنسان والطبيعة تتعين بنظرته إلى الكائنات بقدر حالته النفسية: "كل امرئ يرى الكائنات من خلال مرآته. لقد خلق الله تعالى الإنسان كمقياس وميزان للكائنات… مثلاً: الإنسان البائس والحزين الباكي، يرى الكائنات بائسة وباكية. أما الإنسان المسرور الفرح والمتفائل الضاحك في كامل نشوته، فيراها ضاحكة. كذلك، الرجل المتفكر الجاد في العبادة والتسبيح، يرى ويكتشف -بدرجة ما- وجود الموجودات حقيقة، وعبادتها وتسبيحاتها المحققة."31 فالإنسان الطائع لله، يرى الموجودات طائعة له ويصطف معها في صف واحد متآلف ومتحاب أمام الله.
وفي وضع مناقض للأول: "… الرجل التارك للعبادة في غفلة أو إنكار، يتوهم الموجودات في غلط، ضد كمالات حقيقتها وخلافها تماماً، ويتجاوز على حقوقها بالمعنى."32 لكن آثار هذا التجاوز لا تتوقف، بل ترتد على الإنسان، فيظلم نفسه بنفسه.33 إنّ البشرية في يومنا -كما توقع النورسي- خرّبت التوازن البيئي بتأثير النظرة المغلقة والمجرّدة عن المباركة للطبيعة والكائنات، وهي تجني الثمار المرة لهذا التخريب.
فما الحل إذن؟
مفتاح الحل في رأي سعيد النورسي، هو بالعبادة التي شَبَّهَها بنغم كوني ينسجم فيه الإنسان والطبيعة أمام الله. وأنّ العبادة في المفهوم الإسلامي لا تنحصر بالتكاليف المعيّنة التي يؤديها الإنسان أمام الله مثل الصلاة والصيام. العبادة بالمفهوم الإسلامي هي التصرّف في التعايش بوعي عميق ينطلق من العالم، بظهور الإنسان والبشرية والكون من نفس المصدر وبرجوعه إلى المصدر نفسه. العبادة، في إيجاز، "تفكّر" و "نوع حياة" من طراز متميّز. هي فلسفة التفكر والعيش بالعلم بالبراهين الكونية والطبيعية الدالة على وجود الله والإحساس بتلك البراهين والأدلة، هذا المفهوم هو الحل الوحيد لإصلاح العلاقة المتخلخلة بين الإنسان والطبيعة، وتأسيس علاقة تآلف مجدداً.
7- عالم جديد وبراديغمائية جديدة: لا صراع، بل ترابط وتعاون متقابلان
تعرض تصورات عديدة عن وضع العالم اليوم، منها أطروحة "العولمة" الشائعة إلى حدّ التداول في الأسواق والشوارع، والتي تصوّر العالم قرية صغيرة. الترابط المتبادل حقيقة قاطعة بسبب سرعة السريان في سياق المعاصرة. فإذا سحبنا هذه الرؤية إلى مشكلة البيئة، ينبغي أنْ نرفض النُظُم البيئية المختلفة والمنفصلة عن بعضها، عالمنا اليوم يسوده نظام بيئي متكامل تتداخل فيه نظم بيئية مختلفة تؤثر بعضها في بعض، لم تعد مشاكل البيئة واقعة ترجع حصراً إلى تقدم الدول الغنية السريع. فللدول النامية أيضاً مشاكل للبيئة ترجع إلى فقرها. فمشاكل البيئة في الشمال وفي الجنوب وجهان لعملة واحدة.
إنّ عالماً بلغ هذا المبلغ من التداخل والترابط المتبادل، لا يكفيه التعاون المتبادل لحل المشاكل العالمية، بل يتطلب تغييراً جذريا في كنه نظرتنا إلى الطبيعة والعلاقات الجديدة معها. وفي الغرب، لا زال البحث مستمراً عن البدائل منذ بدء مناقشات أزمة البيئة في الستينات، وتُقَدِّمُ حركة العصر الجديد "هولزم أو التقديسية" أملاً وبديلاً جديداً في عالم مزقته التناقضات والأزمات الحادة.
يرى مفكرو حركة العصر الجديد أنّ الإصرار على منهج العصرنة الحالية لا يُخَلِّفُ إلا كوارث ونكبات جديدة. لأنّ الخصوصية المميزة للثقافة المعاصرة في التصور الازدواجي المتضاد في كل المسائل جعل فجوات شاسعة بين العلم والدين، والرجل والمرأة، والماضي والمستقبل، والإنسان والبيئة، والفرد والمجتمع، والروح والبدن، وتَسَبَّب في تمزق وتصارع عالمي. هذا التمزّق والتصارع يمكن تجاوزه بالمنظور التقديسي الجديد "هولزم".34
يفترض المنظور المعاصر للعالم صراعاً بين الإنسان والطبيعة ويُحَدِّدُ دور الإنسان فيه بإطلاق يده لقهر الطبيعة، وقد نجح الإنسان المعاصر في "تأهيل" الطبيعة إلى حد كبير، لكن هذا السياق بدأ يرتد عكسيا ويهدّد الإنسان بالخطر. لذلك، لم يَعُدْ الإصرار على برنامج العصرنة الجديدة والأحلام السعيدة إلا خداعاً يخدر الإنسان المفكر في المستقبل.
ومن المفيد هنا أنْ نعلم أنّ حركة العصر الجديد "أو التقديسية" تستمد استمداداً قوياً من الروحية الشرقية والأديان التقليدية، لأنّ الأديان التقليدية -على خلاف منظور العصرنة الجديدة- لا ترى تناقضاً وصراعاً بين الإنسان والطبيعة، بل تعاوناً وتأثراً متبادلاً بينهما. ومن الضروري هنا أنْ نشير إلى آراء سعيد النورسي في هذا الشأن.
ينبغي أنْ نفكّر في جذور المسائل التي خلّفتها العصرنة الجديدة، وأنْ نعترف بأنّ سعيد النورسي سبقنا منذ أوائل القرن العشرين في مقاومة المدنية الغربية والتحديد القاطع للفوارق والاختلاف بينها وبين الإسلام. ولا زالت آراؤه محافظة على أصالتها وحيوتها.
ففي جواب سعيد النورسي عن سبب اختلاف الإسلام والمدنية الغربية، يشير إلى خمسة أسس سلبية لتلك المدنية. فهو يرى أنّ المدنية الغربية:
1- محور استنادها هو القوة، وشأنها التجاوز.
2- وغاية قصدها هي المنفعة، وشأنها التزاحم.
3- ودستورها في الحياة هو الجدال "الصراع"، وشأنه التنازع.
4- ورابطتها ما بين الجماعات البشرية هي العنصرية والقومية السلبية القائمة على ابتلاع الآخرين، وشأن هذا التصادم الرهيب "المشهود".
5- وخدمتها الجذابة هي تشجيع الهوى وإشباع رغباته وتسهيل مطالبه. وشأن هذا الهوى تنزيل الإنسانية من درجة الملائكية إلى درك الكلبية."35
وما دامت هذه أسس المدنية المعاصرة، فلن يقوم تعاون وسلام وحوار على المستوى العالمي. وكما يقول Hangtinton في أطروحته التي ظهرت حديثاً: "العلاقة بين الحضارات علاقة حرب. فمن الطبيعي أنْ تتنافس الحضارات مع بعضها."
أما سعيد النورسي: فيقترح مدنية تقوم على المبادئ الإسلامية العالمية مغايرة للمدنية الغربية، وتستند على الأسس الإيجابية عوضاً عن الأسس السلبية المذكورة:
"محور استنادها هو الحق لا القوة، وشأن الحق العدالة والتوازن.
وقصدها الفضيلة لا المنفعة، وشأن الفضيلة المحبة والتجاذب.
وجهة وحدتها رابطة الدين والوطن والمهنة لا العنصرية والقومية، وشأنها الأخوة المخلصة والمسالمة والدفاع إزاء العدوان الخارجي.
ودستورها في الحياة دستور التعاون لا الجدال والصراع، وشأنه الاتحاد والتساند.
وخدمتها لله لا الهوى، وشأنها رقي الإنسانية والتكامل روحاً."36
وبعد أنْ بَيَّنَ سعيد النورسي الفرق بين المدنية الحديثة والإسلام، أكّد أنّ المستقبل سوف يشهد تحولات كبيرة، قائلاً:
"كونوا متفائلين… سيكون صوت الإسلام هو الأعلى والأقوى في انقلاب المستقبل هذا."37
_______________________
الهوامش:
1 مواليد سنة 1960. له عدة مؤلفات منشورة منها: البحث عن الهوية عند المهاجرين، 1990؛ العالم الثالث والبيئة "ترجمة"، 1990؛ سياسة التمازج، 1993؛ الأقليات المسلمة في أوروبا، 1995؛ العصرنة، سياقاً تغيرياً، 1995؛ الدين والعلمانية، 1998.
2 براديغما: مجموعة التصورات الحاصلة من مشكلة معينة والحلول والبدائل المتنوعة "المترجم".
3 علي بولاج، الدين والعصرنة، ص: 20، نشريات الاندلس، إستانبول 1990 "بالتركية".
Hans Opschoor Na ons geen onduiod Sh... 4
5 السيد حسين نصر، الإنسان والطبيعة، ص: 18، نشريات Yeryuzu، إستانبول 1982، "ترجمة تركية".
6 رايمون آرون - مراحل الفكر الاجتماعي، ص: 523، نشريات ين إيش، أنقرة 1986 "ترجمة تركية".
7 H. Van der L oo & W. Van Reijen, Paradoxen van modernisering Sh. 125, Dich Coutinho, Muiderberg1990
8 ف. كابرا، نقطة التحول في الفكر الغربي، ص 54، نشريات انسان، إستانبول 1989 "ترجمة تركية".
9 المصدر السابق، ص: 55.
10 نصر، المصدر السابق، ص: 14-15.
11 أكرم إيشن، المادية في العهد العثماني، انسكلوبيديا تركيا من التنظيمات إلى الجمهورية، ص: 363، نشريات إيلَتيشم، إستانبول، "بالتركية".
12 سعيد النورسي، رسالة الطبيعة، ص: 5، نشريات سوزلر، إستانبول 1975 "بالتركية".
13 ممتاز تورك أونة، ولادة الحركة الإسلامية كأيدلوجية سياسية، ص: 24-32، نشريات إيلتيشم، إستانبول 1994 "بالتركية".
14 سعيد النورسي، المصدر السابق، ص: 7-8.
15 شريف ماردين، واقعة بديع الزمان سعيد النورسي، ص: 337-341، نشريات إيلتيشم، إستانبول 1992.
16 سعيد النورسي، كليات رسائل النور - المكتوبات، ص: 564، نشريات يني آسيا، إستانبول 1994.
17 سعيد النورسي، المصدر السابق، ص: 565.
18 سعيد النورسي، المصدر السابق - اللمعات ص: 739 - 740، المكتوبات ص: 384 - 385.
19 سعيد النورسي، المصدر السابق - اللمعات ص: 759.
20 سعيد النورسي، رسالة الطبيعة ص 27، نشريات سوزلر إستانبول 1975.
21 سعيد النورسي، الكليات - المصدر السابق - اللمعات ص: 598.
22 سعيد النورسي، المصدر السابق - اللمعات ص: 648 - 649.
23 سعيد النورسي، المصدر السابق - الكلمات ص: 96 - 70.
24 سعيد النورسي، المصدر السابق - ص: 315 - 316.
25 سعيد النورسي، المصدر السابق - ص: 156 - 157.
26 سعيد النورسي، المصدر السابق - المكتوبات ص: 463.
27 سعيد النورسي، المصدر السابق - الكلمات ص: 115.
28 سعيد النورسي، المصدر السابق - المكتوبات ص: 462.
29 سعيد النورسي، المصدر السابق - الكلمات ص: 70.
30 سعيد النورسي، رسالة الطبيعة - المصدر السابق ص: 36.
31 سعيد النورسي، المصدر السابق - ص: 37.
32 سعيد النورسي، المصدر السابق - ص: 37.
33 سعيد النورسي، المصدر السابق - ص: 37.
34 سعيد النورسي، المصدر السابق - ص: 272-276 وايضا H. Van der L oo & W. Van Reijen, Paradoxen van Dich Coutinho
35 سعيد النورسي، سيرة ذاتية - نشريات انوار ص: 131 - 132 "بالتركية".
36 سعيد النورسي، المصدر السابق - ص: 133.
37 سعيد النورسي، المصدر السابق - ص: 133.

Yıl 2010, Sayı: 2, 95 - 112, 01.12.2010

Öz

Yıl 2010, Sayı: 2, 95 - 112, 01.12.2010

Öz

Toplam 0 adet kaynakça vardır.

Ayrıntılar

Birincil Dil Arapça
Bölüm ARTICLES
Yazarlar

قادر جان اطان Bu kişi benim

Yayımlanma Tarihi 1 Aralık 2010
Yayımlandığı Sayı Yıl 2010 Sayı: 2

Kaynak Göster

APA اطان ق. ج. (2010). الخلفية البراديغمائية لأزمة البيئة والتوجه العلمي الكوني عند النورسي - Dr. Kadir Canatan: “The Paradigmatic Background to the Ecological Crisis and Said Nursi’s Cosmological Teachings.. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization(2), 95-112.
AMA اطان قج. الخلفية البراديغمائية لأزمة البيئة والتوجه العلمي الكوني عند النورسي - Dr. Kadir Canatan: “The Paradigmatic Background to the Ecological Crisis and Said Nursi’s Cosmological Teachings. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. Aralık 2010;(2):95-112.
Chicago اطان قادر جان. “ Kadir Canatan: “The Paradigmatic Background to the Ecological Crisis and Said Nursi’s Cosmological Teachings. ”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, sy. 2 (Aralık 2010): 95-112.
EndNote اطان قج (01 Aralık 2010) الخلفية البراديغمائية لأزمة البيئة والتوجه العلمي الكوني عند النورسي - Dr. Kadir Canatan: “The Paradigmatic Background to the Ecological Crisis and Said Nursi’s Cosmological Teachings. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 2 95–112.
IEEE اطان ق. ج., “ Kadir Canatan: “The Paradigmatic Background to the Ecological Crisis and Said Nursi’s Cosmological Teachings..”., النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, sy. 2, ss. 95–112, Aralık 2010.
ISNAD اطان قادر جان. “ Kadir Canatan: “The Paradigmatic Background to the Ecological Crisis and Said Nursi’s Cosmological Teachings. ”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 2 (Aralık 2010), 95-112.
JAMA اطان قج. الخلفية البراديغمائية لأزمة البيئة والتوجه العلمي الكوني عند النورسي - Dr. Kadir Canatan: “The Paradigmatic Background to the Ecological Crisis and Said Nursi’s Cosmological Teachings. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2010;:95–112.
MLA اطان قادر جان. “ Kadir Canatan: “The Paradigmatic Background to the Ecological Crisis and Said Nursi’s Cosmological Teachings. ”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, sy. 2, 2010, ss. 95-112.
Vancouver اطان قج. الخلفية البراديغمائية لأزمة البيئة والتوجه العلمي الكوني عند النورسي - Dr. Kadir Canatan: “The Paradigmatic Background to the Ecological Crisis and Said Nursi’s Cosmological Teachings. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2010(2):95-112.