BibTex RIS Kaynak Göster

التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور - Prof. Dr. Amar Djidel: “Teaching a Way to Civilization: A Study of the Risale-i Nur”

Yıl 2010, Sayı: 2, 135 - 162, 01.12.2010

Öz

التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور
أ.د. عمار جيدل
احتفى الأستاذ بديع الزمان النورسي بالبعث الحضاري، وما البعث الحضاري إلا طلب السعادة الدنيوية التي مبناها السعي الحثيث إلى طلب السعادة الأخروية، ولا يمكن الخلوص إلى المراد إلا إذا تحررنا من الموانع المانعة من بلوغ الفكرة مقاصدها، ولعلّ أهمها، وَهْمُ التناقض والاختلاف بين الإسلام والعلوم، وفي تقرير هذه الحقيقة ورد في رسائل النور أنّ أهمَّ الموانع، والبلاء النازل تَوَهُّمنا -نحن والأجانب- بخيال باطل؛ وجود تناقض وتصادم بين بعض ظواهر الإسلام وبعض مسائل العلوم. فمرحى لجهود المعرفة الفياضة وانتشارها، وبخٍ بخٍ لعناء العلوم الغيورة، اللتين أمدّتا تحري الحقائق وشحنتا الإنسانية، وغرستا ميل الإنصاف في البشرية فجهزتا تلك الحقائق بالأعتدة لدفع الموانع، فقضت وستقضي عليها قضاءً تاماً.
ولاشكّ أنّ هيمنة تصور التناقض بين ظواهر الإسلام والعلوم على عقولنا وعقول الأجانب، أفضى إلى منع وصول مسالك السعادة إلينا جميعا، نحن وغيرنا (الأجانب)، ذلك أنّ "أعظم سبب سلب منا الراحة في الدنيا، وحرم الأجانب من سعادة الآخرة، وحجب شمس الإسلام وكسفها هو: سوء الفهم وتوهم مناقضة الإسلام ومخالفته لحقائق العلوم."1
وقد كان سوء الفهم هذا من المعاني الحمقاء المتداولة بين المشتغلين بالمعنويات من أبناء ملّتنا وأبناء الملل الأخرى؛ فشاع بينهم نوع سفسطة أفضت إلى ضعف العقيدة في قلوب المسلمين، ذلك أنّ هذه الرؤية تؤسس من باب خفي وبطريق المغالطة أو الجهل لإمكان تصور منافاة الدين الإسلامي (الذي هو الحق والحقيقة) للثابت بالبرهان القطعي، مع أنّ الدين الإسلامي دين الحق والحقيقة، ومردّ هذا الأمر بحسب رأي الأستاذ أحد أمرين: إما أنه قد اختفى في دماغ القائل بها "سوفسطائي، يُشَوِّشُ عليه وله الأمور. أو استتر في قلبه موسوس يثير الشغب والفوضى. أو أصبح طالباً للدين مجدداً يريد أن يتملكه بالتنقيد."2 أي يريد أن يهيمن على الدين أو القول فيه بنقده.
وكلّ ما يدفع به ما سلف بيانه يعدُّ التعليم مفتاحه، فبه تصحيح التصورات والاستدراك على غير الصحيح منها، كما أنّه مفتاح بلوغ مقصد تحصيل نيل السعادة الأخروية والدنيوية، فضلا عن التواصل الصحيح مع المخالفين في الملّة، لهذا انتهى الأستاذ إلى أنّ سعادتنا الدنيوية ستحصل -من جهة- بالعلوم الحديثة الحاضرة، وأنّ أحد الروافد غير الآسنة لتلك العلوم سيكون العلماء، والمنبع الآخر سيكون حتماً المدارس الدينية، كي يأنس علماء الدين بالعلوم الحديثة.3 فتكون عملية التعلم أساس البعث الحضاري المعبّر عنه بكسب السعادتين الدنيوية والأخروية.
المطلب الأول:
التعلّم وميادينه
المعارف المنشئة للحضارة الجالبة للسعادة، وفق الموازين البشرية، متعددة تعدد العقول البشرية وخلفياتها النظرية زيادة إلى تعدد ميادين العقل الإنساني وألوانه، وهي في مجموعها، وخاصة ما تعلّق منها بمصالح الدنيا، بحاجة إلى تكمّل واستكمال، أما ما تعلّق منها بالمعنويات الرفيعة فأصولها ثابتة قارة تستدعي الاكتشاف والأخذ والتمثّل ثمّ التحويل إلى تصرفات تفعّل دور المؤمن بها العامل بمقتضاها في شعاب الحياة، من هنا كانت الحاجة ماسة إلى التوقّف عند ميادين التعلّم وفق ما ذكرته رسائل النور.
أولا: ميادين التعلم في برنامج الرسائل
حصر الأستاذ الشريعة الإلهية في قسمين،4 أولهما الآتية من صفة الكلام، وهو القسم الذي ينظم أفعال العباد الاختيارية، أما الثاني فهو من صفة الإرادة التي تسمى بالأوامر التكوينية والشريعة الفطرية وهي محصلة قوانين عادات الله الجارية في الكون، يتعلّق بهما التعليم معرفة لرتبتيهما واختصاصيهما، فالشريعة الأولى عبارة عن قوانين معقولة، أما الشريعة الثانية فهي أيضا عبارة عن مجموع القوانين الاعتبارية، والتي تسمى -خطأ- بالطبيعة فهذه القوانين لا تملك التأثير الحقيقي ولا الإيجاد، اللذين هما من خواص القدرة الإلهية.
يربط الأستاذ بينهما للدلالة على مركزية التعليم التوحيدي الموحّد المؤسس للنظرة التوحيدية للعالم، المنبثق عنها النظر إلى ميداني الشريعتين (المسطورة والمنظورة) بمنظار التوحيد، ليفضي إلى الوحدة في المعارف من حيث أصل نشأتها وخلفية قراءتها، ذلك أنّ العلوم مهما كان ميدانها ليست إلا تجليا لأمر الله التكويني، فيكون العلم الكاشف عنها كاشفا عن تجليات هذا الأمر، والأمر التكويني لا يعزب قدر أنملة عن أمر الله، فالملك ملكه والأمر أمره، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾الأعراف:54، وقال تعالى: ﴿الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ﴾إبراهيم:32 5
كما لا يعزب الأمر التكويني عن الأمر التشريعي (الشريعة) يؤكّد هذا المعنى قوله: "ولقد شرحنا -أثناء بياننا التوحيد- أن كل شيء مرتبط بالأشياء جميعاً، فلا شيء يحدث من دون الأشياء جميعاً. فالذي يخلق شيئاً قد خلق جميع الأشياء، لذا فليس الخالق لشيء إلاّ الواحد الأحد الصمد. بينما الأسباب الطبيعية التي يسوقها أهل الضلالة هي متعددة، فضلا عن أنها جاهلة لا يعرف بعضها بعضاً. علاوة على أنها عمياء، وليس بين يديها إلاّ المصادفة العمياء... ﴿قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾"الأنعام:91 6
إنّ عالم الكون ليس غريبا عن عالم الشريعة بمعناها الخاص، فكلاهما بتعبير الأستاذ شريعة من نوع خاص، لهذا فكلاهما واجب التعلم من جهة الدلالة على التوحيد، والفعالية في الكون، بل جعل الكون بما فيه برهان الشريعة المتأتية من صفة الكلام؛ فالإعجاز الباهر الظاهر في النظام والتناسق والاطراد المشاهد في كتاب الكون الكبير -هو البرهان الثاني على التوحيد- يظهر بوضوح تام كالشمس الساطعة أن الكون وما فيه ليس إلاّ آثار قدرة مطلقة وعلم لا يتناهى وإرادة أزلية.7
وزيادة في البيان يؤكّد الأستاذ أنّ العلوم الكونية التي توصل إليها الإنسان، هي كالحواس لنوع الإنسان وكالجواسيس تكشف له عن مجاهيل لا يصلها بنفسه. فبالاستقراء (تتبع الجزئيات لأجل الخلوص إلى الكليات) يمكنه أن يتوصل إلى كشف ذلك النظام بتلك الحواس والجواسيس. فكل نوع من أنواع الكائنات قد خصّ بعلم أو في طريقه إلى ذلك، لذا يُظهر كلُ علمٍ ما في نوعه من انتظام ونظام بكلية قواعده، لأن كل علم في الحقيقة عبارة عن دساتير وقواعد كلية. وكلية القواعد تدل على حسن النظام؛ إذ ما لا نظام له لا تجري فيه الكلية. فالإنسان مع أنّه قد لا يحيط بنفسه بالنظام كلّه إلا أنّه يدركه بجواسيس العلوم، فيرى أن الإنسان الأكبر -وهو العالم- منظمٌ كالإنسان الأصغر سواءً بسواء. فما من شيء إلاّ ومبني على أسس حكيمة، فلا عبث، ولا شيء سدىً.8
ويقرر المعاني نفسها في سياقات مختلفة منها أن طلبة زاروه قائلين له عرّفنا بخالقنا، فإن مدرسينا لا يذكرون الله لنا، فقال: "إن كل علم من العلوم التي تقرءونها يبحث عن الله دوما، ويعرّف بالخالق الكريم بلغته الخاصة. فأصغوا إلى تلك العلوم دون المدرسين..."9 ولتأكيد ما هو بصدده اختار أسلوب التمثيل، فقال: "فمثلا: لو كانت هناك صيدلية ضخمة، في كل قنينة من قنانيها أدوية ومستحضرات حيوية، وضِعت فيها بموازين حساسة، وبمقادير دقيقة؛ فكما أنّها تُرِينا أنّ وراءها صيدلياً حكيماً وكيميائياً ماهراً، كذلك صيدلية الكرة الأرضية التي تضمُّ أكثر من أربعمائة ألف نوع من الأحياء -نباتا وحيوانا- وكلّ واحد منها في الحقيقة بمثابة زجاجة مستحضرات كيماوية دقيقة، وقنينة مخاليط حيوية عجيبة فهذه الصيدلية الكبرى تُري حتى للعميان صيدليّها الحكيم ذا الجلال، وتعرّف خالقها الكريم سبحانه بدرجة كمالها، وانتظامها، وعظمتها، قياسا على تلك الصيدلية التي في السوق، على وفق مقاييس علم الطب الذي تقرءونه... ثم يستطرد في ذكر الأمثلة إلى أن يقول: "ومثلاً: لو كان هناك كتاب، كتب في كل سطر منه كتاب بخط دقيق، وكُتب في كل كلمة من كلماته سورة قرآنية، وكانت جميع مسائله ذات مغزى ومعنى عميق، وكلها يؤيد بعضها البعض، فهذا الكتاب العجيب يبين بلا شك مهارة كاتبه الفائقة، وقدرة مؤلفه الكاملة. أي أن مثل هذا الكتاب يعرّف كاتبه ومصنّفه تعريفا يضاهي وضوح النهار، ويبيّن كماله وقدرتَه، ويثير من الإعجاب والتقدير لدى الناظرين إليه ما لا يملكون معه إلا ترديد: تبارك الله سبحان الله ما شاء الله! من كلمات الاستحسان والإعجاب؛ كذلك هذا الكتاب الكبير للكون الذي يُكتب في صحيفة واحدة منه -وهي سطح الأرض- ويُكتب في ملزمة واحدة منه -وهي الربيع- ثلاثمائة ألف نوع من الكتب المختلفة وهي طوائف الحيوانات وأجناس النباتات كل منها بمثابة كتاب... يُكتب كل ذلك معا ومتداخلة بعضها ببعض دون اختلاط، ولا خطأ، ولا نسيان، وفي منتهى الانتظام والكمال بل يُكتب في كل كلمة منه -كالشجرة- قصيدة كاملة رائعة، وفي كل نقطة منه -كالبذرة- فهرس كتاب كامل. إنّ هذا مشاهد وماثل أمامنا، ويُرينا بالتأكيد وراءه قلماً سيالاً يسطّر. فلكم أن تقدروا مدى دلالة كتاب الكون الكبير العظيم الذي في كل كلمة منه معان جمة وحكم شتى، ومدى دلالة هذا القرآن الأكبر المجسم -وهو العالم- إلى بارئه سبحانه وإلى كاتبه جل وعلا، قياسا إلى ذلك.10
والمثال المذكور بتفاصيله يؤكّد مركزية التعلّم بوصفه المسلك الأوحد للوصول إلى بعض العوالم المُحَالِ عليها، فالخلوص إلى استجلاب بعض ثمار النظر في العوالم الفسيحة تؤكّد تنوّع المعارف والعلوم الموصلة إليها، ولو أنعمت النظر ودققت البحث لوجدت أن النظر المثمر في الكون نتيجة معرفة الميادين العلمية المتعلّقة بها ومناهج بحثها وأساليب عرضها، لهذا كان التعليم سواء بالواسطة (التعلّم) أو المباشر طريقا معبّدة لتحقيق المقصود، ونظرا لشساعة المقصود وتنوّع مجالاته طلب التنوّع العلمي والمنهجي بحسب المعارف والعلوم المبثوثة في الكون، وزيادة في البيان سنشير في اللاحق إلى القسمة المجملة للمعارف والعلوم.
ثانيا: التمييز بين المعارف في برنامج رسائل النور
سعيا من الأستاذ إلى التمييز بين العلوم والمعارف من جهة الحاجة إليها في صناعة الحضارة وكسب السعادة فضلا عن نموّ تلك المعارف وتطويرها، توقّف عند قسمين من العلوم شارحا وضاربا الأمثلة لما هو بصدده.
رأس مستند الأستاذ في إثبات المعارف المتعلّقة بمصالح الدنيا علوم ومعارف لا أوطان لها يضعها السابق، (بصرف النظر عن هويته الملية أو الزمانية أو المكانية أو العرقية...) ويَفْحَصُها ويُمَحِّصُها أو يستدرك عليها اللاحق ثم يكملها، لهذا فهي ليست كاملة، والغالب فيها النسبية، ولهاتين الميزتين (العموم والنسبية)، كانت المعارف بحاجة إلى تكمل المبادئ واستكمال الوسائل، وما دام التكمّل والاستكمال موزّعان على البشر عبر التاريخ كانت عمليتا التكمّل والاستكمال مستغرقتين في الزمن، لا يمكن أن تتوقّفا عند زمن محدود، وبالتالي لا تتوقّفان على أشخاص بعينهم، وهذا يفرض كلية قانون التكامل في المعارف.
1- قانون التكامل والتعاون بين البشر في مجال العلم ونوعية التعليم:
تؤثر معطيات الزمان والمكان في الموقف من المعارف، فقد تكون بعضها معقّدة في زمان بسيطة في الزمان الذي بعده، من هنا كان البشر ميالين بطبعهم إلى استكمال نقصهم في المعارف المشار إليها، وبهذا يطلب الإنسان -بصرف النظر عن الزمان والمكان والدين واللون و...- قانون التكامل في مجال العلوم والمعارف المشار إليها، فمن خلال تلاحق الأفكار المنبسط بتكمل المبادئ واكتمال الوسائل، تصبح كثير من المعارف المستعصية على المتقدمين في عداد العلوم البسيطة المعتادة، لأن الزمان الذي هو أبو الجميع -على قول النورسي- كفيل بتعليم الناس ورفع مستوى تحصيلهم، إِنْ تكامل أبناءه فيما بينهم، ونشدوا إكمال المبادئ واستكمال الوسائل، ورأس محرّكات السعي إلى التكامل والاستكمال أن ينشد الإنسان كلّ إنسان المساهمة في الخير العام للأسرة الإنسانية.
قال النورسي: "في العالم ميل للاستكمال وهنا يتبع العالمُ قانونَ التكامل، ولأن الإنسان من ثمرات العالم وأجزائه ففيه كذلك ميل الترقي المستمد من الميل للاستكمال، وميل الترقي هذا ينمو ويترعرع مستمداً من تلاحق الأفكار الذي ينبسط بتكمل المبادئ واكتمال الوسائل، وتكمل المبادئ يلقي -من صلب الخلقة- بذور علوم الأكوان ملقحاً رحم الزمان التي تربي تلك البذور وتنبتها، فتستوي بالتجارب المتعاقبة التدريجية، وبناءً على هذا، فإن مسائل كثيرة في هذا الزمان قد أصبحت في عداد البديهيات والعلوم المعتادة، بينما كانت في السابق أموراً نظرية، شديدة الخفاء والغموض، ومحتاجة إلى سرد البراهين."11
ما ذكره الأستاذ يمثّل قانونا عاما في فضاء مخصوص من العلوم والمعارف، والتسليم لهذا القانون من غير تقييد أسلم بعض الناس إلى القول بأنّ المتطوّر في الماديات ينبغي أن يقود البشر في كلّ شيء بما فيها المعنويات، وهو تصوّر فيه من الخطورة ما لا يخفى على فهم الماديات والمعنويات على السواء، لهذا فقد ضمّن قوله السابق التنبيه على حاجته إلى التقييد والبيان، وفي هذا السياق لفت النظر إلى لزوم أخذ قاعدة أنّ المسائل قسمان بينهما تمايز ظاهر، فقسم يؤثر فيه تلاحق الأفكار، بل ويتوقّف عليه، وقسم لا تأثير للتعاون وتلاحق الأفكار فيه من حيث الأساس، وهو ما يدفعنا إلى توقّف عند القسمين.
2- المسائل العلمية باعتبار تأثير التلاحق فيها:
أ- المسائل العلمية باعتبار تأثير التلاحق على قسمين:12
القسم الأول: المسائل العلمية التي تتأثّر بتلاحق الأفكار، بل يتوقف القول الصحيح فيها عليه، كالتعاون في الماديات لرفع صخرة كبيرة، وأغلب هذا القسم هو من العلوم المادية.
القسم الثاني: المسائل العلمية التي لا تأثير للتعاون وتلاحق الأفكار فيه من حيث الأساس. فالواحد والألف سواء، كالقفز في الخارج من مرتفع إلى آخر، أو المرور من موضع ضيق، فالفرد والكل سواء، ولا يجدي التعاون. وهو الشبيه بالمثال الثاني، فتكمّله دفعي، أو شبيه الدفعي. وأغلب هذا القسم هو من المعنويات ومن العلوم الإلهية.
ولكن على الرغم من أنّ تلاحق الأفكار لا يغير ماهية هذا القسم الثاني ولا يكمله ولا يزيده من حيث الأساس، إلاّ أنّه يفيض وضوحاً وظهوراً وقوة في مسالك براهينه.
وتأكيدا لعدم تأثير التلاحق والتلاقح في أصول القسم الثاني، بل يكون تأثيرها بالزيادة فيها أسوء من تأثيرها بالنقص، ذكر الأستاذ أنّ إحساناً يزيد على الإحسان الإلهي ليس بإحسان، كما أنّ إسناد قسم من الأحاديث الموضوعة إلى أحد الصحابة الكرام رضي الله عنهم، لأجل الترغيب أو الترهيب، إثارةً للعوام وحضاً لهم، إنما هو جهل عظيم، ذلك أنّ الحق مستغن عن هذا، والحقيقة غنية عنه. فنورهما كافيان لإنارة القلوب، وتسعنا الأحاديث الصحيحة المفسّرة الحقيقية للقرآن الكريم ونثق بها ونطمئن إلى التواريخ الصحيحة الموزونة بميزان المنطق، ولهذا ورد عنه (رحمه الله): "إن حبة من حقيقة تفضل بيدراً من الخيالات."
وورد عنه في مقام التأكيد على القاعدة التي تحكم القسم الثاني أنّ أصل الشيء تبيّنه ثمرته، وشرف الشيء في ذاته لا في نسله، وأنّه . إذا اختلطت في بضاعة، بضاعةٌ أخرى، فإنها تنقص من قيمة الأولى وإن كانت الثانية قيّمة ونفيسة، بل تسبب كسادها ثم حجزها.13
وخشية اختلاط الأصول بالفروع المتأتية من الشرح والتفسير المرتبط بمعطيات الزمان والمكان، يؤكّد الأستاذ أنّه مما رمى إلى القول فيها التمييز بين الأصول وتفسيرها، ذلك أنّه ليس كلّ ما ورد في التفسير يلزم أن يكون منه، إذ العلم يمد بعضه بعضا، فيستشف من أفكار الأستاذ (رحمه الله) أن الأفكار العامة تريد تفسيراً للقرآن الكريم، وزيادة في البيان يذكر أنّ لكلّ زمان حكمه، والزمان كذلك مفسّر. أما الأحوال والأحداث فهي كشافة. وأنّ الذي يستطيع أن يكون أستاذاً على الأفكار العامة هو الأفكار العلمية العامة.
ومادامت الأفكار العلمية العامة الحاكمة على الأفكار العامة موزّعة على الخلق عبر الزمن وعلى مختلف التخصصات، فإن الحاجة ملحّة إلى التكامل بين العلماء في مجال التفسير والشرح بالأفكار العلمية للأفكار العامة، ولهذا أكّد الأستاذ الحاجة إلى "تشكيل مجلس شورى علمي، منتخب من العلماء المحققين، كل منهم متخصص في علم. ليقوموا بتأليف تفسير للقرآن الكريم بالشورى بينهم، تحت رياسة الزمان الذي هو مفسّر عظيم، ويجمعوا المحاسن المتفرقة في التفاسير، ويهذّبوها ويذهّبوها."14
وهذا الأمر مشروط بأن تكون الشورى مهيمنة في كل شيء وأن تكون الأفكار العامة مراقبة، يسعى المجتمع المتعلّم ولاسيما العلماء. لفحصها وتمحيصها ثم الاستدراك عليها بالأفكار العلمية، وهذا يفرض سعيا مستغرقا في الزمن لتتبّع الأفكار العلمية عبر العالم، ولا يناله فهما ثم فحصا وتمحيصا وانتفاعا إلا من كان متخصصا في الموضوع الذي يريد الإفادة فيه، ومبنى قبول رأي متّفق عليه بين شورى العلماء القول بحجية الإجماع، فينبغي أن يكون الإجماع حجة،15 وإلاّ تعذّر قبول رأي مجلس شورى العلماء، كما ينبغي أن تكون شورى من هذا النوع (الشورى العلمية) ملزمة وليست معلمة فقط كما هي عادة الأنظمة السياسية المستبدة.
تأثير أحد القسمين على الآخر:
1- المتمكّن في أحدهما ليس متمكّنا ضرورة في الآخر:
المتحقق واقعا وفق القاعدة العامة، برأي الأستاذ، أنّ من توغّل كثيراً في شيء، أدّى به في الغالب إلى التغابي في غيره، لهذا من توغّل في الماديات تبلّد في المعنويات وظل سطحياً فيها، ذلك أنّه لا يكون حكم الحاذق في الماديات حجة في المعنويات بل غالباً لا يستحق سماعه،16 بل يكون مثار إشفاق إذا خاض فيما لا يحسنه.
واختار الأستاذ في مقام بيان هذه القاعدة التمثيل، فقال: "نعم، إذا ما راجع مريض مهندساً بدلاً من طبيب، ظناً منه أن الطب كالهندسة. وأخذ بوصفة المهندس، فقد أخذ لنفسه تقريراً بنقله إلى مستشفى مقبرة الفناء، وعزّى أقرباءه." ولا يبعد عنه "مراجعة أحكام الماديين في المعنويات التي هي الحقائق المحض والمجردات الصرف واستشارة آرائهم وأفكارهم، تعني الإعلان عن سكتة القلب الذي هو اللطيفة الربانية، وعن سكرات العقل الذي هو الجوهر النوراني"17 ومرجع كلّ ذلك أن يبحثوا عن كل شيء في الماديات عقولهم في عيونهم، والعين عاجزة عن رؤية المعنويات.18
2- التخصص لأجل التكامل:
شساعة ميادين المعرفة وتوزّع التحقق منها على البشر يفرض الاهتمام بالتخصص العلمي لأجل تيسير عملية التكامل واستكمال القصور بمتخصص مفيد فيما يرجع إليه فيه، ولا يقتصر أمر المعارف والعلوم على الماديات فحسب، بل يتجاوزها ليشمل بعض المعارف المتعلّقة بالشريعة، ذلك أنّه من القواعد الأصولية: أنّه لا يعدّ من الفقهاء مَن لم يكن فقيهاً، وإنْ كان مجتهداً في أصول الفقه، لأنّه عامي بالنسبة إليهم19 كأمر الماديات نفسه.
والقصور البشري المشاهد يجعلنا نسلّم بقاعدة قررتها الحقائق التاريخية مفادها أنّ الشخص الواحد لا يستطيع أن يتخصص في علوم كثيرة؛ وأحسن حال الإنسان -وهو استثناء عزيز جدا- أنْ يتخصص في أربعة أو خمسة من العلوم، ويكون صاحب ملكة فيها، وهو استثناء يؤكّد القاعدة العامة، ولهذا إذا ادّعى الإنسان معرفة وعلما بالكل فاته الكل، لأنّ لكل علم صورة حقيقية، وبالتخصص تتمثل صورته الحقيقية. إذ المتخصص في علم إِنْ لم يجعل سائر معلوماته متممة وممدةً له، تمثلت من معلوماته الهزيلة صورة عجيبة. والعلاج هو: اتخاذ المرء أحد العلوم أساساً وأصلاً، وجعل سائر معلوماته حوضاً تخزن فيه.20
وزيادة في تقرير هذه المبادئ يذكر الأستاذ إذا كان لا يكفي مجرد دخول غير المسلم المسجدَ لاعتناقه الإسلام، كذلك دخول مسألة من مسائل الفلسفة أو الجغرافية أو التاريخ وأمثالها، في كتب التفسير أو الفقه، لا يجعل تلك المسألة من التفسير أو الشريعة قطعاً، ثم إنّ حكم مفسّر أو فقيه -بشرط التخصص- يعدّ حجة في التفسير فقط أو في الفقه فحسب. وإلاّ فهو ليس بحجة في الأمور التي دخلت خلسة في كتب التفسير أو الفقه. لأنّه يمكن أنْ يكون دخيلاً في تلك الأمور. ولا عتاب على الناقل. ومن كان حجة في علم وناقلاً في علوم أخرى، فاتخاذ قوله فيها حجة أو التمسك بقوله فيها من قبيل الدعوى ما هو إلاّ إعراض عن القانون الإلهي المستند إلى تقسيم المحاسن وتوزيع المساعي. ثم إنه مسلّم منطقياً: أنّ الحكم يقتضي تصور "الموضوع" و "المحمول" بوجه ما فقط، أما سائر التفاصيل والشروح ليس من ذلك العلم، وإنّما من مسائل علم آخر،21 وهذا يفرض النظر الفاحص في المعارف المتسللة في رحاب الفنون، وخاصة إن كانت من قبيل العلوم المنقولة بالنسبة لصاحب النص، كأن يكون المُؤَلِف في التفسير وتخصصه يسعفه للكتابة فيه، ولكنه أورد فيه مسائل ليست من صلب تخصصه من مثل الفلك والجغرافيا أو... فإنّ التوقف الفاحص عندها مما يستوجبه استكمال المبادئ وتكمل المعارف، ولهذا ترى الأستاذ مقرا ومزاولا للاستدراك على جهود المتقدمين من علماء المسلمين ولكن في أدب جم.
3- الاستدراك على جهود المتقدمين في أصل القسم الأول والاستدراك في محاولات بيان الثاني وتفسيره:
تطبيق قاعدتي التكامل والاستكمال المبنيين على تأثير التلاحق والتلاقح في القسم الأول من المعارف بيّن كما ذكرناه أعلاه، وهو في الوقت نفسه مفيد في تفسير القسم الثاني وتمثّله في بعض المباحث، كما أنّه مفيد في البرهنة على الأصول المتضمنة في القسم الثاني.
ومن أمثلة القسم الثاني التي تستدعي النظر المتجدد، إعادة فحص المعارف التي وردت تفسيرا للقرآن الكريم، وبهذا الصدد عدّ من أعظم مجافاة المنطق النظرُ إلى تأويل (بين الصدفين) الواردة في قوله تعالى: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً﴾الكهف:96 في تفسير البيضاوي، إذ ذكر البيضاوي جازما أنّه: بين جبال أرمينيا واذربيجان، وأرجع عدم التسليم بهذا الرأي إلى كونه في هذه المسألة ناقلا عن غيره، فضلاً عن أنّ "تعيينه ليس مدلول القرآن، فلا يعدّ من التفسير، لأن ذلك التأويل تشريحٌ مستند إلى علم آخر لقيد واحد من قيود الآية الكريمة،" وهو في هذا الرأي مخالف للصواب، ولهذا لا يكون الاستدراك عليه غريبا، ولكن لا يمكن أن يجعل الاستدراك عليه حجة للقول بعدم حجية قوله في كلّ مسألة ذكرها في تفسيره، لهذا من الظلم والإجحاف بحق هذا المفسر الجليل، أن يشكك في رسوخ قدمه في علم التفسير، وأمثال هذه النقاط الضعيفة لا يمكن أن تتّخذ ذريعة لبث الشبهات حوله. فحقائق التفسير الأصلية والشريعة واضحة جلية، وهي تتلألأ كالنجوم.22 في هذا التفسير لاستمدادها من الأصل الذي لا ينضب ولا تنتهي عجائبه (القرآن الكريم).
4- مضامين تفسير القسم الثاني التابعة للأصل:
ليست مضامين تفسير القسم الثاني من مرتبة واحدة فيسوغ التعامل معها جميعا وفق قاعدة واحدة، إذا دققت النظر فيها وجدتها مراتب، بعضها ما أشرنا إليه في المستدركات على قول البيضاوي في التفسير، وبعضها الآخر نوع من الحقائق العلمية القرآنية التي لا يسوغ علميا ومنهجيا أن تكون في مقام الاستدراك، بل هي أصول يستدرك بها على المكاسب العلمية للخلق على تنوّع تخصصاتهم عبر الزمن، ويقصد بها الأستاذ كلّ حقيقة من الحقائق الأساسية في التفسير والفقه، وهي بالأساس نابعة من الحقيقة، وموزونة بميزان الحكمة، وتمضي إلى الحق وهي حقُ، والشبهات الواردة في حقها ناشئة عن خلط فيها أو خلط في الذهن المتعامل معها، وهي من حيث هي حقائق، ولوضوحها ودقة دلالتها على المراد، طالب من يشكك فيها بالمناظرة، فقال الأستاذ: "من كانت لديه شبهة حول حقائق التفسير الأصلية، فهذا ميدان التحدي، فليبرز إلى الميدان."23
المطلب الثاني:
متطلبات تفعيل الاستكمال والتكامل في المعارف والعلوم
أولا: متطلبات أخلاقية وتربوية
1- العلم مخدوم وليس خادما:
يجعل التفوّق في العلم بعض الناس يميلون إلى السيادة والآمرية والزهو بالعلم على الآخرين، فيستغل المتعلّم معارفه العلمية وسيلة للإكراه والاستبداد والقهر، عوض أن يكون العلم مشوّقا مرشدا ناصحا، فبدلا من أن يخدم الإنسان العلم يستخدمه، فوقع العلم بين أيدي من ليس أهلا له ولا أهلا لحمل أمانته، فشاع وقوع الوظائف بين أيدي من ليس أهلا لها، وخاصة في مجال التعليم عموما والعلوم الإسلامية على الخصوص، فآلت أو كادت تؤول العلوم إلى الاندراس.24
2- الاهتمام بالمقاصد الأصلية من التعليم:
مسالك التعليم الناجحة هي تلك التي لا تجعل التمكّن من علوم الآلة بديلا عن التمكّن من العلوم الأصلية العالية، بل الأصل أن يُجْعل المقصد الرئيس في التعلّم، ذلك أنّ علوم الآلة وسيلة للتعرّف على العلوم العالية، ولهذا لا يقبل معرفيا ومنهجيا أن يكون حظها من الدراسة على حساب الأصل الذي جعلت وسيلة له، وهي في آخر خلاصة لها وسائل وليست مقاصد.
قال الأستاذ: "إنّ السبب المهم الذي أدّى إلى تدني علوم المدارس الدينية، وصرفها عن مجراها الطبيعي هو: أنّ العلوم الآلية _ لما أدرجت في عداد العلوم المقصودة، أصاب الإهمال العلوم العالية، إذ سيطر على الأذهان حلّ العبارة العربية التي لباسها (لفظها) في حكم معناها، وظل العلم الذي هو أصل القصد تبعياً. زد على ذلك، إن الكتب التي أصبحت في سلسلة التحصيل العلمي رسمية، وعباراتها متداولة إلى حد ما. هذه الكتب حصرت الأوقات والأفكار في نفسها ولم تفسح المجال للخروج منها."25
ثانيا: متطلبات تنظيم وفعالية التعليم.
1- تنظيم التعليم من مقتضيات التكامل والاستكمال:
يعالج قصور التكوين عن بلوغ المراد بتنظيم المدارس والمدرسين الذين هم في حكم العاملين في دائرة واحدة، بتقسيمهم إلى دوائر كثيرة كلّ بحسب اختصاصه، ويترك للمُدرِّس الحُرية في أن يذهب إلى ما تسوقه إليه إنسانيته واستعداداته من التخصصات، وإذا وجّه أو توجّه بحسب الاستحقاق، سيكون وسيلة فعّالة في تنفيذ قاعدة تقسيم الأعمال بميله الفطري امتثالا للأمر المعنوي للحكم الأزلية.26
2- التلاحق في المعارف والتلاقح بينها طريق إثبات القواعد الكلية:
لا يستطيع الإنسان الفرد أن يستقرئ استقراء تاما رعاية المصالح والانتظام في العالم ولا يمكنه أن يحيط بها، مما يؤكد حاجة البشر إلى التكامل بالتلاحق والتلاقح في العلوم والمعارف، وهو الطريق المعبّد لتشكيل أنواع العلوم بحسب أنواع الكائنات، وهو علم ناشئ من القواعد الكلية المطّردة في الكون، وما زالت العقول تكشف عن علوم أخرى... وحيث إن الحكم لا يجري بكليته في ما لا نظام فيه، فكلية القاعدة إذن دليل على حسن انتظام النوع... فبناء على كلية القاعدة هذه غدا كل علم من علوم الأكوان برهاناً على النظام الأكمل في العالم بالاستقراء.27 وفي ذلك أظهر شواهد ضرورة التكامل والاستكمال.
مصالح الخلق المبثوثة في الكون متعلّقة بالموجودات لا ترى بغير العلم بالموجودات، كما لا تنال معرفة المصالح المبثوثة فيها بغير التمكّن من العلوم، والتي بها تظهر "فوائد الثمرات المتدلية منها، وإبراز الحكم والفوائد المنتشرة ضمن تلافيف انقلابات الأحوال... يشهد شهادة صادقة على قصد الصانع الحكيم، ويشير إليه، ويطرد شياطين الأوهام كالنجم الثاقب."28
3- دلالة العلوم في تلاحقها وتلاقحها على أهمية العلم والتعليم:
دلالة علوم القسم الثاني على الدين الحق ظاهرة، لا يحتاج إثباتها إلى كبير عناء، ودلالة القسم الأول عليه لا تبعد عنها أيضا، إذا صحت علومه وفق مناهج العلم والبحث الموضوعيين، ولكنّها تحتاج إلى شيء من الحضور والصدق في طلبها، ذلك أنّ كلّ ذرة من ذرات الكون تدل على خالقها بذاتها وبوجودها المنفرد وبصفاتها، وخواصها، و "تدل عليه دلالات أكثر: بمحافظتها على موازنة القوانين العامة الجارية في الكون، إذ تنتج في كل نسبة مصالح متباينة، وفي كل مقام منه فوائد جليلة، لكونها جزءاً من مركبات متداخلة متصاعدة في أجزاء الكون الواسع؛ وذلك من حيث الإمكانات والاحتمالات التي تسلكها في كل مرتبة، حتى أنهّا تستقرئ دلائل الوجود فيها... لذا غدت الدلائل على وجوده سبحانه أكثر بكثير من الذرات نفسها."29 ولا طريق لتحصيل معرفة ذوات الموجودات وصفاتها وخواصها بغير تعليم، ولا ينال التعليم من غير معلّم وقبل ذلك بغير علم سابق أنتجه عالم متمرّس متخصص، وهذا يؤكّد أهمية العلم والتعليم في تلاحق وتلاقح المعارف.
والعالم نفسه صحائف الحكمة، والصحائف لا ترى بغير تعلّم والحِكم لا تكشف من غير تفكّر، ولا يمكن أن تبلّغ إلى الخلق من قبل العلماء في غير إيهاب التعليم، والعلم هو معرض الحكمة، ولو تأمل الإنسان الحكمة المتجلية في العلوم بواسطة التعلّم بتجرّد، فإنّه سيكتشف ما سطّر الباري في أبعادها الشاسعة من سلاسل واسعة من الحوادث، ولو أنعم فيها العاقل النظر لألفاها رسائل آتية من الملأ الأعلى، قَصَدَ واضعها الباري سبحانه وتعالى رفع الإنسان إلى أعلى عليين من اليقين.30
ثالثا: إسلامية المعرفة من أهم متطلبات التكامل والاستكمال.
المعرفة إذا صحّ نقلها وإثباتها وفق المناهج العلمية الصارمة، فلا شكّ أنّها إسلامية بمعنى أنّها متوافقة مع قانون الإسلام في قبول المعرفة المنتجة ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾الإسراء:36، لأنّ المعرفة بصفة عامة مرشدة إلى معرفة الله من خلال معرفة سننه في سيرها وصيرورتها، ولا تشط أي معرفة صحيحة عن هذه القاعدة، فالطبيعة مثلا هي شريعة إلهية فطرية، أوقعت نظاماً دقيقاً بين أفعال وعناصر وأعضاء جسد الخليقة المسمى بعالم الشهادة، هذه الشريعة الفطرية هي التي تسمى بالطبيعة والمطبعة الإلهية، وليست الطبيعة إلاّ محصّلة وخلاصة القوانين الاعتبارية الجارية في الكون، والشريعة بمعناها العام هي القوانين التي تمثّل نظام الأفعال الاختيارية.31 وهي واضحة في نسبتها إلى الإسلامية، فهي إسلامية بامتياز لأنّها عن الباري صدرت وبأمره كانت وبحفظه دامت.
1- المعرفة المتعلّقة بالطبيعة وصلتها بالمعارف الدينية:
امتدادات الشريعة الإسلامية في مجمل مسارات المعارف الإنسانية ذات الصلة بصلاح حالهم في العاجل والآجل أمر ظاهر، ذلك أنّها ديانة، وهي في آخر خلاصة لها "ملخص من علوم وفنون تضمنت العقد الحياتية في جميع العلوم الأساسية، منها: فن تهذيب الروح، وعلم رياضة القلب، وعلم تربية الوجدان، وفن تدبير الجسد، وعلم إدارة المنزل، وفن سياسة المدنية، وعلم أنظمة العالم، وفن الحقوق، وعلم المعاملات، وفن الآداب الاجتماعية..."32 وفضلا عن ذلك فإنّ "الشريعة فسّرت وأوضحت في مواقع اللزوم ومظان الاحتياج، وفيما لا يلزم أو لم تستعد له الأذهان أو لم يساعد له الزمان، أجملتْ بخلاصة ووضعت أساساً، أحالت الاستنباط منه وتفريعه ونشو نمائه على مشورة العقول. والحال لا يوجد في شخص كل هذه العلوم، ولا ثلثها بعد ثلاثة عشر قرناً، في المواقع المتمدنة، ولا في الأذكياء. فمن زين وجدانه بالإنصاف يصدق بأن حقيقة هذه الشريعة خارجة عن طاقة البشر دائماً."33
يسجّل الأستاذ استغرابه الشديد من إهمال الإسلام في ميدان المعرفة فضلا عن الميدان الاجتماعي، فقال: "فيا للعجب! كيف يكون العبد عدوّ سيده، والخادم خصم رئيسه، وكيف يعارض الإبن والده!! فالإسلام سيد العلوم ومرشدها ورئيس العلوم الحقة ووالدها."34
2- ميزة صلة المعرفة الدينية بالمعرفة الطبيعية:
حاجة المجتمع الإنساني للرقي والتقدّم أمر لا ينكر، وتقضى هذه الحاجة بتضافر الجهود العلمية في الماديات والمعنويات على السواء، ونظرا للصلة القوية للدين الإسلامي بالمعارف الأخرى، فقد كان -وسيبقى- الإسلام بما حواه من استعداد للرقي المادي سببا كافيا للدعوة إلى ترقية العلوم المتعلّقة بالماديات.
ومبعث فعالية الديانة الإسلامية في الدفع إلى الرقي المادي والمعنوي، ومنه تنمية القدرات المعرفية والعلمية في العلوم بصفة عامة، أنّ "الحقيقة الإسلامية" التي هي أستاذ جميع الكمالات والمثل، الجاعلة من المسلمين كنفسٍ واحدة والمجهّزة بالمدنية الحقيقية والعلوم الصحيحة، لها من القوة ما لا يمكن أن تهزمها قوة مهما كانت، وزيادة إلى ما سلف فإنّ الحاجة الملحة" التي هي الأستاذ الحقيقي للمدنية والصناعات المجهّزة بالوسائل والمبادئ الكاملة35، تدفع الخلق إلى السعي الكبير في سبيل جلبها، لأنّ حاجة الناس الملحّة لا تحقق بغير تنمية القدرات العلمية في الماديات والمعنويات على السواء.
3- الشريعة مصفاة العلوم الأخرى:
منطق الجمع بين المعارف في إطار قراءة توحيدية مُوَحِّدة مُوَحَّدة رأس ما ترمي صناعته رسائل النور والتنبيه إلى استصحابه في قراءة الكون والتعامل معه، ذلك أنّ هذه القراءة تدعو إلى الجمع بين العلوم المتعلّقة بعالم المادة، لأنّها شواهد إثبات الأصل الذي تستند إليه العقيدة الإسلامية، والعلوم المتعلّقة بالشريعة بمفهومها الخاص (علوم الدين الإسلامي)، وهذا يفرض الجمع بينها في ميادين التعليم، وبهذا نمنع إنشاء نمطين من المتعلمين كل يريد أنْ ينفي الآخر، والواقع المعيش أكبر شاهد على ذلك، فظهر في الأمة نمطان من التفكير في مسألة الإصلاح والتغيير، أول لا صلة له بالحاضر وغارق في الماضي وهم خريجو المدارس الدينية، وثاني لا صلة له بأصالة الأمة وميراثها مقطوع الصلة بميراثها الديني والثقافي وهم خريجو المدارس والجامعات العصرية (كما يتصوّرون).
لو جمعت المدارس العصرية في برامجها بين التخصص الدقيق في المعارف والتحصيل المقبول في المعارف الإسلامية التي تصنع الهوية وتحافظ عليها، لاقتصدت الأمة في الخصومات وبالتالي تقتصد في الطاقات فتنعدم الخصومات أو تكاد.
ومن متطلبات أهمية المعارف المؤسسة للخلفية النظرية التوحيدية المُوَحَّدَة المُوَّحِّدَة أن لا تتوقّف بها عند التعرّف النظري الصرف، بل المنتظر أن تتحوّل تلك الأصول إلى مصفاة تتشكّل منها مجموعة من المصافي الفرعية تصفى بها المعارف المتلقاة، تُصَفَّى من جهة المواءمة مع العلم أي الكشف عن موضوعيتها، وإذا صحّت موضوعيتها كانت إسلامية لمواءمتها مقتضيات المعايير العلمية المتعلّقة بطبيعة موضوعها، فضلا عن تناغمها مع مقتضيات العقل السليم، فتكون الشريعة بمعناها الخاص مصفاة إزالة الشوائب وطرد التحايل ومنع الاستبداد.
قال الأستاذ: "إن نهر العلوم الحديثة والثقافة الجديدة الجاري والآتي إلينا من الخارج كما هو الظاهر، ينبغي أن يكون أحد مجاريه قسماً من أهل الشريعة كي يتصفى من شوائب الحيل ورواسب الغش والخداع. لأن الأفكار التي نمت في مستنقع العطالة، وتنفست سموم الاستبداد، وانسحقت تحت وطأة الظلم، يُحدث فيها هذا الماء الآسن العفن خلاف المقصود. فلابد إذن من تصفيته بمصفاة الشريعة. وهذا الأمر تقع مسؤوليته على عاتق أهل المدرسة الشرعية."36
4- التعليم القرآني ودوره في التأسيس للثقة المعرفية:
ورد عنه في سياق مناقشة المعجبين بأساطين الدرس الفلسفي في تاريخ الإنسانية (أرسطو وأفلاطون...) قوله: "وإنْ قلت من تكون أنت حتى تخوض في الميدان أمام هؤلاء المشاهير أمثال: أرسطو وأفلاطون وتتدخل في الطيران مع الصقور مع أنّك ذبابة،" فكان جوابه دون تردد:" لما كان القرآن الكريم أستاذي الأزلي. ومرشدي في طريق الحق، فلا أراني مضطراً للاهتمام بصقورهم، تلامذة هذه الفلسفة الملوّثة بالضلالة، والعقل المبتلى بالأوهام، فمهما كنت أدنى منهم إلا أن أستاذهم أدنى بدرجات لا حد لها من أستاذي. بفضل أستاذي الأزلي وبهمته لم تبل قدمي المادة التي غرقوا فيها.37
المطلب الثالث: إنشاء المدارس ودوره الحضاري
أولا: تقديره لإنشاء المدارس
1- أهمية المدارس التعليمية:
تعدّ المدارس مؤسسات صناعة أنموذج الإنسان الذي يراد أن يكون رجل المستقبل، إذ فيها يشكّل عقله ويُلَيّن قلبه، وتهيكل اجتماعيته، بل التخطيط لفك فتيل النزاعات وتأسيس ثقافة الاستيعاب والتثاقف والتعاون والتضامن تصنعه المدرسة، وعدّ الأستاذ أنّ من أهم مظاهر العالم المتحضّر، عالم الرقي والحضارة المرتبط بأمته، أن يعمل على إنشاء المدارس، يزاول فيها التعليم مؤهلون لغويا ليتم التواصل السليم بين المتعلّم والمعلم، ويفترض أن تكون اللغة الوطنية (القومية) لغة كلّ العلوم والمعارف، لأنّه إن تعذّر التحكّم في العلوم بلغتهم؛ فإنّهم سيجنحون إلى الميل عنها والانخراط في المدارس الدينية، مما يكرّس تكوين جيلين من نمطين متنافرين في الفهم والتعامل مع الحياة والدين، فعوض أن يكون التعليم حلا لمشكلة التنمية سيكون سببا في بقاء التشاكس بين مكوّنات المجتمع، "مما يسبب شماتة الغرب لتفشي الجهل وحدوث الاضطرابات وانتشار الشبهات والأوهام فيما بينهم. وهذا ما يدعو أهل الغيرة والحمية إلى التأملّ38 في وضع أمتنا.
2- المدارس الأنموذجية وتجاوز القصور والتقصير في التكوين:
يفترض في المساعي الواقعية مراعاة مجموعة من المعطيات الضرورية في عملية التلقين التي تعد من أهم أسس بعث الفعالية التعليمية والتربوية، لهذا يركز الأستاذ على عاملي اللغة والمضمون التعليمي، فيريده أن لا يخلو من العلوم الدينية والعلوم الحديثة الضرورية، كما يقترح أن يكون عدد الطلبة محدودا ليتسنى التحكّم في عملية التكوين التعليمي والتربوي بشكل جيّد، فضلا عن التكفّل التام بهم في معاشهم وإيوائهم، وبهذا تكون المداس التعليمية" وسيلة لإظهار جوهر الفطرة والاستعداد لتقبل المدنية واستحقاق العدل."39
ثانيا: الوظيفة التربوية للمدارس التعليمية وشروط فعاليتها40
1- الوظيفة التربوية والتعليمية للمدارس
وفق النظام التعليمي الجامع بين العلوم الدينية الإسلامية والعلوم الحديثة، كما تصوّرها الأستاذ في رسائل النور، تجعل العلوم الإسلامية أساس هذه المدارس، لأنّ القوى الخارجية المدمّرة قوى إلحادية، تمحي المعنويات، ولا تقف تجاه تلك القوى المدمّرة إلاّ قوة معنوية عظيمة، تنفلق على رأسها كالقنبلة الذرية.41
أ- تطهير حياتنا الدنيوية من الاستبداد المطلق، والنجاة من مهالك الضلالة.
ب- إنماء علاقات الأخوة بين الأقوام الإسلامية.
ج- تصافح العلوم النابعة من الفلسفة مع الدين .
د- تصالح الحضارة الأوروبية مع حقائق الإسلام مصالحة تامة.
هـ- دفع النعرات القومية وإقرار السلام بين مكونات المجتمع الواحد.
و- تخليص العقل من السفسطة والتقليد الصبياني للفلسفة المادية
2- شروط فعالية المدرسة التي يريدها الأستاذ42
الشرط الأول: تسمية المدرسة
يحبّذ البشر أن يتسموا بأحسن الأسماء، وأحبّها إلى قلوبهم تلك التي لها معنى جميل أو تذكير بمعاني طيّبة، لهذا عندما فكّر في إنشاء مدرسة سماها "الزهراء" لأنّه إسم مألوف ومأنوس وجذّاب، وبالرغم من كون الإسم أمرا اعتباريا إلاّ أنه يتضمن حقيقة عظيمة ممّا يهيّج الأشواق وينبّه الرغبات.
الشرط الثاني: برامج التكوين في المدرسة (برامج صناعة المعرفة والوعي)
تفرض فعالية برامج التكوين الجمع في كلّ مراحل التعليم بين العلوم الكونية الحديثة والعلوم الدينية تدريسا، والأولى أنْ تكون الأولى مدرجة في الثانية، لما لها من تأثير عظيم في تمييز الصالح من الطالح بالنظر إلى سير حركية فعالية المعارف في صناعة الوعي أولا والفعالية في شعاب الحياة ثانيا، وذلك لتخليص المحاكمة الذهنية (العقلية) من ظلمات الأوهام والخرافة، وإزالة المغالطة43 التي تولدها الملكة المتفلسفة المؤسسة على التقليد الصبياني، فإذا تمازج العِلْمَان (الديني والحديث) استضاء القلب بالعلوم الدينية ونُوِّر العقل بالعلوم الحديثة، وبإمتزاجهما تتجلّى الحقيقة، فتتربّى همة الطالب وتعلو بكلا الجناحين، وبافتراقهما يتولد التعصب في الأولى والحيل والشبهات في الثانية.44
الشرط الثالث: انتقاء المدرسين بما ينسجم ومقاصد التعليم المشار إليها
يتطلّب الانتساب إلى هيئة المدرسين في هذا النوع من المدارس أن ينتخب المدرسون فيها، مِنْ مَنْ حظي بالجمع بين المعارف المشار إليها، فضلا عن شروط تتعلّق بالمكان وظروف الزمان، وهذا أمر نسبي يختلف من بلد إلى آخر، فإذا كانت للنزعات العنصرية والعصبية نوع حضور للصلات بين مختلف المكوّنات العرقية للمجتمع كان لزاما على المخطط للتعليم مراعاة العنصر الإثني للجماعة التي يراد استيعابها في إطار الوحدة الوطنية المؤسسة على تعاليم الإسلام الحنيف، ويطلب فيهم الشروط (الجمع بين العلوم الدينية والعلوم الحديثة) المشار إليها فضلا عن التمكّن من اللغة العربية واللغة الوطنية ثم اللغة المحلية، والمطلوب مراعاة كل تلك الشروط إذا أريد لعملية التعليم أن تقود إلى مقاصدها في التنمية والتربية.
الشرط الرابع: مراعاة التعليم لاستعدادت المتلقين
جعل الفعالية التعليمية مقصدا رئيسا في عملية التعلم يدفع إلى ضرورة استصحاب وضع البرامج لاستعدادات الناس ومستوياتهم العُمْرية والعاطفية والعقلية والمعرفية، تستشف هذه المعاني من قوله في حق المدارس التي يطلب إنشاؤها في الفضاءات الكردية، حيث أكّد على استشارة استعداد الأكراد وقابلياتهم، وجعل صباوتهم وبساطتهم نصب العين، ذلك أنّه كثيرا ما يكون الشيء مُستحسنا على قامة، مستقبحا على أخرى، وتعليم الصبيان قد يكون بالقسر أو بمداعبة ميولهم.45
الشرط الخامس: تقسيم أعمال التعلّم (فتح التخصصات)
يتطلّب تحقيق مقصد فعالية التعليم مراعاة التخصصات، لأنّ الطريق الرئيس لإنتاج المهرة في شعبة من شُعَب التعلم، هو التركيز على التخصص، ومع تداخل العلوم وتمازجها، يفترض تحصيل معرفة مجملة تيسّر الوحدة في التعليم وتيسِّر الرؤية التوحيدية للتعليم وإنتاج المعرفة، يستشف من رسائل النور أنّ يد عناية الحكمة الإلهية تقتضي قاعدة تقسيم الأعمال، وذلك بما أودعت في ماهية البشر من استعدادات وميول، لأداء العلوم والصناعات التي هي في حكم فرض الكفاية لشريعة الخلقة (السنن الكونية) .
ومع وجود هذا الأمر المعنوي لأدائهما، أضعنا مقاصد التعليم بسوء فهمنا ثم بتصرفنا المنبعث من إطفاء جذوة الشوق إلى التعلّم بحرصنا الكاذب على العلم، المحروم من الوصول إلى مقاصده بسبب الرغبة في التفوّق التي هي رأس الرياء، ومن كان هذا شأنه ليس مستغربا بأن يعذّب بجهنّم الجهل، كما قال الأستاذ، "لأننا لم نتمثل أوامر الشريعة الفطرية التي هي قانون الخلقة. وما ينجينا من هذا العذاب إلاّ العمل على وفق قانون (تقسيم الأعمال). فقد دخل أسلافنا جنان العلوم بالعمل على وفق تقسيم الأعمال."46
الشرط السادس: العدل بين المتخرجين من مختلف مؤسسات التعليم والتكوين
يفرض التفكير في نجاح عملية التعليم والتكوين التفكير في مصير المتخرجين، لهذا يطلب العدل في التعامل مع خريجي تلك المؤسسات، العدل في الحرص على طريقة الامتحان ومضمونه، بحيث يشترط فيه أن يكون منتجا، ولا طريق لتحقيق هذا القصد ما لم نبدع أساليب تضمن العناية بالمتفوّقين واستيعاب مجمل المتخرجين، تفهم هذه المعاني من قوله: "إيجاد سبيل بعد تخرج المداومين وضمان تقدمهم واستفاضتهم حتى يتساووا مع خريجي المدارس العليا ويتعامل معهم بنفس المعاملة مع المدارس العليا والمعاهد الرسمية، وجعل امتحاناتها كامتحانات تلك المدارس منتجة، دون تركها عقيمة."47
الشرط السابع: تكوين المكوّنين (التكوين المستمر للمعلمين)
مستويات المتلقي صورة للمستوى العلمي والتربوي للمعلّم، ولأجل المحافظة على المستوى التعليمي لا بد من إنشاء مؤسسة لتكوين المكوّنين (المعلمين)، لهذا ينصح الأستاذ باتخاذ دار المعلمين ركيزة للمدارس ودمجها معها، ليسري الانتظام والاستفاضة من العلم من هذه المدرسة العالية في التكوين (تكوين المعلمين) إلى المدارس الأخرى، كما تسري منها الفضيلة إليها أيضا، سريان الأصل في الفروع،48 ومن فقد صفات الكمال في الأصل، لا يمكن أن يجد لها أثرا في الفرع.
ثالثا: موارد المدرسة التعليمية المقترحة وفوائدها وبرنامجها
1- موارد المدرسة المقترحة
الأصل في هذه المدارس أن تصدر عن الإرادة الجمعية

Yıl 2010, Sayı: 2, 135 - 162, 01.12.2010

Öz

Yıl 2010, Sayı: 2, 135 - 162, 01.12.2010

Öz

Toplam 0 adet kaynakça vardır.

Ayrıntılar

Birincil Dil Arapça
Bölüm ARTICLES
Yazarlar

أ.د. عمار جيدل Bu kişi benim

Yayımlanma Tarihi 1 Aralık 2010
Yayımlandığı Sayı Yıl 2010 Sayı: 2

Kaynak Göster

APA جيدل أ. ع. (2010). التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور - Prof. Dr. Amar Djidel: “Teaching a Way to Civilization: A Study of the Risale-i Nur”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization(2), 135-162.
AMA جيدل أع. التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور - Prof. Dr. Amar Djidel: “Teaching a Way to Civilization: A Study of the Risale-i Nur”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. Aralık 2010;(2):135-162.
Chicago جيدل أ.د. عمار. “التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور - Prof. Dr. Amar Djidel: ‘Teaching a Way to Civilization: A Study of the Risale-I Nur’”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, sy. 2 (Aralık 2010): 135-62.
EndNote جيدل أع (01 Aralık 2010) التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور - Prof. Dr. Amar Djidel: “Teaching a Way to Civilization: A Study of the Risale-i Nur”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 2 135–162.
IEEE جيدل أ. ع., “التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور - Prof. Dr. Amar Djidel: ‘Teaching a Way to Civilization: A Study of the Risale-i Nur’”, النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, sy. 2, ss. 135–162, Aralık 2010.
ISNAD جيدل أ.د. عمار. “التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور - Prof. Dr. Amar Djidel: ‘Teaching a Way to Civilization: A Study of the Risale-I Nur’”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 2 (Aralık 2010), 135-162.
JAMA جيدل أع. التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور - Prof. Dr. Amar Djidel: “Teaching a Way to Civilization: A Study of the Risale-i Nur”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2010;:135–162.
MLA جيدل أ.د. عمار. “التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور - Prof. Dr. Amar Djidel: ‘Teaching a Way to Civilization: A Study of the Risale-I Nur’”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, sy. 2, 2010, ss. 135-62.
Vancouver جيدل أع. التعليم طريقا للتحضر، قراءة في رسائل النور - Prof. Dr. Amar Djidel: “Teaching a Way to Civilization: A Study of the Risale-i Nur”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2010(2):135-62.