BibTex RIS Kaynak Göster

منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى - ‘Abd al-Karim ‘Akiwi: Nursi’s Method of Enumerating the Divine Names

Yıl 2010, Cilt: 1 Sayı: 1, 49 - 68, 01.06.2010

Öz

منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى
د. عبد الكريم عكيوي1
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وأزواجه وذريته وأهل بيته، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الأسماء الحسنى ثابتة لله تعالى قطعا، وذلك بنص القرآن الكريم والسنة النبوية. وقد جعل الله تعالى معرفة أسمائه طريقا إلى معرفته، لأن معرفة الله بحقيقة ذاته متعذر في الحياة الدنيا لأن رؤية ذاته تعالى هي الجزاء الأوفى الذي أعده لمن فاز برضوانه، فرؤية وجه الله تعالى تحصل به لأهل الجنة قمة السعادة وغاية اللذة وتمام النعمة، فلا يناسب الدنيا التي هي دار اختبار وتكليف. ثم لأن الإنسان على ظهر الأرض موسوم بالعجز والضعف بحكم قيد الزمان والمكان، فلا تقع رؤيته إلا على ما يحويه المكان ويجري عليه الزمان، والله تعالى فوق الزمان والمكان، فكيف يحويه المكان وهو الذي خلق المكان، وكيف يجري عليه الزمان وهو الذي خلق الزمان. ثم إن الله تعالى قد احتجب عن الظهور للأبصار في الدنيا من فرط ظهوره وشدة نوره، فهو الظاهر بآياته وآثاره الباطن من شدة ظهوره وإشراق نوره. ولهذا لم يبق في قدرة المُكَلَّفين من طريق لمعرفة ربهم تعالى إلا بأسمائه وصفاته وأفعاله وتصرفاته التي تجري عليهم. فأنزل تعالى أسماء في كتابه، وذكره بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ونصب في الكون علامات تعرف بها وتفهم معانيها، وأمر بمعرفته من خلال أسمائه الدالة على أفعاله وتصرفاته.
و أصح ما ورد في السنة النبوية في إثبات أسماء الله تعالى الحسنى والأمر بمعرفتها ما اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث ‏أبي هريرة ‏رضي الله عنه أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال: "‏‏إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة."2 وعند البخاري أيضا‏ ‏بلفظ: "‏لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر". وعند مسلم بلفظ: "‏من حفظها دخل الجنة وإن الله ‏‏وتر ‏‏يحب ‏‏الوتر‏." ولم يقع في شيء من طرقه سرد الأسماء التسعة والتسعين إلا في رواية عند الترمذي والراجح أنه إدراج من بعض الرواة اجتهادا منهم، وليس مما رفع من الحديث. ومعنى هذا أن معرفة أسماء الله الحسنى على جهة الإجمال واجب على كل مكلف، وأما معرفتها على جهة التفصيل فإنه مجال مفتوح للنظر كل بحسبه.
ولهذا ألف علماء الإسلام في بيان أسماء الله الحسنى وبيان معانيها، فاتفقوا في كثير منها واختلفوا في بعضها، واختلفوا أيضا في طريقة إحصائها ومنهج ذلك بحسب فهمهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أحصاها" أو "حفظها". ويعتبر النورسي أبرز من اعتنى بأسماء الله الحسنى في العصر الحاضر. فهو، وإن لم يخص الأسماء الحسنى بتأليف مستقل متمحض لها، فقد قصد إلى إحصائها وتتبعها وبيان معانيها وآثارها وفوائد الإيمان بها مما يتم به إحصاؤها عنده رحمه الله، وفرق ذلك في رسائل النور. ومنطلق النورسي - كغيره من علماء الإسلام - هو ما ورد في القرآن الكريم من إثبات الأسماء الحسنى إجمالا مع بيان بعضها، ثم الحديث النبوي في الترغيب في إحصائها مع ما ورد في السنة من أسماء الله مثل "الجميل" ثم الاستئناس بما قاله علماء الإسلام المتقدمون خاصة أبو حامد الغزالي. وقد كان النورسي منهجيا في ذلك كله فلم يعتمد كليا على عالم أو كتاب وإنما اختط لنفسه منهجا خاصا سار عليه وبقي ملازما له ولم يتخلف عنه رحمه الله. وإن معالم هذا المنهج – وإن كان النورسي لم يفصح عنها صراحة في شكلها النظري _ فإنها تستخرج بالتأمل والتتبع والاستقراء العلمي لرسائل النور.
وأول ما ينبغي تقريره هنا أن إحصاء أسماء الله الحسنى عند النورسي يمثّل مشروع الحياة وقضية من قضاياها الكبرى، يلازم العبد من يوم بلوغه التكليف إلى أن يبلغ غاية أمره في دار المقام حيث النعيم الغامر والسعادة الكاملة، حيث يتحقق يقينا فائدة هذا الإحصاء وغايته المرجوة. إن عملا يترتب عليه دخول الجنة، لا يمكن أن يناله العبد بعمل لحظة أو لحظات. إن إحصاء أسماء الله الحسنى مسلك للرقي في سلّم القُرْبى، وطريق للسمو في مراتب العرفان في كل لحظة من لحظات الحياة على ظهر الأرض، وفي كل ما يحف بالمكلف من الحوادث وأحوال الحياة وتقلبات الزمان.
وقبل التفصيل في منهج النورسي أرى من المناسب ذكر خلاصة جامعة لما قاله علماء الإسلام في معنى إحصاء الأسماء الحسنى. وجماع ذلك على جهة الإجمال أن قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحصاها" أو "من حفظها" يتحقق على الخطوات الآتية:
1 – تتبعها من القرآن الكريم والسنة النبوية واستخراجها منهما مع عدها حتى تستوفى كاملة.
2 – الإحاطة بمعانيها مع اعتقادها والإيمان بها. وذلك يحصل بمداومة التفكر في مدلولها، واستحضار معانيها في القلب بعد ضبطها بالعقل.
3 – أداء حقها والعمل بها. فله أسماء ينبغي الاقتداء بها في معانيها كالرحيم والكريم والعدل ونحوها، فينبغي للعبد أن يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل، فبهذا يحصل الإحصاء العملي. وأما الإحصاء القولي فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها. وقيل حسن المراعاة لها والمحافظة على حدودها في معاملة الرب بها.3
4 – ثم تأتي بعد هذا كله الغاية المرجوة والفائدة المقصودة وهي العيش في كنف هذه الأسماء من خلال رؤية جمالها في الكون، واكتشاف تجلياتها في الوجود، ونسبة كل أحوال الكون إليها، ورد كل حدث إلى الاسم الذي نتج عنه. وهذا ما عبر عنه أبو عمر الطلمنكي بقوله: "من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته.. المعرفة بالأسماء والصفات وما تتضمن من الفوائد وتدل عليه من الحقائق."4 وحكى الحافظ ابن حجر هذه المرتبة وهي المسماة "الإحصاء النظري" وهو أن يعلم معنى كل اسم بالنظر في الصيغة ويستدل عليه بأثره الساري في الوجود، فلا تمر على موجود إلا ويظهر لك فيه معنى من معاني الأسماء وتعرف خواص بعضها وموقع القيد ومقتضى كل اسم. قالوا: وهذا أعلى مراتب الإحصاء.
وكل هذه الخطوات حاضرة عند النورسي، إلا أنه قصد خاصة إلى الغاية المرجوة، التي هي أرفع مراتب الإحصاء، وهي تتبع آثار الأسماء الحسنى في الكون والوجود في كل لحظة من لحظاته، ثم توطين النفس والقلب والعقل على العيش في كنفها، والتخلق بمقتضياتها حتى يتجلى الحظ البشري منها في الحياة كما تظهر تجلياتها في الوجود. أي إن إحصاء أسماء الله الحسنى عقيدة تفهم بالعقل، وترسخ في القلب، وتجري آثارها على الأعمال والتصرفات، وتتحقق بها سعادة المكلف في الحياة لما يشاهد بعين القلب والوجدان من إشراقاتها الجميلة في حياته في ما يحيط به من الموجودات والعوالم. إن حقيقة الحياة والكون وسر مسيرة الإنسان إنما يحصل بالتحقق بأسماء الله الحسنى. فإحصاؤها إذن ليس في الوقوف عند الدراسة العلمية لها والشروح اللغوية والتعاريف النظرية، إنما هو استمتاع بالتأمل في آثارها، وارتشاف لذة جمالها المبثوث في الكون في كل لحظة، والاندماج الروحي والمعنوي في الحوادث التي تنزل بالمكلف ليرتشف من بين أستارها لمعات جمال اسم الله تعالى الذي تجلى به من خلال هذا الحادث أو ذاك.
هذا منهج النورسي على جهة الإجمال، ونأتي الآن إلى تفصيله، مع معالم أخرى منهجية تميز بها ومسالك ينص عليها ويعيد التأكيد والتنصيص.
الكون دليل قاطع على أسماء الله الحسنى، وقرآن مشاهد بدليل الوحي والعقل، والحس والكشف ومقتضى الإيمان:
إن المقصد الأسنى والمعنى الحقيقي الأسمى لإحصاء أسماء الله الحسنى عند النورسي، هو مشاهدة أنوار تجليات تلك الأسماء في الكون كله، فتكون الموجودات والحوادث كلها، عند المكلف، مظاهر لتجليات الأسماء الحسنى، فيمارس تفاعلا ذوقيا وفكريا مع الكون من حوله من خلال عملية الاستكشاف المتواصلة في كل لحظة لأنوار الأسماء وما يترتب عنها من آثار وتصرفات. ومعنى هذا أن القرآن الكريم والسنة النبوية إنما هما مصدران للتنبيه إلى منهج إحصاء الأسماء الحسنى، وليس الغرض حصرها ومنع الاهتداء إلى غير ما ذكر فيهما من الأسماء. ومما يدل على ذلك أيضا أن أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم على جهة الإجمال ليحث على البحث عنها والاجتهاد في طلبها. وعلى هذا فإن ما ورد في القرآن الكريم والسنة والنبوية من الأسماء الحسنى وجب معرفته وإحصاؤه قطعا، لأنهما مصدران يتلقى منهما أمر الله تعالى وشرعه. ثم يأتي الكون ليتبوأ المنزلة الثالثة في المصادر المعتمدة في معرفة الأسماء الحسنى، في ضوء معاني الوحي وتحت أصول الشريعة وقواعدها وكلياتها.
فما أفصح عنه الكون بلسان حاله من الأسماء، من خلال الآثار والأفعال الجارية فيه، فهو معتبر مثل ما يعتبر ما أفصح عنه القرآن الكريم والسنة النبوية. فالذي أنزل القرآن وتكلم به هو الذي خلق الكون وجعله ينطق بلسان حاله، وهذا من معاني قوله تعالى: ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾،الإسراء:44 ومعنى هذا أن الكون يعرف بأسماء الله الحسنى ويدل عليها، بل ينطق بها بلسان الحال.
ولا يخفى على النورسي أنّ هذا المسلك قد يثير اعتراض الكثير من أصحاب مسلك الظاهر فراح يقدم الأدلة على حجية الكون في التعريف بالأسماء الحسنى. والتمس لذلك خمسة أدلة وهي: الوحي، والعقل، والحس، والذوق، ومقتضى الإيمان.
دليل الوحي ومعناه أن الكون إنما اكتسب حجيته القاطعة من دلالة القرآن الكريم القطعية عليه، فهو في الحقيقة دليل قرآني، لأن القرآن الكريم حافل بالأمر، صراحة وضمنا، بالتدبر في الكون والتفكر في الوجود. ولو لم يكن الكون موضع حجة وموطن عبرة ومجال علم ومعرفة، لما أمر الله تعالى بذلك. ولهذا فالآيات القرآنية في موضوع الكون وفائدة النظر فيه والتدبر في أحواله والتفكر في خصائصه، حاضرة عند النورسي في رسائله.
ثم إن تجلي الأسماء في الكون واستخلاصها من الوجود منهج معتبر في القرآن الكريم. فواضح مثلا من قوله تعالى: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي اْلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾،الروم:50 وغيرها من الآيات في توجيه النظر إلى حركة التجدد في الموجودات، إن القصد هو إيقاف المكلف على عملية الإحياء والإماتة الجارية في الكون من أجل الاهتداء إلى اسم "المحيي" واسم "المميت". وهذا ما عبر عنه النورسي بقوله: "إن القرآن الكريم – ببياناته المعجزة – يبسط أفعال الصانع الجليل ويفرش آثاره أمام النظر، ثم يستخرج من تلك الأفعال والآثار، الأسماء الإلهية.. ثم مَثَّلَ بقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.البقرة:29 ثم قال: يعرض القرآن الآثار الإلهية العظيمة التي تدل بغاياتها ونظمها على علم الله وقدرته، يذكرها مقدّمة لنتيجة مهمة وقصد جليل ثم يستخرج اسم الله "العليم".. إن القرآن الكريم ينشر منسوجات الصنعة الإلهية ويعرضها على نُظَّار البشر ثم يلفّها ويطويها في الخلاصة ضمن الأسماء الإلهية، أو يحيلها إلى العقل."5 ومعنى يحيلها إلى العقل يَكِلُ مهمة اكتشافها واستخلاصها إليه.
وكذلك الإشارات المتجددة في القرآن الكريم إلى الخلاقية الإلهية والفعالية الربانية في قوله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾.الرحمن:29 وقوله عز وجل: ﴿فَعَّال لِمَا يُريدُ﴾.البروج:16 وقوله عزّ من قائل: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾.الروم:54 وغيرها، إنما هي أمر ضمني بمعرفة آثار هذه الفعالية ولفت الأنظار إلى الأسماء الحسنى المقتضية لها.6 فعلى هذا يعتبر النورسي التماس تجليات أسماء الله الحسنى في الكون مما أمر الله عز وجل به وحث عليه وضرب الأمثلة له للقياس عليها والاقتداء.
دليل العقل وهو ما يدركه العقل من التجليات الظاهرة لأسماء الله الحسنى، حتى إن أحدا من العقلاء لا يمكنه تجاهلها. وبسبب شدّة ظهور هذه التجليات في الطبيعة أسند أهل الفلسفة المادية الفعل والقوة والخلق للطبيعة نفسها فعرفوا التجلي وتجاهلوا مصدره، فتوهموا أن تجلياته سبحانه المتجلية في صفحات الكون وطبقات الموجودات هي الذات الخلاقة، ففوض قسم من هؤلاء بعض آثار تجلياته سبحانه إلى الطبيعة. ولولا معقولية هذه التجليات ما أدركها هؤلاء، لكنهم وقفوا عند الآثار فجعلوها خلاقة، فهم "يشعرون بالتجلي الأعظم للخلاقية الإلهية والقدرة الربانية، ولكنهم يجهلون مصدر ذلك التجلي، ويعجزون عن أن يدركوا من أين تُدار تلك القوة العامة النابعة من تجلي القدرة الصمدانية.. فلأنهم يجهلون كل ذلك فقد شرعوا بإسناد آثار الألوهية إلى الذرات نفسها والى حركاتها عينها، فتوهموا أزلية المادة والقوة."7 وإدراك الأثر والتجلي بالعقل يقتضي أيضا الأفعال التي تنتج عنها الآثار، والأفعال تقتضي العناوين المعبرة عنها، والعناوين تقتضي الأسماء المفصحة عنها.
ومن مقتضيات دليل العقل أيضا ما يتهيأ للإنسان عبر الزمان من معارف الحياة، وما يتراكم من العلوم الكونية بتراكم الخبرة بمقتضى قوانين العقل. فعلوم الكون كلها – في جوهرها – إنما هي نظر وبحث في الإنسان والكون ونظر في الآفاق بمطالعة كتاب الكون الجميل لاكتشاف خصائصه وصفاته وقوانينه التي هي تسبيحاته. فهذه العلوم، على اختلافها وتنوعها بتنوع مجالاتها من الكون، بمنزلة لغات مختلفة وألسنة متنوعة، تعبر عن معنى واحد هو جمال الله وجلاله، وتفصح عن آثار أفعاله، فهي بذلك تعرف بأسمائه. "إن لكل كمال، ولكل علم، ولكل تقدم، ولكل فن – أياً كان – حقيقة سامية عالية. وتلك الحقيقة تستند إلى اسم من الأسماء الحسنى.. فالهندسة – مثلاً – علم من العلوم، وحقيقتُها وغاية مُنتهاها هي الوصول إلى اسم (العدل والمقدِّر) من الأسماء الحسنى، وبلوغ مشاهدة التجليات الحكيمة لذلك الاسم بكل عظمتها وهيبتها في مرآة علم (الهندسة).
و الطب – مثلاً – علم ومهارة ومهنة في الوقت نفسه، فمنتهاه وحقيقته يستند أيضاً إلى اسم من الأسماء الحسنى وهو (الشافي).."8 وهكذا "كل علم من العلوم يستند إلى اسم من الأسماء الحسنى وينتهي إليه"9 لأنه يترجم بلسانه الخاص تسبيحات الموجودات التي هي إعلانات عن اسم أو عدة أسماء.
فالعقل إذن يقضي أن الكون مصدر مُظهِر لمعرفة الأسماء الحسنى من خلال تجلياتها وآثارها.
دليل الحس: فما دام الكون موجوداً بالفعل ولا يمكن إنكاره، فلا يمكن أن يُنكَر كذلك ما هو بمثابة ألوانِه وزينته، وضيائه وإتقانه، وأنواع حياته، وأشكال روابطه من الحقائق المشهودة، كالحكمة، والعناية، والرحمة، والجمال، والنظام، والميزان، والزينة، وأمثالها من الحقائق.. فمادام لا يمكن إنكار هذه الصفات والأفعال، فلا يمكن إنكار موصوف تلك الصفات، ولا يمكن إنكار فاعل تلك الأفعال.. الذي هو الحكيم، الرحيم، الجميل، الحكم، العدل."10 فالكون مقطوع بوجوده، والأفعال والتصرفات التي يدبر بها ظاهرة، فكذلك الأسماء ظاهرة متجلية. وإن هذه الحقيقة من الظهور عند النورسي حتى إنه لا يملّ من تقريرها وإعادتها بصيغ متنوعة، حتى جعل الكون بمنزلة كتاب معروض للمشاهدة مثل عرض القرآن الكريم للتلاوة. وكل جزء من الكون بمنزلة كلمة تفصح عن اسم أو أسماء من أسماء الله الحسنى. يقول رحمه الله: "هذا الكون بمثابة كتاب عظيم كُتبتْ في كل صحيفة من صحائفه مئات الكتب، وأدرجت في كل سطر منه مئات الصفحات، وخُطَّتْ في كل كلمة منه مئات الأسطر، وتُقرأ تحت كل حرف فيه مئات الكلمات، وحُفِظَ في كل نقطة من نقاطه فهرسٌ مختصر صغير يلخص محتويات الكتاب كله.. فهذا الكتاب بصفحاته وأسطره بل بنقاطه يدل دلالة واضحة ساطعة – بمئات الأوجه – على مصوِّرِه وكاتبه، حتى أن مشاهدة الكتاب الكوني العظيم هذا وحدها كافية للدلالة على وجود كاتبه، بل تسوقنا إلى معرفة وجوده ووحدانيته بما يفوق دلالة الكتاب على نفسه أضعافاً مضاعفة."11 ويقول أيضا: "نعم، إن كل آية كونية من آيات قرآن الكون العظيم المنظور، تَعْرِض للأنظار معجزاتٍ نيّرات هي بعدد نقاطها وحروفها."12 فالكون إذن يدل على أسماء الله الحسنى مثل دلالة الضوء على الشمس، فالاسم الواحد يتجلى من خلال ما لا يعد من الأفعال والتصرفات، ويشاهد في آفاق الكون كله وليس في جزء واحد. "إن كل شيء في الوجود بمثابة آية جليلة، ومكتوب رباني، وكتاب بليغ، وقصيدة رائعة، يستطيع كلُّ ذي شعور أن يطالعها ويتعرّف من خلالها على تجلّى أسماء الفاطر الجليل. أي إن كل شيء يعبّر عن معانيه الغزيرة لقرائه الذين لا يحصيهم العد."13 وبناء على دليل الحس هذا يقرر النورسي أن الحواس والجوارح والغرائز إنما خلقها الله عز وجل ووهبها للإنسان لتكون أداة للتواصل مع الكون فيحس، ويلمس، ويذوق، ويسمع، ويشاهد بقصد إدراك التجليات ومعرفة الأسماء المقتضية لها. وهذا واضح من قوله: "إن الله سبحانه وتعالى، بألوهيته الجليلة، ورحمته الجميلة، وربوبيته الكبيرة، ورأفته الكريمة، وقدرته العظيمة، وحكمته اللطيفة، قد زيّن هذا الإنسان الصغير بحواسَ ومشاعر كثيرة جداً، وجمّله بجوارح وأجهزة وأعضاء مختلفة عديدة؛ ليُشعره طبقات رحمته الواسعة، ويذيقه أنواع آلائه التي لا تعد، ويعرّفه أقسام إحساناته التي لا تحصى، ويُطلعه عبر تلك الأجهزة والأعضاء الكثيرة على أنواع تجلياته التي لا تُحد لألف اسم واسم من أسمائه الحسنى، ويحببها إليه، ويجعله يحسن تقديرها حق قدرها."14
دليل مقتضى الإيمان ومعناه أن من لوازم أركان الإيمان أن الحياة الدنيا ليست إلاّ صحائف متجددة بتجدد الأفعال والتصرفات التي تعبر عنها الأسماء. يقول رحمه الله: "ثم إن الإيمان أراني بفضل أسرار القرآن الكريم أن أحوال الدنيا وأوضاعها المنهارة في ظلمات العدم بنظر الغفلة، لا تتدحرج هكذا في غياهب العدم – كما ظنّ في بادئ الأمر – بل إنها نوع من رسائل ربانية ومكاتيب صمدانية، وصحائف نقوش للأسماء السبحانية قد أتمّت مهامها، وأفادت معانيها، وأخلفت عنها نتائجها في الوجود، فأعلمني الإيمان بذلك ماهية الدنيا علم اليقين."15 ومن ذلك أيضا تمييزه بين أوجه ثلاثة للدنيا متداخلة. وجه الدنيا المتوجهة إلى الأسماء الإلهية الحسنى، فهي مرآة لها، ووجه الدنيا المتوجهة نحو الآخرة، فهي مزرعتها، ووجه الدنيا المتوجهة إلى أرباب الدنيا وأهل الضلالة، فهي لعبة أهل الغفلة ولهوهم. وإنما مدح الله منها الوجه الأول والثاني فدلَّ على أنه جعلها مرآة لأسمائه، فهي بذلك "كتاب مفتوح يتجدد للباري المصور، فيمحو فيه ما يشاء ويثبته بحكمة. وكل ربيع فيها رسالة مرصعة مذهّبة، وكل صيف فيها قصيدة منظومة رائعة، وهي مرايا تتجدد مظهرة تجليات الأسماء الحسنى للصانع الجليل."16 ويتفرع عن الإيمان دليل الكشف والذوق.
دليل الكشف والذوق، ومعناه أن تمكن الإيمان في القلب ورقي صاحبه في مدارج السلوك يفتح نوافذ الإشراق، فيطل السالك على الكون، فلا يحس سوى بوجدان واحد وهو أن الكون مرآة لتمام الجلال وكمال الجمال. وفي هذا يقرر النورسي أن أئمة أهل الحقيقة كلهم – مع الاختلاف في مشاربهم والبعد في مسالكهم – يعتقدون مستندين إلى الذوق والكشف ويقررون بالإجماع والاتفاق أن الحسن والجمال الموجود في الموجودات كلها إنما هو ظل جمالٍ مقدس لواجب الوجود وحسنه المنزّه، ولمعاته من وراء حجب وأستار.17 فكمال هذه الآثار المشهودة في هذه الكائنات بلا قصور ولا فطور، يشهد بالمشاهدة الحدْسية على كمال أفعالٍ مستترة خلفها، وكمال هذه الأفعال التي هي كالمشهودة، "يشهد بالبداهة على كمال أسماء ذلك الفاعل؛ وكمال تلك الأسماء، يشهد بالضرورة على كمال الصفات؛ إذ الأسماءُ ناشئة من نِسَب الصفات، وكمالُ الصفات يكشف باليقين عن كمال الشؤون الذاتية التي هي مبادئ الصفات القدسية، وكمالُ الشؤون يشهد بحق اليقين على كمال الذات بما يليق بجنابه سبحانه."18
وعن هذا المعنى أيضا عبّر ابن عطاء الله السكندري في حكمه بقوله: "دَلَّ بِوجودِ آثَارِهِ عَلٰى وُجُودِ أَسمَائِهِ، وَبِوُجُودِ أَسمَائِهِ عَلى ثُبُوتِ أَوْصَافِهِ، وَبِوُجُودِ أَوْصَافِهِ عَلٰى وُجُودِ ذَاتِهِ، إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَقُومَ الوَصْفُ بِنَفْسِهِ. فَأَهْلُ الجَذْبِ يَكْشِفُ لهمْ عَنْ كَمَالِ ذَاتِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُمْ إِلٰى شُهُودِ صِفَاتِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُمْ إِلٰى التَّعَلُّقِ بِأَسمَائِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُمْ إِلَى شُهُودِ آثَارِهِ. وَالسَّالِكُونَ عَلى عَكْسِ هَذَا، فَنِهَايَةُ السَّالِكِينَ بِدَايَةُ المَجْذُوبِينَ لكِنْ لا بِمَعْنَىً وَاحِدٍ، فَرُبمَّا التَقَيَا في الطَّرِيق ِ، هٰذَا في تَرَقِّيهِ وَهٰذا في تَدَلِّيهِ."19 وقد ميّز هنا بين منهجين عند أهل الكشف وهما طريق التدلي وطريق الترقي، وكلاهما يقرر أن التصرفات الجارية في الكون تعرف بالأسماء الحسنى ببداهة الوجدان الصافي الصادق.
وعبَّر بديع الزمان النورسي عن الترقي والتدلي بالسَيْرِ الأنفسي والسير الآفاقي: "فالسير الأنفسي يبدأ من النفس ويصرف صاحبُ هذا السير نظرَه عن الخارج ويحدّق في القلب مخترقًا أنانيته. ثم ينفذ منها ويفتح في القلب ومن القلب سبيلا إلى الحقيقة.. ومن هناك ينفذ إلى الآفاق الكونية فيجدها منوَّرةً بنور قلبه، فيصل سريعًا إلى أن الحقيقة التي شاهدها في دائرة النفس يراها بمقياس أكبر في الآفاق، وأغلب طرق المجاهدة الخفية يسير وفق هذه السبيل. وأهم مقاصد هذا السلوك هو كسْرُ شوكة الأنانية وتحطيمها، وترك الهوى وإماتة النفس.
أما الطريق الثاني فيبدأ من الآفاق ويشاهد صاحبُ هذا النهج تجلياتِ أسماء الله الحسنى وصفاتهِ الجليلة في مظاهر تلك الدائرة الآفاقية الكونية الواسعة، ثم ينفذ إلى دائرة النفس فيرى أنوار تلك التجليات بمقاييس مصغَّرةٍ في آفاق كونه القلبي، فيفتح في هذا القلب أقربَ طريق إليه تعالى، فيصل إلى مقصوده ومنتهى أمله.20
ثم يقرر النورسي دليلا آخر، شهوديا ومنطقيا في الوقت نفسه، كلا المسلكين ينتهي إليه، المسلك الأنفسي والآفاقي وهو الحدس القلبي الصادق، والشعور الوجداني القوي، والإدراك العقلي لوجود القصد إلى إشهاد الكمال والتعريف بالجمال فيقول: "إن الجمال الذي هو في منتهى الكمال لابد أن يَشهَد ويُشهِدَ جمالَه. وإن الكمال الذي هو في منتهى الجمال لابد أن يَشهَد ويُشهِد كمالَه. فبناء على هذا الدستور العام فإن البارئ المصور سبحانه الذي أبدع كتاب الكون العظيم هذا، يعرِّف جمالَ كمالِه ويحبّبه بألسنةِ مخلوقاته – ابتداءً من أصغر جزئي إلى أكبر كلي – فيعرِّف سبحانه ذاتَه المقدسَّة، ويفهم كمالَه السامي، ويُظهر جمالَه البديع، بهذا الكون الرائع، وبكل صحيفة فيه، وبكل سطر فيه، وبكل كلمة فيه، بل حتى بكل حرف وبكل نقطة من كتابه العظيم هذا."21
فعلى هذه الأدلة، وبناء على هذه الأسس، انطلق النورسي بيقين صادق، ومنهج واضح سالك يكتشف أسماء الله الحسنى من خلال الأفعال الجارية في الكون، والتصرفات المعلنة في الوجود، فلا تمر عليه حالة نفسية شخصية، ولا واقعة من وقائع الحياة الدنيا، أو مشهد من مشاهد حياة الموجودات الكبيرة والصغيرة إلا نفذ منه إلى الاسم أو الأسماء التي يستند إليها هذا الحدث أو تلك الواقعة. ولهذا فالكون والطبيعة في رسائل النور بمنزلة معرض يعرض فيه الخالق الجليل الجميل آثار أوامره التكوينية، ويعلن عليهم أسماءه في كل لحظة.
وأسوق هنا مثالا يقاس عليه غيره، وهو مثال عرضه النورسي في أكثر من مناسبة. فأول ما ينطلق منه هو القراءة في صحائف الكون، فيأخذ بعقل القارئ وقلبه في سياحة فكرية وروحية، يوقفه على مظاهر الإتقان في الخلق والدقة في التدبير. فيتوقف مثلا عند ما يشاهد في الكون من التبدل والتجدد لعملية الإحياء والإماتة. إنها عملية تجدد مستمر للموجودات من غير توقف وتصريف الأحوال بين الحياة والموت في كل حين. إن عملية الإحياء والإماتة لا تتوقف في الكون، ففي كل لحظة أحياء يولدون، وأموات يزولون في عالم الإنسان وفي عالم الحيوان وفي عالم النبات وفي عالم الجماد وفي سائر الموجودات مهما اختلفت خصائصها. في كل ثانية من الزمن تشهد الأرض موكب جنازة كبيرة لمن أنهوا مهامهم من الموجودات، وفي الحين نفسه تشهد موسما كبيرا لمواليد جديدة تتسلم مهامها. ففي لحظتنا هذه كم من الموجودات تدخل الأرض في عالم الإنسان والحيوان والنبات، وكم منها تخرج منها وتغادرها. إنها تجليات لآثار اسم "المحيي" واسم "المميت" التي تمنح للحياة والكون حيوية من خلال التجدد. ولو توقف اسم منهما عن التجلي لوقع الخلل. فليتصور مثلا لو لم يكن لاسم المميت تجل، وكل من ولد بقي على الأرض، وليتصور الفرد الواحد لو أن جميع أجداده بين يديه مع الهرم والشيخوخة والمرض والحاجة إلى التكسب، كيف تتعسر حياته. وكذلك لو تصور توقف تجلي اسم المحيي، فتزول الموجودات من غير أن تتجدد. فلتذهب العقول في تصور النتائج، ولتفتح مراكز الدراسات المستقبلية ولتستعن بأدق مناهج الإحصاء والتقدير لتصور نتائج توقف الإحياء أو الإماتة لفترة ولو قصيرة من الزمن!!! إن تجلي اسم المحيي واسم المميت يمنح الكون جمالا لأن الموت والحياة ليسا سوى ستائر للتجديد. إن حركة تجاذب دواعي الموت والحياة المشهودة أمامنا، والتي تتكرر في كل لحظة على مدى الدهور والأزمان – في قوة وضوحها – مثل لوحة إعلان تشير إلى حي قيوم فوق الموت والحياة لأنه خالق الموت والحياة: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾الملك:1–2 وهكذا تتآلف حقائق الكون بحقائق الوحي.
والقاعدة النظرية لهذا المنهج هي التي عَبَّر عنها بقوله: "فكتاب الكون الكبير هذا إذ تعلمنا آياته التكوينية الدالة على وجوده سبحانه وعلى وحدانيته، يشهد كذلك على جميع صفات الكمال والجمال والجلال للذات الجليلة.. لأن ظهور الكمال في أثر ما يدل على كمال الفعل الذي هو مصدره.. وكمال الفعل هذا يدل على كمال الاسم، وكمال الاسم يدل على كمال الصفات، وكمال الصفات يدل على كمال الشأن الذاتي، وكمال الشأن الذاتي يدل على كمال الذات – ذات الشؤون – حدسا وضرورة وبداهة."22
ولهذا وجد عند النورسي أسماء لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية صراحة على أنها من أسماء الله، وليست عند غيره ممن قصد إلى إحصاء أسماء الله الحسنى. وسبب ذلك أنه يرى أنها ليست محصورة فيما ذكر صراحة في القرآن الكريم والسنة، ثم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رغب في إحصاء تسعة وتسعين منها ولم يبينها، وورد عنه صلى الله عليه وسلم في الدعاء ما يدل على إمكان أن يفتح الله على عبد من عباده فيعرفه اسما من أسمائه وهو: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك.."23 فدلّ هذا على أن المجال مفتوح للنظر كل بحسبه. ولهذا اختلف علماء الإسلام في بعض الأسماء فمنهم من أثبتها ومنهم من لم يثبتها. ولما كان منهج النورسي في إحصاء الأسماء الحسنى يقوم على قراءة الكون وتدبر الخلق، فما أفصح عنه الكون من خلال الأفعال والتصرفات الجارية فيه، وله في نصوص الوحي من المعاني ما يشهد له ويدل عليه ولو بالمفهوم العام، فإنه يدل على اسم من الأسماء الحسنى، لأن كل فعل وتصرف يستند إلى اسم أو أسماء. فمن الأسماء التي لم أقف عليها إلا عنده: المطلوب، والمحبوب، والمقصود، والمزين، والصانع، والمذكور، والمعروف، والمعبود والعطوف والفياض. وسبب ذلك أنه اتخذ الكون دليلا واستمع إلى تسبيحات الموجودات وهي تعرف بخالقها لأنه "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ" فاسم "المزين" مثلا لم يرد صراحة في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، لكن تسبيحات الكون تدل عليه من خلال ما يشاهد من أعمال التجميل والتزيين، ثم إن هذا المعنى المقروء في الكون يشهد له القرآن الكريم في قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ﴾.الملك:5 وفي معرفة اسم "المعروف" واسم "المذكور" في تسبيحات الموجودات وارتشاف تجلياتهما في الكون يقول رحمه الله: "سبحانك ما عرفناك حق معرفتك، يا معروف بمعجزات جميع مصنوعاتك، وبتوصيفات جميع مخلوقاتك، وبتعريفات جميع موجوداتك. سبحانك ما ذكرناك حق ذكرك، يا مذكور بألسنة جميع مخلوقاتك، وبأنفس جميع كلمات كتاب كائناتك، وبتحيات جميع ذوي الحياة من مخلوقاتك لك، وبموزونات جميع الأوراق المهتزة الذاكرة في جميع أشجارك ونباتاتك."24 ثم إن أسماء الله لا يمكن الإحاطة بها، وغاية الممكن بالنسبة للمكلف معرفة ما يدل عليه الكون المخلوق لأنه إنما يعرف خالقه من خلال خلقه، لأنه تعالى احتجب من شدّة ظهوره، وظهر من فرط نوره الذي يتجلى به على المخلوقات. فله ضمن مراتب ربوبيته شؤون وعناوين وأسماء مختلفة، وكل اسم له يتجلى في ما يناسبه من عوالم الكون، فكل حقائق الأشياء وأمور العالم وحوادث الوجود تستند إلى أسمائه.
ومن مُلَح العلم التي يحسن ذكرها في هذا المقام أن ولوع النورسي بتجليات أنوار أسماء الله الحسنى في الكون أنه سمى رسائله بما يدل على النور والضياء من باب التخلق بالحظ البشري من اسم الله تعالى "النور" فسمى رسائله "رسائل النور" وفيها "اللمعات"، و"الشعاعات". وحتى "الكلمات" و"المكتوبات" فإنها غير خارجة عن هذا السر لأن الكون عنده مكتوبات ربانية وكلمات تسبيح بلسان حال الموجودات.
وفي معرفة الأسماء الحسنى من خلال تجلياتها في الكون يقف النورسي وقفات خاصة عند تجليات الاسم الأعظم، وهذا ما نبينه في المسألة الآتية.
اسم الله الأعظم وأنواره الستة:
اختلف العلماء في تعيين اسم الله الأعظم لاختلاف الآثار الواردة في ذلك. وأقوى ما ورد فيه حديث بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: "اللهُم إِنّي أَسْأَلُكَ بِأَنّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ الله لا إِلٰهَ إِلاّ أَنْتَ الأحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ الله بِاسْمِهِ الأعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطٰى."25 والراجح أن الله تعالى أخفاه كما أخفى ساعة الجمعة وليلة القدر، رحمة بهم حتى يجتهدوا في دعائه بجميع أسمائه. وقيل إن الحكمة أن يسألوه بحسب الحال، فمن أذنب سأل باسم الغفور، ومن ضاق عليه الرزق دعاه باسم الرزاق وهكذا.
وذهب النورسي مذهب القائلين بأن الاسم الأعظم مؤلف من عدة أسماء، وحكى الخلاف في تعيينه عن العلماء ومنها قول الإمام علي رضي الله عنه وهو أن الاسم الأعظم تجمعه الأسماء: الفرد، والحي، والقيوم، والحكم، والعدل، والقدوس.26 واختار النورسي هذا الذي ورد عن علي رضي الله عنه فجعل الاسم الأعظم مجموعا في ستة أسماء وهي: الحي، والقيوم، والفرد، والحكم، والعدل، والقدوس. وفي سبب ذلك يقول: "إن هذه الأسماء والأنوار الستة للاسم الأعظم، قد عمّت الكون كله وغطت الموجودات قاطبة ولَفَعَتْها بأستار مزركشة ملونة بأزهى الألوان المتنوعة وأبدع النقوش المختلفة وأروع الزينات المتباينة."27 فالحي منح الموجودات الحياة. والقيوم منحها القيام والبقاء والدوام. والفرد ضم جميع الكائنات بأنواعها وأجزائها واستوعبها ضمن وحدة واحدة. والحكم منح كل موجود ما يستحق من نظام وانسجام. والعدل يدير جميع الكائنات بموجوداتها ضمن فعالية دائمة بموازينه الدقيقة ومقاييسه الحساسة ومكاييله العادلة، فلو انفلت من تجلي اسم (العدل) لحل الهرجُ والمرج في الكون. وأما القدوس فقد جعل موجودات الكائنات نظيفة طاهرة، صافية زكية، مزينة وجميلة.28 وذكر النورسي هذه الأسماء المكونة للاسم الأعظم في اللمعة الثلاثين من رسائله، وبين وجه كونها الاسم العظم، وبين تجلياتها في الوجود، وذكر الآيات القرآنية التي اهتدى من خلال أنوارها إلى هذه الأسماء وتجلياتها.
نخلص من كل ما سبق أن إحصاء أسماء الله الحسنى عند النورسي يتم أولا بمشاهدة تجلياتها في الكون ونسبة كل أثر في الوجود إلى الاسم الذي يستند إليه. ثم تأتي الغاية المرجوة والفائدة المقصودة وهي التحقق بهذه الأسماء والتخلق بالحظ البشري منها وهذا ما نُبَيِّنهُ في المسألة الآتية.
مقتضيات الأسماء الحسنى:
يقصد في هذا السياق بالمقتضيات ما يلزم من الآثار والفوائد التي تحصل لمن سلك مسلك التجلي، والتي يتم بها التحقق بأسماء الله الحسنى ويكتمل معنى إحصائها. وهذه المقتضيات هي لزوم الدار الآخرة، والعيش في كنف تجليات الأسماء الحسنى والتخلق بها، وارتشاف جمالها.
لزوم الدار الآخرة: إن "تجليات جميع الأسماء الحسنى لخالق الكون المتجلّية في أرجاء العالم كله، تقتضي بالبداهة وجود عالم آخر خالد، وتدل دلالة واضحة على وجود الآخرة."29 فكل اسم من الأسماء الحسنى الظاهرة آثاره في عوالم الدنيا يقتضي الآخرة ويستلزمها. فمن يعرف الأسماء بمنهج التجلي يحس بوجدان صادق وبعقل معتبر بأن ما يظهر على الكون من علامات الجلال وآيات الجمال، وما يجري فيه من الأفعال والتصرفات ليست سوى ستائر تخفي وراءها عالما آخر هو موطن الحسن الحقيقي، وأن كل شيء في الدنيا يتطلع إلى ذلك العالم ويستشرفه. وقد فصل النورسي هذه الحقيقة في الكلمة العاشرة وقدم أمثلة من بعض الأسماء الحسنى وكيف تعرف تجلياتها بالحشر والآخرة والجنة والنار.30 واعتبر هذه الحقيقة "الدستور الأعظم" الذي أنزله الله في كتابه ونبّه العقول والقلوب إليه في قوله عز وجل: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي اْلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.الروم:50 وهي إشارة وتنبيه إلى أن تجليات اسم "المحيي" في الكون وتجدد هذه التجليات يقتضي بداهة يسر البعث والإحياء للكون كلّه بعد موته. وعلى هذا الدستور تعامل النورسي مع باقي الأسماء الحسنى، واعتبر هذه الآية إنما تعلم منهجا للقياس عليه ولم تأت لحصر المسألة في اسم المحيي فقط. فاسم الله "الجميل" يتجلى في الكون فيقتضي الدار الآخرة ويستلزمها. ووجه ذلك أن جمال الكون الظاهر، يدل على جمال خالقه لأنه لا يؤخذ الجمال إلا من الجميل. وواضح أن جميع الناس كما قال النورسي "يغادرون دور الضيافة (أي الحياة الدنيا) هذه بسرعة ويغيبون عنها بلا ارتواء من نور ذلك الجمال والكمال، بل قد لا يرون إلا ظلالا خافتة منه عبر لمحات سريعة. فالرحلة إذن منطلقة إلى مشهد دائم خالد."31 ولأنه "نحن نشاهد رحلة كل شخص واختفاءه بسرعة في دار ضيافة الدنيا هذه، دون أن يستمتع بإحسان ذلك السخاء إلا نزرا يسيرا بما يفتح شهيته فقط، ودون أن يرى من نور ذلك الجمال والكمال إلا لمحة خاطفة. إذن الرحلة منطلقة نحو متنزهات خالدة ومشاهد أبدية."32 فاستحضار جمال الخالق عز وجل من خلال تجلياته في الكون، والنظر إلى كل الجمال المبثوث في الوجود وكونه ظلا يسيرا من سنا جماله تعالى، يورث الشوق إلى أصل الجمال وكماله ويحمل على التشوّق في كل حين إلى لقاء الجليل الجميل للتنعم بالجمال الحق. "فكل إنسان يشعر في وجدانه بلهفة شديدة لرؤية سيدنا سليمان عليه السلام الذي أوتي الكمال ويشعر أيضاً بشوقٍ عظيم نحو رؤية سيدنا يوسف عليه السلام الذي أوتي شطر الجمال، فيا ترى كم يكون مدى الشوق واللهفة لدى الإنسان لرؤية جمال مقدس وكمال منزّه، الذي من تجليات ذلك الجمال والكمال، الجنة الخالدة بجميع محاسنها ونعيمها وكمالاتها التي تفوق بما لا يحد من المرات جميع محاسن الدنيا وكمالاتها.."33 فلا يمكن لصاحب الجمال المطلق، الذي يُعَرِّف نفسه إلى عباده ويحبب نفسه إليهم، من خلال ما يعرض أمامهم من قبسات نوره وظلال جماله في الدنيا، ألا يكون له لقاء مع عباده المحسنين المحبين له يوقفهم فيه على تمام الارتواء من جماله عز وجل. وهكذا فإن تجليات اسم الجميل في الحياة الدنيا تثبت نعيم الجنة وسعادتها الغامرة بالنظر إلى وجه الجليل الجميل.
وبتعدد الأسماء تتعدد الأدلة على ضرورة الآخرة والجنة والنار. فليذهب العقل في تصور عدد التجليات لأسماء الله الحسنى في الدنيا كل مذهب، وليتصور قدر حماقة من ينكر الدار الآخرة. فالآخرة إذن موجودة قطعا. "وحيث إن الدنيا موجودة فعلا، وفيها من الآثار الظاهرة للحكمة والعناية والرحمة والعدالة، فالآخرة موجودة حتما وثابتة بقطعية ثبوت هذه الدنيا. ولما كان كل شيء في الدنيا يتطلع من جهة إلى ذلك العالم، فالسير إذن والرحلة إلى هناك، لذا فإن إنكار الآخرة هو إنكار للدنيا وما فيها"34 لأن جميعَ الأسماء الحسنى المتجلية في تدبير الكون تقتضي الآخرة وتستلزمها.
العيش في كنف تجليات الأسماء الحسنى والتخلق بها وارتشاف جمالها: لقد كان للنورسي ولوع خاص باسم الله "الجميل" لأنه السكة المضروبة على غيره من الأسماء، فكل اسم يستمد منه ويمتزج به في معناه ومغزاه، وفي آثاره وفوائده العملية. فالله جميل في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه. وهذا وجه وصف أسمائه بالحسنى. والحسنى مؤنث الأحسن. ومعنى كونها حسنى أنها جمعت من الحسن كماله وبلغت من الجمال تمامه. فكل اسم من أسماء الله جميل، وآثاره جميلة ولو كانت شرا في ظاهرها مثل المصائب والموت، فهي ليست سوى أستار لجمال أفعال الله الحكيم الجليل الجميل تبارك وتعالى.35
إن من يصدر عن تجلي الأسماء يساق تلقائيا إلى العيش في كنف جمالها وتتبع بهائها في الكون والتخلق بالحظ البشري منها. ومعناه اتخاذ الحياة الدنيا بجميع مظاهرها سلوكا إلى الله تعالى. فإذا كان الكون كله معرضا لتجليات أسماء الله الحسنى ومرآة لجماله تعالى وبهائه وجلاله، وكانت كل تجليات الأسماء تستلزم الآخرة، فإن الكون يغدو كله مسجدا يلهج كل ما فيه من الموجودات بذكر الله ويعرف بجماله ويعلن عن بهائه تعالى، فيكون الإنسان العارف بأسماء الله الحسنى، في جميع أوقاته وعلى جميع أحواله وفي كل مواطن وجوده، في كنف جمال معنوي غامر، ولذة روحية سامية لا تنقطع وإنما تتجدد بتجدد لمعات أسماء الله الجميلة. وهكذا يربط هذا السالك التواصل الدائم مع الكون من حوله يرى تجليات جمال ربه تعالى تتجدد أمامه، فيتوجه إلى الكون بالمحبة لأنه يرى فيه معرضا لجمال الله وبهائه. وبهذا تكون الدنيا بلذاتها ونعيمها وبهائها طريقا سالكا إلى الله تعالى، فتجتمع للعارف لذتان، اللذة المادية الشهوية، لذة الحياة الدنيا، واللذة المعنوية بالارتقاء الروحي والسمو المعنوي برؤية تجليات جمال الله تعالى والشوق إليه.
ثم إن من يستحضر هذه المعاني ينظر بعين التحسين والتقدير لكل ما خلق الله، لأنه مرايا جماله، فلا يستجيز لنفسه أبدا أن يدنس ما جمل الله أو يقبح ما حسنه، فيعظم الحرمات، ومنها حرمة الإنسان لأنه يرى فيه تجليات جمال أسماء الله تعالى "الخالق" "البارئ" "الرزاق" "المصور" المحيي" "المميت". ولا يمكن لمن ينظر بمنظار تجليات أسماء الله الحسنى، أن يفسد جمال شجر أو نبات أو ماء لأنه يرى فيه فعل التحسين والتجميل من الخالق العظيم الجميل. ولهذا فإن فقه أسماء الله الحسنى وتجلياتها أصل عظيم لحماية البيئة التي هي من المعضلات في العصر الحاضر. فمن يتخذ الكون مذكرا بجمال الله وعاكسا لجلاله وبهائه لا يحتمل أن يرى فيه قبحا. ولهذا الوجه جعل الرسول حماية البيئة وحفظ جمالها من شعب الإيمان في قوله: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عند الطريق، والحياء شعبة من الإيمان."36
ومن لوازم ذلك أيضا محبة الله تعالى والتشبه به في جماله، والتخلق بصفاته مثل جمال الصورة، والتخلق بالرحمة والعفو والعدل وغيرها من الصفات التي هي من جمال الله، فيكون العارف جميلا في صورته ومظهره وملبسه وفضائه، جميلا في أخلاقه وسلوكه لأن الأخلاق هي هندسة الجمال في السلوك والتصرف، جميلا في عقله وتفكيره لأنه لا يفكر سوى في الجمال والجلال، وهذا هو غاية الجمال وتمامه على ظهر الأرض، جمال الصورة وجمال العقل وجمال الأخلاق.
إن نظرية التجلي تحل ألغاز الحياة لأن بها تغدو الحياة الدنيا مزرعة للآخرة ومعرضا لتجليات أسماء الله الحسنى.
ولا تفوتني هذه الفرصة أن أذكر أنني، بحكم عنايتي بالسنة النبوية وعلومها وفقهها، توقفت طويلا عند حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلٰى صُورَتِهِ"37 لأن كل ما قرأته في تفسيره عند شراح الحديث لم يشف الغليل في حل ما يبدو من الإشكال، حتى اطلعت على تناول النورسي له بمنهج نظرية تجلي أسماء الله الحسنى وهو قوله: "ولهذا الحديث الشريف مقاصد جليلة كثيرة، منها: أن الإنسان مخلوق على صورة تُظهر تجلي اسم الله (الرحمن) إظهاراً تاماً."38 ومعناه أن الإنسان جزء من الموجودات، يتجلى فيه ما يتجلى فيها من آثار أسماء الله الحسنى. فالله تعالى وهو الحكيم العليم خلق الإنسان على صورة تعرفه بربه وتدله على أسمائه وترشده إلى صفاته عز وجل. فوحدانية الله تعالى مثلا التي يعبر عنها اسم الله "الفرد" جعل الله تعالى لها إعلانا في صورة الإنسان وخلقه، من خلال ما منح الله تعالى لكل فرد من البشر من السمات والخصائص التي ينفرد بها ولا يشاركه فيها غيره، مثل صورة وجهه وخصائصه ومميزات شخصيته. إن ختم التوحيد يتجلى في وجه كل إنسان لأن "لكل إنسان علامة فارقة في وجهه تميزه عن غيره. فالذي لا يستطيع أن يضع تلك العلامات في كل وجه، ولا يكون مطلعا على جميع الوجوه السابقة واللاحقة منذ آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، لا يمكنه أن يمد يده من حيث الخلق والإيجاد ليضع تلك الفوارق المميزة الهائلة في ذلك الوجه الصغير لإنسان واحد. نعم إن الذي وضع في وجه الإنسان ذلك الطابع المميز.. لا بد أن أفراد البشر كافة هم تحت نظره وشهوده وضمن دائرة علمه حتى يضع ذلك الختم للتوحيد في ذلك الوجه.. وكما أن تشابه الأعضاء.. في وجوه البشر كافة دليل قاطع على وحدانية خالق البشر سبحانه وتعالى، كذلك فإن العلامات الفارقة الموضوعة على كل وجه– لصيانة حقوق كل فرد في المجتمع، ولمنع الالتباس، وللتمييز.. – هي الأخرى دليل واضح على الإرادة المطلقة والمشيئة الكاملة لذلك الخالق الواحد سبحانه وتعالى، وآية بديعة جلية أيضا للأحدية، بحيث إن الذي لا يقدر على خلق جميع البشر والحيوانات والنباتات بل جميع الكون لا يمكنه أن يضع تلك السمة المميزة في أحد."39
فبهذه الخطوات كلها وعَبْرَ هذا المسلك الذي يمتد عبر حياة الإنسان في الدنيا ويَعْبُرُ منه إلى الآخرة، يتم إحصاء أسماء الله الحسنى في نظر النورسي. وكل هذا الذي ذكرناه قد أقام عليه النورسي الحجة مرات ومرات في رسائله، وذلك من فرط يقينه بسلامة هذا المسلك، وقوة اللذة والجمال الذي وجده فيه، فأحب بكل قواه أن يجد غيره مثل ما وجد. ولهذا فإن هذا العرض السريع إنما هو مفتاح من مفاتح رسائل النور، ومدخل لمنهج إحصاء أسماء الله الحسنى فيها، فلا يغني بحال عن قراءة رسائل النور ليقف القارئ بنفسه على دفاع النورسي القوي المستميت عن هذا المسلك، وتفننه في عرضه وإقامة الحجج والأدلة عليه على امتداد رسائله، وكثرة الأحداث التي مر منها في حياته.
أختم هذا البحث بكلام أستاذنا الفاضل إحسان قاسم الصالحي، وهو ممن ذاق هذه التجربة وعاش آثارها في حياته فقال، وهو يبين خصائص هذا المسلك وفوائده وآثاره العملية في صميم الحياة الإنسانية الفردية والجماعية، وهو في ذلك ينطق باسم كثير من طلبة النور، فيقول وهو يذكر الفوائد التي تورثها رسائل النور: "فعلمتنا (أي رسائل النور).. كيف نتعامل مع تجليات الأسماء الإلهية الحسنى المتجلية في الوجود كله، منبهة إيانا أن الإنسان ابتداء من أسرار نفسه وأعماق حياته إلى جزئيات الكون الواسع، إن لم يتلق معاني تلك الأسماء الجليلة في حياته لتنورها، سوف لا يرى الجمال في الوجود ولا يتعظ بالعبر والحكم في الحوادث. حيث لفتت أنظارنا إلى أن الموجودات كلها تفتقر إلى معنى في ذاتها، وتحتاج لمعرفة ماهيتها إلى اسم من الأسماء الحسنى، فشعرنا أننا نزاول تفاعلا ذوقيا وقلبيا وروحيا وفكريا مع معاني الأسماء الحسنى، لا تعاملا نظريا، بل استكشافيا، حتى أصبحت هذه النظرة لدينا ملكة وجزء من فطرتنا، فشاهدنا أنوار تجليات تلك الأسماء الحسنى فيما حولنا من موجودات وفيما يجري من ح

Yıl 2010, Cilt: 1 Sayı: 1, 49 - 68, 01.06.2010

Öz

Yıl 2010, Cilt: 1 Sayı: 1, 49 - 68, 01.06.2010

Öz

Toplam 0 adet kaynakça vardır.

Ayrıntılar

Birincil Dil Arapça
Bölüm ARTICLES
Yazarlar

أ. د. عبد الكريم عكيوي Bu kişi benim

Yayımlanma Tarihi 1 Haziran 2010
Yayımlandığı Sayı Yıl 2010 Cilt: 1 Sayı: 1

Kaynak Göster

APA عكيوي أ. د. ع. ا. (2010). منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى - ‘Abd al-Karim ‘Akiwi: Nursi’s Method of Enumerating the Divine Names. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, 1(1), 49-68.
AMA عكيوي أدعا. منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى - ‘Abd al-Karim ‘Akiwi: Nursi’s Method of Enumerating the Divine Names. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. Haziran 2010;1(1):49-68.
Chicago عكيوي أ. د. عبد الكريم. “منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى - ‘Abd Al-Karim ‘Akiwi: Nursi’s Method of Enumerating the Divine Names”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 1, sy. 1 (Haziran 2010): 49-68.
EndNote عكيوي أدعا (01 Haziran 2010) منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى - ‘Abd al-Karim ‘Akiwi: Nursi’s Method of Enumerating the Divine Names. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 1 1 49–68.
IEEE عكيوي أ. د. ع. ا., “منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى - ‘Abd al-Karim ‘Akiwi: Nursi’s Method of Enumerating the Divine Names”, النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, c. 1, sy. 1, ss. 49–68, 2010.
ISNAD عكيوي أ. د. عبد الكريم. “منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى - ‘Abd Al-Karim ‘Akiwi: Nursi’s Method of Enumerating the Divine Names”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization 1/1 (Haziran 2010), 49-68.
JAMA عكيوي أدعا. منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى - ‘Abd al-Karim ‘Akiwi: Nursi’s Method of Enumerating the Divine Names. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2010;1:49–68.
MLA عكيوي أ. د. عبد الكريم. “منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى - ‘Abd Al-Karim ‘Akiwi: Nursi’s Method of Enumerating the Divine Names”. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization, c. 1, sy. 1, 2010, ss. 49-68.
Vancouver عكيوي أدعا. منهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى - ‘Abd al-Karim ‘Akiwi: Nursi’s Method of Enumerating the Divine Names. النور للدراسات الحضارية والفكرية - AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization. 2010;1(1):49-68.