موقع نظرية العلم في عملية الاستخلاف والتحضر عند الأستاذ سعيد النورسي
د. عبد العزيز برغوث1
مدخل عام
تُعَدُّ الكتابة في موقع نظرية العلم في عملية الاستخلاف مساهمة في بعث الأمل المُتَجَدِّد على طريق الوعي والنهوض الحضاري الإسلامي، وخاصة في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة من لحظات التحوُّل الحضاري الكبير الذي يطال مشارق الأرض ومغاربها بصورة شمولية ويؤثر بقوة في الأشخاص والأفكار والمؤسسات، فالاهتمام بالموضوع يعكس وعي حركة النور بالواقع ومتطلباته.
يبحث الموضوع جانبا مهما من جهود بديع الزمان النورسي، ويتطلّب هذا المسعى أن نُحَدِّد بصورة واضحة الإطار النظري الذي ستحلل فيه الأفكار وتناقش ضمنه الإشكاليات المثارة أمامنا. وبعبارة أخرى ينبغي ربط موضوع البحث بظروف واقعنا وأحوال أمتنا في لحظتها التاريخية الراهنة. فلكي نفهم بعمق فكر الإمام النورسي ينبغي أن نقوم بعملية حوار علمي معه. أي أن نثير تساؤلاتنا عليه ونبحث في فكره عن أجوبة ومداخل للوعي والتفكير السليم. فبخلاف من يصف فكرا أو علما ما ينبغي لنا أن نحلل فكرا وندرس درجة حيويته وفاعليته في التفاعل مع الوقائع والأحداث، وإلا أفقدنا هذا الفكر عمقه ومضمونه الحي في معانيه ودلالاته.
فمن هذه القناعة أبحث حيوية وفاعلية أفكار الأستاذ النورسي من خلال موضوعها الموسوم بـ "موقع نظرية العلم في عملية الاستخلاف والتحضر عند الأستاذ بديع الزمان النورسي." وتشتمل الدراسة على مجموعة نقاط يمكن إجمالها فيما يأتي:
• الإطار النظري العام لدراسة علاقة العلم بعملية الاستخلاف والتحضُّر عند الأستاذ بديع الزمان النورسي.
• المحددات المنهجية لدراسة مفهوم العلم عند الإمام النورسي.
• موقع العلم في عملية الاستخلاف والتحضر: الفاعلية التجديدية للعلم.
أولا: الإطار النظري العام لدراسة علاقة العلم بعملية الاستخلاف والتحضر
بادئ ذي بدء ينبغي تحديد المعنى العام لمفهوم الإطار النظري في هذه الدراسة تجنبا لأي خلط أو غموض في التحليل. فالإطار النظري العام هو منظومة المفاهيم المرجعية والمحددات المنهجية التي تشكل رؤية الباحث ومقدماته الأساسية وأرضيته التحليلية التي بها يتوصل إلى دراسة مسألة معينة وفق منظور متناسق ومنهج منطقي تنتظم فيه القضايا الكلية والجزئية بشكل يؤدي إلى تجليتها واستخدامها في تحقيق أهداف البحث.
ولما كان الأستاذ النورسي من أبناء الإسلام وحضارته فإن مرجعية ومنهجية وأرضية التحليل التي تصدر عنها هذه الورقة هي الإسلام بمفهومه العالمي الشمولي. ولمّا كان الإطار النظري المرجعي إسلاميا في الأساس فإنّ فكر الإمام النورسي يشكّل اطّرادا مستمرا وحلقة مكملة من حلقات الوعي الحضاري الإسلامي. من هنا ينبغي تحديد موقع جهوده في سياق حركة البناء الحضاري الإسلامي العامة. فدراسة أفكاره وجهوده تكون ضمن النسق المفهومي الذي تولّدت فيه حركة النهضة الحديثة للأمة الإسلامية. فالنورسي رائد من رواد النهضة ومنظر من منظّريها. ولكي نفهم أفكاره بعمق ينبغي أن ندرجها ضمن هذا السياق النهضوي الحيوي وإلا أفقدناها كثيرا من فاعليتها وحيويتها. فمثلا عندما ندرس مفهومه للصلة بين العلم وعملية الاستخلاف والتحضّر، ينبغي أن لا نفصلها عن سياقها النهضوي أي أنْ لا ندرس العلم أو الاستخلاف أو التحضّر كمفاهيم نظرية جافة وكأنّها مفاهيم جزئية منفصلة عن واقعها وموضوعها. فالحيوية النهضوية هي التي تعطي لهذه المفاهيم شرارتها الروحية وأبعادها القيمية وآفاقها المنهجية والمعرفية، إذ ضمنها تتكامل هذه المفاهيم وتصبح أجنّة نشاط مفعم بالحيوية والفعالية التي تجعل منها مفاهيم بنائية مؤثرة في وعي الإنسان وحركة الواقع. فالذي ينبغي إدراكه ونحن ندرس فكر الأستاذ هو أن نربطه وباستمرار بالاطراد النهضوي الذي وُلد فيه هذا الفكر ذاته. فالنورسي لم يؤلف أو يكتب ليناقش مفاهيم نظرية ولكن ألّف لأنه كان يحمل همَّ الأمة وهمَّ الحضارة وهمّ الإنسان المعاصر وهمَّ النهضة الإسلامية. إذ كان يشعر في قرارة نفسه بعمق الأزمة وخطورة الموقف الإسلامي العام في اللحظة التاريخية التي عاصرها بوعي وهِمَّة عالية.
فالإطار النظري المعتمد في دراسة مسألة العلم وصلتها بعملية الاستخلاف والتحضّر هو الإطار الذي يصل هذا الموضوع بمسألة النهضة وواقعها الحالي، وتوضيحا لهذا الإطار يحاول الباحث تأسيس رؤية ولو عامة عن المسألة النهضوية مع السعي إلى ربط أفكار النورسي بهذا السياق.
1- النهضة التجديدية من الإشكالية العامة إلى المشروع الحضاري
لأمة الإسلام الوسطية رسالة استخلافية حضارية. فبحكم طبيعتها وغاية وجودها وطريقة إخراجها للناس وإظهارها في الواقع -أمة حاملة لنص الوحي العالمي الخاتم والمحفوظ- تتشكّل حقيقتها وتصاغ ثقافتها وتصورها للكون والحياة والإنسان والعمران. وهي بهذا المعنى العام ذات شأن عالمي وإنساني يتجاوز حدودها وجغرافيتها الاجتماعية والثقافية والطبيعية. وبالتالي فهي ذات أفق فكري من المفروض أن يستوعب الجغرافية الحضارية والثقافية لأمم الأرض جميعا ويدخل في حوار عالمي مع الناس كافة بمنطق الهداية والتعارف والتحضّر والتعمير للعالم والتثقيف للإنسان.
فإذا كانت طبيعة الأمة الوسط تنتظم ضمن هذا الإطار الاستخلافي الحضاري، فإنّه من واجب من يحمل رسالة هذه الأمة أن يكون في مستواها حتى يكون بمقدوره إيصال معانيها ومقاصدها ورسالتها للإنسان في هذا العالم. وفي تاريخ هذه الأمة يأتي الجيل المؤسس بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم ليقدّم أنموذج الإنسان الرسالي الذي يستوعب معاني هذه الأمة ويرتفع إلى مستوى رسالتها فيكون المعبّر الحقيقي عن مقصودها وفلسفتها العامة للتحضر والاستخلاف. فإذا كان هذا هو الوضع الطبيعي للأمة الوسط، فإنّ تخلّفها عن هذا المستوى والوضع المتوازن يعبّر عن الاختلال العام في فكر وواقع واجتماع حاملها والشاهد بها على غيرها من الأمم. فإذا كان هذا الفهم مستقيما فإنّ الواقع يبيّن أنّ اللحظة التاريخية الحالية التي تعيشها الأمة الإسلامية هي لحظة الاختلال العام الذي يجسّد واقعيا تخلّف الأمة عن رسالتها وتخلّف الإنسان الحامل لرسالتها عن نص الوحي الذي يتضمن رؤية ومشروع ومنهج هذه الأمة في العقيدة والحركة والسلوك والعمران.
من هنا تصبح النهضة2 هي التعبير الحالي عن استجابة الإنسان المسلم لظاهرة الاختلال العام في مسيرة هذه الأمة. فالنهضة بهذا المعنى هي محاولة المجتمع الإسلامي الارتفاع بالإنسان والثقافة والتراث والواقع الإسلامي الحالي إلى مستوى إدراك معاني الأمة الوسط وتجسيدها في الواقع والسلوك وفقا للرؤية الكونية التوحيدية. بعبارة المفكر الجزائري مالك بن نبي النهضة هي "ما يبذله العالم الإسلامي من جهد في الميدان النفسي، هي حركة ضميره ليتدارك تخلّفه عن الفكر القرآني، وعن ركب الفكر العلمي الحديث."3
فالنهضة إذن هي الإشكال الحضاري الكبير الذي شحذ همم العلماء والمفكرين، فانبرى كثير من أبناء الأمة لمواجهة شروط النهضة وإشكالها حتى غدت النهضة مشروعا حضاريا يقصد تحقيق التحوّل الحضاري الكبير للإنسان المسلم ونقله من وضع التخلّف إلى وضع التحضّر الذي تتجسّد فيه معاني الاستخلاف الحقيقية، وهنا تقف محاولة الأستاذ النورسي أمامنا لتواجه هذه المشكلات النهضوية، وتؤسس لوعي حضاري منهجي استخلافي يصدر عن المرجعية التوحيدية ويتوجه نحو تجسيد قيم الخلافة على المستوى الكوني والإنساني.
2- الأستاذ النورسي والمداخل التأسيسية للمشروع الحضاري النهضوي
يعرض الأستاذ النورسي أفكارا العديد منها في صميم الوعي الحضاري وفي عمق الحركة النهضوية الإسلامية. فإذا كانت أطروحات المفكّرين الإسلاميين النهضوية متنوعة على مستوى الرؤية والمنهج، فإنّه من واجبنا أن نستكشف إلى أي مدى وُفِّقَ الأستاذ النورسي في تطوير رؤية ومنهج للتجديد والنهوض الحضاري. وفي المشاريع النهضوية المتعددة يمكن أن نميّز بين أصحاب الرؤى والمناهج السياسية والاجتماعية والتربوية والفكرية والثقافية.
ما الرؤية والمنهج الذي يمكن أن نُصنف فيه فكر الأستاذ النورسي؟ وبعبارة أكثر دقة ما هي المداخل التأسيسية للمشروع الحضاري النهضوي عنده؟
وباختصار شديد يمكن القول أن المداخل التأسيسية4 الرئيسة هي:
• العلم بمفهومه التوحيدي والكوني والإنساني.
• الإنسان بمفهومه الرسالي والاستخلافي.
• والاستخلاف بمفهومه الحضاري الإعماري.
3- الأبعاد الكبرى لنظرية العلم عند النورسي
العلم مدخل تأسيسي لأي تحوّل نهضوي حضاري. وهذا المعنى للعلم ونظريته العامة لا يمكن تحصيله إلا بالعودة إلى المرجعية التوحيدية التي تعطي لهذا المفهوم أبعاده الكبرى المتمثلة في:
أ- البعد التوحيدي وذلك بوصل العلم بخط الوحي الذي يفتق أمامه المعاني والدلالات المتجددة المعجزة. وبهذا يصبح العلم مرجعيا متجذرا في الوحي فتستقيم مضامينه وتتوافق دلالاته مع الإرادة الإلهية فتنفتح له كنوز المعارف وتظهر أمامه معجزات الوعي والتفكّر التي يكون مآلها الحقيقي والنهائي معرفة الله حق المعرفة وتجسيد معاني وقيم هذه المعرفة في العقل والقلب والسلوك والاجتماع. قال النورسي: "إن حكمة مجيء الإنسان إلى هذه الدنيا والغاية منه، هي: معرفة خالق الكون سبحانه، والإيمان به والقيام بعبادته، كما أن وظيفة فطرته وفريضة ذمته، هي: معرفة الله والإيمان به."5 وبهذا يكون حامل هذا العلم فاعلا حيويا على مستوى عالي من القدرة والمُكْنَة والإتقان والتَّمَثُّل لمنهج الوحي وشريعته وعقيدته. فمعرفة الله هي حقيقة الحقائق وثمرة الوجود الإنساني وغايته لأن "من عرف الله حق المعرفة وملأ قلبه من نور محبته سيكون أهلا لسعادة لا تنتهي ولنعمة لا تنضب ولأنوار وأسرار لا تنفد وسينالها إما فعلا وواقعا أو استعدادا وقابلية."6 فالإنسانية لا تترقى وتسمو بالتقدم التقني والعلمي والصناعي إذا لم يتبع هذا التقدّم تقدّما إيمانيا خالصا. لأنّ "أعلى مرتبة للإنسانية وأفضل مقام للبشرية هو معرفة الله التي في ذلك الإيمان… وأنّ أزهى سعادة للإنس والجن وأحلى نعمة هي محبّة الله النابعة من تلك المعرفة."7 وهذا الذي يمكن تسميته "العمق الإيماني للعلم." "وفي هذه الحالة يمكننا أن نقول أن القرآن تناول الوحي والعلم في إطار واحد لأن: الوحي ينفذ إلى العلم وينيره ويجعله حقيقة. وبهذا يظهر البعد الإيماني الذي أكسبه الوحي للعلم."8
ب- البعد السنني الذي يعطي للعلم منطقيته ويخرجه عن الهوى والسلبية وذلك بربطه بالسنن والقوانين والأسباب المضطردة في الواقع والحياة. وتركيز الإمام النورسي على السنن واضح وحَثّه على الانسجام معها يكاد يتكرر باستمرار. ومن ذلك قوله: "إن هناك طاعة وعصيانا تجاه الأوامر الشرعية المعروفة، كذلك هناك طاعة وعصيان تجاه الأوامر التكوينية."9 ويزيد في توضيح المسألة بصورة أخرى في قوله: "إن من يشق طريقا في الحياة الاجتماعية ويؤسس حركة، لا يستثمر مساعيه، ولن يكون النجاح حليفه في أمور الخير والرقي، ما لم تكن الحركة منسجمة مع القوانين الفطرية التي تحكم الكون."10 وهذا الذي يمكن تسميته "العمق السنني للعلم."
ج- البُعْدُ التسخيري وذلك بجعل وظيفة العلم وظيفة تسخيرية. وهذه في الحقيقة أعظم دلالة على الأبعاد العملية والآفاق الحياتية والإعمارية للعلم. ومن هنا تظهر خطورته وأهميته وموقعه في العملية الاستخلافية والحضارية "العمق التسخيري للعلم."
د- البعد السلوكي للعلم وذلك بجعله أساسا للسلوك والحركة الإنسانية. فعندما يستحكم العلم ويصبح هو الدليل على السلوك يستقيم هذا السلوك ويتوازن ويتناغم مع الواقع الإنساني. فتصبح حركة الإنسان فاعلة مؤثرة مغنية للحياة والوجود الحضاري للبشر. "العمق السلوكي للعلم."
يعرض النورسي العلم بصفته مفهوما حيويا فاعلا متّصفا بالصبغة الإيمانية والنزعة السننية والمنطق التسخيري والوجهة السلوكية. من هنا ينبغي لنا أن نعيد قراءة مفهوم العلم بهذه الرؤية الشمولية التكاملية لندركه في سياقه الإسلامي الصحيح. فالعلم بهذا الشمول يصبح مدخلا تأسيسيا مهما جدا في الإصلاح والتجديد والتحضر.
4- الإنسان الرسالي الكوني عند الأستاذ النورسي
الإنسان الرسالي الذي يحمل الأمانة ويتصدّى لشروط الخلافة هو الإنسان المتكامل الذي تتجسد فيه معاني الرسالية والرشاد بمفهومه الإسلامي. وهو كما يتصوّره الأستاذ النورسي الإنسان الذي تنمو فيه معاني الخلافية في الأرض وتنتظم في وعيه وفكره منظومة المفاهيم الاستخلافية التي تجعل منه إنسانا يخرج عن داعية هواه فتستقيم نفسه وروحه وقيمه مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية من هداية.
ينظر النورسي إلى هذا الإنسان بتكاملية شمولية. فتكاملية الإنسان عنده تبدو من خلال تكوينه التكاملي الذي يشتمل على:
أ- التكوين العقائدي الإيماني الذي يؤدي إلى تعميق بُعْدِ العبودية والاتصال بالله سبحانه وتعالى. حتى تُصبح العبادة أساس حياة الإنسان الرساليّ وجبهته الأساسية التي تسنده في كل مراحل نموّه وخاصة في أوقات الابتلاءات والصُّعوبات القاهرة.
ب- التكوين الفكري والمعرفي الذي تستقيم به رؤية الإنسان ونظرته للكون والحياة والإنسان، فيكون بذلك منتظما في فكره ومعرفته، ويصبح عقله مستقيما مع غاياته ومقاصده، ملتزما لحدوده مرابطا في ما أتيح له من النفاذ في أقطار السموات والأرض بحثا عن الحق والخير.
ج- التكوين النفسي الذي تُبْنى به نفسية الإنسان وإرادته وتطلعاته بصورة تسمح له بحمل الرسالة والأمانة على وجهها المطلوب. فيكون بذلك قادرا على التضحية والبذل والعطاء من أجل تحقيق مشروعه الاستخلافي في الحياة.
د- التكوين السلوكي والعملي الذي يصبح به الإنسان المُعَبِّر الحقيقي عن عقيدته وشريعته ورسالته ومبادئه. فتنسجم في حياته النظرية والتطبيق والكلام والفعل والفكر والسلوك. فيعيش التوافق والتناغم الذي يطوّره ويرقّيه ويسمو به في مدارج السالكين لسبل النبوة ومراقيها.
هـ- التكوين الاجتماعي والثقافي الذي يعطي الفرد والجماعة أدوات الاتصال الاجتماعي والثقافي التي تجعل المسلم اجتماعيا غير معزول عن تيار الوعي العالمي كما تجعله معتزا بثقافته وتراثه وتاريخه.
فتكاملية الإنسان عند الأستاذ النورسي تعني هذا التكوين العقائدي والفكري والنفسي والروحي والسلوكي والاجتماعي والثقافي مجتمعة في وحدة منهجية شاملة بحيث تتجسّد في نظام تعليمي وتربوي يكون قادرا على بناء الإنسان الرسالي المتكامل.
5- المرتكزات التأسيسية لمفهوم الاستخلاف
يعتبر الأستاذ الاستخلاف مفهوما أساسيا في حياة الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء. فنظرته إلى مفهوم الاستخلاف شمولية تتضمن جملة مرتكزات منها:
أ- المرتكز التوحيدي للاستخلاف وذلك بربط الإنسان الخليفة بخالقه وجعله متّصلا بالله سبحانه وتعالى.
ب- المرتكز الكوني للاستخلاف وذلك بربط حركة الإنسان الخليفة بالكون ودعوته إلى التأمّل والسير في الأرض واستعمارها وتسخيرها في تحقيق الأمانة.
ج- المرتكز الحضاري للاستخلاف وذلك بتوجيه الإنسان الخليفة إلى الجمع بين متطلبات الجسد والروح، والواقع والمثال.
د- المرتكز الأخروي للاستخلاف وذلك بربط حركة الإنسان الخليفة بالجزاء الأخروي المضمون في حالة استقامته على الطريقة وحمله للأمانة على وجهها الصحيح، وهذا المرتكز هو الذي يقدم الدعم النفسي والمعنوي للإنسان عندما يضمن له ثمرة جهاده ونتيجة عمله للصالحات.
بهذه المداخل التأسيسية الكبرى: العلم والإنسان والاستخلاف وضع الأستاذ النورسي مشروع النهضة على أرضية صلبة يمكنها أن تُؤَهِّل الأمة لأداء رسالتها في العبادة والإعمار والهداية للبشرية. ومن هنا تتوجّب دراسة أفكار الأستاذ وأطروحاته ونكاته وإشاراته ولمعاته ومكتوباته وكلماته في هذا السياق الحيوي الذي يجليه بصورة حية فعالة مؤثرة في الوعي والسلوك.
ثانيا: المحددات المنهجية لدراسة مفهوم العلم في المنهج العام عند الأستاذ النورسي
بعد أن تشكّلت لدينا الصورة العامة للإطار النظري ينبغي أن نحدّد بشكل واضح بعض المحددات المركزية التي يتقوّم بها مفهوم العلم عنده، وباختصار شديد يمكن إرجاع هذه المحددات المنهجية إلى:
1- الآفاق الدلالية للعلم على مستوى كتاب الكون وكتاب الوحي وكتاب البيان النبوي:
إن تحديد الدلالات العميقة والصحيحة للعلم وإدراك مغزاه التوحيدي والسنني والتسخيري والسلوكي لا يكون إلا بالقراءة المنهجية لكتاب الكون وكتاب الوحي وكتاب البيان والأسوة والقدوة الذي تجسّد تجسيدا كاملا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وشخصيته البشرية والنبوية.
وفي هذا المعنى قال الأستاذ:
"إن ما يعرف لنا ربنا هو ثلاثة معرفين أدلاّء عظام: أوله: كتاب الكون… وثانيه: هو الآية الكبرى لهذا الكتاب العظيم، وهو خاتم ديوان النبوة صلى الله عليه وسلم... وثالثه: القرآن الكريم."11
يركز الأستاذ في هذا المحدد المنهجي على مسألة مهمة جدا في بناء نظرية إسلامية للعلم. فالذي يحاول مثلا بناء نظرية للعلم تأسيسا على الكتاب الكوني فقط، فإنه لن يتمكن من اكتشاف الحقيقة العظمى للوجود الإنساني. كما أن الذي يوجه نظره فقط إلى كتاب الوحي مغفلا الكتاب الكوني، فإنه يفتقد بُعْدا مهما من أبعاد القراءة الصحيحة للدلالات العظيمة للعلم. "فالكتابين متكاملين متفاعلين، يستحيل عليك أن تقرأ القرآن دون أن يلفت نظرك إلى عظمة الكون بمخلوقاته وأركانه المختلفة."12
ولكن ينبغي أن نلاحظ أنّ الأستاذ النورسي يؤكّد بصورة واضحة موقع ودور الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة الخاتمة في بيان معاني ومقاصد الإطلاع على الكتاب الكوني وكتاب الوحي وتجسيدها في الواقع. "حيث إنّ أكمل إمام وأمثل قدوة في هذا الأمر هو محمد صلى الله عليه وسلم." 13ومن هنا يمكن القول بأنّ محاولة قراءة كتاب الكون وكتاب القرآن متغافلين عن البيان النبوي الأسوة والقدوة الموضوعية التي جسّدت مضامين الوعي بالوحي والوعي بالسنن الآفاقية والأنفسية فإنّ ذلك يؤدّي إلى إشكالات منهجية خطيرة قد تخرجنا عن المنهج الصحيح في التعامل مع المفهوم القرآني للعلم ونظريته.
كان الأستاذ في المقام التأسيسي لهذا المحدد واضحا بالصورة الكافية، فلم يغفل الكتاب الكوني14 ولا كتاب الوحي ولا كتاب البيان والقدوة والأسوة -إن صح التعبير-.
2- العلم في الإسلام بين علم الأسماء وأسماء الله الحسنى
ينبغي ربط مدلول العلم الصحيح بمسألة تعليم الأسماء التي تشكّل محور ومرتكز الخلافة الرئيس. قال الأستاذ النورسي مبينا المعانى المستفادة من قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ اْلأسْمَاءَ كُلَّهَا﴾البقرة:31 "تبين هذه الآية أنّ المعجزة الكبرى لآدم عليه السلام -في دعوى خلافته الكبرى- هي تعليم الأسماء... أن تفوّق أبيكم آدم في دعوى الخلافة على الملائكة كان بما علّمته الأسماء كلّها، وأنتم بنوه ووارثو استعداداته ومواهبه فعليكم أن تَتَعَلَّمُوا الأسماء كلها لتثبتوا جدارتكم أمام المخلوقات لتسنّم الأمانة العظمى، فلقد مهّد الطريق أمامكم لبلوغ أسمى المراتب العالية في الكون، وسخّرت لكم الأرض، هذه المخلوقة الضخمة، فهيا انطلقوا وتقدموا، فالطريق مفتوح أمامكم... واستمسكوا بكّل اسم من أسمائي الحسنى، واعتصموا به، ولتسموا وترتفعوا… ارفعوا رؤوسكم عاليا، وأنعموا النظر والفكر في أسمائي الحسنى، واجعلوا علومكم ورقيكم سلما ومراقي إلى تلك السموات لتبلغوا حقائق علومكم وكمالكم وتصلوا منابعها الأصلية تلك هي أسمائي الحسنى."15
من الواضح أنّ مسألة تعليم الأسماء تشكّل مدخلا مركزيا تأسيسا للاستخلاف. ومن هنا يعرضها الأستاذ باعتبارها ضرورة من ضرورات الوعي الاستخلافي. فمسألة تعليم الأسماء تشتمل على معنيين أساسين في تحديد حقيقة ووظيفة العلم في الإسلام وهي:
إنّ تعليم الأسماء تعبير عن الإمكانات الإنسانية العقلية والنفسية والروحية التي تتفتق بها أمام الإنسان كنوز الحكمة والوعي والخير وتفتح لها آفاق التحضّر والاستخلاف. فهي التي تمثّل حيوية الإنسان في قمة استعداده ليكون مستخلفا في الأرض. فالحق تبارك وتعالى أودع في الإنسان استعدادا وإمكانا فطريا واستخلافيا ضخما هو الذي يجعله قادرا على حمل الأمانة ومواجهة متطلباتها وشروطها عبر التفاعل بالوعي والعقل والفكر مع الكون والواقع، ويوضّح النورسي هذا المعنى في نكتة من نكاته المهمة قائلا: "إنّ كلّ ما ناله الإنسان -من حيث جامعية ما أودع الله فيه من استعدادات- من الكمال العلمي والتقدم الفني إلى خوارق الصناعات والاكتشافات تعبّر عنه الآية الكريمة بتعليم الأسماء."16 فكأن تعليم الأسماء "أساس لتمكّننا الكامل من تطوير إدراكنا للوجود، وقدرتنا على تعديل مسار فكرنا على درب الحقيقة التي خلقها الله، وما أحرى أن يكون خليفة الخالق مهيؤ لأن يتعامل مع الوجود الذي خلقه الله بما يكفل له أنْ يكون على قدر الخليفة إدراكا وتطوّرا وتعديلا لما يصنعه."17
تعليم الأسماء عند النورسي يعني الاستعداد الكامل للتلقي عن الله وللتفاعل مع الكون والتفكّر في الوجود وتحقيق البناء الحضاري وتحصيل الترقي الروحي والنفسي والعلمي باتجاه تحقيق الخلافة الأرضية التي تمتدّ بوعي الإنسان وفكره إلى ما وراء واقعه الزماني الفاني وتمدّه بالقدرة على النفاذ إلى أقطار السموات والأرض بسلطان العلم الموصول بحبل الوحي وبخط النبوة والهداية الإلهية للبشرية.
قال الأستاذ النورسي: "﴿وَعَلَّمَ آدَمَ اْلأسْمَاءَ كُلَّهَا﴾البقرة:31 أي صَوَّرَه بفطرة تضمّنت مبادئ أنواع الكمالات، وخلقه باستعداد زرع فيه أنواع المعالي، وجهّزه بالحواس العشر وبوجدان تتمثل فيه الموجودات، وأعدّه بهذه الثلاث لتعلم حقائق الأشياء بأنواعها، ثم عَلَّمه الأسماء كلها."18 فهذا العمق الفطري والاستعدادي للإنسان يبيّن قيمته وقدرته على القراءة والتفكّر والنظر والتدبر ويعكس كذلك موقعه في الحركة الكونية والإنسانية. "فمع أن الإنسان فان إلا أنه مخلوق للبقاء. خلقه الباري الكريم بمثابة مرآة عاكسة لتجلياته الباقية. وكلّفه بالقيام بمهمّات تثمر ثمارا باقية، وصوّره على أحسن صورة حتى أصبحت صورته مدار نقوش تجليات أسمائه الحسنى الباقية، لذا فسعادة هذا الإنسان ووظيفته الأساس إنما هي: التوجّه إلى ذلك الباقي بكامل جهوده وجوارحه وبجميع استعداداته الفطرية، سائرا قدما في سبيل مرضاته، متمسكا بأسمائه الحسنى."19
يتعمق الأستاذ النورسي -بخلاف معظم المفسرين- في استخراج معنى جديد وعميق جدا من معاني تعليم الأسماء. وبهذا المعنى الجديد تنفتح أمامنا فرص الوعي المتقدم على طريق شحذ الفعالية الروحية والفكرية للإنسان. فتعليم الأسماء20 عنده لا يقتصر على ما ذهب إليه الإمام القرطبي21 في أن الأسماء تعني العبارات… والتي قد تتضمن أسماء جميع الأشياء كلّها جليلها وحقيرها أو تتضمن اللغات التي هي أسماء في جوهرها. أو ما ذهب إليه ابن كثير22 على أن تعليم الأسماء تعني الأشياء كلها ذواتها وصفاتها وأفعالها.
يرى النورسي ضرورة التركيز على ثلاثة أمور. أولها ربط الأسماء بموضوع الاستخلاف في الأرض. أي أن تكون الأسماء وتعلمها مما يفيد في تحقيق الخلافة في الأرض. "و ‘علّم' فيه إشارة إلى التنويه بالعلم تنبيها إلى رفعة درجته وأنه هو محور الخلافة."23 فموضوع الأسماء استخلافي عملي مما يؤثّر في حركة الإنسان وحياته وثقافته وفكره ووجوده. وثانيها أنّ تعليم الأسماء يأخذ قيمته التوحيدية والكونية من ارتباطه بأسماء الله الحسنى. قال النورسي في هذا المعنى: "إنّ لكلّ كمال، ولكل علم، ولكلّ تقدّم، ولكلّ فن -أيا كان- حقيقة سامية عالية. وتلك الحقيقة تستند إلى اسم من الأسماء الحسنى، وباستنادها إلى ذلك الاسم يجد ذلك الفن وذلك الكمال وتلك الصنعة كلّ منها كماله ويصبح حقيقة فعلا."24
يفتح ربط تعليم الأسماء بالأسماء الحسنى آفاقا رحبة للوعي والفكر ليكتشف مخزونات الحكمة الإلهية. كما أنّ ربط هذه الأسماء بالفعل والواقع والحركة يفتح لحركة الحضارة آفاقا في القدرة والإتقان والرحمة والأمن والسلم والعزة والعلم… الخ. فبهذا الربط "يضرب القرآن الكريم... يد التشويق على ظهر البشرية مشيرا إلى أسمى النقاط وأبعد الحدود وأقصى المراتب التي قَصُرَت كثيرا عن الوصول إليها في تقدمها الحاضر."25 وثالثها أنّه لا ينظر في الفراغ ولا يحلق في المثال عندما يربط تعليم الأسماء بالأسماء الحسنى، وإنّما يقدم لنا القدوة النموذجية العملية التي نرى فيها ونعيش معها لحظات التجسيد الواقعي للأسماء ودلالاتها العملية. فهو يقدم أنموذج النبي صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة عملية للتطبيق الواقعي لمفهوم تعليم الأسماء المرتبط بالأسماء الحسنى، قال النورسي: "أما المعجزة الكبرى للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وهي القرآن الكريم ذو البيان المعجز فلأن حقيقة تعليم الأسماء تتجلى فيه بوضوح تام، وبتفصيل أتم، فإنه يبين الأهداف الصائبة للعلوم الحقّة وللفنون الحقيقية، ويظهر كمالات الدنيا والآخرة وسعادتهما، فيسوق البشر إليها ويوجّهه نحوها مثيرا فيه رغبة شديدة …إنّ خاتم ديوان النبوة وسيد المرسلين الذي تُعَدُّ جميع معجزات الرسل معجزة واحدة لتصديق دعوى رسالته، والذي هو فخر العالمين، وهو الآية الواضحة المفصلة لجميع مراتب الأسماء الحسنى كلّها التي علمها الله سبحانه وتعالى آدم u تعليما مجملا."26
إدراك هذا المعنى اللطيف لتعليم الأسماء ومحاولة ربط نظرية العلم بالأسماء الحسنى وبالتطبيق النبوي العظيم لها، يفتح آفاقا واسعة وخصبة أمام المعرفة لتتطور وتنمو باتجاه التناغم والتوافق مع مبادئ الفطرة وطبائع العمران وسنن الاجتماع وقوانين الكون ونواميس الوجود العامة.
3- حيوية العلم وفاعليته الاجتماعية والحضارية
تتسم نظرية العلم في الإسلام بالنفاذية الكونية والنفسية وبالسلطان الاجتماعي والحضاري الذي يحدث التحوّلات الكبرى في النفس والوعي والواقع كمدخل لتحويل الثقافة والحضارة والتاريخ وصياغتها صياغة إسلامية منسجمة مع الدلائل الآفاقية والنفسية والفطرية. وبعبارة أخرى للعلم في الإسلام وظيفة اجتماعية عملية ومقصد تربوي استخلافي يوجّه الإنسان إلى التأمّل والنظر الكوني والنفسي المتفاعل مع الحياة والواقع والوجود. فإخراج العلم عن مقصوده الاجتماعي ووظيفته التربوية الروحية الإعمارية يجعل هذا العلم جانحا نحو النظرية والتأمّلات الخيالية البعيدة عن التأثير في الفطرة والروح والنفس والواقع والحياة. ومن هنا نجد النورسي يؤكّد أهمية العمق الاجتماعي للعلم وإدراكه اللطيف لطبيعة الواقع ومتطلبات المرحلة ونوعية الوعي الذي تتطلبه فقال: "إنّ البشرية في أواخر أيامها على الأرض ستنساب إلى العلوم وتنصب إلى الفنون وستستمد كل قواها من العلوم والفنون فيتسلم العلم زمام الحكم والقوة."27 وما تسلم العلم زمام الحكم والقوة إلا التعبير العملي على نفاذيته وسلطانه الاجتماعي والثقافي.
وبهذا السلطان والفاعلية الاجتماعية للعلم يمكن القول بأنّ تأثير العلم الاجتماعي يأتي من قدرته على التوافق مع طبائع العمران الاجتماعي وقيم الفطرة العامة وسنن الاستخلاف وقوانين الكون. فكلّما امتدَّ وعيُ العلم باتجاه هذه السنن والقوانين والطبائع كلما كان تأثيره أعمق وأعظم وأفيد لحركة الإنسان الحضارية والاستخلافية. وكلما تناقض وتعارض العلم في مضمونه وسيره مع هذه الطبائع كلّما أصبح مُتَهَوِّراً وافتقد مقاييس الوعي الصحيحة فأصبح أثره سلبيا قاتلا مهلكا للحرث والنسل، يؤكد هذا المعنى النورسي بقوله: "إنّ من أراد التوفيق يلزم عليه أن يكون له مصافاة مع عادات الله، ومعارفة مع قوانين الفطرة، ومناسبة مع روابط الهيئة الاجتماعية، وإلا أجابته الفطرة بعدم الموفقية جواب إسكات. وأيضا من تحرّك بمسلك في الهيئة الاجتماعية يلزمه أن لا يخالف حركة الجريان العمومي، وإلا طيَّره ذلك الدولاب عن ظهره فيسقط في يده."28
يكون العلم بهذا المعنى أوثق وأصلب في مضمونه ووظيفته وتأثيره. لأن العلم المتوجِّه إلى الاجتماع الإنساني والواقع البشري ينمو ويتطور وتتكامل مفاهيمه ومنظوماته وأنساقه. فالوعي الاجتماعي والتوجّه الواقعي يفتح لحركة العلم آفاقا رحبة للتقدّم والتفتق على المخزونات المكنونة في الأسماء التي تعلّمها الإنسان. فإذا كان هذا الفهم للعلم مستقيما مع النسق الفكري الإسلامي العام، فإنه يمكن القول أنّ الشريعة الإسلامية هي أرقى وأسمى تجليات الوحي والكلام الإلهي والعلم الرباني اللدني. فالشريعة كقطاع من الناموس الإلهي العام ومن الكلام الرباني المعجز، تمثل أرقى علم متوافق مع سنن وقوانين وطبائع الحياة والوجود، قال النورسي تأكيدا لهذا المعنى: "تأمّل في حقائق الشريعة مع تلك المصادمات العظيمة والانقلابات العجيبة وفي هذه الأعصار المديدة ترها قد حافظت على موازنة قوانين الفطرة وروابط الهيئة الاجتماعية."29
ثالثا: موقع العلم في عملية الاستخلاف والتحضر: الفاعلية التجديدية للعلم
بعد بيان الإطار النظري العام لدراسة مفهوم النورسي للعلم وصلته بالاستخلاف والتحضّر، وبعد أنْ عرضنا المحدّدات المنهجية الأساسية لدراسة هذه الصلة، بقي تحليل موقع العلم في التحضّر والاستخلاف، وهو ما سُمِّي بالفاعلية التجديدية للعلم. فلو أردنا صياغة هذه المسألة بطريقة أخرى لظهرت لنا قدرة النورسي على الربط بين مفهوم العلم في قوله ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ اْلأسْمَاءَ كُلَّهَا﴾البقرة:31 ومفهوم الاستخلاف في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...﴾البقرة:30 فالنورسي في الحقيقة يخطو خطوة مهمّة عندما يعطي أولا مفهوما متميزا للعلم ويجعله موصولا بالتقوى والإيمان والسنن والأسباب والتسخير والسلوك. ثم ثانيا يجعل العلم وفق هذا المفهوم أساس البناء الاستخلافي الحضاري. فالاستخلاف عنده حركة ارتقاء روحي ونفسي وسلوكي وعمراني، تجعل من الإنسان طاقة اجتماعية فعّالة تمارس عملية الإيمان والتفكير وتعلّم الأسماء من أجل الترقي والاتصال بالله عزوجل. فالاستخلاف الحضاري يعني: "تحقيق العبودية لله تعالى، والسيادة في الأرض عبر الانسجام مع سنن الله الكونية والتشريعية والاستمتاع بخيرات الأرض طاعة وشكرا. والاستعداد للقاء الله هو الوظيفة الوجودية للإنسان في عالم الشهادة."30
كانت هذه المحاور والمقوّمات الأساسية للمشروع الاستخلافي الحضاري محلّ اهتمام النورسي؛ فلم يغفل في دراساته مسألة العبودية لله، ومسألة السيادة على الأرض ومسألة الانسجام مع السنن التشريعية والتكوينية، ومسألة الإعمار والترقي العمراني، ومسألة الاستعداد للقاء الله.
ومن المفيد التأكيد على أنّ إدراكه لهذه المسائل مرتكز على العلم. وبهذا يكون العلم هو المدخل التأسيسي للاستخلاف الحضاري. قال رحمه الله: "إن خلافة الله تعالى في أرضه لإجراء أحكامه وتطبيق قوانينه تتوقف على علم تام… و "علّم" فيه إشارة إلى تنويه العلم ورفعة درجته وأنّه هو المحور للخلافة."31 فبهذا المعنى يصبح العلم مدخلا للحيوية التجديدية والفعالية الاستخلافية. فالعلم هنا يدخل في عمق الواقع وعمق الاستخلاف الأرضي. فموقعه في العملية الاستخلافية موقع تجديدي تغييري، إذ به تتحقّق عملية الترشيد الحضاري لخطوات الإنسان الخليفة الآفاقية والنفسية والاجتماعية. فبالعلم يستطيع الإنسان تحقيق أعلى مستويات الإحسان والتكريم والعدالة والاستقامة والحرية والأمن والتسامح والتحضر.
1- الفاعلية الحضارية للعلم والاستخلاف: مسألة الإنسان الرسالي الكوني
تبرز أمامنا بهذا المعنى التجديدي للعلم وصلته بالاستخلاف الحضاري الإشكالية الكبرى التي بها يتحدّد موقع العلم في الاستخلاف عمليا وواقعيا. فلا يمكن تحقيق الربط والصلة بين العلم والخلافة ولا يمكن تحصيل الفعالية التجديدية للعلم إلا بالحديث عن "الإنسان الاستخلافي الحامل لرسالة الربط بين العلم والاستخلاف." فالإنسان في الحقيقة هو القضية الكبرى والمركزية التي حاول النورسي إبرازها باعتبارها مبعث التحوّل الحضاري والاستخلافي. فالعلم لا يؤتي ثماره التجديدية والاستخلافية إلا بوجود إنسان رسالي. ومن هنا نجد المفكر الجزائري مالك بن نبي يؤكد بقوة على دور الإنسان في قوله: "بل أشعر أن حاجتنا الأساسية في عالم النفوس أكثر منها في عالم الأشياء. إن حاجتنا الأولى هي الإنسان الجديد... الإنسان المتحضّر."32 ويبدو النورسي في هذه القضية حريصا ومؤكدا على القيمة الكونية والحضارية للإنسان، وأنّه هو مركز التحوّل الكوني والحضاري والتاريخي. "فالتاريخ يبدأ بالإنسان المتكامل الذي يطابق دائما بين جهده وبين مَثَلِه الأعلى وحاجاته الأساسية والذي يؤدي رسالته المزدوجة بوصفه ممثلا وشاهدا."33 ففي أعماقه تنمو الحيوية والفاعلية وفي نفسه تكمن كل قوى التغيّر والتحوّل، ويُعَبِّر النورسي عن هذه المعاني بطريقة رائعة عندما يعرض عن فكرة "الأن" باعتبارها طاقة التحوّل والتجديد.
قال الأستاذ النورسي: "فالذي يعرف ماهية ‘أنا' على هذا الوجه، ويذعن له، ثم يعمل وفق ذلك وبمقتضاه، يدخل ضمن بشارة قوله تعالى: ﴿قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّٰهَا﴾.الشمس:9 ويكون قد أدّى الأمانة حقّها فيدرك بمنظار ‘أنا' حقيقة الكائنات والوظائف التي تؤدّيها. وعندما ترد المعلومات من الآفاق الخارجية إلى النفس تجد في ‘أنا' ما يصدقها فتستقر تلك المعلومات علوما نورانية وحكمة صائبة في النفس، ولا تنقلب إلى ظلمات العبثية. وحينما يؤدي ‘الأنا' وظيفته على هذه الصورة، يترك ربوبيته الموهومة ومالكيته المفترضة -التي هي وحدة قياس ليس إلا- ويفوّض الملك لله وحده قائلا: له الملك وله الحمد."34 ويتعمق الأستاذ أكثر في تحديد دور الإنسان الرسالي أو "الأنا الاستخلافية" في تحقيق الربط بين العلم والتحضّر وتحقيق الحيوية التجديدية على طريق تسخير الكون واكتشاف الحكمة والعلم في قوله: "إن ‘أنا' مفتاح، يفتح الكنوز المخفية للأسماء الإلهية الحسنى، كما يفتح مغاليق الكون. فهو بحدّ ذاته طلسم عجيب ومعمى غريب. ولكن بمعرفة ماهية ‘أنا' ينحلّ الطلسم العجيب وينكشف المعمى الغريب ‘أنا' وينفتح بدوره لغز الكون، وكنوز عالم الوجوب… إعلم أن مفتاح العالم بيد الإنسان، وفي نفسه، فالكائنات مع أنّها مفتّحة الأبواب -ظاهرا- إلا أنّها منغلقة -حقيقة- فالحقّ سبحانه وتعالى أودع من جهة الأمانة في الإنسان مفتاحا يفتح كل أبواب العالم، وطلسما يفتح به الكنوز المخفية لخلاق الكون، والمفتاح هو- ما فيك من ‘أنا'."35
ففي العمق الإنساني تكمن حقائق وقيم وإمكانات التجدّد والتحوّل والتغيّر. ففيه مخزونات الوعي والارتقاء والإعمار. ولكن هذا الإنسان العظيم لا يصبح صاحب "أنا استخلافية تجديدية حضارية" إذا لم يحقق شروط هذه الأنا ويمتلك مفتاح تسخيرها الصحيح. ويأتي على رأس هذه الشروط الإيمان بالله وتحقيق العبودية الخالصة له، قال النورسي: "كما أنّ الإيمان نور وهو قوة أيضا، فالإنسان الذي يظفر بالإيمان الحقيقي يستطيع أن يتحدّى الكائنات ويتخلّص من ضيق الحوادث مستندا إلى قوة إيمانه… إنّ الإيمان يجعل الإنسان إنسانا حقا، بل يجعله سلطانا، لذا كانت وظيفته الأساسية: الإيمان بالله تعالى والدعوة إليه… يتضح من هذا أن وظيفة الإنسان الفطرية إنما هي التكامل بالتعلّم أي الترقّي عن طريق كسب العلم والمعرفة والعبودية بالدعاء… وهذا يعني أن وظيفته الأساس هي التحليق والارتفاع بجناحي العجز والفقر إلى مقام العبودية السامية. إذن فلقد جيء بهذا الإنسان إلى هذا العالم لأجل أن يتكامل بالمعرفة والدعاء... فأساس كل العلوم الحقيقية ومعدنها ونورها وروحها هو ‘معرفة الله تعالى' كما أن أس هذا الأساس هو الإيمان بالله جل وعلا."36
2- الإنسان الرسالي الكوني وفاعلية العبادة والإيمان
أصبح جليا أنّ الإنسان هو مخزن الاستعداد لتلقي العلم الحق وهو قوة الاستخلاف والتجديد وأنّ هذا الإنسان لا يستطيع القيام بدوره وتحرير موقعه في عملية الاستخلاف إلا بالعلم. كما تبيّن لنا أنّ أساس هذا العلم وقوّة هذا الإنسان إنّما تكون بالإيمان بالله وتحقيق العبودية الخالصة، قال الأستاذ: "إنّ محور النجاة ومدارها الإخلاص، فالفوز به إذن أمر غاية الأهمية لأن ذرة عمل خالص أفضل عند الله من أطنان من الأعمال المشوبة. فالذي يجعل الإنسان يحرز الإخلاص هو تفكّره في أنّ الدافع إلى العمل هو الأمر الإلهي لا غير، ونتيجة كسب رضاه."37 هكذا إذن يصبح الإيمان والإخلاص والعبادة هي أساس حياة الإنسان وخلافته الأرضية. "فالدعوة إلى عبادة الله وحده، والعمل على تجسيد ذلك في واقع الناس كانت منطق كل الرسالات السماوية ومقصدها الأوَّل، من أجل تحرير ولاء الإنسان لله وحده، لما في ذلك من تحرير حقيقي لإرادة الكائن البشري وطاقته وقدرته، وتحريك لها في الاتّجاه الصحيح المؤدّي إلى تحقيق الغرض من وجوده وتكريمه وتفضيله… ولأهمية هذا البُعد في استقامة الإنسان وصلاح المجتمع أولاه الإسلام عناية كبيرة، بحيث اعتبره هدفا أساسيا وأصيلا من أهداف المشروع الاستخلافي، كما يتضح ذلك من توجيهات القرآن والسنة التي ركّزت بشكل بارز على تقوية صلة الإنسان بالله، معرفة وعبادة أو عقيدة وعبادة عن طريق نظام عقدي وعبادي محكم، يحرّر ولاء الإنسان المسلم لله وحده لا شريك له، ويرفع مستوى توتّره الإيماني بصورة مستمرة تعينه على تحقيق العبودية الخاشعة لربه، والاستعلاء على ما من شأنه أن يضعف هذه العلاقة الروحية الحميمة، مهما كانت جاذبيته أو خطورته."38
يجعل هذا المعنى الحيوي للإيمان والعبادة والإخلاص وعي الإنسان ونفسه وحركته منسجمة مع مراد الله وقوانينه وسننه، وبالتالي تتحقق فاعليته التجديدية فيكون خليفة صالحا نورانيا؛ فالعبادة بهذا المعنى ذات بعد روحي وعمراني في ذات الآن، ذلك أنّ "غاية العبادة امتثال أمر الله ونيل رضاه، فالداعي إلى العبادة هو الأمر الإلهي، ونتيجتها نيل رضاه سبحانه. وأما ثمرتها وفوائدها أخروية إلا أنه لا تنافي إذا منحت ثمرات تعود فائدتها إلى الدنيا."39 وبهذا المعنى تصبح العبادة مسألة ذات أبعاد نفسية وروحية واجتماعية وحضارية تسهم في الترقي الإيماني والسلوكي والعمراني للإنسان.
3- العلم والإنسان والاستخلاف في القرن الواحد والعشرين: أفكار الأستاذ النورسي والاتجاه نحو العالمية والحضارة الشمولية
كتب النورسي أفكاره في زمن وفترة تاريخية بدأت تظهر فيها معالم عصر العالمية حيث بدأت البشرية والحضارة تنتقل إلى عمر فكري وحضاري جديد، يمكن تسميته بالعمر العالمي للإنسان والبشرية والحضارة، وقد استجابت رؤاه وأطروحاته ونظراته لتلك الفترة التاريخية بعمق وفاعلية، فأفكاره تعكس قدراته الفكرية والنفسية والروحية والعملية حيث تمكّن من بناء وعي حضاري قويم ومنسجم مع حقائق الوحي وطبائع العمران وسنن الاجتماع البشري. ولكن يبقى لنا اليوم ونحن نعيش عصر العالمية في عمقه وعصر الحضارة الشمولية بكلّ شروطه ومشكلاته الجديدة أن نتساءل:
إلى أي مدى يستطيع فكر الأستاذ النورسي الاستجابة لمتطلّبات الواقع العالمي ومتطلّبات الحضارة الشمولية؟ وبعبارة أخرى هل يستطيع فهم النورسي للعلم والإنسان والاستخلاف أنْ يساعدنا على مواجهة مشكلاتنا في عصر العالمية والحضارة الشمولية؟
في الحقيقة هذا السؤال موجّه بالدرجة الأولى لطلاب رسائل النور والأكاديميين الراسليين المهتمين بها، ثم هو موجه للمثقّفين والمفكّرين والمتعلّمين في العالم الإسلامي، وخاصة الذين يشتغلون بمسألة النهضة والتجديد. وهو سؤال ليس يحتاج إلى العاطفة الجياشة، والتحيز غير العلمي والتعميم في الحكم بمقدار ما يحتاج إلى دراسة علمية متأنية وموضوعية وتقويم علمي بناء.
ومساهمة من الباحث في إثراء هذا الموضوع فإنّ ما تبقى من البحث سيكون محاولة لوضع أرضية للإجابة عن التساؤل، لنتمكّن فعلا وواقعا من استثمار فكر النورسي وتطويره إن أسعفنا الحال والإمكان الراهن.
ينبغي أولا أنْ ندرك بوعي وبصيرة أنّ الأمّة والإنسانية تواجه اليوم شروط نهضة حضارية في عصر عالمي تتحرّك فيه الأشياء والأفكار بصورة عاجلة وسريعة نحو قطب العالمية الحضارية. فالمتأمّل الواعي المتتبع لمسار حركة الإنسان والحضارة في الفترات الحاسمة ومنعطفات التاريخ التحوُّلية، يستطيع أن يلاحظ الثقل التاريخي والحضاري للقرن العشرين باعتباره منعطف حيوية وموقع صيرورة إنسانية لها آثارها العميقة وبصماتها الجلية في مجمل مسار التاريخ البشري. فهذا القرن هو قرن الصيرورة التحولية التي دفعت بالوعي والفكر والحضارة البشرية باتجاه عصر العالمية والشمولية والوحدة الإنسانية.
يتفرّد هذا القرن عن غيره من القرون من حيث كونه القرن الممهد مباشرة لعصر ما بعد الحضارة والفاتح لعهد العالمية كحلقة ضرورية من حلقات صيرورة الإنسان والحضارة والكون، وإذا كانت البشرية قد مرت بمرحلة ما قبل الحضارة ثم انتقلت لتتقلّب في عصر العمران والحضارة قرونا طويلة، فاليوم يتعيّن عليها أنْ تتحوّل لتنتقل إلى عصر ما بعد الحضارة وهذا هو عصر الحضارة العالمية. فإذا كانت وحدة تحليل التاريخ وحركة المجتمع في عصر ما قبل الحضارة تدور حول محور الطبيعة والمعبود الغيبي المبهم، ثم في فترات أخرى كانت تتمحور على مسألة الفرد والقبيلة ثم كانت مسألة الدولة في العصر الحضاري مركز النقاش كما ذهب إليه عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته عن العمران الإنساني ونُظُمِه، وبعدها أصبحت مسألة الحضارة بؤرة الاهتمام وفق ما ذهب إليه أرنولد توينبي ومالك بن نبي، فإنّ تحوُّلات القرن العشرين النوعية بدأت تسجل على صفحة التاريخ ظهور أداة أخرى للتحليل وهي "الحضارة العالمية". فوحدة تحليل التاريخ وحركته والمجتمع وعمرانه هي اليوم متوجهة نحو محور الحضارة العالمية والتجمع الإنساني العالمي الذي بدأ يبرز بظواهره ومظاهره التي توحِّد يوما بعد يوم المشكلات الإنسانية وتمتد بآفاق الوعي والفكر نحو قضية الوجود العالمي للإنسان والحضارة والثقافة والوعي.
وبعبارة أخرى جعل القرن العشرين ومنجزاته الإنسان كوني الرؤية وعالمي التأثير وحضاري الفاعلية. ومن هنا فالإنسان العالمي صاحب الوعي العالمي أصبح اليوم هو وحدة التحليل الأساسية للتاريخ، فبعد أن صالت الحضارة وجالت في أيديولوجيات ومنظومات فكرية متنوعة ومتغايرة ومتصارعة ومتناقضة، فهي اليوم تعود من جديد لتبحث في مسألة "العمق الإنساني للحضارة"، وبعد هذا العمر الفكري من النضج يمكن القول أنّ عصر الحضارة العالمية كوحدة لتحليل التاريخ ستؤكد أهمية وموقع الإنسان -وليس الفرد أو القبيلة أو الدولة أو الحضارة- في عملية التحضّر وصناعة العمران الحضاري العالمي الذي يؤثّر في جميع البشر، وينبغي لكي نحلّل اليوم المشكلات التي تواجه الإنسان المسلم مثلا أن لا نتوقّف فقط عند العوامل الداخلية الخاصة به أو بقبيلته أو مجتمعه أو دولته أو بالعوامل الخارجية المتعلقة بعلاقاته الدولية أو القومية أو الإقليمية، ولكن ينبغي أن نصلها باستمرار بعوامل أخرى خاصة بمجال التحليل الجديد وهو مجال "الحضارة العالمية" التي أصبحت قسمة مستقلة من قسمات الوجود الإنساني. فمفهوم الحضارة العالمية كمفهوم أساسي ينبغي أن يدرج ضمن مناهج تحليل الواقع الإنساني الحالي وظواهره. ولما كانت النهضة جزءا من الواقع المعاصر للأمة فإن منهج دراستها وتحليلها لا تكتمل حلقاته ولا تتكامل أجزاءه إلا برؤية كلية شمولية منهجية تنتظم فيه الوحدات التحليلية بصورة متناسقة بحيث لا تغفل لا الأبعاد الذاتية ولا الخاصة ولا الداخلية ولا الخارجية ولا الدولية ولا العالمية. "من الواضح أن الضمير الإنساني في القرن العشرين لم يعد يتكوّن في إطار الوطن والإقليم… إن الضمير الإنساني في القرن العشرين إنّما يتكون على ضوء الحوادث العالمية التي لا يستطيع أن يتخلص من تبعاتها، فإنّ مصير أي جماعة إنسانية يتحدد جزء منه خارج حدودها الجغرافية. فالثقافة تتحدد أخلاقيا وتاريخيا داخل تخطيط عالمي."40
ثانيا أصبح العلم عالميا والإنسان ينبغي أنْ يصبح عالميا في رؤيته ومنهجه ووعيه وحركته وتأثيره، وأن الاستخلاف يجب أن توضع مرجعيته ومنهجه ومشروعه وأدواته الواقعية بلغة شروط عصر العالمية الجديد. وبعبارة أخرى لكي تؤدي الأمة
Birincil Dil | Arapça |
---|---|
Bölüm | ARTICLES |
Yazarlar | |
Yayımlanma Tarihi | 1 Aralık 2010 |
Yayımlandığı Sayı | Yıl 2010 Sayı: 2 |